ملخص
الموسيقى في المجتمعات العربية القديمة لم تكن حكراً على النساء بل الرجال، فدخول المرأة عالم الموسيقى والغناء كان أمراً استثنائياً على عكس ما نعيشه اليوم.
في وقت تشهد نوادي الغناء إقبالاً كبيراً من طرف النساء، أثار بعث أول نادي غناء مخصص للرجال في تونس موجة من الدهشة والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب شريحة من المتابعين، فيما استقبلت فئة أخرى الأمر بنوع من الرضا والإعجاب.
هذا التباين في الآراء لم يمنع اقتناع الغالبية بالفوائد النفسية والجسدية للترفيه عن النفس بالغناء. إذ يعتبر مراد وهو محب للموسيقى أن "إنشاء نادي غناء للرجال فرصة للهرب من ضغوط الحياة اليومية ومشاغل العمل وتعديل المزاج عبر الغناء، عوض الجلوس لساعات في المقاهي أو غيرها من الأماكن التي قد تعود بالضرر على حياة عديد من الرجال".
أما ليلى فتقول إنها تشجع زوجها على التسجيل في مثل هذا النادي، بخاصة أنه يحب الغناء وصوته جميل، وفي الحقيقة فإنني أفضل أن يقضي وقته بعد العمل في نادي غناء من أن يرتاد المقاهي والحانات".
راحة نفسية
في المقابل عبر آخرون عن رفضهم للفكرة، ومنهم مهدي وهو موظف حكومي يرى أن "الغناء لا يليق بالرجال، ومن يقول إنه راحة نفسية فهذه مغالطة"، معتبراً أن "التقرب من الله هو الطريق الأفضل للرجال والنساء من أجل الراحة النفسية".
في هذا الصدد يقول صاحب الفكرة ومؤسس نادي الرجال للغناء سامي الصندلي، إن "موجة التهكم والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي أفادت الفكرة وأسهمت في تطويرها من حيث عدد المقبلين على النادي من الرجال المحبين للغناء، حتى إنهم فكروا في فتح مجموعات إضافية بسبب تزايد عدد المشاركين".
ويضيف الصنادلي أن "عديداً من معارفه وأصحابه يحبون الغناء ومن ثم جاء التفكير في تأسيس هذا الفضاء. في البداية قمت بنشر إعلان عبر مواقع التواصل لمن يريد الالتحاق فكانت النتيجة مبهرة من حيث عدد المرحبين بالفكرة".
وحول هدف تكوين هذا النادي يقول "أولاً للبحث عن مواهب جديدة أو مواهب لم تجد فرصة للظهور، وأيضاً تكوين كورال رجالي من أجل تأثيث عروض في المهرجانات الثقافية". مضيفاً "نادي الغناء هو تعبير عن الذات ونشاط ترفيهي، ومهما كانت الإمكانات الصوتية فإنها تتطور بالتدريبات، ودرس الغناء فسحة شخصية تبعث كثيراً من الحيوية والطاقة الإيجابية، كما أن الغناء بشكل جماعي يسمح بمشاركة التجارب وخلق صداقات جديدة".
رمز القوة
منذ أن نشر مؤسس النادي أول فيديو لرجال يغنون بطريقة جماعية برفقة العازف رافقته موجة من التعليقات المتباينة بين الرافض والساخر والمحب للفكرة. وفي هذا السياق تقول الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي إن "عدم قبول المجتمع لرجل يغني في نوادٍ مرتبط بصورة الرجل في المخيال الشعبي التونسي، وهي صورة تتسم بالصرامة وكثير من الجدية بعيداً من المشاعر والأحاسيس المرهفة التي يعتبرها المخيال نفسه مرتبطة بالنساء، حتى إن مجتمعنا لا يقبل الرجل الذي يبكي، أو يعبر عن مشاعره وعواطفه، ومن الطبيعي ألا يقبل الرجل الذي يغني في إطار الهواية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف الجلاصي أن "أغلب الناس تعتقد أن فضاء الغناء هو فضاء تافه لا يمكن للرجل الاستفادة منه مادياً أو اجتماعياً لأن الصورة التقليدية للرجل هي أنه رمز للقوة، والغناء فعل يتسم برهافة الإحساس ولا يليق بالرجولة بحسب فئة كبيرة من المجتمع التونسي والعربي إجمالاً".
وتواصل "من جانب آخر يرى البعض أن للرجل فضاءات أخرى للترويح عن النفس مثل المقاهي والحانات، عكس المرأة التي لا تجد أحياناً غير هذه النوادي للغناء، لذا ارتبطت أكثر بالنساء والأطفال، حيث نجد كورالاً متخصصاً لهذه الفئات".
تؤكد الباحثة في علم الاجتماع أن "فكرة وجود نادي غناء للرجال جديدة على المجتمع التونسي ولا يمكن تقبلها بسهولة، والرفض لا يأتي من النساء بل من الرجال ذاتهم، ربما خوفاً على الصورة التي يريدونها أن تبقى مرسومة في مخيال المجتمع، بالتالي فهذا النادي هو اهتزاز لمكانتهم التقليدية".
وتفيد الجلاصي أن "الموسيقى تهذب النفس، وهي غذاء للروح، وهذا موجود منذ القدم، وفي التاريخ لم تخل مجالس السلطة والحكم من السمر، وكان يقاس تحضر المجتمعات آنذاك بمدى انتشار الفنون وتطورها، والموسيقى في المجتمعات العربية القديمة لم تكن حكراً على النساء بل الرجال، فدخول المرأة عالم الموسيقى والغناء كان أمراً استثنائياً على عكس ما نعيشه اليوم".
يشار إلى أنه في السنوات الأخيرة انتشرت نوادي الغناء المخصصة للنساء، وعرفت رواجاً لافتاً للانتباه في أوساط الفئات المرفهة وحتى الطبقة الوسطى من المجتمع".