ملخص
تشكل إسبانيا أهم وجهة لهؤلاء القاصرين تليها كل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا ويعيشون في مراكز الإيواء المكتظة أو يتسكعون في شوارع بعض مدن هذه البلدان، ومنهم من يحاول الاندماج في المجتمع وآخرون يعيشون خارج القانون معرضين لملاحقات الشرطة.
أسهم الفقر وأزمة العطالة التي يشهدها المغرب منذ عقود في تنامي رغبة الهجرة لدى الشباب بالمغرب، ومن ناحيته يسهم ذلك الهوس في الهجرة نحو الشمال لدى بعض هؤلاء الشباب في تراجع الرغبة لديهم في متابعة الدراسة، بدعوى أن حملة الشهادات العليا ينتهي بهم المطاف في وقفات احتجاجية أمام مبنى البرلمان للمطالبة بحقهم في العمل من دون جدوى.
وبحسب اعتقادهم لا جدوى من تضييع الوقت في فصول الدراسة ما دام السوق مغلقاً، وبالمحصلة يزيد الانقطاع عن الدراسة من ضغط البحث عن أسرع السبل للعبور إلى الضفة الأخرى للمتوسط وهي حلقة مفرغة لم تعد تضم الشباب فحسب، بل تمكنت من العصف بتفكير عديد من القاصرين.
كانت الهجرة السرية نحو سبتة ومليلية تتم عبر اختراق السياج الحدودي أو عبر السباحة باتجاه المدينتين، ومن ثم نحو الجنوب الإسباني عبر "قوارب الموت" أو عبر الاختباء في شاحنات البضائع المتوجهة نحو أوروبا.
وأخيراً يلاحظ تشجيع بعض الآباء لأبنائهم القاصرين لخوض تلك الرحلة الخطرة، إذ سُجلت حالات لآباء مغاربة ميسوري الحال سافروا بصورة قانونية إلى أوروبا مصطحبين معهم أبناءهم القاصرين ثم عادوا إلى بلادهم وتركوا أبناءهم داخل أوروبا، مقتنعين بأنها طريقة مضمونة لحصول أطفالهم في الأقل على أدنى مقومات الرعاية في مراكز الرعاية، وذلك في انتظار حصولهم على شهادة الإقامة ومن ثم الجنسية.
وتشكل إسبانيا أهم وجهة لهؤلاء القاصرين تليها كل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا ويعيشون في مراكز الإيواء المكتظة أو يتسكعون في شوارع بعض مدن هذه البلدان، ومنهم من يحاول الاندماج في المجتمع وآخرون يعيشون خارج القانون معرضين لملاحقات الشرطة.
الأسباب المباشرة
كان معبر باب سبتة الحدودي بين المغرب ومدينة سبتة يشكل قطب رحى اقتصادياً لجزء مهم من سكان المنطقة الشمالية للمغرب، إذ كان يتوافد عديد منهم على المدينة بصورة قانونية من دون حصولهم على تأشيرة الدخول من أجل العمل أو من أجل شراء سلع قصد بيعها داخل المغرب، شريطة أن يعودوا إلى بلادهم خلال اليوم نفسه.
لكن قرار المغرب بإغلاق المعبر عام 2020 كانت له عواقب مهمة أسهمت بصورة أساس في ارتفاع حجم محاولات الهجرة السرية نحو المدينة، شهدت مداها أول مرة خلال مايو (أيار) 2021 وقت أن تمكن نحو 10 آلاف مهاجر سري من اقتحام المدينة خلال يومين فحسب، وكانت المرة الثانية خلال منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن الإنزال الأمني المغربي الكثيف منع آلاف المهاجرين من العبور إلى المدينة المحتلة.
ومن جانب آخر أسهم وعي فئة عريضة من القاصرين المغاربة بالحماية القانونية التي تمنحها القوانين الأوروبية للطفل في زيادة الرغبة لديهم للهجرة نحو الضفة الشمالية للمتوسط ولو بصورة غير قانونية، باعتبار تلك القوانين تمنع ترحيلهم لبلادهم وتضمن لهم مقومات العيش داخل المراكز المخصصة لهم، إضافة إلى تأطيرهم وتشجيعهم على الدراسة ومساعدتهم في البحث عن عمل عند بلوغهم سن الرشد، وتسوية وضعيتهم عبر منح السلطات الإسبانية بطاقة الإقامة لهم.
ويوضح الغزواني رضا صانع محتوى مغربي مهتم بقضايا الهجرة أن الصورة النمطية للمهاجر العائد إلى بلاده في عطلة الصيف مستقلاً سيارة وتظهر عليه علامات الرفاهية، هي أساس تفكير السواد الأعظم من الشباب المنتمين للأوساط الفقيرة في الهجرة، وبالنظر إلى عطالة جلهم فإن الحصول على تأشيرة الدخول لبلد أجنبي تعد مهمة مستحيلة ومن ثمَّ لا يبقى أمامهم سوى الهجرة بصورة غير شرعية. وبخصوص الأخطار المرتبطة بتلك الهجرة، يوضح الغزواني أن جل القاصرين لا يهابون تلك الأخطار، إذ يعد بعضهم أن الموت في البحر أهون من الإحساس بالعجز بخصوص إعالة الوالدين.
تجارب
يحكي الشاب المغربي ياسين ذو 18 سنة أنه اضطر قبل ثلاثة أعوام إلى الهجرة عبر قارب من مدينة أغادير المغربية نحو السواحل الإسبانية برفقة 53 فرداً، اتفق مع المهربين أن الرحلة ستدوم ثلاثة أيام لكنها استغرقت خمسة أيام لفقدان قائد المركب للوجهة الصحيحة بسبب أمواج البحر، وتسبب ذلك التأخر في انتهاء المؤونة مما عرض ركاب القارب للجوع والعطش، وأسهم ذلك إضافة إلى الخوف والذعر في حدوث حالات هلع وهلوسة عند البعض.
وعلى رغم محاولات ربان المركب التحقق من الوجهة الواجب اتباعها فإنه لم يتمكن من العثور على اليابسة، لكن تدخل مروحية تابعة لحرس الحدود الإسباني أسهم في تفادي حدوث كارثة إنسانية، إذ اتصلت بمركب تابع للبحرية الإسبانية الذي سلمهم لقوات الأمن وبعد يومين نُقلوا نحو مدينة تنيريفي، ومن هناك تم توجيه ياسين نحو مدينة ألميريا إذ بحث عن وسيلة تقيه صعوبة الحياة في الشارع.
ويقول إنه كان يبلع 20 قرصاً من حبوب الهلوسة لتفادي الإحساس بضغوط تلك الحياة، ورغبة منه في تحسين وضعيته انتقل إلى إيطاليا بحثاً عن وظيفة إلى أن وجد عملاً في الزراعة، لكن ذلك المجال أعاد إليه رفاق السوء إذ عاد لتناول الممنوعات وهو ما صعب اندماجه بالمجتمع الإسباني حتى الآن.
ومن جانبه يحكي الشاب المغربي مروان أنه بالنظر إلى عدم وجود آفاق بناء مستقبل بالمغرب، قرر الهجرة نحو إسبانيا عندما كان قاصراً وتمكن بمساعدة والديه وأقاربه من جمع مبلغ 10 آلاف درهم (ما يعادل 10 آلاف دولار) التي طلبها المهربون مقابل نقله سراً عبر قارب "فانطوم" السريع.
ويضيف أنه تمكن وباقي المهاجرين الـ30 من الوصول ليلاً إلى ضواحي مدينة ألميريا الإسبانية التي تعد عاصمة المهاجرين السريين، ومن ثم السير لما يقارب ساعتين نحو وسط المدينة التي مكث فيها أسبوعاً، ثم انتقل إلى مدينة برشلونة حيث توجه لمركز الشرطة وقدم نفسه على أنه قاصر أجنبي من دون مأوى، فأخذت عناصر الشرطة بصماته ووجهته لأحد مراكز إيواء القاصرين بالمدينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح مروان أن إقامته بالمركز كانت جيدة نظراً إلى التزامه بالقوانين الداخلية بعكس عديد من أقرانه الذين يرفضون الوصاية على طريقة عيشهم، مما يعرضهم لعقوبات مثل منع المساعدات المالية باعتبار أن المراكز تقدم لمقيميها منحاً مالية يختلف حجمها بمدى متابعتهم للدراسة أو التكوين المهني من عدمه.
ويضيف، باعتباره كان يتابع تكويناً في مجال الطبخ كان يتلقى 30 يورو أسبوعياً، إضافة إلى 100 يورو التي تمنح لكل مقيم بالمركز شهرياً والخاصة باقتناء ألبسة، وبفضل حسن سلوكه حصل على بطاقة الإقامة بصورة سريعة وتم منحه منزلاً ليقيم فيه على رغم أن الأمر لا يستفيد منه المقيم في العادة إلا بعد وصوله سن 18 سنة، وهو الآن يحضر لزيارة عائلته بالمغرب.
المخالفة للقانون
تتفجر بين الفينة والأخرى قضايا عنف ضد قاصرين مغاربة ببعض مراكز الإيواء وخصوصاً في إسبانيا وجرى هذا خلال أعوام 2019 و2020 و2021.
ومن جانبه يشير الناشط الحقوقي المغربي شكيب الخياري إلى أن "الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية ترغم عديداً من القاصرين المغاربة على الهجرة غير النظامية نحو مليلية وسبتة من دون مرافق راشد، سواء بمحض إرادتهم أو بتوجيه من أهاليهم بحثاً عن فرص أفضل للهرب من هذه الظروف وفي حالات لمساعدة أسرهم على رغم الأخطار التي تعترضهم، سواء في العبور أو في الإقامة بمراكز الاستقبال".
وأوضح أن هؤلاء المهاجرين القصر يواجهون انتهاكات جسيمة في مراكز الإيواء الإسبانية سواء بمليلية أوسبتة المحتلتين أو في إسبانيا، إذ تعرضت هذه المراكز لانتقادات واسعة من لدن منظمات حقوقية إسبانية ودولية بسبب الاكتظاظ وسوء المعاملة وغياب الحماية القانونية.
ويشير كثير من التقارير حتى الرسمية في إسبانيا إلى تعرض هذه الفئة من المهاجرين للتعذيب الجسدي بما في ذلك الكي والضرب والتقييد، كما يتم طرد بعضهم تعسفياً من دون احترام حقوقهم الأساس مما يسهم في تفاقم معاناته. وبحسب الناشط الحقوقي فإن قرار المحكمة العليا الإسبانية في شأن أحداث اقتحام سبتة خلال مايو (أيار) 2021 خير دليل على ذلك، إذ عدت المحكمة أن طرد القصر المغاربة من سبتة تم في خرق للحقوق وعلى رأسها مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، وأمرت بإرجاعهم إلى المدينة.
ودفعت تلك الممارسات في حق القصر المغاربة النائبة البرلمانية السابقة عن حزب الأصالة والمعاصرة لطيفة الحمود للقول خلال وقت سابق، إثر سؤال موجه للحكومة إنه "إضافة إلى القاصرين الموجودين ضمن مراكز الإيواء، هناك الآلاف من الأطفال المغاربة الموجودين في وضعية تشرد وتمتد إليهم أيادي عصابات وشبكات إجرامية، منهم من يقضون أوقاتهم بين الاعتقال في مخافر الشرطة والتسكع بين الشوارع والأزقة ويؤمنون عيشهم من طريق التسول والسرقة، وكثير منهم يدمنون المخدرات، وقليل منهم استطاع إيجاد عمل وإنقاذ نفسه من هذه الأوضاع المأسوية".
تعقيدات قانونية
تتكرر منذ أعوام مطالب أوروبية بضرورة استرجاع المغرب لقاصريه المهاجرين بطريقة غير شرعية نحو القارة العجوز، لكن المغرب لا يعارض ذلك ويرجع سبب تعطيل تلك العملية للقوانين الأوروبية، إذ أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن بلاده مستعدة "لاسترجاع كل مهاجر غير شرعي ثبت أنه مغربي وانطلق من التراب المغربي".
وأشار إلى وجود توجيهات واضحة للسلطات المغربية للعمل مع فرنسا وإسبانيا لإعادة القاصرين الذين لا يرافقهم أهلهم، موضحاً أن العراقيل لم تصدر عن الرباط وإنما عن إجراءات هاتين الدولتين.
وكان المغرب وفرنسا توصلا خلال عام 2020 إلى اتفاق يسمح لقضاة الأحداث الفرنسيين طلب الحصول على معلومات حول هوية هؤلاء القاصرين من القضاء المغربي، مما يسهم في التعرف على أعمارهم ومن ثمَّ التأكد من كونهم قاصرين فعلاً، ويسمح الاتفاق بتبادل المعلومات بين الجانبين في ذلك الخصوص ووضع إطار واضح للتعاون، بحسب تصريحات وزير العدل الفرنسي السابق إريك موريتي.