Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإسلام السياسي وكعكة سوريا الجديدة 

انقسامات بينية وخلافات خارجية تحاصر فرص استثمار جماعات التيار في سقوط الأسد 

أحمد الشرع خلال اجتماع مع قادة الفصائل المسلحة التي أسقطت نظام بشار الأسد (وسائل التواصل) 

ملخص

تحاول جماعات الإسلام السياسي في المنطقة الاستفادة من سقوط نظام بشار الأسد وتوظيفه لمصلحة تحقيق أهداف داخلية وخارجية. وبينما تشوب خلافات منهجية وسياسية كثيرة بين الفصائل القائدة للسلطة في دمشق من هذا التيار اليوم، يبدو أن الدول الإقليمية ستقوم بدور مهم في تحديد أهداف هذه الجماعات خارج الحدود السورية.  

بعد سقوط نظام بشار الأسد، تسابقت جماعات الإسلام السياسي لتهنئة قادة سوريا الجدد الذين ينتمون إلى هذا التيار فكراً وتنظيماً بصورة أو بأخرى، والاختلافات الأيديولوجية والانقسامات الطائفية وعدم اليقين إزاء مدى صرامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ورفاقه في فرض القيود والمعايير الدينية، كلها وضعت جانباً وأرسلت المباركات والإشادات إلى دمشق محملة بأمل كبير في سلطة تسجل باسم الإسلاميين حول العالم.  

ما تفعله فصائل المعارضة السورية المسلحة التي تقود سوريا اليوم، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام"، يعتقد بعضهم بأنه قد يكون نموذجاً مختلفاً نسبياً للإسلام السياسي، مقارنة بما جرى في دول مثل مصر وأفغانستان وتونس وغيرها، فالفصائل السورية تحاول اليوم الدمج بين الأيديولوجيات الوطنية والدينية، وتسعى إلى النأي بنفسها وفق تصريحات الشرع، عن صراعات خارجية معقدة أو خلافات دينية تاريخية تعود لقرون ماضية. 

بعد سقوط الأسد، أصدرت حركة "طالبان" وفروع تنظيم الإخوان وغيرهما من جماعات الإسلام السياسي "السني" بيانات مبتهجة بانتصار "هيئة تحرير الشام" وتحريرها للسوريين من نظام الأسد، حتى إن بعضها يرى في نجاح الهيئة والفصائل المتحالفة معها، تجربة تستحق الدراسة من ناحية "تكتيكاتها وعملياتها الاستخباراتية وتكنولوجيتها والتعامل مع وسائل الإعلام وإدارة السجناء والإعداد واستراتيجيات المفاجأة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلافات وتباينات

يقول الكاتب والصحافي السعودي مشاري الذايدي إن الإسلام السياسي "السني" استفاد مما جرى في سوريا ووصول الحكام الجدد بقيادة "هيئة تحرير الشام" وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) إلى السلطة، وهو يرى أن هذا التيار يعتبر خليطاً من تنظيمات مختلفة من "القاعدة" والإخوان المسلمين والسلفية وحتى حزب التحرير الذي هو على خلاف مع "الجولاني" ويقبع كثير من أعضائه في سجون إدلب، والجميع يحاول التقارب وتشكيل جبهة إسلامية لمواجهة الأخطار القائمة، لكن مصير وحدتها لا يزال غامضاً ولا يمكن التنبؤ بقدرتها على الاستمرار في ظل وجود خلافات بينها، سواء حول المنهج أو الهدف.

وبرأي الذايدي، ما يوحد جماعات الإسلام السياسي في سوريا اليوم هو سخونة المعركة، ولكن تأجيل معالجة الخلافات القائمة إلى حين ترتيب الوضع السياسي الداخلي قد لا ينجح، خصوصاً أن تباينات عدة ظهرت على السطح مبكراً وبدأ الحديث عنها اليوم.

من خارج سوريا، ثمة كثير من أفراد وجماعات الإسلام السياسي في دول مختلفة يتعاطون مع سقوط الأسد وكأنه "نصر" لهم أجمعين، ولكن هؤلاء أيضاً لديهم خلافات، بخاصة في ما يتعلق بالغاية النهائية من هذا "النصر"، فهل تنتهي حدوده في سوريا أم أنه يجب أن يكون نقطة انطلاق باتجاه مناطق أخرى؟.

وبحسب الذايدي، ليست التباينات وحدها ما يهدد فصائل  سوريا، فهناك خطر سني يحيط بها يتمثل في تنظيم "داعش" الإرهابي الذي لا يعترف بكل الفصائل الحاكمة في دمشق ويريد استئناف مشروعه في "دولة إسلامية لا تعترف بالحدود وتحترف القتال حتى النهاية"، وهناك أيضاً خطر "الإسلام السياسي الشيعي" الذي تقوده إيران وتنضوي تحت رايته ميليشيات في لبنان وسوريا والعراق، وصحيح أن هذا التيار تعرض لنكسات كبيرة أخيراً ولكنه يحاول مداواة جراحه والعودة مجدداً للساحة، على حد تعبير الذايدي.  

 

أهداف موقتة ودائمة

تدلل زيارة أعضاء وجماعات الإسلام السياسي للفصائل السورية وزعيمها الشرع في دمشق على محاولات الاستفادة من سقوط نظام بشار الأسد لتحقيق أهداف مختلفة، وبحسب الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة ماهر فرغلي، فإن بعض هذه الأهداف قريبة وأخرى بعيدة، فالإخوان المسلمون مثلاً يطمحون إلى تحويل سوريا لمقر إقامة ومركز عمليات بعدما ضاقت الدول العربية عليهم وباتوا يعيشون تحت ضغط وتدقيق شديدين في تركيا.

وعلى المدى الطويل، تطمح جماعات الإسلام السياسي وفقاً لفرغلي، إلى نقل التجربة السورية خارج الحدود، فتحدث الفوضى في المنطقة وتهدد أمنها واستقرارها، وهو خطر تدركه جيداً دول عربية عدة وتتابع عن كثب تطورات الأوضاع في سوريا من أجل التعامل بحكمة مع تداعيات ما يجري هناك في ظل مشهد إقليمي ودولي معقد.

ويشير فرغلي إلى أن دول المنطقة تتباين في تقييم ما يجري في سوريا، كما أن غاياتها من التغيير الحاصل هناك تختلف تبعاً لمصالحها وأولويات أمنها القومي، لذا يمكن أن ينعكس هذا الاختلاف على الوضع الداخلي السوري، كما أن الخلافات القائمة بين الفصائل السورية أصلاً، سواء المنهجية أو السياسية منها، قد تنفجر في أي لحظة وربما يفشل الشرع في ضبط الأوضاع لتفتح الأبواب أمام شخصيات أخرى من اللون ذاته.

ويشدد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية على أن الإخوان المسلمين في سوريا يتأهبون لاغتنام الفرصة وتصدّر المشهد وصولاً إلى السلطة في دمشق، وصحيح أن تجربة فرع سوريا من التنظيم الدولي تختلف مقارنة بمصر وتونس ودول أخرى، لكن في النهاية لن يكون فوز الإخوان بالسلطة في سوريا أمراً جيداً بالنسبة إلى دول عدة في المنطقة.

 

الأطراف الخارجية

وفق تقرير لـ"المجلس الأطلسي" للدراسات، يثير التحالف الإسلامي بقيادة "هيئة تحرير الشام"  قلقاً كبيراً في المنطقة، فنجاحه يعني خسارة إيران لجسرها البري مع المجتمع الشيعي في لبنان، كما أن إسرائيل التي هاجمت سوريا باعتبارها جزءاً من "محور المقاومة" قد تجد أن الإسلاميين السنة المتطرفين لا يقلون خطورة عن الإسلام السياسي الشيعي.

وبينما تحاول كلٌ من قطر وتركيا الاستفادة من علاقاتها مع النظام الجديد في سوريا، تتمعن دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن في مجريات الأحداث، والترقب وفقاً لتقرير المجلس، لا تمارسه هذه الدول فقط وإنما أيضاً أطراف مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا والصين للحكم على نجاح تجربة حكام سوريا الجدد في إدارة مجتمع يعرف بتعدديته الدينية والقومية والمذهبية.

وقال مسؤولون أميركيون أخيراً إنهم سيفكرون في رفع العقوبات عن سوريا ورفع "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب إذا أثبتت الهيئة التزامها حكماً شاملاً لجميع السوريين والحفاظ على استقرار البلاد. ووفق المسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، سيخضع الشرع والحكومة الانتقالية في نهاية المطاف لضغوط داخلية من أجل رفع العقوبات الغربية وهم بحاجة إلى التعافي الاقتصادي في سوريا".

الكاتب والباحث الليبي جبريل العبيدي يقول في مقالة نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" إن "ما يحدث في سوريا هو محاولة من إدارة الرئيس جو بايدن لإحياء جماعة الإخوان المسلمين قبل رحيله عن السلطة"، ويلفت إلى أن "المشروع الإخواني لن ينجح على المدى البعيد لكنه سيحدث فوضى قريبة إذا لم تتكاتف الدول العربية لوضع حدٍ لهذا التنظيم السرطاني".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير