ملخص
شهدت الأنهار اللبنانية محطات نزاع تاريخية أبرزها نهر العاصي المشترك بين لبنان وسوريا وتركيا، إذ أثرت خلافات تقاسم المياه في استثمار لبنان لهذا المورد. أما نهر الليطاني فقد جذب أنظار إسرائيل بسبب موقعه الاستراتيجي في الجنوب، فيما كان نهر الأولي خط تماس خلال الاجتياحات الإسرائيلية. ويظل نهر الوزاني محور نزاع دائم مع إسرائيل نظراً إلى أهميته المائية والجيو-استراتيجية.
تمثل أنهار لبنان جزءاً لا يتجزأ من هويته الطبيعية ومصدراً حيوياً لثرواته المائية، لكنها في الوقت نفسه تحمل أبعاداً تتجاوز مجرد كونها موارد طبيعية، إذ تتحول إلى نقاط توتر إقليمي ومحاور للصراعات السياسية والعسكرية.
على مدار التاريخ شهدت بعض الأنهار اللبنانية محطات مفصلية جعلتها محوراً للخلافات والنزاعات. فنهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويمتد إلى سوريا وتركيا يظهر كأحد أبرز الأمثلة على النزاعات حول تقاسم المياه وتحويلها، مما أثر في حق لبنان باستثمار هذا المورد الحيوي. أما نهر الليطاني الأطول في لبنان فكثيراً ما كان محط أنظار إسرائيل بسبب موقعه الاستراتيجي في الجنوب واستخدامه حاجزاً طبيعياً خلال المواجهات العسكرية. بدوره لعب نهر الأولي دوراً تاريخياً كخط تماس خلال الاجتياحات الإسرائيلية، بينما يبرز نهر الوزاني كعنصر نزاع دائم مع إسرائيل بسبب أهميته المائية والجيو-استراتيجية.
مع تعقيد العلاقة بين الجغرافيا والسياسة تشكل الأنهار اللبنانية مثالاً واضحاً على كيفية تداخل الطبيعة مع الأطماع الإقليمية والاعتبارات العسكرية. من منابعها إلى مصباتها، ومن أهميتها البيئية إلى أدوارها في النزاعات، تصبح هذه الأنهار شواهد على تحديات كبيرة تواجه لبنان، في إدارة موارده المائية والحفاظ على حقوقه السيادية.
نبذة عن أبرز أنهار لبنان
وفقاً للتقرير الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) يتوزع في لبنان 17 نهراً، منها 14 نهراً ساحلياً تتدفق باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وهي: نهر الكبير ونهر الأسطوان ونهر عرقا ونهر البارد ونهر أبو علي ونهر الجوز ونهر إبراهيم ونهر الكلب ونهر بيروت ونهر الدامور ونهر الأولي ونهر سينيق ونهر الزهراني ونهر أبو الأسود.
إضافة إلى ذلك هناك ثلاثة أنهار داخلية هي: نهر الليطاني ونهر العاصي ونهر الحاصباني (الذي ينبع بمجراه نبع الوزاني الارتوازي). وتتباين مصبات هذه الأنهار، إذ يتدفق نهر العاصي باتجاه سوريا، بينما يصب نبع الوزاني في شمال إسرائيل. أما نهر الليطاني فينتهي عند البحر الأبيض المتوسط، ويعرف عند مصبه باسم "القاسمية".
نهر العاصي.. تحديات تقاسم المياه
يعد نهر العاصي من أهم الأنهار المشتركة في المنطقة، إذ يمر عبر ثلاث دول: لبنان وسوريا وتركيا. وينبع من عين الزرقاء في منطقة الهرمل شمال لبنان، ويمتد بطول 571 كيلومتراً. ويصب النهر في البحر الأبيض المتوسط قرب منطقة الإسكندرون في تركيا. ويتميز بتدفق سنوي يتراوح بين 350 و400 مليون متر مكعب، ويعتمد بشكل كبير على الثلوج الذائبة من جبال لبنان الغربية. ولكونه نهراً مشتركاً، كان نقطة نزاع عبر التاريخ، كالخلاف بين سوريا وتركيا حول توزيع روافده.
يكشف المتخصص في مجال المياه سمير زعاطيطي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "وزارة الطاقة اللبنانية سعت إلى إنشاء سد كبير على النهر قبل 18 عاماً بهدف توفير مياه الري لسهل البقاع وتوليد الكهرباء بكلفة منخفضة. تطلب تنفيذ المشروع تنسيقاً مع الجانب السوري، مما أدى إلى توقيع اتفاقية تضمنت تخصيص 30 في المئة من مياه الليطاني للبنان ومنع حفر الآبار على ضفافه، لكن المشروع واجه عوائق كبيرة، أبرزها الغارات الإسرائيلية التي استهدفت المنطقة أثناء مراحل البناء التي تزامنت مع حرب يوليو تموز) عام 2006، مما أدى إلى توقف العمل وانقطاع التمويل. اليوم، تستغل معظم مياه نهر العاصي داخل الأراضي السورية، مما حرم لبنان من الاستفادة الكاملة من هذا المورد الحيوي".
نهر الوزاني.. نزاع دائم مع إسرائيل
يعد نهر الوزاني من الأنهار الحيوية في جنوب لبنان، إذ ينبع من جبل الشيخ داخل الأراضي اللبنانية يتفرع إلى سوريا، ويتابع مجراه نحو إسرائيل قبل أن يصب في بحرية طبرية.
يمتد النهر لمسافة 20 كيلومتراً قبل أن يتصل بنهر الحاصباني، أحد روافد نهر الأردن، وينتج نحو 130 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ويعد النهر مصدراً رئيساً للمياه في المنطقة، لكنه يشهد نزاعات مستمرة مع إسرائيل التي تستغل مياهه لري الأراضي الزراعية وتغذية مزارع السمك في الجليل الأسفل.
في السياق أوضح سمير زعاطيطي أن "المياه الجوفية المتسربة من جبل الشيخ وجبل عامل تعد مخزوناً مائياً استراتيجياً، لكن إسرائيل تستغل هذا المورد بصورة مكثفة عبر آبار ضخمة، بينما تمنع لبنان من حفر الآبار في المناطق الجنوبية، مما يفاقم من أزمة المياه في البلاد"، مشيراً إلى "مشروع نفذه مجلس الجنوب عام 2003 لاستثمار مياه الوزاني بكلفة 8 ملايين دولار لتزويد منطقة الخيام والقرى المحيطة، إلا أن استخدام أنابيب صغيرة الحجم حال دون تحقيق أهداف المشروع.
ولفت زعاطيطي إلى أن "الخلافات حول نهر الوزاني ليست وليدة اليوم بل تعود إلى فترات الاحتلال الإسرائيلي في سنوات الحرب الأهلية (1975 – 1990)، إذ اعتبر النهر منطقة عسكرية مغلقة لفترات طويلة. واليوم تستغل إسرائيل الجزء الأكبر من مياهه، مما يهدد الأمن المائي اللبناني"، مؤكداً أن "هذه النزاعات تشبه إلى حد كبير ما يحدث مع نهر العاصي الذي تستفيد سوريا من غالب مياهه"، مشدداً على "ضرورة اتخاذ مواقف سياسية واضحة واستراتيجية متكاملة لضمان حقوق لبنان المائية وحماية موارده من الاستنزاف الخارجي".
نهر الأولي.. حاجز طبيعي وتحديات بيئية
يقع نهر الأولي في جنوب لبنان، ويمتد من مرتفعات الباروك ونيحا والصفا، إذ ينبع من ينابيع وروافد رئيسة عدة في تلك المناطق. يجري النهر عبر منطقة الشوف وصولاً إلى شمال مدينة صيدا، إذ يصب في البحر الأبيض المتوسط. ويبلغ طوله نحو 50 كيلومتراً، ويستخدم بصورة رئيسة لري الأراضي الزراعية في المناطق المحيطة، إلا أنه يعاني التلوث الناتج من رمي النفايات والصرف الصحي من القرى الممتدة على طول مجراه.
على رغم أهميته المحلية فإن نهر الأولي واجه مشكلات جيولوجية وبيئية كبيرة. وأشار زعاطيطي إلى أنه "كان هناك مشروع لإنشاء سد بسري على طول النهر بتمويل من البنك الدولي بكلفة مليار و200 مليون دولار، لكن المشروع توقف بسبب طبيعة الوادي الجيولوجية. وأشار المتخصصون إلى وجود فراغات ضخمة في الصخور الكلسية أسفل الوادي، مما أدى إلى انهيارات متكررة في التربة، إذ انخفضت بعض الآبار المحفورة في المنطقة بمقدار خمسة أمتار تحت سطح الأرض".
نهر الأولي.. حاجز طبيعي وتحديات بيئية
يقع نهر الأولي في جنوب لبنان، ويمتد من مرتفعات الباروك ونيحا والصفا، إذ ينبع من ينابيع وروافد رئيسة عدة في تلك المناطق. يجري النهر عبر منطقة الشوف وصولاً إلى شمال مدينة صيدا، إذ يصب في البحر الأبيض المتوسط. ويبلغ طوله نحو 50 كيلومتراً، ويستخدم بصورة رئيسة لري الأراضي الزراعية في المناطق المحيطة، إلا أنه يعاني التلوث الناتج من رمي النفايات والصرف الصحي من القرى الممتدة على طول مجراه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم أهميته المحلية فإن نهر الأولي واجه مشكلات جيولوجية وبيئية كبيرة. وأشار زعاطيطي إلى أنه "كان هناك مشروع لإنشاء سد بسري على طول النهر بتمويل من البنك الدولي بكلفة مليار و200 مليون دولار، لكن المشروع توقف بسبب طبيعة الوادي الجيولوجية. وأشار المتخصصون إلى وجود فراغات ضخمة في الصخور الكلسية أسفل الوادي، مما أدى إلى انهيارات متكررة في التربة، إذ انخفضت بعض الآبار المحفورة في المنطقة بمقدار خمسة أمتار تحت سطح الأرض".
من الناحية الجيوسياسية أشار زعاطيطي إلى أن "نهر الأولي لعب دوراً خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي. ففي عام 1984 شكل النهر حاجزاً طبيعياً بين المناطق المحتلة وغير المحتلة، إذ كان شماله خارج نطاق الاحتلال بينما كان جنوبه خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية حتى صيدا. ومع ذلك لم يكن للاحتلال طمع في مياه النهر، بل تم استخدامه كحاجز طبيعي يفصل بين المناطق".
وفي أواخر سبتمبر 1965، أغارت طائرات إسرائيلية على مواقع لبنانية قرب منابع الحاصباني والوزاني بهدف تعطيل مشروع أقره مجلس جامعة الدول العربية عام 1964، يقضي بتحويل مجاري الأنهار التي تصب في بحيرة طبريا (الحاصباني والوزاني اللبنانيين، وبانياس السوري).
نهر الليطاني.. مسرح للمواجهات
أما نهر الليطاني، الأطول في لبنان بطول 170 كيلومتراً وسعة سنوية تبلغ 750 مليون متر مكعب، ينبع من قرية العليق قرب بعلبك ويمر عبر بحيرة القرعون قبل أن يصب في البحر المتوسط قرب القاسمية. ويقسم النهر جنوب لبنان إلى منطقتين: شمال الليطاني وجنوبه.
يتميز جنوب الليطاني بأهمية استراتيجية لاتصاله بشمال إسرائيل، ويغطي مساحة 850 كيلومتراً مربعاً ويقطنه نحو 200 ألف نسمة، أغلبهم من الطائفة الشيعية، وهناك يتواجد "حزب الله" بقوة عبر مئات العناصر المقاتلة والسلاح المتوسط والثقيل، بحسب تقارير محلية وغربية. وتنقسم المنطقة جنوب الليطاني إلى ثلاثة قطاعات: الغربي والشرقي والأوسط.
وتفصل النهر عن الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000 مسافة تراوح ما بين 6 و28 كيلومتراً، مما يجعل المنطقة نقطة توتر دائم بين "حزب الله" وإسرائيل.
جيوسياسياً شهد هذا النهر محطات أساسية في الصراع بين إسرائيل و"حزب الله". في 1982، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان وصولاً إلى بيروت، متذرعة بالتصدي لهجمات الفصائل الفلسطينية ومحاولة اغتيال سفيرها لدى بريطانيا.
بحلول 2006، اشتد وجود "حزب" الله حول الليطاني، مما أدى إلى حرب استمرت 33 يوماً بعد هجوم قتل فيه جنود إسرائيليون وأسر آخرون. انتهت الحرب بقرار دولي يدعو لوقف القتال وإقامة منطقة خالية من السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، لكن التوترات والانتهاكات بين الطرفين لم تتوقف.
أما مطالبة إسرائيل اليوم بتراجع عناصر الحزب إلى ما وراء الليطاني فليست بجديدة، ففي عام 1978 اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان في حملة عسكرية أطلقت عليها "عملية الليطاني". هدفت العملية إلى تدمير مواقع منظمة التحرير الفلسطينية جنوب النهر ودفع عناصرها إلى شماله، وذلك رداً على هجوم نفذه مقاتلو المنظمة داخل إسرائيل. واستمرت سيطرة إسرائيل على مناطق الجنوب حتى انسحابها إلى الخط الأزرق عام 2000.
وفيما ينص القانون الدولي العام على أن النهر الدولي هو الذي يجري تباعاً بين إقليمي دولتين أو أكثر فتكون ملكيته لأكثر من دولة. ولأن هذا التعريف يحرم إسرائيل من مياه الليطاني باعتباره نهراً وطنياً ينبع من لبنان ويصب في لبنان، فقد تقدم الباحثون الإسرائيليون بمقولة زعموا فيها أن الليطاني مرتبط جوفياً بروافد نهر الأردن.
وفي هذا السياق المؤرخ الدكتور عصام خليفة أن "الحركة الصهيونية تقدمت في الثالث من فبراير (شباط) 1919 بمذكرة إلى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح تطالب بحدود فلسطين ومن ضمنها إدخال منطقة جنوب الليطاني. وفي مؤتمر سان ريمو (1920) بعثت بثلاث رسائل إلى المؤتمرين يطالبون بضم الليطاني ضمن فلسطين".
أهمية أنهار لبنان
يوضح العقيد الركن المتقاعد أكرم سريوي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "الأنهار بصورة عامة تعد عنصراً استراتيجياً مهماً في العمليات العسكرية، إذ تستخدم في تقييم طبيعة الأرض ومدى تأثيرها في تحركات الجيوش"، موضحاً أن "الأنهار غالباً ما تشكل عوائق طبيعية أمام تقدم القوات، بخاصة عند الحاجة إلى بناء جسور عائمة لعبورها"، لافتاً إلى أن "هذه الجسور تعد نقاط ضعف يمكن للعدو استهدافها مباشرة، مما يجعل حركة الجيوش والمناورة أكثر تعقيداً".
يكشف العقيد أن "الليطاني يمر في واد عميق، مما يجعل حركة الآليات والمناورة خارجه أمراً صعباً، بخاصة في غياب طرق رئيسة معبدة"، مشيراً إلى أن "الحديث عن نهر الليطاني لا يقتصر فقط على دوره كعائق طبيعي، بل يتجاوز ذلك ليصبح حدوداً طبيعية تستخدم كمنطقة عازلة، إذ تعد إسرائيل أنه من الضروري أن تكون منطقة الليطاني خالية من الأسلحة الثقيلة كالصواريخ المضادة للدروع، مما يوفر لها حماية أكبر لمراكزها العسكرية ومستعمراتها القريبة".
وعن الأطماع الإسرائيلية التاريخية في مياه الليطاني، يشير العقيد إلى أن برامج تعليمية إسرائيلية تدّعي أن منطقة الليطاني جزء من "أرض إسرائيل"، ويتكرر هذا الخطاب بشكل علني في تصريحات أعضاء الكنيست والقيادات الإسرائيلية.
أما فيما يتعلق بحماية الحدود اللبنانية، يرى سريوي أن "الجيش اللبناني يواجه تحديات كبيرة نتيجة ضعف التسليح"، مؤكداً أنه (الجيش) المسؤول الأول عن حماية الوطن، ولكن عدم توفير السلاح اللازم له يُعيق قدرته على التصدي للعدوان الإسرائيلي.
مشاريع متوقفة
على رغم الإمكانات التي يوفرها نهر الليطاني فإن استغلاله تعرقل بسبب التحديات السياسية والأمنية. ويشير العقيد سريوي إلى "مشاريع كبيرة كانت مخططة، مثل إنشاء سدود لتوليد الكهرباء وزيادة المساحات الزراعية، لكنها لم تنفذ بسبب الحرب الأهلية وتدخلات إسرائيلية"، موضحاً أن "النهر يعاني اليوم انخفاضاً كبيراً في منسوبه بسبب الاستخدام المفرط للري والكثافة السكانية، مما جعله في نهاية الصيف مجرد قناة صغيرة لا تلبي حاجات السكان، وسط سوء إدارة الموارد المائية وتزايد الطلب".
في السياق ذاته علق مدير عام وزارة الطاقة والمياه سابقاً غسان بيضون عن أهمية أن يكون نهر الليطاني مورداً حيوياً، قائلاً، "نهر الليطاني تحول إلى مكب للنفايات والمخلفات الصناعية والطبية، مما أدى إلى كارثة بيئية تؤثر في الزراعة والثروة السمكية، بخاصة في بحيرة القرعون. وعلى رغم القروض المخصصة لتنظيف النهر، فإن غياب الجدية في التنفيذ والإهمال المستمر حال دون تحقيق أي تقدم".
المتطلبات التقنية لتوليد الطاقة الكهرومائية
يواجه لبنان تحديات تقنية وإدارية تعوق استغلال الأنهار لتوليد الطاقة. وبناءً عليه يشير بيضون إلى أن "توليد الطاقة الكهرومائية يتطلب مساقط مائية قوية، وهو ما تفتقر إليه معظم الأنهار اللبنانية، كما أن المعامل الكهرومائية الحالية قديمة وتحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل ضمن خطة واضحة. ويرى أن غياب الرقابة على الامتيازات الممنوحة لإنتاج الكهرباء أتاح للمستثمرين استغلال الموارد دون الالتزام بالشروط. مثال على ذلك شركة كهرباء قاديشا، التي لم تدمج مع كهرباء لبنان كما كان مخططاً، وأصبحت أداة لتحقيق مصالح شخصية، مما عمق المشكلات الإدارية والمالية في القطاع".
نهر الليطاني... سلاح بيولوجي أم أزمة بيئية؟
وعما إذا كان يعد اليوم نهر الليطاني سلاحاً بيولوجيا أم أن أزمة التلوث الموجودة فيها فقط بيئية، يقول العقيد سريوي إن "تلوث نهر الليطاني أزمة بيئية خطرة نتجت من الفوضى والإهمال، وعلى رغم أن تسميم المياه قد يكون استراتيجية يستخدمها العدو الإسرائيلي، فإن التلوث الحالي لا يصل إلى مستوى السلاح البيولوجي"، داعياً "الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها وإيجاد حلول جذرية لمعالجة هذا التلوث وحماية الموارد الطبيعية".
من جهته يرى زعاطيطي أن "نهر الليطاني لم يعد هدفاً لإسرائيل بسبب التلوث الشديد، إذ تعتمد إسرائيل حالياً على تحلية مياه البحر التي تعد أكثر كفاءة"، موضحاً أن "مياه الليطاني، الملوثة وغير الصالحة للاستخدام، تستخدم فقط لتوليد الطاقة الكهربائية"، مشيراً إلى أن "المحطات قديمة وتحتاج إلى صيانة مستمرة، مما يطرح تساؤلاً حول جدوى تشغيلها مقارنة بتنظيف النهر واستعادة مجراه الطبيعي".
ووفقاً للمتخصص في شؤون البيئة المائية كمال سليم في حديث إلى "اندبندنت عربية" تحوي مياه بركة القرعون على "السيانوبكتيريا"، وهي كائنات سامة قتلت الكائنات الحية وحولت المياه إلى غير صالحة للاستخدام"، مشيراً إلى أن "هناك منعاً لصيد الأسماك في البحيرة، مع متابعة وملاحقة للصيادين، لكن في بعض الأحيان يصعب تطبيق القانون بصورة كاملة".
على رغم الأوضاع المأسوية في المجرى العلوي يشير سليم إلى أن "وضع نهر الليطاني في مجراه الجنوبي مقبول بيئياً، إذ إن التلوث خفيف نسبياً. هذا القسم من النهر لا يتأثر بتلوث مياه القرعون، إذ يتغذى من أنهار محلية وسَوَاقٍ، قبل أن يصب في نهر القاسمية، الذي يصل إلى مدينة صور".
الحلول المقترحة
أما عن الحلول المقترحة فيرى زعاطيطي أن "حل أزمة الليطاني يتطلب إزالة سد القرعون وسد الليطاني وإعادة النهر إلى مجراه الطبيعي، بدلاً من محاولة تنظيفه من السموم المتراكمة، وهو خيار يرى أنه غير عملي"، مشيراً إلى أن "السياسات الحالية تفيد السياسيين الذين يستغلون الموارد عبر الكسارات والمرامل، بينما تهمل المياه الجوفية التي تشكل ثلثي الثروة المائية في لبنان.
ويختتم بيضون حديثه بتأكيد أن "إدارة الموارد المائية في لبنان تحتاج إلى رؤية واضحة وعمل جاد". ويقول، "لبنان لا يستطيع تحمل مزيد من الإهمال في قطاع المياه"، مؤكداً أن "الاستفادة من هذه الموارد تحتاج إلى جهود حقيقية لحمايتها من التلوث والطمع الخارجي".