ملخص
تشمل مبادرة السلام في الشرق الأوسط ملفات كبيرة، ولهذا زاد الزخم الدولي والاهتمام بها في ظل عجز خطة اليوم التالي لحرب قطاع غزة الأميركية، عن تقديم حلول لملف الضفة الغربية والقدس وحل الدولتين.
بعد طرح الولايات المتحدة خطتها المدعومة من إسرائيل في شأن اليوم التالي لحرب قطاع غزة، رفضت السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" هذه المسودة على اعتبار أنها لا تشمل حلولاً متكاملة في شأن الملف الفلسطيني ككل، كما أنها تناقش ملف غزة وحده.
معارضة المبادرة الأميركية دفعت إلى البحث عن بديل أو تعديل لها، وعلى الفور برزت مبادرة "السلام في الشرق الأوسط" التي يعمل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ووزير خارجية السلطة الفلسطينية السابق ناصر القدوة كحل معدل يمكن تطبيقه، بعدما حظيت باهتمام دولي وعربي كبير.
الفرق بين المبادرتين
في المبادرة الأميركية لليوم التالي لحرب غزة، تعرض الولايات المتحدة فكرة إنهاء حرب القطاع من طريق إرسال بعثة قوات دولية إلى غزة لتشرف على الأمن وتدفق المساعدات، وكذلك تشكيل لجنة إدارة تؤسس لخلق جسم حكومي بديل عن "حماس". وتفتقر المبادرة الأميركية إلى كثير من الجوانب المهمة لسكان غزة مثل مصير النازحين وبقاء الجيش الإسرائيلي في غزة، وآليات التخلص من "حماس" ودور السلطة الفلسطينية في القطاع، كما أنها لا تناقش ملف الضفة الغربية ولا القدس ولا مستقبل السلطة الفلسطينية ولا حل الدولتين.
جوانب القصور في خطة اليوم التالي لحرب غزة دفعت المجتمع الدولي للبحث عن بديل عنها أو إجراء تعديلات عليها، وعلى الفور برزت مبادرة "السلام في الشرق الأوسط" التي يعمل عليها القدوة وأولمرت معاً في نموذج مطلوب دولياً.
حلول غزة منسجمة مع توجه إسرائيل وأميركا
وقبل أن تنهي حرب القطاع عامها الأول، عمل أولمرت متعاوناً مع القدوة على إعداد مبادرة شاملة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفق رؤية تنسجم مع مصالح الطرفين، ولا تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ولا قرارات الشرعية الدولية. وتقوم مبادرة أولمرت والقدرة على حلٍّ للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يبدأ من غزة بعد انتهاء حرب القطاع، وينتهي بالحل الأشمل القائم على مبدأ حل الدولتين وتطبيق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
وتشمل المبادرة خمس نقاط في شأن غزة.
الأولى، إقامة جسم حكومي فلسطيني لا يشمل أياً من الفصائل الفلسطينية ويدعو لوجود أمني عربي، ويمهد لانسحاب قوات جيش الإسرائيلي من القطاع.
والثانية، وجود أمني عربي يمنع تكرار أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وهنا يبرز أن هناك توافقاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين في شأن عدم مشاركة "حماس" أثناء اليوم التالي للحرب، وأن ضمان ذلك يكون من خلال وجود قوات عربية ودولية في القطاع، وينسجم هذا مع التوجه الرسمي الإسرائيلي والأميركي والرغبة الدولية والعربية في شأن تغيير طبيعة حكم القطاع.
والثالثة، إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن عدد متفق عليه من السجناء الأمنيين الفلسطينيين.
والرابعة، إعادة إعمار غزة.
والخامسة، تنظيم انتخابات فلسطينية عامة داخل الضفة وغزة بعد عودة الحياة إلى القطاع، أي بعد 24 إلى 36 شهراً.
حلول الملفات الفلسطينية الأخرى
في الواقع، لا يختلف هذا الطرح عن رؤية الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن اليوم التالي لحرب القطاع، ولكن ما هو مختلف أنه بعد تحقيق هذا الأمر تذهب تل أبيب مع السلطة الفلسطينية إلى تطبيق أربع نقاط أخرى.
أولاها، إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وثانيتها، العمل على ضم 4.4 في المئة من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، وذلك بعد موافقة السلطة الفلسطينية.
وثالثتها، وضع القدس الشرقية تحت إدارة دولية من خمس دول منها إسرائيل وفلسطين والولايات المتحدة.
ورابعتها، تطبيق "اتفاقات أبراهام" في "الحوض المقدس" وضمان حرية العبادة لجميع الأديان.
إن شمول مبادرة القدوة وأولمرت ملفات أوسع من حرب غزة جعلها تحظى باهتمام كبير وتصبح محط تداول، لأن تكون بديلة لخطة الولايات المتحدة في شأن اليوم التالي لحرب القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عمل مشترك مميز
وعمل أولمرت والقدوة على ترويج المبادرة بأنها تعد أفضل الحلول وأشملها وأوسعها في شأن الصراع داخل الشرق الأوسط وحظيت باهتمام دولي، إذ ناقشها الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع دول عربية وأوروبية وإقليمية. ووصفها بوريل بأنها عمل مميز قائلاً "في تلك المبادرة يعمل الفلسطيني والإسرائيلي معاً وهذا نموذج جيد ونريده دوماً. في الخطط السابقة كان الإسرائيلي يطرح رؤيته وعلى الفلسطيني دراستها وحسب من دون مشاركة في رأيه وطموحه".
وأضاف بوريل "بناء على ذلك، فإن الحوار والتسوية هما السبيل الوحيد للمضي قدماً لكسر الجمود الحالي وتحقيق السلام الدائم في المنطقة، هذه المبادرة تقوم على أساس حل الدولتين الذي يدعو له المجتمع الدولي، وتضع حلاً في شأن القدس بناء على اتفاقات أبراهام التي حظيت بدعم عربي ودولي وإسرائيلي وأميركي".
حشد كبير
ويدعم أولمرت والقدوة خطة الرئيس الأميركي جو بايدن وقرار مجلس الأمن رقم 2735 لوقف النار في غزة وتبادل الرهائن، ويشجعان خطة الإمارات العربية المتحدة في شأن إنشاء "مجلس مفوضين" أي لجنة إدارة غزة التي جاء وصفها في مبادرة اليوم التالي للحرب، وهي نفسها لجنة الإسناد المجتمعي التي توافقت عليها حركتا "حماس" و"فتح" في القاهرة، وهدفها حكم قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي.
هذه الأسس التي وضعها أولمرت والقدوة جعلت مبادرتهما جيدة وأجريا ترويجاً كبيراً لهذه المبادرة، وبحسب هيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" فإن المجتمع الدولي يشجع على تطبيق هذه المبادرة.
وتقول "كان" إن القدوة وأولمرت التقيا قادة في الإمارات والبحرين وفرنسا وبريطانيا وزعماء دول أوروبية وعربية وأفريقية، في شأن مبادرة السلام في الشرق الأوسط وأثمرت الاجتماعات عن حشد التأييد الدولي لها.
وبحسب أولمرت فإن اللقاءات التي أجرياها ستشكل قوة ضاغطة لتبني المبادرة وتطبيقها على اعتبار أنها أفضل الحلول المنسجمة مع رغبة المجتمع الدولي وما يحتاج إليه الفلسطينيون، مضيفاً "غزة ليست جزءاً من إسرائيل ولن تكون. ويجب أن تكون جزءاً من دولة فلسطينية وألا يُهجر سكانها".
قد يشجعها ترمب لأنها تشمل "اتفاقات أبراها "
وتابع أولمرت "نتطلع لإنهاء الحرب. هذا ما يريده المجتمع الدولي والإسرائيليون والفلسطينيون، ونأمل في أن تعمل الدول العربية على تحقيق الأمن في غزة، ونسعى لأن تقوم سلطة محلية في غزة مرتبطة بالسلطة الفلسطينية لإدارة غزة بدلاً من ’حماس‘".
أما القدوة فيقول "نحن في حاجة إلى نوع مختلف من الوضع في غزة، ما نطرحه هنا هو تشكيل هيئة حكومية قادرة على إعادة بناء غزة وهي مهمة ضخمة وصعبة للغاية، ولكن لا بد من القيام بها على أية حال".
وتقول أستاذة العلوم السياسية فدوى شحيبر "تشجيع المجتمع الدولي والعربي لمبادرة القدوة وأولمرت قد يجعلها موضع تطبيق، لكن ما يعرقلها أن هاتين الشخصيتين ليستا في موقع سلطة داخل الحكومة الإسرائيلية أو الفلسطينية"، وتضيف "عمل الإسرائيلي مع الفلسطيني لوضع أسس لحل الصراع يرغب أن يراه المجتمع الدولي، وقد نرى أن الرئيس الأميركي المنتظر دونالد ترمب يشجع مثل هذا الأمر لأن هذه المبادرة تدعم توجهه في اتفاقات أبراهام القائمة على حرية الأديان".