ملخص
يقول مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن عنف العصابات خرج عن السيطرة مما أدى إلى شلل خطوط الإمداد التي يعتمد عليها معظم المدنيين في غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، للبقاء على قيد الحياة.
قال ثلاثة مسؤولين مطلعين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن إسرائيل تقاعست عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العصابات المسلحة التي تهاجم قوافل المواد الغذائية في قطاع غزة، على رغم تعهدها بفعل بذلك في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للمساعدة في درء المجاعة عن القطاع الفلسطيني.
وأضاف المسؤولون الثلاثة الكبار أن ذلك الالتزام الذي تم التوصل إليه خلف الأبواب المغلقة، بدا وكأنه انفراجة لأنه منذ بداية الحرب في أكتوبر عام 2023 وجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في القطاع الذي مزقته الحرب.
لكن القوات الإسرائيلية ظلت تركز على حربها ضد حركة "حماس" ولم تتخذ سوى إجراءات محدودة ضد العصابات القليلة التي تنشط في أجزاء من غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وفقاً للمسؤولين الثلاثة الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات.
وأحال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسئلة المتعلقة بالتعهد وبعمليات الإغاثة في غزة إلى الجيش، وأحجم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على ما اتّفق عليه في أكتوبر الماضي وما تم تنفيذه للحد من عمليات النهب، لكنه قال إن "إسرائيل اتخذت خطوات كبيرة للسماح بدخول أقصى قدر ممكن من المساعدات إلى غزة".
والآن يؤكد مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة أن عنف العصابات خرج عن السيطرة، مما أدى إلى شلل خطوط الإمداد التي يعتمد عليها معظم المدنيين في غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، للبقاء على قيد الحياة.
وأظهر إحصاء عن الوقائع كان غير معلن في السابق وجمعته وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات خيرية أنه في أكتوبر الماضي فُقد ما قيمته 9.5 مليون دولار من الأغذية والسلع الأخرى، أي ما يقارب ربع إجمالي المساعدات الإنسانية التي أُرسلت إلى غزة في ذلك الشهر، بسبب الهجمات والنهب.
وقال شخصان مطلعان على الأمر إن تقييم أعمال النهب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لا يزال جارياً، لكن البيانات الأولية تظهر أنها كانت أسوأ بكثير.
وفي منتصف نوفمبر الماضي، تعرضت قافلة مكونة من 109 شاحنات مستأجرة من جانب وكالات الأمم المتحدة للهجوم بعد دقائق من إصدار الجيش الإسرائيلي أمراً لها بمغادرة معبر حدودي في جنوب غزة خلال الليل، قبل ساعات عدة من الموعد المتفق عليه، وفقاً لخمسة أشخاص مطلعين على الواقعة، بينهم اثنان كانا حاضرين.
وأضاف الخمسة أن قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في مكان قريب لم تتدخل، وامتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على الواقعة.
وقال رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة جورجيوس بتروبوليس إن وكالات الإغاثة غير قادرة على حل مشكلة انعدام القانون هناك بمفردها.
وذكر في تصريحات إلى الصحافيين لدى عودته من غزة الخميس الماضي أن "المشكلة أصبحت أكبر من أن تتمكن المنظمات الإنسانية من حلها".
وأحجمت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على الالتزام الذي قطعته إسرائيل في أكتوبر الماضي، لكنها رأت أن عمليات النهب تظل العقبة الرئيسة أمام إيصال المساعدات.
وقال متحدث باسمها "نواصل الضغط على إسرائيل في شأن ضرورة تعزيز الأمن لضمان وصول القوافل التي تحمل المساعدات الإنسانية الضرورية إلى المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة".
وضع إنساني سيئ للغاية
وأصبحت آلة الإغاثة الدولية في حال فوضى بعد 14 شهراً من الحرب التي تشنها إسرائيل على "حماس"، إذ تقول منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى واحدة من أسوأ مستوياتها لأنها غير قادرة على توصيل ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية وتوزيعها على سكان غزة.
وأحيت جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار هذا الشهر الأمل في إفراج "حماس" عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم منذ هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023 وكذلك في إيجاد حلول لتعزيز المساعدات الإنسانية.
لكن عمليات الإغاثة متعثرة في الوقت الراهن بسبب الخلاف بين إسرائيل ومعظم المجتمع الدولي حول من يتحمل المسؤولية عن إطعام المدنيين في غزة والحفاظ على النظام في القطاع الفلسطيني.
ودأبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة على دعوة إسرائيل إلى التزام القوانين الإنسانية الدولية وتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين في غزة، لكن السلطات الإسرائيلية تقول إن واجبها الوحيد هو تسهيل نقل المواد الغذائية والإمدادات الطبية وإنها تفعل الكثير بصورة منتظمة.
وصرّح جيمي مكغولدريك الذي شغل منصب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان) الماضيين بأن حال الجمود جعلت تنظيم عمليات الإغاثة وتنسيقها أمراً بالغ الصعوبة.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون نسبة سكان غزة الذين تستطيع منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدات الغذائية إليهم شهرياً، لقياس مدى تفاقم أزمة الجوع.
وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن النسبة بلغت في نوفمبر الماضي 29 في المئة ارتفاعاً من 24 في المئة في أكتوبر الماضي، لكنها تمثل انخفاضاً حاداً عن الذروة المسجلة وقت الحرب وتجاوزت 70 في المئة في أبريل الماضي.
وقال محمد عبدالدايم مالك مخبز "زادنا 2" وسط قطاع غزة إنه و60 من عماله توقفوا عن العمل منذ شهر ولم يتمكنوا من توفير الخبز لنحو 50 ألف شخص يخدمونهم في الظروف العادية، وأضاف لـ"رويترز" عبر الهاتف الأسبوع الماضي "لا نحصل على الطحين بسبب السرقات".
ونفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما قيل عن عدم حصول بعض المخابز على الدقيق، لكن تقارير مراجعة يومية لعمليات المخابز يعدها برنامج الأغذية العالمي أظهرت أن 15 من 19 مخبزاً تدعمها الوكالة التابعة للأمم المتحدة في غزة خرجت من الخدمة حتى السبت الماضي وأن "زادنا 2" مغلق منذ الـ23 من نوفمبر الماضي بسبب نقص الطحين.
وقال عبدالدايم إن بعض المواد الغذائية المسروقة تجد طريقها إلى السوق، ولكن بأسعار باهظة لا يستطيع سوى عدد قليل جداً من السكان تحملها.
وأوضح العاملون بالإغاثة أنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى شمال غزة، حيث استأنف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية ضد "حماس" في أكتوبر الماضي، ويقدر أن ما بين 30 إلى 50 ألف مدني ما زالوا عالقين هناك، مع قليل من الغذاء والمساعدة الطبية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه تم التجهيز لعمليات إغاثة إنسانية مخصصة للمنطقة.
وبخلاف العمليات العسكرية، أرجع أكثر من 10 مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة تدهور الأوضاع الإنسانية داخل غزة خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى قرار اتخذته السلطات الإسرائيلية في أوائل أكتوبر الماضي بحظر شحنات الأغذية التجارية التي تُدخلها الشركات.
ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، تشكل تلك الشحنات جميع الأغذية الطازجة تقريباً وأكثر من نصف السلع التي دخلت إلى غزة بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول) الماضيين.
وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن حظرها المفاجئ تسبب في نقص حاد في الإمدادات وجعل مهاجمة شاحنات المساعدات أمراً مربحاً.
وفي أكتوبر الماضي، نُهب 40 في المئة من المساعدات التي دخلت من معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة، وفقاً لإحصاء الحوادث الذي اطلعت عليه "رويترز".
وذكرت الأمم المتحدة إن السلطات الإسرائيلية قامت بتشغيل معبر كيسوفيم إلى جانب المعابر الأخرى، لكن العصابات هاجمت أيضاً قوافل على ذلك الطريق.
وأوضح عاملون بالإغاثة وقطاع النقل في غزة أن العصابات تتشكل على أسس عشائرية، وتشمل بعض العناصر الإجرامية التي أطلق سراحها من السجون في غزة أثناء الهجوم الإسرائيلي.
وتضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة على تل أبيب لاستئناف الشحنات التجارية، وقالتا إن زيادة المعروض من الغذاء في غزة بصورة كبيرة من شأنه أن يؤدي إلى خفض الأسعار ويثني العصابات عن النهب، لكن السلطات الإسرائيلية لم توافق.
شاحنات مفرغة
وسعت الأمم المتحدة في وقت مبكر من الحرب إلى الاعتماد على شرطة غزة غير المسلحة لتأمين القوافل، لكن إسرائيل كانت تفتح عليها النار وتقول إنها لا يمكن أن تتسامح مع أي قوة مرتبطة بـ"حماس".
وذكر ضابط إسرائيلي خلال زيارة لمعبر كرم أبو سالم في أواخر نوفمبر الماضي أن مسؤولية توزيع المساعدات على سكان غزة تقع على عاتق الأمم المتحدة بمجرد أن تسمح إسرائيل بدخول المواد الغذائية عبر الحدود.
وقال العقيد عبدالله حلبي الذي كان يرتدي سترة وخوذة واقيتين من الرصاص، للصحافيين وهو يشير إلى أكوام من المواد الغذائية إن المساعدات بانتظار وصول المنظمات الدولية لتوزيعها.
لكن مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة جورجيو بتروبوليس قال إن هجمات العصابات تجعل ذلك شبه مستحيل.
وذكر بتروبوليس وعاملون آخرون في الإغاثة أنهم أصيبوا بصدمة من الهجوم على قافلة من 109 شاحنات في الـ16 من نوفمبر الماضي على بعد أربعة أميال من المعبر.
وأضافت المصادر الخمسة المطلعة أن مسلحين من عصابات عدة حاصروا القافلة وأجبروا السائقين على المضي إلى تجمعات سكنية قريبة حيث سرقوا دقيقاً ومستلزمات طعام من 98 شاحنة.
وأفادت المصادر بأن المسلحين أطلقوا سراح السائقين والشاحنات المنهوبة بعد إفراغ محتوياتها في الصباح.