ملخص
تقدم الحكومة المغربية رأيها بخصوص موضوع مشاركة الجالية بالخارج في الاستحقاقات الانتخابية، عبر عنه وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت أخيراً في البرلمان، بقوله إن "للمغاربة المقيمين بالخارج حق التصويت إما بصورة مباشرة في مكاتب التصويت بالمغرب أو من طريق الوكالة".
على رغم نص دستور عام 2011 على حق المشاركة السياسية لأفراد الجاليات المغربية في الانتخابات الخاصة ببلدهم الأصلي، غير أن هؤلاء المغتربين لا يزالون "مقصيين" إلى اليوم من الإسهام في الاستحقاقات الوطنية والجهوية للبلاد.
وتحظى الجالية المغربية عبر أرجاء العالم بوزن اقتصادي واجتماعي ثقيل، فهناك أكثر من 5.1 مليون مغربي في دول العالم يحولون سنوياً ما يماثل سبعة في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد، دون أن يفلحوا في ضمان التعبير عن أصواتهم الانتخابية مثل بقية المواطنين المغاربة.
وفي وقت أنشأ فيه المغرب مؤسسات رسمية للعناية بشؤون المغتربين، يرى مراقبون ضرورة انخراط الدولة بإحداث منظومة تكفل إسهام الجالية في الانتخابات من داخل البلد الأم، معتبرين أن هذا "الحرمان" السياسي يفضي وفقهم إلى "نشوء شعور بالاغتراب وفقدان الهوية الوطنية".
خريطة الجالية
تفيد أرقام رسمية حديثة بأن عدد المهاجرين المغاربة في الخارج، المسجلين في مختلف القنصليات، يبلغ زهاء 5.1 مليون فرد، غير أن الرقم قد يصل إلى نحو 6 ملايين ونصف المليون شخص، باعتبار عدد أفراد الجالية غير المسجلين في المصالح القنصلية المتوزعة في أرجاء العالم.
وتستحوذ القارة الأوروبية على حصة الأسد من حيث عدد المغتربين المغاربة في بلدان العالم بنسبة 89 في المئة، تتصدرها فرنسا ثم إسبانيا وإيطاليا، ويتوزع 11 في المئة من بقية أفراد الجاليات المغربية بين بقية قارات المعمورة.
ومن حيث التركيبة العمرية للجالية المغربية في دول العالم، فهي فئة في غالبيتها شابة، إذ إن زهاء 60 في المئة من المغتربين لا تتجاوز أعمارهم 39 سنة، بينما من حيث التكوين العلمي، نحو ثلث الجالية المغربية يحظى بمستويات تعليمية عليا.
وتحظى الجالية المغربية بالخارج بوزن اقتصادي واجتماعي كبير في البلاد، بالنظر إلى التحويلات المالية الضخمة لهؤلاء المهاجرين، وأيضاً بالنظر إلى الرواج الاقتصادي والسياحي الذي يحدثونه بفضل زياراتهم كل صيف إلى أسرهم وذويهم.
كل هذا الزخم الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين المغاربة بالعالم لم يسايره حقهم في المشاركة السياسية، إذ إنه على رغم تنصيص الدستور صراحة على هذا الحق، لكنه يظل "معلقاً" إلى اليوم.
الدستور والحكومة
ينص الفصل (16) من الدستور على "حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج، في إطار احترام القانون الدولي والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال".
كما ينص الفصل (17) على "تمتعهم بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات، ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية المحلية والجهوية والوطنية".
وتقدم الحكومة المغربية رأيها بخصوص موضوع مشاركة الجالية بالخارج في الاستحقاقات الانتخابية، عبر عنه وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت أخيراً في البرلمان، بقوله إن "للمغاربة المقيمين بالخارج حق التصويت إما بصورة مباشرة في مكاتب التصويت بالمغرب أو من طريق الوكالة".
ورمى المسؤول الحكومي الكرة في مرمى الأحزاب بقوله إن الدولة تشجع على إدراج مرشحين من الجالية المغربية في اللوائح الانتخابية للأحزاب السياسية عبر تحفيزات مالية، داعياً هذه الأحزاب إلى إدراج مرشحين من الجالية في مراكز متقدمة في لوائح الترشيح.
الحاجة إلى الجالية
يعلق في هذا الصدد أستاذ الحياة السياسية بجامعة مراكش، إدريس لكريني، بالقول إن "عدداً من المغاربة بلغوا مناصب مهمة داخل مراكز القرار السياسي والاقتصادي والعلمي في عدد من البلدان المستقبلة، مما أصبح يفرض تعزيز الجهود التي بذلتها الدولة المغربية في سياق الاستفادة من الكفاءات التي تحظى بها هذه الجالية لخدمة القضايا المغربية على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي وتحسين صورة البلد في الخارج".
وأبرز لكريني أن "كسب هذه الرهانات المحورية يبقى رهيناً بتنزيل مضامين الدستور"، مشدداً على أنه "انسجاماً مع المقتضيات الدستورية وأيضاً مع مضمون خطاب الملك محمد السادس الأخير في ذكرى المسيرة الخضراء، أصبحت الحاجة ملحة إلى تعزيز المشاركة السياسية لهذه الفئة بصورة تدعم ارتباطها بالوطن وإسهاماتها في تطوير الشأن السياسي والاقتصادي من داخل مؤسسات البلد".
وسجل المحلل ذاته أن هذه المشاركة لم تعرف التفعيل بالكيفية المطلوبة على رغم وجود مؤسسات تعنى بهذه الجالية وآليات مؤسساتية جديدة سيتم الشروع فيها، مورداً أن ضمان المشاركة السياسة للجالية يتطلب انخراط الدولة من خلال إحداث منظومة تكفل إسهاماتها في الانتخابات من داخل البلدان التي يقيمون فيها بالتنسيق مع القنصليات، وإحداث تطبيقات رقمية تسمح لهم بالمشاركة في هذه الاستحقاقات الانتخابية الوطنية والجهوية.
وتابع لكريني بأنه "يتعين فتح المجال للكفاءات والنخب من الجالية المغربية التي احتكت بتجارب سياسية واقتصادية وعلمية في الخارج، بهدف ولوج المؤسسات المنتخبة"، لافتاً إلى أنها "مسؤولية تتقاسمها الدولة مع فاعلين آخرين مثل الأحزاب السياسية التي يفترض أن ترشح على رأس قوائمها الانتخابية هذه الفئات، من أجل أن تعطي دفعة لهذه الأحزاب على مستوى حضورها وبرامجها، وأيضاً لفتح منابر لها بغية التعبير عن صوتها وانشغالاتها وطموحاتها".
تداعيات سياسية
ويجلب إقصاء الجالية المغربية بالخارج من المشاركة في الشأن السياسي، على رغم النص الدستوري على حقهم في التصويت والترشح، تداعيات لا يستهان بها على عدة صُعد، يجملها رئيس مرصد التواصل والهجرة بأمستردام جمال الدين ريان، في أربعة تداعيات رئيسة.
بالنسبة إلى ريان، "هذا الإقصاء يفضي إلى شعور بالاغتراب وفقدان الهوية الوطنية لدى المغاربة المقيمين في الخارج، فهم يشعرون بأنهم غير معنيين في الشأن السياسي لبلدهم، مما قد ينعكس سلباً على انتمائهم للوطن"، على حد تعبيره.
ويردف ريان أن "هذا الوضع يؤدي، ثانياً، إلى تفاقم الفجوة بين الجالية والدولة، إذ يعتبر عدم إشراكهم في العملية السياسية إشارة إلى عدم تقدير دورهم وأهميتهم في التنمية الوطنية، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع في الاستثمارات والإسهامات الاقتصادية التي يمكن أن تقدمها هذه الجالية.
أما ثالث التداعيات، وفق رئيس مرصد التواصل والهجرة بهولندا، فهو احتمال أن يتسبب غياب صوت المغاربة في الخارج عن الانتخابات بإضعاف الديمقراطية بالبلاد، إذ يفقد النظام السياسي جزءاً من التنوع والتمثيل اللذين يعكسان واقع المجتمع المغربي.
ورابع التداعيات، يكمل ريان، يتمثل في تعزيز مشاعر الإحباط والاحتجاج بين أفراد الجالية، مما قد ينعكس على العلاقات بين المغرب ودول المهجر، ويؤثر سلباً في صورة البلاد بالخارج.
وخلص ريان إلى أن "معالجة هذه القضية تتطلب إرادة سياسية حقيقية لضمان مشاركة فعالة للجالية المغربية في الحياة السياسية بالبلاد، مما سيسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة".