ملخص
في بداية الحرب وضعت "حماس" خطوطاً عريضة لإبرام صفقة مع إسرائيل، وتضمنت شروطاً أساسية وكبيرة، منها حل الدولتين، والوصاية على المسجد الأقصى، وانسحاب المستوطنين من القدس الشرقية، وتبيض جميع السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وتحرير جزء من الأراضي التي تقيم إسرائيل عليها دولتها.
لم يعد أمام حركة "حماس" أي خيار لوقف حرب القطاع إلا تقديم تنازلات كبيرة أمام إسرائيل في شأن الشروط التي وضعتها عندما بدأت عملية "طوفان الأقصى"، وفي جولة المفاوضات الحالية الرامية لوقف إطلاق النار رضخت الحركة ولم تتمسك بمطالبها "الصارمة".
وتستمر محادثات تحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة لدى حركة "حماس" ومحادثات وقف القتال بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بضغط دولي وأميركي، ويحرز الوسطاء تقدماً مهماً، ولكنه بطيء في ملف إنهاء الحرب.
تنازلات تشعل الأمل
حول ما يدور في كواليس المحادثات علمت "اندبندنت عربية" أن "حماس" قدمت تنازلات رئيسة وكبيرة أمام إسرائيل، وهذا التخلي عن المطالب يجعل إمكانية إحراز تقدم حقيقي في مفاوضات تحرير الرهائن ووقف القتال في غزة أمراً ممكناً، لذلك يتفاءل جميع الأطراف بإمكان التوصل إلى صفقة قريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عائلات الرهائن بإحراز تقدم في مفاوضات وقف القتال في غزة، هو الذي عرف منذ بداية الحرب بأنه عنيد في شروطه أمام "حماس" ومستعد لإفشال أية جولة مفاوضات ما لم تكن المحادثات في مصلحة بلاده.
أيضاً أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إمكانية التوصل إلى اتفاق في غزة، إذ تنازلت "حماس" عن كثير من شروطها ومطالبها، وبدأت تسعى إلى إبرام صفقة مع إسرائيل هدفها فقط وقف القتال في القطاع.
في بداية الحرب وضعت "حماس" خطوطاً عريضة لإبرام صفقة مع إسرائيل، وتضمنت شروطاً أساسية وكبيرة، منها حل الدولتين، والوصاية على المسجد الأقصى، وانسحاب المستوطنين من القدس الشرقية، وتبيض جميع السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وتحرير جزء من الأراضي التي تقيم إسرائيل عليها دولتها، لكن جميع هذه القضايا الأساسية التي تبنتها "حماس" وظلت متمسكة بها، تنازلت عنها كلياً ولم تعد تطرحها من الأساس في أية جولة مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وهو ما عزز إمكانية جلوس الوسطاء مع قيادات الحركة لمناقشة تفاصيل إنهاء حرب القطاع.
حتى في الهدنة
بحسب المعلومات الواردة فإن ثاني أمر تنازلت عنه "حماس" هو وقف إطلاق النار الكامل خلال الهدنة، وقبلت بأن يحق للجيش الإسرائيلي إطلاق النار خلال جميع مراحل الصفقة وقصف أماكن ما دام يرى أنها تشكل خطراً عليه، وذلك على غرار ما حدث في اتفاق لبنان.
في الحقيقة، كانت "حماس" تطالب بوقف كامل لإطلاق النار خلال الهدنة مهماً كانت التجاوزات، وترفض حتى تحليق الطائرات في سماء غزة، لكنها تراجعت عن ذلك الشرط إثر ضغوط الوسطاء الذين طرحوا عرضاً يشبه العرض اللبناني.
يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لن يوقف الحرب في قطاع غزة، ولن يوقف إطلاق النار حتى إذا جرى التوصل إلى هدنة، ويقول "إذا أوقفنا إطلاق النار الآن ستعود (حماس) وتنهض، وهذا ما لا نريد العودة إليه حتى لو ذهبنا إلى صفقة".
أما ثالث تنازلات "حماس" فهي التخلي عن أجزاء من مساحة القطاع وشرط الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، إذ قبلت الحركة بقاء الجيش داخل محوري "نتساريم" و"فيلادلفي"، وحتى في المراحل الأخيرة من الصفقة التي تتضمن انسحاباً كاملاً للجيش من غزة فإن القوات الإسرائيلية ستبقى في مناطق الشمال والشرق، وتخلق مناطق عازلة تقضم مساحات كبيرة من القطاع تقدر بنحو 16 في المئة.
ويعد ذلك البند من أكثر البنود حساسية، إذ كانت "حماس" تطالب بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي القطاع، وإسرائيل كانت ترفض ذلك وتصر على البقاء في محوري "نتساريم" و"فيلادلفي" وتفشل أية صفقة لا تضمن ذلك.
العودة والمنافي
كذلك تنازلت "حماس" عن تحرير كبار قيادات الفصائل الفلسطينية، وقبلت بنفي كثير من الأسرى الكبار الذين سيفرج عنهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية، على رغم أنها كانت تطالب بوجودهم داخل غزة أو الضفة الغربية.
وشملت قائمة التنازلات المقدمة من "حماس" لإسرائيل القبول بعودة كاملة للسكان إلى النصف الشمالي لغزة، كما قبلت عودة جزئية للنازحين تشمل فئات الأطفال والنساء وكبار السن، وأن تكون عودتهم على مراحل وإلى مناطق معينة محددة وليس إلى كل النصف الشمالي من غزة. أما التنازل الخامس فيتعلق بالمساعدات، إذ كان يتدفق إلى غزة كل يوم 500 شاحنة، لكن "حماس" قبلت في أن يصبح العدد 300 شاحنة من فئة المساعدات فقط وليس بضائع تجارية. وعلى أثر هذه التنازلات بدأ الوسطاء يحرزون تقدماً في المحادثات بما يضمن التوصل إلى صفقة تبادل رهائن بين طرفي الحرب ووقف للقتال ينفذ على مراحل ثلاث، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ خلال الأيام المتبقية من العام الحالي.
لا تنفي "حماس" تقديم تنازلات لمصلحة إسرائيل. يقول عضو مكتبها السياسي باسم نعيم، "مستعدون للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، والحركة مستعدة لإظهار مرونة في شأن انسحاب الجيش من غزة وآلية عودة النازحين وإنهاء مستمر للحرب، ولكنها تطالب بأن يكون لهذه البنود جدول زمني لتنفيذها".
يعتقد الباحث السياسي جهاد التتر أن "حماس" تأخرت كثيراً في تنازلاتها، ولو تخلت عن شروطها وقبلت بما هو مطروح سابقاً، أي ما وافقت عليه اليوم، لكانت حرب غزة انتهت في يومها الـ100 وما استمرت 15 شهراً.
ويقول التتر "أجبرت (حماس) على تقديم هذه التنازلات الكبيرة وغير المسبوقة أمام إسرائيل، إذ تمارس الولايات المتحدة ضغطاً وتهديداً، وهذا ما يقوم به الوسطاء أيضاً، وإلى جانب ذلك فإن الحركة أيقنت أنها تعيش في وهم تسميه وحدة الساحات بعدما تلقى حلفاؤها ضربات قاسية". ويضيف أن "حماس" جربت التشدد في المطالب، لكنها لم تحقق أية نتائج، بل أدى ذلك إلى جمود كبير في مفاوضات التهدئة مع إسرائيل، وأيضاً إلى استمرار العمل العسكري الإسرائيلي في القطاع، مما أنهك قدراتها، لقد كان هذان السببان كافيين للضغط على الحركة للتنازل عن مطالبها.