ملخص
مع تصاعد أزمة المناخ يتزايد الانتقاد لاستهلاك الأثرياء المفرط، مثل استخدام الطائرات الخاصة وساعات اليد الفاخرة، في وقت يتعين علينا التحلي بمسؤولية بيئية أكبر
هل تخطط للاستمتاع قريباً بليلة صاخبة في جزيرة إيبيزا مثلاً؟ عبر الخطوط الجوية البريطانية تصل إلى وجهتك مقابل نحو 270 جنيهاً استرلينياً ذهاباً وإياباً في أكثر من ساعتين بقليل، ولكن لماذا تتحمل كل هذه المتاعب فيما يمكنك استئجار طائرة خاصة تتسع لأربعة إلى ستة أصدقاء؟ إنها صفقة مغرية بـ30 ألف جنيه استرليني.
لا تملك مبلغ 30 ألف جنيه استرليني لتصرفه على استئجار طائرة خاصة فاخرة من طراز "فينوم"؟ إذاً، أنت ربما لست من قراء "أتش تي أس أي" HTSI، المجلة ذات التصميم الفاخر التابعة لصحيفة "فاينانشيال تايمز" والموجهة إلى كبار الأثرياء الذين يعدون واحداً في المئة من السكان، أو من يطمحون ويسعون إلى أن يكونوا من هؤلاء. أنت مدعو كل أسبوع إلى التحديق بدهشة وانبهار في أسلوب حياة أصحاب الثروات الضخمة، أو إنهم فاحشو الثراء، كما يجب أن نسميهم الآن.
شأن مجلتهم المخصصة، يمتلك فائقو الثراء اختصاراً خاصاً بهم هو UHNWIs (Ultra high net worth individual)، أو الأفراد ذوو الثروات الضخمة جداً. كيف لا يعشق هؤلاء مجلة "أتش تي أس أي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قبل تغيير اسمها إلى "أتش تي أس أي"، كان اسم المجلة "هاو تو سبيند إت" How to Spend It (كيف تنفق أموالك). وقد عثر أحد مراسلي "اندبندنت" على نسخة منها "مهترئة بسبب كثرة تصفحها" في مجمع كان يملكه الديكتاتور الليبي معمر القذافي. يبدو أنه كان مؤثراً سابقاً لعصره، قبل أن تصبح ظاهرة المؤثرين شائعة اليوم.
لم يكن القذافي ليركب طائرة صغيرة مثل "فينوم" Phenom. كان يملك طائرة خاصة من طراز "إيرباص أي 340" بقيمة 120 مليون دولار، مجهزة بحمامات كثيرة، ودشين، وجاكوزي وكثير من الأرائك الجلدية. كان يعرف كيف يعيش حياة فاخرة ومترفة.
لكن عام 2022، بينما كانت الأمة ما زالت تتعافى من جائحة "كوفيد" [بما تحمله من أزمات معيشية وظروف صعبة وتحديات]، بدأت "فاينانشيال تايمز" تشعر بالحرج من التفاخر وبصورة فاضحة بأسلوب الحياة الباذخ والثروات الضخمة، وتساءلت عما إذا كان اسم المجلة الأصلي، "هاو تو سبند إت"، قد أصبح قديماً بعض الشيء. ربما كانت روح الدعابة والسخرية من الأثرياء المتفاخرين قد أصبحت مبتذلة وغير محببة خلال السنوات الـ28 الماضية.
قالت رئيسة التحرير الجديدة للمجلة جو إليسون، "نريد أن يعكس اسم المجلة وشعارها عالماً يتمتع بحساسيات أعمق". وأضافت أن القراء يمكنهم تفسير الحرف "أس" S بأي طريقة يختارونها: قد يكون كيف تدخره save، أو كيف توجهه steer، أو كيف تدير أمورك به surf، أو كيف تستمتع به savour.
ولكن أثار الاسم الجديد للمجلة انتقادات غير لطيفة، إذ بدا أنه يمزج، في رأيهم، بين داء جنسي ومشروع ضخم للبنية التحتية.
لا يهم. لو كان القذافي على قيد الحياة اليوم، لكان قد تصفح مجلة الأسبوع الماضي، التي بلغ عدد صفحاتها 110 صفحات فاخرة. ربما تكون إعلانات الصحف في تراجع، ولكن لا ينطبق ذلك على فاحشي الثراء. كان الزعيم ليقلب صفحات الإعلانات الباذخة الأولى، بدءاً بعقد "مجوهرات راقية" من "كارتييه" مصنوع من الذهب الوردي مع خرز المرجان والماس مقطوع ومصقول بأسلوب "البريليانت" [يصل فيه عدد السطيحات بين 57 و58 وجهاً] بسعر 31 ألف جنيه استرليني، أو ما يعادل تقريباً كلفة تذكرة ذهاب وعودة إلى إيبيزا.
ثم سوار "بي ماي لوف" Bee My Love من مجوهرات "تشوميه" Chaumet، مصنوع من الذهب والألماس بسعر 89 ألف جنيه استرليني، تليه تحفة فنية (وليس مجرد ساعة) من علامة "أندرسن جنيف" Andersen Geneve من نوع خاص يسمى "ساعات القفز": نسخة "رايزنغ صن" Rising Sun ستكلفك 62 ألف جنيه استرليني. ولولا العقوبات، كان في مستطاع القذافي أن يفكر في قضاء ليلة في فندق "إيموري" الفاخر في بيلغرافيا، حيث مع الأسعار التي تبدأ بـ2460 جنيهاً استرلينياً في الليلة، يقدمون سيارة مجانية إلى مجموعة مختارة من المطارات ومحطات الطائرات الخاصة.
ولكن ذلك كله مجرد إعلانات مغرية مبالغ فيها، وكصحافي، لم أهتم يوماً قط بالمحتويات الدعائية التي تظهر بين النصوص الصحافية الحقيقية. وكما كتب أحد مؤرخي الصحيفة: "لم تكن الصحافة اليومية لتصبح قوة مؤثرة في الحياة العامة والاجتماعية لولا حاجة رجال التجارة إلى الإعلان".
لكن الاقتباس المذكور آنفاً، من كتاب "الممتلكات الخطرة" Dangerous Estate لفرانسيس ويليامز، المنشور عام 1957، يفترض وجود تفكير جاد حول ما يعنيه أن تكون "قوة مؤثرة في الحياة العامة والاجتماعية". ربما، كمحرر عام 2021، وفي خضم مؤتمر يناقش أزمة تغير المناخ في باكو عاصمة أذربيجان، قد تتوقف وتفكر قبل أن تخصص صفحة كاملة من "أتش تي أس أي" للحديث عن "كل ما تحتاج إلى معرفته حول السفر بالطائرات الخاصة".
كاتب التقرير المذكور أنجز، من دون شك، عملاً شاملاً ووافياً، إذ قسم الموضوع إلى ثماني فئات من نوع السفر الفاخر الحصري الذي ربما يهم أصحاب الثروات الضخمة" قراء "أتش تي أس أي".
يبدأ التقرير بالحديث عن الرحلات الجوية الطويلة المدى، إذ يجد القارئ نفسه أمام اختيار صعب بين طائرة من طراز "غلوبال 6000" Global 6000 من شركة "بومباردييه" Bombardier الكندية والتي تبلغ قيمتها 60 مليون دولار (47 مليون جنيه استرليني)، وتوفر راحة من الدرجة الأولى وتتسع لثمانية أشخاص، وبين طائرة "غلف ستريم جي 650" Gulfstream G650 التي تبلغ قيمتها 78 مليون دولار وتتسع لـ10 أشخاص، ولكنها بحسب التقارير، "لا تقل فخامة" عن الطائرة الأولى.
ثم ننتقل إلى العطلات الصغيرة، إذ يبدو أن طائرة "سايتيشن أكس أل أس" Citation XLS من "سيسنا" Cessna خياراً جيداً، إذ تحوي مرحاض واحد في أقل تقدير. ستكلفك 6.4 مليون دولار لطراز 2009. أما القسم المخصص للطائرات "الأنسب لأغراض السفر المتعلق بالعمل" فيوصي بطائرة "داسو فالكون 7 إكس" Dassault Falcon 7X بسعر 54 مليون دولار لرحلتك القادمة إلى نيويورك، وتأتي مع مضيف طيران ووجبات ساخنة مقابل 120 ألف جنيه استرليني فقط.
لقد تحدثت في مكان آخر من المقال (في الأعلى) عن القسم الخاص بإقامة الحفلات في جزيرة إيبيزا، والذي يشير إلى بديل يتمثل في إمكانية الهبوط في مطار إنجادين، "على بعد 10 دقائق فقط من حانات سانت موريتز".
ثم لدينا قسم الطائرات "الأفضل للحيوانات الأليفة"، لمن يرغبون في السفر إلى لوس أنجليس أو ملبورن برفقة كلب "لابرادودل".
وتتابع القائمة حتى تنتهي بطائرة يمكنك استئجارها للاستمتاع بجولة حول العالم لمدة أسبوعين مع العائلة والأصدقاء مقابل مليون جنيه استرليني تقريباً.
أي كلمة تبدأ بحرف "أس" S تتبادر إلى ذهنك عندما تقرأ عن هذه "الليموزينات" الجوية الخاصة الفاخرة؟ إنفاق Spend؟ ادخار (Save)؟ استمتاع (Savour)؟ أشياء (Stuff)؟ تدمير (Screw)؟ احتراق (Scorch)؟ نجاة (Survive)؟ توقف (Stop)؟
عذراً لو كنت أتحدث بصورة مثالية شديدة الاهتمام بالبيئة على نحو ربما يراه البعض غير عملي، ولكن لا يبدو أن ثمة نقاشاً جاداً حول حقيقة أن السفر على متن طائرة خاصة أحد أكثر الأنشطة الكارثية التي يقوم بها المرء لتدمير الكوكب. ينبعث من بعض الطائرات الخاصة طنان من ثاني أكسيد الكربون في ساعة واحدة، أي ما يعادل انبعاثات 400 سيارة، وتقلع طائرة واحدة كل ست دقائق في المملكة المتحدة. تلوث هذه الطائرات الجو بمقدار 50 ضعفاً أكثر من السفر بالقطار، إذ تطلق أكاسيد النيتروجين وتأثيرات خطوط البخار المرئية التي تتركها الطائرات في السماء، إضافة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. باختصار: الأثرياء الذين يشكلون وحداً في المئة من السكان مسؤولون عن نصف انبعاثات رحلات الطيران في العالم.
في الحقيقة، لا يبدو أن هذه الأرقام تهم كثيراً الأشخاص الذين يستخدمون هذه الطائرات بصورة معتادة. يمكنك السفر من بلدة فارنبورو جنوب غربي لندن إلى لندن في نحو 40 دقيقة بالقطار، وبكلفة 20 جنيهاً استرلينياً تقريباً. ولكن مع ذلك كانت هذه الرحلة الأكثر شعبية على مستوى الرحلات الداخلية في المملكة المتحدة باستخدام الطائرات الخاصة، مع تسجيل 131 رحلة مماثلة عام 2022. وكانت الرحلة الأوروبية الأكثر شيوعاً من جنيف إلى باريس (636 رحلة، مع إطلاق انبعاثات بمقدار 1.1 طن من ثاني أكسيد الكربون)، في حين أن 99 في المئة من الناس يفضلون السفر بالقطار، الذي سيوصلك إلى هناك في أكثر من ثلاث ساعات بقليل مقابل ما يزيد قليلاً على 200 يورو (166 جنيهاً استرلينياً).
ولكن هذه الأوقات عصيبة بالنسبة إلى أصحاب الثروات المهولة، مع فرض [وزير الخزانة البريطانية] رايتشل ريفز ضريبة قدرها 450 جنيهاً استرلينياً على كل رحلة بطائرة خاصة، إضافة إلى ذلك فإن الساعات المبالغ في قيمتها التي يبدو أن قراء "أتش تي أس أي" يرغبون فيها بشدة، تنتشل من معاصمهم بصورة متزايدة. وسجل عام 2022 سرقة أكثر من 6 آلاف ساعة من هذا النوع، وجاء كثير من هذه السرقات على يد عصابة تعرف باسم "سارقي رولكس".
إننا إزاء "مشكلة صعبة وتحد كبير"، قال أحد مديري صناديق التحوط في مجلة أخرى موجهة إلى الأثرياء، متحدثاً عن العوامل التي حملته على الهرب من لندن إلى زيوريخ في سويسرا. وأضاف أن المشكلة لا تنحصر في سرقة ساعات "رولكس"، بل "حقيقة أن القانون الإنجليزي يخول الزوجة الحصول على نحو نصف أصول الأسرة تشكل عامل نفور آخر بالنسبة إلى كثيرين".
ربما نبالغ إذ نتوقع أن في مقدور الصحافة المساعدة في تغيير مسار المعركة الملحة [ضد التغير المناخي] لإنقاذ البشرية من الغرق أو الاحتراق، ولكن من غير اللائق والمسؤول نشر محتوى حول ممارسات مبتذلة تسهم في تدمير غلافنا الجوي.
"حساسيات أعمق" بالفعل! أعتقد الكلمة التي سأختارها، والتي تبدأ بالحرف "أس" S ستكون "إقحام" Shove، وإعادة تسمية المجلة "دبليو تي أس أي" WTSI (Where To Shove It) "أين تقحمها".
© The Independent