ملخص
حذر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في وقت سابق أيضاً من أن نتائج التهرم السكاني ستنعكس على المجتمع التونسي في أفق سنة 2034، وستؤدي إلى اختلال أنظمة الصحة والتأمينات الاجتماعية.
في وقت تشهد فيه تونس تحولات سياسية واقتصادية لافتة تواجه البلاد معضلة أخرى تكمن في التهرم السكاني، إذ يتجه المجتمع إلى زيادة غير مسبوقة في عدد المسنين بعدما كان مجتمعاً شاباً له طاقات وكفاءات. ويتمثل "التهرم السكاني" بحسب ما يعرفه المتخصصون بارتفاع في نسبة الفئة غير المنتجة أي فئة المسنين مقابل تراجع الفئة المنتجة أي الشباب.
وتتوقع السلطات في تونس أن يتجاوز كبار السن نسبة الـ17 في المئة عام 2029، وهو أمر يحذر مراقبون من أنه ستكون له عواقب وخيمة على عديد من المجالات في البلاد على غرار الأعباء التي ستتحملها الدولة للإحاطة بهؤلاء.
وكشفت المسؤولة بالمعهد الوطني للإحصاء الحكومي عربية الفرشيشي خلال فعالية للاحتفال باليوم العالمي للأسرة، عن أن "تونس تعرف انخفاضاً في نسبة الأطفال مقابل ارتفاع نسبة الشيوخ، وهو ما يترجم توجهاً في البلاد نحو التهرم السكاني"، وبحسب المسؤولة ذاتها فإن عدد الولادات تراجع في تونس بصورة لافتة، حيث سجل عام 2023، 135 ألف حالة ولادة مقابل 220 ألفاً في عام 2015.
مخاوف مشروعة
وحاولت تونس منذ نيلها الاستقلال عن فرنسا في عام 1956 أن تضبط نسبة الولادات والإنجاب من خلال سياسة "الحد من النسل"، لكن يبدو أن هذه السياسة قد أصبحت تسهم في ظاهرة التهرم. وسياسة "الحد من النسل" تشجع على الاكتفاء بثلاثة أطفال كحد أقصى، وتوفر تسهيلات للنساء من أجل الحصول على وسائل وأدوية لمنع الحمل.
وقال المتخصص في علم الاجتماع بـ"الجامعة التونسية" محمد علي بن زينة إن "تونس لا تطرح أن تتدخل من أجل التصدي للتهرم السكاني، لأنه كما نعرف تونس شجعت، منذ عقود، من خلال سياساتها، على تحديد النسل، لذلك لا نتوقع أن تقوم اليوم بتحول في تلك السياسات من خلال التشجيع على الإنجاب". وأضاف ابن زينة أن "المخاوف مشروعة من التهرم السكاني، إذ ستكون له تداعيات على عديد من الصعد على غرار الجانب الصحي، وستظهر أمراض لدى كبار السن تستوجب إنشاء أقسام خاصة بها في المستشفيات الحكومية، مما سيؤدي إلى ضرورة إحداث تغييرات في الصحة الحكومية". وشدد على أن "هناك تداعيات أيضاً تتمثل بإثقال كاهل الصناديق الاجتماعية المعنية بالصحة وأيضاً بالتقاعد بالنظر إلى أن المجتمع سيصبح في معظمه من متقاعدين"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "من أهم أسباب اتجاه المجتمع في تونس نحو التهرم هو تراجع معدلات الإنجاب والخصوبة".
خمس السكان
وتتوقع السلطات في البلاد أن تبلغ نسبة كبار السن خمس السكان بحلول عام 2036، مما سيضع البلاد أمام كثير من التحديات، خصوصاً مع تصاعد وتيرة الهجرة، سواء النظامية أو غير النظامية نحو أوروبا ما يهدد بإفراغ البلاد من كفاءاتها.
وتعرف تونس تأخراً لفت انتباه كثيرين من المراقبين في الآونة الأخيرة في سن الزواج مع تزايد تعلم الشباب، وفي خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
ويناهز سن الزواج بالنسبة إلى الإناث 31 سنة، و33 سنة للذكور، ويصل حتى نسبة 34 سنة بالنسبة لحاملي الشهادات العليا، وهو أمر انعكس على مستوى الولادات والإنجاب.
وفي وقت سابق قالت الأمم المتحدة في تقرير لها إن النمو السكاني في تونس لم يتجاوز 1.06 في المئة بين عامي 2019 و2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انعكاسات سلبية
التحذيرات من اتجاه تونس نحو التهرم السكاني ليست وليدة اللحظة، إذ سبق أن قالت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة السابقة آمال موسى بلحاج إن "التقديرات السكانية تبين أن المجتمع التونسي في طريقه إلى التهرم".
وحذر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، في وقت سابق أيضاً من أن نتائج التهرم السكاني ستنعكس على المجتمع التونسي في أفق سنة 2034، وستؤدي إلى اختلال أنظمة الصحة والتأمينات الاجتماعية.
واعتبر الباحث في الديموغرافيا شوقي عطية أن "هذه المشكلة تواجهها تونس ولبنان بصورة رئيسة، إذ يعد لبنان في المرتبة الأولى على مستوى التهرم السكاني وتليه تونس بحسب الإحصاءات الرسمية". وتابع عطية أن "ظاهرة التهرم السكاني ستكون لها تداعيات مثل الكلفة التي ستنعكس اقتصادياً بصورة سلبية على البلاد من خلال فقدان اليد العاملة المحلية مقابل ازدياد نسبة المتقاعدين الذين يجب إعالتهم"، وأبرز أنه "على المدى البعيد ستكون هناك تداعيات أخرى على غرار أزمة دولة العناية والرعاية لأن مسؤولية العناية بالكبار تقع على الدولة، لكن من أين ستأتي البلاد بالتمويل؟ ستأتي به من خلال الضرائب المباشرة أو غير المباشرة المفروضة على الشعب والفئات النشطة منه أي الشباب بين سن 15 و64 سنة"، وبحسب عطية فإنه "حين تزداد نسبة الكبار فوق 65 سنة فإن هذا الأمر سيجعل الفئات النشطة هي المطالبة بالمساهمة في إعالة كبار السن، وسيزداد الإنفاق والضرائب، وهنا نصبح أمام ظاهرة ككرة الثلج، إذ ستستمر نسب الولادات والخصوبة في تراجع، مما سيجعل أزمة التهرم السكاني تتفاقم".