ملخص
أقر الجيش السوري بدخول الفصائل المسلحة إلى "أجزاء واسعة" من مدينة حلب، ومقتل العشرات من عناصره في اشتباكات ممتدة على جبهة بطول نحو 100 كيلومتر.
شنت فصائل مسلحة، وتحديداً "هيئة تحرير الشام" وأخرى حليفة لها هذا الأسبوع أكبر عملية عسكرية منذ أعوام ضد مناطق يسيطر عليها النظام في شمال وشمال غربي سوريا، في هجوم مباغت أتاح لها السيطرة على معظم حلب، ثاني كبرى مدن البلاد.
ما خلفيات هذا الهجوم الذي يأتي بعد أعوام من الهدوء النسبي؟
نفذت "تحرير الشام" التي عرفت سابقاً بـ"جبهة النصرة"، وهي تنظيم مسلح كان مرتبطاً بـ"القاعدة"، إضافة إلى فصائل أخرى معارضة متحالفة معها، هجوماً على مناطق يسيطر عليها النظام السوري في محافظتي حلب (شمال) وإدلب المحاذية لها (شمال غرب).
وسيطرت هذه الفصائل المناهضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، على معظم مدينة حلب وعديد من القرى والبلدات في الشمال السوري، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم السبت.
بدوره، أقر الجيش السوري بدخول الفصائل المسلحة إلى "أجزاء واسعة" من مدينة حلب، ومقتل العشرات من عناصره في اشتباكات ممتدة على جبهة بطول نحو 100 كيلومتر.
عشرات القتلى
وأسفرت المعارك عن مقتل 311 شخصاً، وفقاً للمرصد السوري، غالبيتهم مسلحون من طرفي النزاع، ومن بينهم مدنيون قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام في المعركة.
وقالت دارين خليفة الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، إن تلك الفصائل كانت تعد للهجوم منذ أشهر. وأضافت، "قاموا بتصويره على أنه خطوة دفاعية ضد تصعيد كان يريد النظام القيام به"، مع تكثيف دمشق وحليفتها موسكو غاراتها على المنطقة قبيل الهجوم.
وأوضحت خليفة أن "هيئة تحرير الشام" وحلفاءها "تنظر أيضاً إلى التغيرات الأكبر على المستويين الإقليمي والجيواستراتيجي".
وشنت الفصائل التي تنسق عملياتها ضمن غرفة عمليات مشتركة، الهجوم في يوم سريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل و"حزب الله" بعد نزاع بين الطرفين امتد 13 شهراً على خلفية حرب غزة.
وخلال تلك الفترة، كثفت إسرائيل غاراتها في سوريا على مجموعات موالية لإيران الداعمة لنظام الرئيس بشار الأسد، ومنها "حزب الله" الذي ساند بصورة مباشرة قوات الأسد في النزاع الداخلي خلال الأعوام الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد روسيا كذلك حليفاً بارزاً للأسد، وأسهم تدخلها العسكري المباشر اعتباراً من عام 2015، في قلب ميزان القوى الميداني لمصلحة دمشق.
وهنا ذكرت خليفة، "يعتقدون أن هذا وقت يكون فيه الإيرانيون ضعفاء، والنظام محاصر، وتركيا (الداعمة لبعض الفصائل المسلحة في شمال سوريا) أكثر جرأة إزاء روسيا".
ما موقف الحلفاء؟
امتنعت القوى الداعمة لكل من الطرفين حتى الآن عن الإدلاء بأي تعليق تصعيدي.
وعد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الوضع في حلب "انتهاك لسيادة سوريا". وأعرب عن دعم بلاده "للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري".
ودعت تركيا إلى "وقف الهجمات" على مدينة إدلب ومحيطها، معقل المعارضة المسلحة في شمال غربي البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية عبر منصة "إكس"، إن الاشتباكات الأخيرة "أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية".
وجددت طهران أمس الجمعة، دعمها الحازم لحليفتها دمشق. وجاء في بيان للخارجية الإيرانية، إن الوزير عباس عراقجي "شدد على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب"، وذلك في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.
وتقول خليفة، "في الأيام القليلة المقبلة، إذا تمكنت (الفصائل) من المحافظة على مكاسبها، فسيكون ذلك اختباراً إزاء ما إذا كانت تركيا ستتدخل أو لا؟".
ويأتي هذا الهجوم المباغت والكبير في وقت تعثرت فيه جهود التقارب بين سوريا وتركيا خلال العامين الماضيين.
ودفعت روسيا وإيران نحو خفض للتصعيد بين سوريا وتركيا، لكن دمشق تؤكد أنه ينبغي على أنقرة سحب قواتها من أراضيها قبل أي تطبيع للعلاقات.
ودعمت أنقرة إسقاط النظام السوري بعيد اندلاع النزاع في عام 2011، لكن تركيا خفضت من حدة موقفها تجاه دمشق مع استعادة القوات السورية السيطرة تدريجاً على مناطق في البلاد.
وتقول كارولاين روز من معهد "نيو لاينز" في واشنطن، إن رد الفعل الضعيف لحلفاء سوريا قد يكون وسيلة "لإرغام النظام على التفاوض من موقع ضعيف، في ظل غياب أي مؤشر إلى الدعم من إيران وروسيا".
معاناة دمشق
عانت الحكومة السورية في دمشق هذا الأسبوع من أكبر خسارة ميدانية منذ أعوام. وهنا اعتبرت دارين خليفة الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية أن "خطوط النظام انهارت بوتيرة مذهلة أدهشت الجميع".
وقطعت الفصائل طريق دمشق- حلب الدولي، وسيطرت على تقاطع مهم بين طريقين يصلان حلب بكل من دمشق واللاذقية.
وبحسب مدير المرصد رامي عبدالرحمن، فإن الفصائل تقدمت في حلب من دون "مقاومة كبيرة من قوات النظام". وتابع، "من الغريب أن نرى قوات النظام تتلقى ضربات قوية كهذه على رغم الغطاء الجوي الروسي والمؤشرات المبكرة إلى أن هيئة تحرير الشام ستشن هذه العملية".
واعتمدت دمشق إلى حد كبير على القوة الجوية الروسية وعلى "حزب الله" في الميدان لاستعادة مناطق واسعة خسرتها خلال الحرب لمصلحة فصائل معارضة.
لكن الهجوم الراهن يأتي في وقت تنشغل روسيا بحربها في أوكرانيا، و"حزب الله" بالضربات التي تلقاها خلال المواجهة الطويلة والقاسية مع إسرائيل.
ويشرح رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي آرون شتاين أن "وجود روسيا (في سوريا) تقلص بصورة كبيرة، والغارات الجوية السريعة أصبحت فائدتها محدودة".
ويرى أن التقدم السريع للفصائل المسلحة "يذكر بمدى ضعف النظام وربما اطمئنانه المفرط خلال الأعوام القليلة الماضية مع تراجع حدة المعارك".