ملخص
تنشر "اندبندنت عربية" الجزء الرابع والأخير من سلسلة ملف "حزب الله" الذي يتضمن وثائق سرية كشف عنها أخيراً الأرشيف الوطني البريطاني. وهذا الجزء يتطرق بصورة مباشرة إلى موقف لندن والغرب من المنظمات التي تعتمد على العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، كيف وفرت سوريا لإيران إمكانية الوصول الحيوي إلى العالم العربي وفتحت نافذة قيمة لطهران على عملية السلام، وكذلك إحباط أعضاء من "حزب الله".
لم يكن حضور "حزب الله" على الساحة اللبنانية، العربية، وكذلك الدولية يوماً مرحباً به من جميع الأطراف، ربما عد البعض، خارج الطائفة الشيعية، في فترة من الفترات حضوره السياسي والعسكري "مقبولاً"، لكن ما لبث أن تبدل هذا الموقف بتبدل الأحداث وما شهده لبنان من محطات صعبة، أمنية وسياسية، وحتى اقتصادية.
وما يربط الحزب بإيران من أهداف وأيديولوجية وحتى نشاطات عسكرية وأهداف ومسارات مالية، أدى إلى فرض دول غربية كبرى عقوبات عليه وعلى من يتعامل معه، فيما صنفته دول غربية تنظيماً إرهابياً متهمة إياه بالوقوف وراء أحداث أمنية دامية أودت بحياة العشرات في العقود الماضية.
في الجزء الأول، الثاني، والثالث عرضت "اندبندنت عربية" ما جاء في وثائق بريطانية سرية كشف النقاب عنها الأرشيف الوطني، وتطرقت بصورة مباشرة إلى نشأة الحزب، اتصال نشاطاته وما يقوم به بصورة مباشرة بإيران، الخلافات الداخلية التي عصفت به وكذلك الخلافات على المرجعية الشيعية العليا بين قم في إيران والنجف في العراق، وأيضاً الموقف الغربي من الحزب.
تنشر "اندبندنت عربية" الجزء الرابع والأخير من سلسلة ملف "حزب الله"، والذي يتطرق بصورة مباشرة إلى موقف لندن من المنظمات التي تعتمد على العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، وتفاصيل أخرى.
تتحدث البرقية رقم 100406Z المرسلة في الـ10 من يونيو (تموز) 1994 من قبل السفارة البريطانية في بيروت إلى مرجعيتها في لندن، عن موقف الحكومة البريطانية المبدئي من المنظمات والجماعات التي تعتمد على العنف والأعمال الإرهابية كوسيلة لتحقيق أهدافها، بما في ذلك "حزب الله" في لبنان.
وفي هذه البرقية تنفي السفيرة البريطانية لدى بيروت مايفي فورت عام 1994 وجود أية صلة بين الطاقم الدبلوماسي البريطاني و"حزب الله"، وقالت إنهم لم يلتقوا أي عضو من أعضاء الحزب ولم تجتمع السفيرة نفسها مع الأمين العام للحزب حسن نصرالله أو زعيمهم الروحي محمد حسين فضل الله.
وتضيف الوثيقة أن نواب الحزب لا يذهبون إلى المناسبات الاجتماعية العادية في لبنان ولم تصادفهم السفيرة في زياراتها للبرلمان. وبالمثل لم يكن هناك أي اتصال معهم من قبل أعضاء آخرين لسفارة المملكة المتحدة هنا. ومع ذلك فقد أرسلت السفيرة رسالة إلى فضل الله مع نسخة من خطاب أمير ويلز حول الإسلام والغرب (كما فعلت مع جميع الزعماء الدينيين الرئيسين الآخرين)، وتلقت رداً سريعاً ومهذباً للغاية.
وفي السياق نفسه تكشف الوثيقة عن أن "حزب الله"، والذي كان حينها في بدايات دخوله المعترك السياسي في لبنان، كان يقلل من التواصل الاجتماعي أو التجاري مع الطوائف والجماعات الأخرى وجميع الأجانب باستثناء الإيرانيين.
وما جاء في نص الوثيقة على لسان السفيرة البريطانية "من الواضح أن الحزب حالة خاصة. بصرف النظر عن عدم الرغبة في منحهم الفرصة للتواصل، فأنا لا أعتقد أن التواصل معهم (الحزب) في هذه المرحلة سيكون مثمراً لنا. بناءً على تعليمات من وزارة الخارجية، عقد سلفي اجتماعاً واحداً في الأقل مع فضل الله حول الرهائن البريطانيين. نحتفظ ببعض الأوراق السابقة هنا وأجد أن التواصل لم يكن مثمراً أو نافعاً".
موقف فرنسا وأميركا والجماعات الأخرى
عن الموقف الفرنسي والأميركي من التعامل مع "حزب الله" في بداية تسعينيات القرن الماضي تضيف فورت أن مواقف باريس وواشنطن قريبة منهم. وفي هذا السياق تكشف في رسالتها إلى لندن عن أنه "ليس للأميركيين أية تعاملات مع الحزب، لكنهم على اتصال بمجموعة واسعة من الجماعات الأخرى، بما في ذلك الجماعات التي تلطخت أيديها بالدماء أثناء الحرب، مثل (سمير) جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية) وإيلي حبيقة. عليك أن تعلم أن لبنان لديه أيضاً مجموعات مسيحية متطرفة قامت بارتكاب أعمال عنف، لقد تبنت في الماضي العنف ودافعت عنه ولم ترفضه".
في السياق نفسه أكد السفير الفرنسي لنظيرته البريطانية لدى بيروت أن السفارة الفرنسية تتبع النهج نفسه فيما يتعلق بـ"حزب الله"، لكنه ينوي التواصل بهم من خلال دعوة زعماء دينيين آخرين، لكن في الوقت عينه تكشف هذه الوثائق السرية عن أن السفير الألماني يجري اتصالات منتظمة مع فضل الله أو نصرالله كل بضعة أشهر، ويقدم تقاريره أحياناً إلى الاجتماعات الشهرية لسفراء دول الاتحاد الأوروبي. ومن خلال تقاريره يتضح أن علاقاته لم تسفر عن تغيير أو رؤى جديدة.
وتقول السفيرة البريطانية في رسالتها "على العموم إن آراء الحزب تنقلها الصحافة بصورة جيدة هنا (في لبنان)، ويبقيني عديد من أعضاء البرلمان على علم بنشاطاتهم في البرلمان... لا أعتقد أن التواصل الرسمي المباشر بين السفارة والحزب من شأنه أن يسفر عن مزيد من التقدم، فإذا تم نزع سلاحه، يمكننا أن نعيد النظر في موضوع العلاقات".
سوريا ووصول إيران إلى العالم العربي
في سياق آخر يشير التقرير السري المرسل من قبل وزارة الخارجية البريطانية إلى ممثلياتها في بيروت وطهران وتل أبيب في الثالث من يوليو (تموز) 1994 إلى لقاء أحد كبار موظفي الوزارة مع البروفيسور راي هينبوش والدكتور أنوشيروان احتشامي من جامعة دورهام في إنجلترا. ويتضمن التقرير محضر النقاش الذي دار في هذا اللقاء، والذي تطرق بصورة مباشرة إلى رحلة هينبوش واحتشامي إلى دمشق ولقاءاتهما المسؤولين هناك.
وفي نص التقرير "تناولت (أحد كبار الموظفين في وزارة الخارجية) الغداء مع البروفيسور راي هينبوش والدكتور أنوشيروان احتشامي من جامعة دورهام قبل عودتها إلى المملكة المتحدة... لقد أكملا جولة مثيرة للاهتمام من المقابلات... وتعليقاتهما على سوريا وإيران كانت ذات أهمية قصوى. وهم يتعاونان حالياً في تدوين كتاب عن العلاقة السورية - الإيرانية".
وقال احتشامي، بحسب الوثائق، إنه فوجئ بالترحيب الذي حظي به من قبل السفارة الإيرانية. وعلى رغم أنه مواطن بريطاني من أصل إيراني، فإنه قال إنه لم يشعر بأي فضول لا مبرر له وفوجئ بانفتاح كل من الحاضرين، على رغم أنه اعترف بأنه ابتعد عن النقاط الأكثر حساسية. وكان انطباعه العام أن العلاقات الثنائية في حالة جيدة.
إيران والدعاية السورية
وفي الوثائق أيضاً ذكر أنه على الجانب الإيراني وفرت (سوريا) شرياناً حيوياً في العالم العربي بصورة عامة، وعلى وجه التحديد جنوب لبنان، كما وفرت للإيرانيين "نافذة" قيمة على عملية السلام في الشرق الأوسط. وقال الدكتور احتشامي إنه يعتقد أن الإيرانيين كانوا يجهلون بصورة مدهشة بشؤون إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف الوثيقة "سأله السفير (الإيراني) عن موقف إسرائيل وطلب منه أن يرسل لهم بالفاكس أية مواد مطبوعة لديه حول هذا الموضوع من لندن. شعر احتشامي بأن الإيرانيين قد اكتفوا من الدعاية السورية ومن أجل تكييف سياستهم الخاصة مع إسرائيل، وربما حدوث تسوية إسرائيلية مع سوريا، كانوا يبحثون عن مصادر مستقلة للمعلومات.
وهنا تنقل الوثائق ما قاله احتشامي عن أن السفير الإيراني كان حريصاً بصورة خاصة على معرفة كيف ينظر إلى إيران في الغرب واستفسر عن مستوى الاهتمام بإيران والشؤون الفارسية في الجامعات البريطانية.
وفي سياق هامشي يكشف احتشامي عن أنه تأخر في لقاء السفير الإيراني بسبب وصول وفد من رجال الدين من لبنان. وقال إنه فوجئ بالسهولة التي سمحت لهم بالسفر من لبنان من دون الحصول على تصاريح من السلطات السورية على ما يبدو. وعلى أساس ذلك وتعليقات محاوريه، قال احتشامي إنه يعتقد أن السفارة (الإيرانية لدى دمشق) هنا أكثر أهمية من بيروت لإدارة العلاقات مع "حزب الله". وتابع "لقد فوجئ (احتشامي) بصورة عامة بالحرية الممنوحة للإيرانيين. أخبروه أن كثيراً من وقتهم يقضونه في التعامل مع 2500 زائر شهرياً يزورون دمشق. كما كان المركز الثقافي والحسينيات في السيدة زينب نشطين في المسائل الدينية بدعم من السوريين، أو في الأقل عدم تدخلهم".
يكشف هذا الملف السري من الأرشيف البريطاني أيضاً، بحسب تحليل احتشامي، حول علاقة إيران بـ"حزب الله"، هو أنه على المدى القصير، تم تحقيق الأغراض الدعائية الإيرانية من خلال انخراط وكيلها (الحزب) عسكرياً مع إسرائيل، لكن على المدى البعيد، إيران تتطلع إلى الحزب (الذي سيتم نزع سلاحه حتماً بحسب نص الوثيقة) لتشكيل الحكومة السياسية، باعتباره صوت الشيعة في لبنان. وعلى هذا النحو، فقد اعتقد احتشامي أنهم سيشكلون مشكلة أكبر مما يمثلونه حالياً كميليشيات "تحت السيطرة". وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط بصورة عامة، قال إن الإيرانيين تمسكوا بالخط القائل إن الأمر متروك للدول العربية للتسوية مع الإسرائيليين، بصورة فردية أو ككتلة. وكان انطباعه أن الإيرانيين يعدون أنفسهم أكثر لتسوية تتطلب إعادة تقييم دور "حزب الله"، أي التركيز على أجندتهم السياسية داخل لبنان.
إحباط أعضاء من "حزب الله"
في سياق منفصل ينقل احتشامي عن شخص اسمه بيان جبور من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ما قال عن أن أعضاء "حزب الله" أعربوا له أخيراً عن إحباطهم من كونهم "مجرد ورقة" في العلاقة الإيرانية - السورية. وأضاف نقلاً عن هؤلاء الأعضاء أنهم لا يترددون في اعتقادهم أنه في حالة التوصل إلى تسوية سورية مع إسرائيل، سيطلب منهم وقف العمليات ونزع سلاحهم على الفور. ومن الأمور الأخرى التي تثير انزعاجهم المبادئ التوجيهية التقييدية التي يفرضها السوريون على عملياتهم.
البروفيسور راي هينبوش كشف بدوره عن أنه سمع أن الفصائلية أصبحت مشكلة في "حزب الله" في لبنان. وقال إنه رأى بصورة فجة انقساماً بين المعتدلين المؤيدين لسوريا والمتطرفين الموالين لإيران الذين ربما بدأت أجنداتهم تتشعب.