ملخص
يتناول كتاب "سيكولوجية الصراع الاجتماعي والعدوان"، الصادرة ترجمته إلى العربية حديثاً (المركز القومي للترجمة) بتوقيع أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة القاهرة عبداللطيف محمد خليفة، بعض الاتجاهات الحديثة في دراسة هذه القضية، التي لا تزال من أكثر المواضيع المعقدة في العلوم الإنسانية.
صدر كتاب "سيكولوجية الصراع الاجتماعي والعدوان" في طبعته الإنجليزية عام 2011، وقام بتحريره ثلاثة باحثين هم: جوزيف ب فورغاس وآري ف. كروغلانسكي وكيبلنغ د. وليامز، وجاءت طبعته العربية في 480 صفحة، وهذا الكتاب هو المجلد الـ13 الصادر عن سلسلة ندوات نظمتها جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني، بهدف التعرف على الجديد في مجالات عدة مهمة في علم النفس الاجتماعي. أما متنه فهو جهد 33 باحثاً أكاديمياً في تخصصات مختلفة، بدءاً من المنحى التطوري ثم النظريات المعرفية والوجدانية وعلم النفس العصبي والمنحى الإكلينيكي، وصولاً إلى التحليلات الاجتماعية والثقافية لطبيعة الصراع والعدوان، سعياً نحو تقديم قاعدة شاملة من السياقات في هذا الصدد. اشتمل الكتاب على أربعة أقسام، وانطلق الفصل التمهيدي الذي تصدر القسم الأول من قناعة محرريه بما سبق أن ذهب إليه بعض المنظرين، ومنهم آرثر كوستلر من أن الصراع والعدوان يمثلان إحدى السمات المميزة لنا كبشر.
ويعتبر توضيح أصول الطريقة التي ينخرط بها الإنسان في الصراع والعدوان، وكذلك خصائصها ونتائجها، الشغل الشاغل للكتاب والفلاسفة منذ عهد قديم. ويهدف الكتاب إلى تقديم بعض الأبحاث السيكولوجية الرائدة والحديثة، والتفكير حول هذا الموضوع السرمدي من مجموعة من الباحثين العالميين البارزين في هذا المجال، ومنهم ماريو ميكولينسر من مركز الدراسات البيئية (هرسليا)، وفيليب ر. شافير من جامعة كاليفورنيا، ديفيس، ومارك فان فوغت من جامعة "في سي" في أمستراموكريغ أ. أندرسون، ومات ديليسي من جامعة ولاية أيوا، وليزا سادرو من جامعة سيدني، وغرياني م. فيتزسيمونز وغوانا أ. أندرسون من جامعة واترلو. وجاء في الفصل التمهيدي أن قدرة الإنسان غير المحدودة على ممارسة العنف تتطلب أن تكون متوازية مع قدرتنا على التعاون والإيثار. وعلى رغم الوجود المطلق للصراع والعدائية فإن البشر لديهم القدرة على فعل إنجازات عظيمة تتعلق بالتنسيق والتعاطف، وكذلك التضحية بالنفس قد تكمن القدرة البشرية على التفكير الرمزي والتجريد التي تحفز على كثير من العنف والصراعات الاجتماعية والصراعات في ما بين الأشخاص وبعضهم بعضاً.
جدل متصل
وعلى رغم الجدال الذي استمر لقرون عدة فإنه لا تزال هناك أسئلة أساسية حول طبيعة وأصول الصراع والعدوان البشري: كيف نشأ هذا الصراع؟ وكيف يتمكن البشر من حل الصراعات في ما بين الأشخاص وفي ما بين الجماعات والتعامل معها؟ ما الاستراتيجية النفسية والاجتماعية الأكثر ملاءمة لإدارة الصراع والعدوان الاجتماعي والحد من العواقب المدمرة الناجمة عنه؟ ما الدور الذي تقوم به المتغيرات التطورية والثقافية والاجتماعية في توليد ونشأة هذا الصراع وحله؟ ما الآليات المعرفية والوجدانية والدافعية الأكثر أهمية التي تؤثر في الطريقة التي يستخدمها الفرد ويتجاوب بها مع الصراع؟ ما المساهمة التي يمكن للبحث السيكولوجي الخاص بالصراع والعدوان الاجتماعي أن يقوم بها من أجل فهم الصراعات في ما بين الأشخاص وفي ما بين الجماعات؟ وللإجابة عن تلك الأسئلة يقسم الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسة، يتناول أولها بعض القضايا والنظريات العامة المتعلقة بفهمنا للصراع والعدوان الاجتماعي.
وفي القسم الثاني تناول عدد من العلماء العمليات المعرفية والوجدانية المتضمنة في الطريق التي تم بها الصراع والعدوان الاجتماعي، ويعرض القسم الثالث للبحوث التي درست طبيعة وعواقب الصراع والعدوان الاجتماعي، فيما ركز القسم الأخير على المتغيرات التطورية والاجتماعية والثقافية الكبرى التي تؤثر في طبيعة وظهور الصراع والعدوان الاجتماعي. وإجمالاً فإن دراسة العدوان البشري وعنف الناس تجاه بعضهم بعضاً شغلت عدداً من المفكرين على مر القرون، ومن بين هؤلاء أفلاطون ومنيكول ميكافيلي وتوماس هوبز وجورج سبينوزا وجوناثان سويفت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي علم النفس اهتم كثير من المحللين بهذه الظاهرة مبكراً، ومنهم ويليام جيمس وسيغموند فرويد وويليام ماكدوجال وكونراد لورنز. وكذلك قام ألبرت أينشتاين بالتعليق على التدميرية البشرية التي فسرها في إطار "الشهوة تجاه الكراهية والدمار"، ووصفها بأنها فطرية.
الغريزة والتعلم
وتظهر مركزية الصراع والعدوان كموضوع رئيس لفهم الطبيعة البشرية من خلال حقيقة أنها تمت دراستها عبر مجموعة متنوعة من وجهات النظر النفسية، بما في ذلك النظريات الدافعية الخاصة بالغريزة، والنظريات السلوكية الخاصة بالتعلم والمناحي المعرفية لمعالجة المعلومات والنظريات التطورية ونماذج التنظيم الذاتي ووجهات النظر البيولوجية والعلمية العصبية. ويعد العدوان والصراع الآن من المواضيع الأساسية في علم النفس الاجتماعي مثلما كان من قبل في علم الاجتماع وعلم الأنثربولوجي. وحيث إن نية الأذى خاصية تعريفية أساسية مستخدمة في عدد من التخصصات، فإن التخصصات الأخرى طالبت بملامح إضافية مثل الأفعال الصريحة، بينما أنكرت بعض التخصصات نية الأذى حتى ولو كانت ذات صلة بالتعريف. وتشير البحوث المتضمنة في هذا الكتاب إلى أن الصراع في كثير من الأحيان يكون ذا أصول عالمية حقيقية وظيفية، وبالتالي غالباً ما يمكن حله عن طريق وسائل عقلانية غير عدوانية.
وعلى النقيض يعتمد العدوان في كثير من الأحيان على خصائص بشرية غير واعية غالباً ما تتحدى التفسير والحل العقلاني. وفي هذا السياق سبق أن افترض ويليام جيمس أن "النزعة العدوانية القتالية" متأصلة لدى الإنسان بيولوجياً، وأن الناس كانت أكثر هولاً من كل الوحوش المفترسة. افترض فرويد رداً على الأعمال الوحشية الجسيمة التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الأولى أن البشر لديهم حافز عدواني فطري، ويبدو أن هناك إجماعاً علمياً على أن تصوير العنف في وسائل الإعلام الخاصة بالترفيه يضفي الشرعية على ممارسة العدوان ويزيد من الميل تجاهه، كما أن تفسير العدوان على أنه تنفيس قد يعمل كأداة تعزيز وربما يزيد من الميل إلى توظيف الوسائل العدوانية في المستقبل.
وجاء في الخلاصة أنه على رغم مئات السنوات من الاهتمام الفلسفي والإمبريقي بهذا الموضوع، فإن فهماً كاملاً لطبيعة وخصائص وعواقب النزاع البشري والعنف يظل بعيد المنال. وتتراوح النظريات في هذا الصدد، ما بين توقعات متشائمة ترى الإنسان العاقل على أنه شخص غريب عجيب استثنائي تطوري عنيف ومعيب على نجو جوهري ومحكوم عليه بالانقراض. ووجهات نظر متفائلة ترى الصراع والعدوان كنظم استجابة تكيفية وضرورية يمكن أن تدار على نحو فعال باستخدام الهندسة الاجتماعية والثقافية.