ملخص
الحكومة التونسية اتجهت إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي التونسي خلال ديسمبر الجاري، بعد موافقة البرلمان الذي سمح له بمنح تسهيلات للخزانة العامة في حدود سبعة مليارات دينار (2.2 مليار دولار) من دون فائدة موظفة، على أن تسدد على 15 عاماً، من بينها ثلاث سنوات فترة سماح
انخفض حجم إعادة تمويل البنك المركزي التونسي للسوق النقدية 23 في المئة عند 12.11 مليار دينار (3.8 مليار دولار) أول من الأربعاء الماضي، مقارنة بـ15.15 مليار دينار (4.76 مليار دولار) في التاريخ نفسه من العام الماضي، بفارق قدره 3.038 مليار دينار (955 مليون دولار) وفق مؤشرات مؤسسة الإصدار التي كشفت عن بلوغ إجمال المعاملات بين البنوك في السوق النقدية 3.59 مليار دينار (1.12 مليار دولار)، مقابل2.17 مليار دينار (682 مليون دولار) في اليوم نفسه من عام 2023 بارتفاع قدره 1.42 مليار دينار (446 مليون دولار).
وحول إجمال سندات الخزانة (أدوات دين حكومية بهدف الاقتراض)، انخفض المتعلق بالسندات قصيرة الأجل 3.4 مليار دينار (1.06 مليار دولار) من 10.8 مليار دينار (3.39 مليار دولار) إلى 7.3 مليار دينار (2.29 مليار دولار) بينما سجلت السندات القابلة للتحويل (التنظير) نمواً بقيمة 2.6 مليار دينار (817 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها، إذ ارتفعت من 16.5 مليار دينار (5.18 مليار دولار) إلى 19.17 مليار دينار (6.19 مليار دولار).
الاقتراض المباشر "استثنائي" متكرر
وتعليقاً على ذلك، قال المحلل المالي عدنان بن صالح إن "دلالة تراجع إجمالي حجم التمويل لا تتوقف عند حد نقص السيولة فحسب، بل تشير إلى انخفاض حجم تمويل الاقتصاد التونسي بالكامل"، ولفت إلى أن "هذا لا يقتصر على مجرد مؤشر لتراجع إصدارات الخزانة من سندات قصيرة الأجل فحسب، بل يشير أيضاً إلى أن السندات قصيرة الأمد امتصت كل السيولة ولم يبقَ منها ما يفترض تمويله للاقتصاد، وقت لم تخفض الدولة من مستوى المديونية بل زاد، متجهة إلى مخزونات البنك المركزي بحكم نقص السيولة لدى البنوك".
يشار إلى أن الحكومة التونسية اتجهت إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي التونسي خلال ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بعد موافقة البرلمان الذي سمح له بمنح تسهيلات للخزانة العامة في حدود سبعة مليارات دينار (2.2 مليار دولار) من دون فائدة موظفة، على أن تسدد على 15 عاماً، من بينها ثلاث سنوات فترة سماح، كما كان البرلمان أقر في فبراير (شباط) الماضي تعديلاً مماثلاً مكّن البنك المركزي من منح تسهيلات في حدود سبعة مليارات دينار (2.2 مليار دولار) لمصلحة الخزانة العامة للدولة، في خطوة وصفت بـ"الاستثنائية" آنذاك، على أن تسدد على مدة 10 أعوام، من بينها ثلاث سنوات فترة سماح، من دون توظيف فوائد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تفسيره لعدم اقتران انخفاض التمويل بإشكاليات ملحوظة، إذ إن الحكومة تمكنت من الحصول على قروض عوض طرح سندات الخزانة على غرار القرض الوطني، قال بن صالح إن "ذلك يُعدّ مؤشراً على ارتفاع التمويل وليس انخفاضه"، وأشار إلى أنه لا فروق جوهرية تذكر بين القرض والسندات القصيرة الأمد والطويلة الأمد غير أن الطويلة الأمد قابلة للتحويل (التنظير) لا غير، فهي فروق تقنية وجميعها قروض في آخر المطاف، في إشارة إلى القرض الوطني الذي اعتمدته الحكومة كآلية التمويل الداخلي للسنة الرابعة على التوالي لتوفير 2.8 مليار دينار (880 مليون دولار) لخزانة الدولة بوصفها آلية جيدة للتمويل في ظل تعثر آليات التمويل الخارجية المتمثلة في قروض من السوق المالية العالمية التي يرجح أن تبلغ مواردها خمسة مليارات دينار (1.57 مليار دولار) أي ضعف المبلغ المستهدف.
وفي تقييمه لأداء الاقتصاد التونسي في ظل هذه السوق النقدية، قال إن "النمو المقدر ما بين 1.6 في المئة و1.2 في المئة لا ينم عن استقرار اقتصادي، إذ إنه لا يخلق الثروة"، وأضاف أنه "أيضاً لا يُعدّ إيجابياً، ما دام أنه أقل من مستوى التضخم عند6.6 في المئة"، مشيراً إلى أن أقل معدل نمو يمكن الحكومة التونسية من توفير فرص عمل تراوح ما بين ثلاثة و3.5 في المئة، ولفت إلى أن أي انخفاض عن هذا المعدل يعني فقدان فرص عمل، بالتالي تراجع حجم الاستهلاك والمخزون والادخار.
التشديد النقدي مع تقديرات نمو ضعيفة
ورأى المحلل المالي مهدي البحوري أن تفسير انخفاض حجم التمويل يتعلق بمؤشرات عدة، من بينها عاملان أساسيان، هما على التوالي اللجوء إلى الاقتراض مباشرة من البنك المركزي، ثم تحسن وضعية ميزان المدفوعات، تأثراً بتحسن تحويلات المغتربين وعائدات القطاع السياحي والصادرات الزراعية.
وفسّر عضو منظمة "كونكت" شكيب بن مصطفى انخفاض تدخل المركزي بالاستقرار الذي شهدته العملة المحلية العام الحالي، إذ انخفض الدينار التونسي 1.9 في المئة مقابل اليورو، مسجلاً 3.3 دينار مقابل اليورو، في حين ظل سعره مستقراً مقابل الدولار عند 3.18 دينار حالياً، لافتاً إلى أن هذا يرجع إلى نهج وزارة التجارة الضاغط على نسق التوريد والسياسة النقدية المتوازنة للبنك المركزي الذي حافظ على سياسة التشديد النقدي بتمسكه بنسبة الفائدة في السوق عند ثمانية في المئة، وأشار إلى أن ذلك يعود لتطبيق استراتيجية للحفاظ على استقرار العملة، على رغم انعكاساتها المباشرة السلبية على أداء المؤسسات بحكم ارتفاع أسعار القروض.
واستدرك بن مصطفى "لكن هذه السياسات التي أتت أكلها في الضغط على التضخم وعجز الميزان التجاري والتخفيف على ميزان المدفوعات، لم تحقق النمو المأمول للناتج المحلي الإجمالي"، ويشار هنا إلى أن رئيس الحكومة التونسية أفاد بتقديرات حكومته ببلوغ نسبة النمو 1.6 في المئة عام 2024.