ملخص
تشير التوقعات إلى بلوغ عبء الديون بالموازنة إلى 54 مليار يورو (56.7 مليار دولار) في عام 2025، بينما عملت حكومة ميشيل بارنييه المتخلية على خفض النفقات إلى 60 مليار يورو (63 مليار دولار) في موازنة العام المقبل
لن يدعم البنك المركزي الأوروبي فرنسا إذا ارتفعت معدلات الديون في البلاد، بينما البنك المركزي الفرنسي نفسه مستقل عن الحكومات ولقد ضمن البنك في المعاهدة التي صادقت عليها الحكومات.
هذا ما كشف عنه محافظ البنك المركزي الفرنسي فرانسوا فيليروي دي غالو، معتبراً أن أمر خفض العجز بالموازنة الآن بيد الحكومة المقبلة، حتى يصل إلى 6.1 في المئة في نهاية العام الحالي، في حين القواعد الأوروبية تفرض ألا يتجاوز حاجز ثلاثة في المئة.
وقال دي غالو "نحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتزايد فيها الديون، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بينما تتناقص في كل مكان"، مستدركاً "فرنسا التي كانت في صدارة أوروبا تتجه الآن نحو المؤخرة في المجموعة"، مؤكداً أن الدين يكلف بلاده كثيراً، ومشيراً إلى أنه "في العام المقبل للمرة الأولى منذ فترة طويلة، ستكلفنا الفوائد على الدين أكثر من موازنة التعليم الوطني".
وتشير التوقعات إلى بلوغ عبء الديون بالموازنة إلى 54 مليار يورو (56.7 مليار دولار) في عام 2025، بينما عملت حكومة ميشيل بارنييه المتخلية على خفض النفقات إلى 60 مليار يورو (63 مليار دولار) في موازنة العام المقبل.
وأوضح محافظ البنك المركزي الفرنسي أن "مشكلة الديون ليست حتمية"، قائلاً "لدينا مشكلة الإنفاق العام، ولدينا الحل وتعافي الموازنة في أيدينا".
ورداً على سؤال حول أخطار تباطؤ النشاط الاقتصادي، قال دي غالو إن "العدو الأول للنمو حالياً هو عدم اليقين، إذ إن 86 في المئة من الفرنسيين يشعرون بالقلق في شأن الديون"، مستدركاً "بقاء مستوى العجز عند ستة في المئة، يزيد من حالة عدم اليقين، مما يعني استثماراً أقل في الشركات، واستهلاكاً أقل للأسر، ونمواً أقل".
"موديز" تعمق جراح باريس
في غضون ذلك خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لفرنسا بدرجة واحدة إلى "Aa3" الجمعة الماضي، تزامناً مع تولي فرانسوا بايرو منصبه كرئيس للوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة.
وجاء خفض وكالة التصنيف الائتماني، بعد أن أطلقت تحذير في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) قالت فيه "الرقابة التي تفرضها حكومة بارنييه قد يكون لها تأثير سلبي".
وتشير تقديرات "موديز" إلى أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تعمل الحكومة المقبلة على خفض حجم العجز في الموازنة بصورة مستدامة.
وتوقعت الوكالة الأميركية أن تكون المالية العامة في فرنسا أضعف بصورة ملاحظة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بسبب "التشرذم السياسي" الذي من المرجح أن يمنع ضبط الأوضاع المالية بصورة كبيرة. وأنه من غير المرجح الآن أن تعمل الحكومة المقبلة على خفض حجم العجز في الموزانة بصورة مستدامة بعد العام المقبل، وعلى رغم ذلك إلا أن الوكالة أرفقت التصنيف الائتماني لفرنسا بنظرة مستقبلية مستقرة، معتبرة أن البلاد تمتلك أصولاً كبيرة على صعيد الائتمان، ولا سيما اقتصاد كبير وغني ومتنوع.
"موديز" كانت حتى وقت قريب تضع فرنسا فوق وكالات التصنيف الأخرى قليلاً، لكن بعد التقرير الأخير انضمت إلى منافسيها، إذ صنفت وكالة "ستاندرد آند بورز" فرنسا عند المستوى -AA مع نظرة مستقبلية مستقرة، بينما وصنفن وكالة "فيتش" المستوى -AA مع نظرة مستقبلية سلبية.
في المقابل لم تتوقع "بارسي" (وزارة الاقتصاد والمالية في فرنسا) مثل هذا التدهور السريع الإضافي على ما يبدو، إذ تناول وزير المالية المستقيل أنطوان أرماند، في رسالة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) قرار "موديز" في شأن التصنيف الجديد، قائلاً "سلطت الوكالة الضوء على التطورات البرلمانية الأخيرة وما نتج منها من عدم اليقين الحالي في شأن تحسين ماليتنا العامة".
في حين كانت حكومة بارنييه تعاني عجزاً عاماً 6.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بعد أن بنت موازنتها على أساس عجز عام خمسة في المئة في عام 2025، على أمل النزول إلى ما دون ثلاثة في المئة الذي تشترطه بروكسل (الاتحاد الأوروبي) في عام 2029.
وتتوقع وكالة التصنيف ركود العجز العام عند 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ثم عند مستوى 5.2 في المئة في عام 2027، وبالتالي بدلاً من الانخفاض، سيرتفع الدين العام من 113.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى نحو 120 في المئة في عام 2027.
وقدر أرماند أن "تعيين فرانسوا بايرو والرغبة المؤكدة في خفض العجز يمثلان استجابة صريحة لمخاوف وكالة التصنيف"، إذ أبدى بارنييه وفرانسوا بايرو بالفعل اهتماماً قوياً بهذه التساؤلات أثناء تسليمهما السلطة بعد ظهر يوم الجمعة الماضي.
اقتراب الركود يثير الرعب
وأشار المتخصص في الشأن الاقتصادي ومستشار شركة "eToro" مارك تواتي، إلى أن مؤشرات الاقتصاد الفرنسي تحولت إلى حمراء مع العجز العام المرتفع ونسب البطالة 7.4 في المئة إضافة إلى الأزمة السياسية، مشيراً إلى أن الركود يقترب، مما يستوجب نظام العلاج بالصدمة في أسرع وقت ممكن، لافتاً إلى أن فرنسا تنهار للأسف أمام أعيننا ولا أحد يتفاعل تقريباً، مضيفاً "كل الأحداث الأخيرة تشير للأسف إلى هذا الاتجاه مع الرقابة التي تفرضها حكومة بارنييه، إلى جانب التصرفات غير المرغوب فيها المتكررة على موازنة 2025، وتراجع شعبية ماكرون، إلى جانب ارتفاع العجز العام والديون، حتى خرجت عن السيطرة"، واستدرك "لكن أيضاً انهيار المؤشرات الرئيسة من النشاط والاحتمالات المتزايدة لزيادة البطالة، تمثل رعباً اقتصادياً حقيقياً"، قائلاً "تعيين رئيس وزراء جديد لن يغير الوضع المتأزم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع تواتي "علاوة على ذلك وما يزيد الطين بلة أن العائدات على السندات الحكومية الفرنسية مرتفعة للغاية على رغم الدعم من البنك المركزي الأوروبي"، مضيفاً "حتى إنها ارتفعت فوق مستوى السندات اليونانية خلال الأسبوع الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى الآن.
يشار إلى أن العائدات على سندات الحكومة الفرنسية أجل 10 سنوات وصلت إلى 3.05 في المئة، مقارنة بـ3.07 في المئة للسندات اليونانية في أوائل الشهر الجاري.
وهذا يوضح مدى أزمة الثقة التي تعيشها فرنسا حالياً في الأسواق المالية والمستثمرين بالمعنى الواسع، والواقع أن فرنسا هي الدولة الوحيدة في منطقة اليورو التي زادت من عجزها العام على مدى العامين الماضيين.
والأخطر من ذلك أنها الدولة الوحيدة التي تخضع لإجراءات المفوضية الأوروبية في شأن العجز المفرط التي تستعد لعدم احترام التزاماتها لعام 2025 لسبب واضح، إذ يتم تكرار موازنة عام 2025 طبقاً لموازنة عام 2024، التي توقعت نمواً اقتصادياً 1.5 في المئة، لكن المخيف وفق تواتي أن "نمو الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي لن ينخفض في الربع الأخير من عام 2024 فحسب، بل لن يحقق أكثر من 0.5 في المئة زيادة فحسب في أفضل الأحوال في العام المقبل.
الإنفاق المجنون
وفي هذا السياق توقع تويتي أن يظل العجز العام أعلى من ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وهو ما سيجعل فرنسا للعام الثاني الدولة صاحبة أعلى عجز عام في منطقة اليورو.
ومن الممكن أن تبدأ بعد ذلك موجة جديدة من عدم الثقة، مما قد يشعل شرارة مرحلة جديدة لزيادة أسعار الفائدة على السندات وتوسيع "الفروق" مع البلدان الأعضاء الأخرى في الاتحاد النقدي الأوروبي، قائلاً "الوضع الحقيقي للمالية العامة في فرنسا كارثي، خصوصاً مع ارتفاع الدين العام إلى 3465 مليار دولار بنسبة 115 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي". وتابع أن "الأمر الأكثر خطورة هو أن 54.6 في المئة من الدين العام الفرنسي بأيدي المستثمرين غير المقيمين مقارنة بـ47.8 في المئة في نهاية عام 2021، قائلاً "هذا أمر يهدد السيادة".
أضاف أن مأساة الدين العام لا تكمن في مستواه بقدر ما تكمن في افتقاره إلى القدرة على الاستمرار، يكون الدين مستداماً بالفعل إذا كان يولد دخلاً كافياً في الأقل لسداد الفائدة على الدين كل عام، ولكن في فرنسا لم يلحظ هذا الوضع منذ عام 2007، علاوة على ذلك ونظراً إلى الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة على سندات الحكومة الفرنسية، فإن عبء الفائدة على الدين العام الفرنسي يصل حالياً إلى 60 مليار يورو (63 مليار دولار) سنوياً، وقريباً إلى 75 مليار يورو (78.75 مليار دولار).