ملخص
بعد نحو ثلاث سنوات من القتال، يدرك الأوكرانيون حدود الدعم الأميركي، إذ سمحت مساعدات بايدن بمواصلة القتال لكن دون تغيير مسار الحرب، لذا فهم لا يعولون على تحقيق إنجازات جذرية مع ترمب.
على غرار كثير من الأمور التي يتعاملون معها في ما يخص حربهم ضد روسيا، تفاعل الأوكرانيون مع نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية بروح من الفكاهة السوداء. في صباح اليوم التالي للانتخابات، كانت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأوكرانية مليئة بالنكات، بما في ذلك تعليقات من جنود قالوا إنهم "يستعدون للعودة إلى ديارهم قريباً لأن الحرب ستنتهي في غضون 24 ساعة". وكانوا يشيرون، بالطبع، إلى ادعاء كثيراً ما ردده الرئيس المنتخب دونالد ترمب بأنه قادر على وقف الحرب في يوم واحد في حال انتخابه.
في الواقع، تملك أوكرانيا أسباباً كثيرة للقلق إزاء رئاسة ترمب الثانية. فهو لم يوضح كيف سيُنهي الحرب، أو تحت أية شروط. وأثناء مناظرته مع نائبة الرئيس كامالا هاريس، في سبتمبر (أيلول) الماضي، رفض أن يعلن أنه يريد فوز أوكرانيا. وقد اشتكى مراراً من حجم المساعدات العسكرية التي تقدمها بلاده إلى كييف. وفي خلفية المشهد، هناك إعجابه القديم بالرئيس الروسي فلاديمير بويتن، وموقف جي دي فانس، زميله في السباق الرئاسي [مرشح ترمب لمنصب نائب الرئيس] الذي كان من أوائل الجمهوريين الذين تبنوا سياسة اللامبالاة تجاه أوكرانيا، قائلاً عام 2022 "لا يهمني حقاً ما يحدث لأوكرانيا بأي شكل من الأشكال". وفي استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، اتفقت غالبية ساحقة من الديمقراطيين على أن مسؤولية دعم أوكرانيا تقع على عاتق الولايات المتحدة، في حين اعتقد ثلث الناخبين الجمهوريين فقط بأن ذلك من مسؤولياتها. وكل هذا أثار مخاوف أشخاص كثيرين من أن واشنطن، أكبر مورد للأسلحة إلى كييف على الإطلاق، قد توقف تدفق المساعدات، أو حتى تسمح لموسكو بإملاء شروط السلام.
لكن وقائع الحرب جعلت من الأوكرانيين أكثر براغماتية: فالوضع قد يزداد سوءاً بالنسبة إليهم في أي وقت، بالتالي عليهم التكيف والبحث عن مخرج في سبيل البقاء والصمود. وبغض النظر عن الخطابات الانتخابية التي ألقاها دونالد ترمب، فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستعد للتعامل معه. وعلى كل حال، سبق للأوكرانيين أن عاشوا تحت إدارة ترمب الأولى ولديهم فكرة عما قد ينتظرهم من صفقات ومحاولات لاستمالة بوتين، ولكن أيضاً، في نهاية المطاف، صفقة ضخمة لبيع الأسلحة الفتاكة لهم، بما في ذلك أسلحة "جافلين" المضادة للدبابات التي كانت حاسمة في القتال ضد روسيا. وستظل مهمة زيلينسكي هي إيجاد السبل للحصول على ما تحتاج إليه حكومته للدفاع عن السكان على المدى الطويل.
بالنسبة إلى أوكرانيا، فإن ولاية ثانية لترمب تحمل دلالات وأبعاداً معقدة. وحتى لو كانت المرحلة الأولى من عودته للسلطة مليئة بالتكهنات والتسريبات وخيبات الأمل، وحتى إذا قررت واشنطن إبطاء إرسال المساعدات العسكرية أو تجميدها مما يؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية وفقدان الأراضي، فإن كييف تدرك أن واشنطن من غير المرجح أن تتنازل ببساطة عن النصر لبوتين. ومن المؤكد أن ترمب لا يحب الحروب الخارجية الطويلة والمكلفة، إضافة إلى أن الأوكرانيين أنفسهم مستعدون لإنهاء الحرب، ولكن من موقع قوة.
قراءة التوجهات السياسية المتغيرة
طوال فترة الحرب، لم تتعامل كييف مع الدعم الأميركي كأمر مفروغ منه. فمن ناحية الكمية والحجم، قدمت الولايات المتحدة، مساعدات عسكرية أكثر من أي دولة أخرى، وفي بعض المجالات الحيوية مثل الحرب السيبرانية وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة والاستخبارات، ما من شيء يحل محل الموارد الأميركية. ومع ذلك، بدأت أوكرانيا قبل عام حتى بالتخطيط لمستقبل قد يشهد تراجعاً في الدعم الأميركي. وفي أعقاب الهجوم المضاد غير الناجح في صيف عام 2023، اعتبر المسؤولون الأوكرانيون ازدياد التقييمات السلبية للحرب في وسائل الإعلام الأميركية إشارةً إلى احتمال تقليص المساعدات العسكرية من واشنطن.
واستعداداً لذلك، سرّعت حكومة زيلينسكي وتيرة جهودها الرامية إلى توسيع إنتاج الأسلحة المحلية وعززت علاقاتها مع شركاء آخرين في أوروبا، وكذلك مع كندا واليابان. إضافة إلى ذلك، بدأت كييف بتكثيف محاولات إقناع المجتمع الدولي بما يُسمى "صيغة السلام" الخاصة بها، وهي مبادرة متعددة الأطراف أعلنت عنها للمرة الأولى في سبتمبر عام 2022، تهدف إلى حشد مجموعة كبيرة من الدول للعمل حول قضايا رئيسة ستتطلب حلولاً في نهاية الحرب، بما في ذلك الأمن الغذائي والأضرار البيئية، واستعادة البنية التحتية للطاقة والسلامة النووية. (حتى الآن، أعربت 90 دولة تقريباً عن تأييدها لهذه الصيغة).
واستطراداً، حاول المسؤولون الأوكرانيون أن يضمنوا أنهم إذا اضطروا إلى التفاوض مع روسيا، فلن يكونوا بمفردهم، وأن الرؤية الأوكرانية للسلام ستكون بالفعل مطروحة على الطاولة. وقد أوضحت أوكرانيا، على سبيل المثال، أن القضايا الإنسانية مثل عودة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا وتبادل أسرى الحرب يمكن أن تصبح أساساً للمفاوضات المستقبلية.
وبغض النظر عن مستقبل المساعدات الأميركية، فقد أدركت كييف منذ فترة طويلة الحاجة إلى الاحتفاظ بدعم الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة. وتعلمت هذا الدرس خلال أول محاكمة لعزل ترمب عام 2019، عندما أصبحت مكالمته الهاتفية مع زيلينسكي التي طلب فيها من الرئيس الأوكراني التحري عن جو بايدن، محور التركيز الأساسي في التحقيق. لمدة تقارب عامين، عملت حكومة زيلينسكي الأولى مع ترمب. وفي وقت المحاكمة، كان ترمب لا يزال في البيت الأبيض، لكن الأوكرانيين أدركوا أنهم بحاجة إلى التواصل مع الديمقراطيين. وعلى النقيض من ذلك، بعد الغزو الروسي الكامل عام 2022، وعلى رغم حقيقة أن الديمقراطيين كانوا في السلطة وكانوا المحاورين الرئيسين لهم، استمرت كييف في التواصل مع الجمهوريين أيضاً.
إن هذا الفهم للسياسة الأميركية مهم بصورة خاصة لضمان الحصول على مساعدة عسكرية مستمرة؛ في الواقع، لم يكُن من الممكن تمرير أي من مشاريع قوانين المساعدات الخمسة لأوكرانيا من دون أصوات الجمهوريين في الكونغرس. وفي أواخر عام 2023، بينما كان مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، يعرقل مشروع قانون مساعدات جديد، بدأت كييف التواصل مع مزيد من المشرعين وأشخاص آخرين من معسكر الجمهوريين. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، استقبل زيلينسكي الرئيس التنفيذي لـ"فوكس نيوز" لاكلان ميردوخ لعقد اجتماع في كييف. وواصلت أوكرانيا هذه الاتصالات حتى نالت أخيراً موافقة الكونغرس على حزمة المساعدات المؤجلة منذ مدة طويلة في أبريل (نيسان) الماضي. وفي النهاية، اقتنع رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون الذي كان متردداً في شأن تقديم مزيد من الدعم الأميركي، فقال أثناء إعلان تأييده لمشروع القانون "أعتقد بأن توفير المساعدة لأوكرانيا في الوقت الحالي أمر بالغ الأهمية".
واستمر تودد كييف طوال فترة الحملة الرئاسية. ففي يوليو (تموز) الماضي، بعد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، أجرى زيلينسكي أول مكالمة هاتفية له مع ترمب منذ مغادرته البيت الأبيض عام 2021. (آنذاك، وصفها ترمب بأنها "مكالمة هاتفية جيدة جداً"). وفي الشهر نفسه، زار زيلينسكي أيضاً ولاية يوتا لحضور اجتماع الرابطة الوطنية للحكام الأميركيين، فتفاعل مع مجموعة كبيرة من السياسيين الجمهوريين. ثم في سبتمبر الماضي، استقبل زيلينسكي السيناتور ليندسي غراهام، حليف ترمب، وأعضاء آخرين في الكونغرس في كييف. وبعد الاجتماع، دعا غراهام إلى تقديم مزيد من الأسلحة إلى كييف، مشيراً إلى أن الأوكرانيين "يحاولون إيقاف الروس حتى لا نضطر [نحن الأميركيين] إلى مواجهتهم".
وتُوّجت هذه الجهود في أواخر سبتمبر الماضي، عندما زار زيلينسكي الولايات المتحدة مرة أخرى والتقى كلاً من ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس. ووفق بعض المحللين، لم يكُن من المسلم به أن يلتقي ترمب زيلينسكي خلال الأسابيع الأخيرة من حملته الانتخابية، لكن قيامه بذلك، أشار إلى أنه يأخذ أوكرانيا على محمل الجد. وبحلول هذه المرحلة، كانت لدى كييف أولوية إضافية، فمع اشتداد القتال وبدء بعض الحلفاء الغربيين بإظهار علامات الإرهاق من الحرب، أرادت أوكرانيا أن تظهر أنها تمتلك استراتيجية قادرة على تحقيق الفوز. بالتالي، اغتنم زيلينسكي الفرصة لعرض "خطة النصر" الخاصة به على إدارة بايدن وعلى المرشحين الرئاسيين أيضاً.
على رغم أن أهم جوانب هذه الخطة تظل سرية، فإنها أوضحت، من بين أمور أخرى، كيف ستستخدم أوكرانيا أنواعاً أكثر تطوراً من الأسلحة لتغيير الواقع على أرض المعركة. فمن خلال شن حرب أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، ستكون أوكرانيا قادرة على تدمير مراكز اللوجستيات الروسية، مما يمنع روسيا من السيطرة على المجال الجوي على طول الجبهة ويقلل الضغط على مشاة أوكرانيا. حتى الآن، كان من الصعب تقييم رد فعل الولايات المتحدة على خطة زيلينسكي، سواء من إدارة بايدن أو من فريق ترمب، ولكن بالنسبة إلى كييف كانت هذه طريقة أخرى لتوضح أنها قادرة على العمل مع أي شخص يفوز في الانتخابات الرئاسية.
التعلم من الواقع
بعد مرور عامين وتسعة أشهر من القتال، لا يحمل الأوكرانيون أوهاماً كثيرة في شأن حدود الدعم الأميركي. فقد أدركوا منذ فترة طويلة أن استراتيجية بايدن التي تعتمد على تقديم كميات هائلة من المساعدات العسكرية، ولكن مع قيود متعددة على أنواع الأسلحة وطريقة استخدامها، سمحت لهم بمواصلة القتال لكنها لم تصل إلى درجة تسمح لهم بتغيير مسار الحرب. وفي الوقت نفسه، هم يتجنبون التفكير الحالم [الآمال الواهية] أو توقّع تحقيق إنجازات جذرية مع ترمب.
بالطبع، ما يقوله رئيس الدولة يجب أن يؤخذ على محمل الجد. عندما يكرر بوتين أنه يخطط لتدمير الدولة الأوكرانية، فمن السذاجة أن يعتقد الأوكرانيون بأنه لا يعني ما يقوله. أما مع ترمب، يبقى من غير الواضح ما يعنيه حقاً عندما يتعهد بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة. في الواقع، يبدو أنه لا يملك نفوذاً كبيراً على روسيا، وهناك مؤشرات قليلة على أن موسكو مستعدة للاستماع، إلا إذا وافق ترمب على السماح لها باحتلال بقية أوكرانيا، مما يبدو مستبعداً للغاية.
لكن الأوكرانيين لديهم شيء آخر يستندون إليه، وهو طريقة تعامل ترمب مع روسيا وأوكرانيا خلال فترة ولايته السابقة في المكتب البيضاوي. ولننظر هنا إلى شهادات السفيرة الأميركية السابقة في أوكرانيا ماري يوفانوفيتش. فخلال اجتماع مع الجالية الأميركية- الأوكرانية في بيتسبرغ قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، استذكرت يوفانوفيتش المؤتمر الصحافي الذي عقده ترمب عام 2018 عندما صرّح بأنه سيثق بالرئيس الروسي أكثر من ثقته بأجهزة الاستخبارات الأميركية. ووفقاً ليوفانوفيتش، رفض ترمب أيضاً التصدي لروسيا والضغط عليها بعد هجومها على سفينة أوكرانية في المياه الدولية في البحر الأسود؛ وفي وقت لاحق، ألغى أيضاً التدريبات البحرية الأميركية- الأوكرانية المشتركة. (عام 2019، استدعى ترمب يوفانوفيتش وأقالها من منصبها).
وخلال العام الحالي، لم تكُن حملة ترمب أكثر بثّاً للطمأنينة. ففي تجمعات حملة ترمب وفانس التي حضرتُها في بنسلفانيا وميشيغان في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم يأتِ أي منهما على ذكر الحرب في أوكرانيا، لكن وعودهما المتكررة بوقف "تمويل الحروب الأجنبية" لاقت تشجيعاً صاخباً من الجمهور. ومع ذلك، يظهر مؤيدو ترمب مجموعة متنوعة من الآراء حول أوكرانيا، ويشملون عدداً كبيراً من الأوكرانيين -الأميركيين. في هاتين الولايتين المتأرجحتين، كان الأميركيون- الأوكرانيون الذين يدعمون هاريس مرعوبين من احتمال أن تنهي الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا.
لكن آخرين ممن تحدثت معهم أعربوا عن دعمهم لترمب. فالأب جيسون شارون من الكنيسة الكاثوليكية الأوكرانية في بيتسبرغ الذي قدم البركة في تجمع ترمب في بتلر قبل محاولة الاغتيال، كان من المؤيدين الصريحين للرئيس السابق. ويدعم كثيرون منهم الحجج التي يعطيها ترمب مثل أن الحرب لم تبدأ في عهده، وأنه هو مَن زوّد أوكرانيا بأول سلاح فتاك، صواريخ "جافلين".
ويأمل كثيرون في كييف أن يصبح ترمب وفريقه أكثر براغماتية بمجرد أن يبدأوا بتلقي إحاطات وتقارير أمنية. فخلال فترة ولاية ترمب الأولى، لم تحدث أي إنجازات ملموسة، لكن مستوى الدعم الأميركي لأوكرانيا نما تدريجاً، ويرجع ذلك أساساً إلى أنه بمرور الوقت نشأ فهم أفضل للوضع على الأرض. وقد يحدث ذلك مجدداً: فعندما يكتشف ترمب ما تفعله روسيا في ساحة المعركة، ومدى تورط كوريا الشمالية وإيران (العدو الذي يكرهه ترمب)، ومدى فاعلية أوكرانيا في تدمير الأسلحة الروسية، فقد يرى أنه من الضروري أن تبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لمنع انتصار روسيا.
لكن على نحو أوسع، تدرك أوكرانيا أيضاً أن الاتجاه النهائي لسياسة ترمب سيعتمد على الأشخاص الأكثر بروزاً في إدارته. وفي الحقيقة، يمكن اعتبار إعلان ترمب في الـ11 من نوفمبر الجاري أن عضو الكونغرس الجمهوري والضابط المتقاعد في القوات الخاصة مايك والتز سيكون مستشاره للأمن القومي، بمثابة مؤشر مهم. ففي الولايات المتحدة، يعرف والتز بتحفظه على دعم أوكرانيا وبانتقاداته لحزم المساعدات الأميركية لها وادعائه بأن أوروبا يجب أن تتحمل جزءاً أكبر من العبء. وقال، في الفترة التي سبقت الانتخابات، إنه يجب إيجاد نوع من "الحل الدبلوماسي" لإنهاء الحرب.
ولكن وجهات نظر والتز الدقيقة قد تكون أكثر تعقيداً. فخلال المراحل الأولى من الحرب، كان والتز يتواصل مع أعضاء من المجتمع المدني الأوكراني وكان شديد الانتقاد لموسكو. وأشار إلى إن بايدن لم يكُن يبذل ما يكفي من الجهد لدعم أوكرانيا، حتى إنه زعم في يوليو عام 2022 أن الولايات المتحدة يجب أن ترسل مستشارين عسكريين إلى أوكرانيا. وقال في ذلك الوقت: "فلننتصر في هذه الحرب اللعينة!". وأخيراً، صرّح بأنه إذا لم ترغب موسكو في التفاوض، فقد يحاول ترمب "رفع القيود عن الأسلحة البعيدة المدى التي قدمناها لأوكرانيا"، بالتالي السماح لأوكرانيا بجعل الحرب أكثر صعوبة وكلفة على روسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد يكون إيلون ماسك الذي لا يزال شخصية غامضة في أوكرانيا، من الشخصيات المهمة أيضاً. من جهة، كانت شبكة الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" التي يمتلكها حاسمة في دعم جهود أوكرانيا الحربية. ولكن في خريف عام 2022، رفض طلب أوكرانيا استخدام "ستارلينك" فوق شبه جزيرة القرم، في وقت كان الأوكرانيون يستهدفون السفن الحربية الروسية في المنطقة بلا هوادة. وزعم ماسك أنه يريد منع أي سيناريو قد يستخدم فيه بوتين سلاحاً نووياً. وعرقل تصرف ماسك عمليات أوكرانيا، لكن القوات الأوكرانية تمكنت من تنفيذ ضربات ناجحة على أهداف روسية في شبه جزيرة القرم.
في البداية، امتنعت الحكومة الأوكرانية عن انتقاد ماسك، لكن زيلينسكي تحدى ملياردير التكنولوجيا في وقت لاحق من ذلك الخريف، بعد أن عرض ماسك نسخته الخاصة من "خطة السلام" التي بدا فيها أنه يردد الروايات الروسية حول الحرب واقترح أن يسمح لروسيا بالاحتفاظ بشبه جزيرة القرم. ووفقاً لتقرير نشرته "وول ستريت جورنال" في أكتوبر الماضي، فقد بدأ ماسك أيضاً أواخر عام 2022 بإجراء اتصالات بين الحين والآخر مع بوتين. (نفت موسكو أي اتصالات بخلاف مكالمة هاتفية واحدة ناقشا فيها "الفضاء إضافة إلى التقنيات الحالية والمستقبلية"). ومع ذلك، انضم ماسك لفترة وجيزة إلى مكالمة ترمب مع زيلينسكي بعد الانتخابات، ووفقاً للتقارير، أخبر الرئيس الأوكراني أنه سيستمر في تزويد أوكرانيا بمحطات أرضية من "ستارلينك".
ازدياد الصعوبات والتحديات
كانت هناك محاولات عدة لتفسير ما يقصده ترمب عندما يتحدث عن إنهاء الحرب خلال 24 ساعة. وفي الواقع، يبدو أنه يخطط لإقناع بوتين بالتفاوض، لكن من غير الواضح كيف سيقوم بذلك. (ربما يكون ماسك الذي يتفاخر بأنه يتحدث إلى بوتين مباشرة، أو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يتمتع بعلاقة طيبة مع كل من ترمب وبوتين، وسيطين محتملين في مثل هذه المحادثات). وحتى لو فتحت هذه القناة، يبقى من غير المؤكد إلى أي مدى قد تثمر، هذا إن أثمرت على الإطلاق.
ينظر كثير من الأوكرانيين إلى احتمالية إجراء محادثات بين بوتين وترمب في ضوء محاولات ترمب خلال ولايته الأولى التعامل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. فالعلاقة الخاصة التي سعى الرئيس السابق إلى بنائها لم تسفر في نهاية المطاف عن أي اتفاق ملموس. وبوتين الذي تمتلك واشنطن عليه نفوذاً أقل بكثير، يُعدّ قائداً أقوى من كيم. وفي أعقاب الانتخابات مباشرة، أعلن أبرز مروجي الدعاية الروس أن موسكو غير مهتمة بأي مبادرات سلام وحذروا الولايات المتحدة من إصدار أي إنذارات. كما أكدوا أن بوتين يعتزم تدمير أوكرانيا. ففي النهاية، لا يوجد سبب يجعل رئيس الولايات المتحدة وسيطاً للسلام إذا كان هذا الدور سيقتصر على الضغط على كييف لحملها على الخضوع لشروط موسكو.
في سبتمبر الماضي، تحدثتُ إلى مجموعة من الجنود الأوكرانيين قرب الحدود الروسية. وقد اعترفوا بصراحة بأنهم سئموا من الحرب، لكنهم كانوا متفقين تماماً في معارضتهم لأي مفاوضات مع بوتين. ومن وجهة نظرهم، فإن الكرملين سيستخدم وقف إطلاق النار لتسليح نفسه وتعزيز اقتصاد روسيا الحربي والاستعداد لشن غزو أكثر تدميراً على مدن مثل دنيبرو وخاركوف وبولتافا في المستقبل القريب. وإذا حدث ذلك، فإن الانتقام الروسي من عائلات الجنود الأوكرانيين سيكون قاسياً للغاية. وقد ثبت هذا بالفعل في الأراضي التي تحتلها روسيا، حيث استهدفت القوات الروسية أي شخص خدم في القوات المسلحة الأوكرانية قبل عام 2022. وبحلول الآن، يكاد يكون لكل أوكراني فرد من أفراد العائلة مشاركاً في الحرب، بالتالي فإن كل أوكراني سيكون هدفاً.
وللتعامل مع مستقبل أميركي غير مؤكد، تعتمد أوكرانيا استراتيجية بسيطة وواضحة تتمثل في شرح أن النصر الروسي سيشكل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة. فهو لن يعزز قوة الصين وإيران وكوريا الشمالية فحسب، بل سيشجع أيضاً الأنظمة الاستبدادية الأخرى على غزو جيرانها. وفي الوقت نفسه، تستطيع كييف أن تذكّر واشنطن بأن جزءاً كبيراً جداً من المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا يتم إنفاقه إلى حد كبير داخل الولايات المتحدة نفسها: إذ تتلقى صناعة الدفاع الأميركية أموالاً حكومية لإنتاج الذخيرة على الأراضي الأميركية بأيادي العمال الأميركيين.
من بعيد، قد يبدو اندفاع حكومة زيلينسكي لاحتضان الإدارة المقبلة مجرد انتهازية بحتة. لكن كييف أيضاً تتصرف بذكاء استراتيجي. فهي تعلم أن إدارة بايدن ستمتلك مساحة ضيقة للعمل في الفترة الباقية لها وأن أوكرانيا يجب أن تستعد بسرعة لعالم مختلف. وما قدمته إدارة بايدن للصحافة كحزمة مالية نهائية تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار في شكل مساعدات أمنية إضافية، كان مخططاً له منذ فترة. (في الواقع، إنه ببساطة الجزء الباقي من حزمة المساعدات بقيمة 61 مليار دولار الموافق عليها في أبريل الماضي). وخلال الأشهر التي سبقت الانتخابات، حاول زيلينسكي إقناع بايدن بأن يدعم دعوة رسمية لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بحجة أن ذلك يمكن أن يشكل جزءاً من إرثه في السياسة الخارجية. لكن بعد فوز ترمب في الانتخابات، من الصعب تخيل أن بايدن سيحاول فعل أي شيء بهذه الأهمية. وفي عهد ترمب، من المرجح أن يكون الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي غير وارد.
لكن الحقيقة هي أنه خلال أصعب لحظات التاريخ الأوكراني، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب البلاد وشعبها، مما جعل صمود الأمة ممكناً. حتى هذه اللحظة، كان هذا صحيحاً في ظل كل من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، حتى عندما اختلفوا بصورة كبيرة حول السياسة. ومن الصحيح أيضاً أن الحرب المطولة ليست شيئاً يفضله الأوكرانيون. فبدلاً من دعم البلاد "مهما طال الأمر"، مثلما قال بايدن مراراً، فإنهم يفضلون تدابير أكثر حسماً. وبغض النظر عما سيحدث بعد الـ20 من يناير (كانون الثاني) عام 2025، فسيكون من الضروري أن تحصل أوكرانيا على مزيد من الأموال والأسلحة في الأسابيع الباقية من هذا العام. وإذا حاول ترمب التحدث إلى بوتين، فيجب على أوكرانيا أن تكون في أقوى وضع ممكن في ساحة المعركة. ويعلم الأوكرانيون أنه لن يكون من السهل ضمان استمرار الدعم من واشنطن. ولكن لم يكُن هناك أي شيء سهل حتى هذه المرحلة.
ناتاليا غومينوك، صحافية أوكرانية، وهي الرئيسة التنفيذية لمختبر صحافة المصلحة العامة (PIJL) ومؤسسة مشاركة في مشروع الحساب Reckoning Project.
مترجم عن "فورين أفيرز" 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024