Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معتقلون لبنانيون عادوا إلى الحياة بعد فتح أبواب سجون سوريا

ينتظر الأهالي عودة التواصل البري والهاتفي لجلاء مصير أبنائهم المعتقلين والمفقودين

ملخص

أمل جديد يعيشه أهالي المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سوريا بعد تحرير قوى المعارضة سجون النظام في عدة محافظات، وتحديداً في حماة والسويداء ودرعا، فيما يعول كثر على تحرير سجون دمشق التي تضم أعداداً كبيرة من السجناء.

فهل يكون علي حسن علي من ضمنهم؟ "اندبندنت عربية" قصدت منزل عائلته في عكار شمال لبنان واكتشفت منهم قصة علي.

بعد 40 عاماً من الاختفاء القسري في سوريا، قد يعود اللبناني علي حسن علي إلى أهله وإلى الحياة مجدداً.

قصة قصيرة تختصر تجربة المئات من المعتقلين اللبنانيين داخل السجون السورية الذين انقطع الاتصال بهم عقوداً، وتحولوا إلى مجرد صورة فوتوغرافية أو ذكرى. واليوم، ينظر أهالي هؤلاء برضى إلى تحرير المعارضة السورية السجون النظامية في حماة ودير الزور، باعتبارها "أماكن احتجاز غير إنسانية" وفق شهادات معتقلين محررين بفعل العفو الرئاسي بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وتسلم الحكم من قبل ابنه الرئيس الحالي بشار الأسد عام 2000.

فيديو صادم

خلال الساعات الماضية وبقدر ما كان اللبنانيون يعيشون صدمة ما يحصل في سوريا من تطورات عسكرية متسارعة، استحوذ على اهتمامهم فيديو يُظهر أشخاصاً خرجوا من سجن حماة المركزي بعد سيطرة المعارضة السورية، والسبب احتواؤه على شخص يُشتبه بصورة كبيرة أنه لبناني ويدعى علي حسن علي كان اختفى قبل عقود داخل سوريا.

ولمعرفة مدى دقة ما يُتداول وقصة هذا اللبناني، قصدت "اندبندنت عربية" منزل أهله وشقيقه داخل الحارة الجديدة في طرابلس شمال لبنان، وهناك سمعنا قصة علي منهم.

بفرحة كبيرة وغصة استقبلت عائلة المعتقل في سجن حماة علي حسن علي (ياغي) ما يُتداول في عالم التواصل الاجتماعي، بعد أن ظهر ابنها ضمن فيديو نشرته منصات معارضة عقب سيطرة قوات إدارة العمليات على المدينة الحيوية في سوريا.

التقينا أفراداً من عائلة علي وهناك تعرفنا على شبان وشابات ولدوا في غيابه، وآخرين تزوجوا وأصبحوا آباء وأجداداً، أسعفتهم صورة فوتوغرافية وحال الشبه الكبيرة مع أفراد من العائلة، وأسعفهم ما بقي في الذاكرة من ملامح للتعرف على رجل بلحية بيضاء ظهر في الفيديو مرتدياً سترة صفراء.

 

 

ينقل لنا شقيقه أحمد حالاً من الفرح العارم في أوساط الأهالي، وبلغ الأمر ببعضهم إلى البكاء وعدم التصديق بعودة الرجل من "الموت" بعد أربعة عقود من الزمن، كما يقولون.

ويروي أحمد "بعد أن قرر شقيقي علي الالتحاق بالجيش اللبناني اتجه إلى بيروت لتقديم أوراقه، وتأخر في العودة. ولم تفطن العائلة لغيابه، فهو كان ينزل أحياناً إلى بيروت أو صيدا ويغيب لأسبوع أو أكثر، واعتقدت العائلة أنه تم إلحاقه مباشرة في الدورة التي تستمر إلى أشهر، ولم يكن هناك قدرة على التواصل السهل بين المناطق اللبنانية في خضم الحرب". ولكن الخشية من مصيره تسللت إلى نفوس العائلة وقت أن جاء أفراد الشرطة العسكرية لمطالبته بالالتحاق بقطعته، ومعها بدأت معاناة العائلة والوالدة في البحث عنه.

وتواردت الأخبار إلى العائلة بأنه معتقل في سوريا واستمرت رحلة البحث 15 عاماً تعرضت خلالها العائلة لعمليات ابتزاز مالي شديدة، كانت تدفع خلالها لضباط في سوريا لقاء معلومات عن ابنها أو ترتيب مواجهة معه". ويقول أحمد "كان الأشقاء يعملون من أجل تجميع المال ودفعه لقاء جلاء مصير علي على يد بعض الضباط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومرت الأعوام ولم تعثر العائلة على أي خبر مؤكد، إلى أن "زار العائلة أحد الأشخاص الفلسطينيين بعد حرب نهر البارد 2007، وقال إنه كان معتقلاً في السجون السورية وإنه تعرف على علي الموقوف في سوريا بلباسه العسكري". ومن حينها انقطعت كل الأخبار.

ويأسف الأهل لعدم قيام الدولة بخطوات جدية لجلاء مصير المعتقلين في السجون السورية، ويفيد أحمد حسن عن جهد قام به الصليب الأحمر الدولي والجمعيات المهتمة بملف المفقودين والمخفيين قسراً من أجل إنشاء بنك "عينات الحمض النووي"، مستعيداً موقف الرئيس ميشال عون الذي تواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، ووصلته تأكيدات منه بأنه لا وجود لأي معتقل لبناني في سجون سوريا. ويقول أحمد حسن إن "المشكلة ليست مشكلة شخص، وإنما ملف يضم 17 ألف شخص مخفيين قسراً، وقد يكون بعضهم معتقلاً أو مختطفاً، أو مدفون في مقابر جماعية".  

وينظر أحمد إلى الفيديو المتداول وفيه الشخص الذين يعتقدون بنسبة 95 في المئة أنه شقيقه، ويقول "لم تمح علامات التقدم في السن ملامح شقيقي، الذي اعتقل في عمر 18 عاماً، فهو شديد الشبه مع جده وشقيقه الأكبر".

أما عن الخطوات التي سيقومون بها الآن، فكشف لنا أن العائلة حاولت التواصل مع المجموعات المعارضة داخل سوريا ولكن لم تتمكن بعد من الوصول إلى الشخص الذي في الفيديو، بسبب قطع الإنترنت في حماة.

وخلال جلستنا معه يخرج أحمد صورة وحيدة يمتلكها وفيها يظهر علي فتياً وفي سن صغيرة، ويؤكد هذا آخر ما نملك من صورة لشقيقي وهي دليلنا للوصول إليه.

التجارب الصعبة

يرفض المعتقلون المحررون التعامل معهم كأرقام، لأن لحظات الاعتقال جميعها ما زالت حاضرة في يومياته، وفشلت كل الجهود والأعوام في طردها من الذاكرة. وتستعيد المعتقلة المحررة ليلى مرعشلي تجربتها في السجون السورية، معبرة في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" عن تعاطفها الشديد معهم، وهم في رحلة "الخروج من سجن الظالمين إلى الحرية مع ذاكرة مليئة بالأوجاع والإصابات"، "حيث يخرجون مع أوضاع نفسية صعبة يفترض علاجها واحتضانها". وتسترجع ليلى ظروف اعتقالها في مدينة طرابلس، خلال الثامن من (آذار) 1989، وتكشف "قادوني في السيارة" وعند منتصف الليل نُقلت إلى الأميركان (منطقة في بيروت) واستجوبني الضابط محمد الشعار، وتقول "اتهموني ظلماً بأني أحمل عبوة لوضعها أمام مركزهم، وأنني كنت أنقل الأموال من صيدا إلى بيروت الشرقية، وبالعكس". وتعبر ليلى بحزن عما جرى معها "تعرضت لأول تجربة وضع في الدولاب، وهو أسلوب تحقيق ظننت بوضع الرجال فيه حصراً".

 

 

وتواصل سرد تجربتها، انتقلت بعدها إلى عنجر لدى "النبي يوسف"، لقب شهير للضابط هناك في حينه، بعدها نُقلت إلى فرع المنطقة في دمشق ومن ثم فرع فلسطين (سجن) وصولاً إلى فرع التحقيق العسكري حيث كان تحت الأرض، وكانت طوال الوقت في الحجز المنفرد ولم تُنقل إلى حجز النساء إلا في آخر مدة الاعتقال التي استمرت ستة أشهر و20 يوماً، مضيفة "عندما وصلت إلى فرع التحقيق العسكري، قابلني الضابط كمال يوسف وسألني ما سبب اعتقالك وإحضارك إلى هنا، لا يوجد في ملفك شيء أو تهمة خطرة؟".

ومع الوصول مرة جديدة إلى عنجر عادت لمقابلة "النبي يوسف"، وتقول "عندما رآني، سألني ألم تموتي بعد؟ وقرر اعتقالي مجدداً، إذ أبقاني سبعة أيام دون شربة ماء واحدة على رغم أنني بريئة، واستمرت بعدها رحلة العذاب.

عادت ليلى بحال غير تلك التي غادرت عليها أهلها وناسها، وتلفت "عند اعتقالي كان وزني 93 كيلو ولكن عند إطلاق سراحي كنت بلغت 42 كيلو"، ومع ذاكرة ناقمة بفعل تعرضها لعقوبة الدولاب ثلاث مرات والتعليق بالرافعة "البلانجو"، وفقدان العين تحت التعذيب والجلد. وتستحضر معاناة أهلها "دخلت والدتي في حال نفسية بعد أن رأت ما حل بجسدي وظهري بفعل الضرب، بعد أن ظنوا أنني ميتة بفعل نفي الفروع الأمنية وجودي بقبضتهم". وقادت تلك المعاناة ليلى إلى كتابة قصتها مع السجن، وشاركت في إعداد فيلم "بحر وتراب" بغية الإضاءة على تجربة المعتقلين والمخفيين قسراً، متمنية عودة جميع المعتقلين آمنين إلى أهاليهم، وتحرير سجون دمشق حيث توجد أعداد كبيرة من السجناء اللبنانيين، كما تؤكد.

السجين رقم 13

يعتقد المعتقلون السابقون في السجون السورية أن لبنان أمام فرصة لجلاء مصير المئات من المختطفين والمخفيين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية مع التطورات المتسارعة في سوريا. ويؤكد الناشط اللبناني في ملف المفقودين علي أبو الدهن وجوب التحرك السريع، مشككاً في قوائم الأسماء الصادرة عن الجانب السوري، لأنهم يتعاملون مع المعتقلين بالأرقام لا الأسماء، لتبرير الأسلوب البربري اللا إنساني.

ويعود إلى تجربته الشخصية، فطوال 13 عاماً من الاعتقال تحول علي أبو الدهن إلى السجين رقم 13 متنقلاً بين الأفرع وسجون تدمر وصيدنايا، التي التقى فيها بسجناء من الجنسيات اللبنانية والسورية والعراقية والأردنية، وقد اعتاد على تجاهل اسمه لمصلحة الرقم بفعل التعذيب، واستمر الحال إلى العفو الرئاسي عقب وفاة حافظ الأسد وإطلاق سراح 54 لبنانياً.

ويتحدث المعتقل السابق عن قوائم وضعها الناشطون الفاعلون في ملف المعتقلين اللبنانيين، وتضم 622 معتقلاً في السجون السورية يتوزع معظمهم في الفروع القريبة من العاصمة دمشق، "حيث يتجاوز عدد السجون عندهم عدد دور العبادة"، كما يقول.

ويلفت إلى تكرار عمليات الابتزاز مع سائر عائلات المعتقلين، معتقداً "السوري غير مهتم بحل الملف لأنه مصدر فائدة بمعلومات وإن كانت خاطئة، علماً أن المعتقل يخضع لمحاكمة عسكرية لا تتوافر فيها شروط الدفاع والعدالة وتعمل لإثبات الإفادات المفبركة أمام الفروع".

ويطالب علي الأهل باحتضان المعتقل المفرج عنه لأنه "قد تصدر عنه سلوكات غير مألوفة لهم، بعد أن اعتاد طقوساً قديمة لفترات طويلة وقد يحتاج إلى أكثر من عامين للتعافي، بفعل عدم وجود دعم نفسي أو طبي".

التحرك الآن

تأمل رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان الناشطة وداد حلواني في إغلاق الملف الذي بدأ النضال اللبناني لأجله منذ 42 عاماً، فخلال عام 1982 بدأ أهالي المفقودين بالتحرك من دون كلل أو يأس على رغم الحرب المستعرة حينها، معبرة عن أملها في أن يصل إلى خواتيمه، وجلاء مصيرهم سواء كانوا أحياء أم أمواتاً سواء في السجون السورية أو المقابر الجماعية. وتلفت "من غير المعقول استمرار الدوامة التي يعيش داخلها أهالي المعتقلين والمخفيين قسراً التي بدأت مع الحرب الأهلية".

وتتحدث حلواني بلغة واضحة "لا نريد تعليق المشانق لأحد ولكن نريد معرفة مصير أزواجنا وأبنائنا وأهالينا، نريد معرفة الحقيقة ولو بقي من أعمارنا يوم واحد، ويهمنا أن يكون لهم قبر والحداد عليهم حال وفاتهم"، معبرة عن حزنها لأن "في كل عام نخسر عدة أمهات وآباء وفي قلوبهم الحسرة على مصير أولادهم، وينتقل الملف من جيل إلى جيل ولكن من دون نتيجة".

وتنوه حلواني بأنه "بعد توقف الحرب أحصت المؤسسات الأمنية الرسمية وجود 17 ألف مفقود، فيما لم يكن لدى لجنة الأهالي حرية الحركة من أجل إجراء إحصاء علمي مستقل لتحديد الرقم النهائي".

من جهتها، طالبت الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً بالتحرك للتتبع والتحقق من المعلومات بعد التطورات التي تشهدها سوريا، وما تضمنته من التعرف على لبنانيين أو مقيمين في لبنان من بين المحررين، مذكرة بأنها الجهة الرسمية المعنية بجمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالمفقودين والمخفيين قسراً، وتوثيقها وإنشاء سجلات مركزية وإجراء خطوات عملية للكشف عن مصيرهم.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات