ملخص
تواجه إسرائيل مشكلة كبرى في تصفية قادة الحوثيين تتمثل في أن هؤلاء مختبئون في مواقع تحت الأرض والكهوف من الصعب تعقبهم أو جمع معلومات استخباراتية عنهم.
حسمت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بمصادقة المستوى السياسي عدم قبول استمرار حرب الاستنزاف تجاه الحوثيين في اليمن، وأعلنت أن جبهة اليمن باتت معركة مفتوحة، بعد استمرار سقوط صواريخ باليستية على قلب إسرائيل على رغم الهجوم الواسع الذي نفذته قواتها الأسبوع الماضي، وأعلنت تدمير بنى تحتية وشل مطار صنعاء وميناء الحديدة ومواقع استراتيجية أخرى.
ووضعت إسرائيل خطة لمواجهة الحوثيين المرحلة الأولى منها على نمط حربها مع "حزب الله" في لبنان باستهداف القيادة وتنفيذ سلسلة عمليات اغتيال في موازاة القصف المكثف وفق بنك أهداف، لم يستكمل بعد. وبحسب الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية هناك نشاطات على مختلف الصعد تنفذ بصورة مكثفة لجمع كل ما يتطلب من المعلومات لبلورة بنك الأهداف وطبيعة الهجوم الذي سينفذ.
إحدى العقبات الأساسية التي واجهتها إسرائيل عند بحثها خطتها للقضاء على الحوثيين وتدمير قدراتهم العسكرية هي مسافة ألفي كيلومتر بين تل أبيب وصنعاء، هذا البعد الذي يمنع أيضاً التنسيق وتبادل المعلومات في عمليات الاغتيال بين الطائرات الحربية التي ستنفذ الهجوم وتلقي بالصواريخ والقنابل على الهدف المخطط له، وقاعدة المعلومات الاستخباراتية التي تعطي إشارة التنفيذ.
مشكلة أخرى تواجهها إسرائيل في تصفية قادة الحوثيين تتمثل في أن هؤلاء مختبئون في مواقع تحت الأرض والكهوف من الصعب تعقبهم أو جمع معلومات استخباراتية عنهم.
وتسرب عن جلسات مغلقة لبحث ملف الحوثيين ما طرحه مسؤولون في الأجهزة الأمنية من صعوبات كبيرة تواجه إسرائيل، ليس فقط في تعقب قيادة الحوثيين، إنما أيضاً في شن هجمات على أهداف استراتيجية وحساسة ومواقع لهم. وإزاء تعقيدات الوضع يتوقع المسؤولون الأمنيون أن تكون الحملة ضد الحوثيين أطول مما تخطط لها إسرائيل.
لا وسيلة لردع الحوثيين
على رغم اعتبار إسرائيل مسافة ألفي كيلومتر هي العائق أمام تنفيذ أهداف المعركة، اعترف أمنيون ومحللون عسكريون بأنه لا وسيلة لردع الحوثيين. وبحسب المحلل العسكري عاموس هرئيل فإنه وعلى رغم حجم الضرر الكبير الذي تسببه إسرائيل لا تجد وسيلة لردع الميليشيات، وكانت على يقين عند تنفيذ هجومها الخميس الماضي أنه لن يكون كافياً ولن يمنع إطلاق الصواريخ الباليستية عليها.
أمام هذا الوضع تكثف إسرائيل تنسيقها الأمني مع الأميركيين والبريطانيين من أجل زيادة الضغط على الحوثيين، غير أن نجاح هذه الجهود أيضاً، وفق هرئيل، "غير مضمون".
وضمن ما وضعته إسرائيل من نشاطات لتحقيق ردع تجاه الحوثيين وضمان نجاح تحقيق أهداف معركتها أربعة محاور رئيسة أولها تسريع عمليات جمع المعلومات من قبل مختلف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن الحوثيين، وثانيها خلق مجال جديد من الخبرة في اليمن، خصوصاً ما يتعلق بالحوثيين ووجودهم، ثم ثالثاً إنشاء شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وحدة مستقلة لتجميع المعلومات ورصد تحركات ونشاطات للحوثيين بما في ذلك جمع المعلومات بمساعدة جيوش وأجهزة استخبارات أجنبية لها مصلحة مشتركة ضد الميليشيات، وأخيراً إنشاء تحالف أوسع بكثير من التحالف الحالي ضد الحوثيين، وذلك عبر تعزيز ومضاعفة الهجمات ضد البنى التحتية الوطنية في اليمن، والبنى التحتية التي تدعم التنظيمات المسلحة في هذا البلد.
وفي موازاة هذه الأهداف قدم جنرالات وضباط في الجيش تقريراً لجلسة مناقشة ملف اليمن، التي عقدتها المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي، أكدوا فيه أنه من دون إلحاق الضرر بسلسلة التوريد الخاصة بالحوثيين، ومن دون إجراءات مضادة تستهدفهم، لن يكون من الممكن تحقيق الهدف المنشود بردعهم عن مهاجمة إسرائيل، وذلك على عكس نهج رئيس الموساد ديفيد برنياع، الذي دعا إلى مهاجمة إيران من أجل التأثير في الحوثيين.
غير أن نائب مدير جامعة تل أبيب والمحلل في شؤون الشرق الأوسط إيال زيسر يرى أن الطريق الأفضل لمواجهة الحوثيين هو رفع حدة الضغط العسكري وتصعيده ضدهم، لكنه يقول في الوقت نفسه، "إلى جانب ذلك، مثلما في الحرب ضد (داعش)، ينبغي تجنيد تحالف محلي يقوم على أساس 70 في المئة من سكان اليمن المعارضين للحوثيين، بحيث يسيطرون على شمال اليمن ويسقطون الحكم". ويضيف، "أما في جنوب اليمن فهناك حكومة ترى في الحوثيين عدواً". وفي رأي زيسر على الولايات المتحدة أن تقود هذه الخطوة الإقليمية والدولية، بمساعدة إسرائيل.
فرض حصار بحري
إلى جانب ما ذكر أدرجت الأجهزة الأمنية بين سيناريوهات هجومها على اليمن الهجمات البحرية، كونها الأكثر نجاعة نظراً إلى بعد المسافة الجوية. وتعمل إسرائيل على تشكيل ذراع بحرية واسعة بموازاة العمل على فرض حصار بحري على الحوثيين.
واعتبرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن سلاح البحرية حالياً في وضع جيد بصورة خاصة من الناحية الاستراتيجية، تحديداً بعد تدمير الأسطول السوري وإلحاق أضرار جسيمة بالقوة البحرية لـ"حماس" و"حزب الله" في البحر الأبيض المتوسط، وهذا بحسب تقرير أمني إسرائيل، يسمح لسلاح البحرية بتحويل اهتمامه العملياتي إلى البحر الأحمر والخليج العربي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذه الأثناء يعمل سلاح البحرية على استكمال جهوزيته من حيث التدريب والتزود بالمعدات البحرية القتالية المناسبة وفي مركزها مركبات هبوط متطورة، بحسب الجيش، تمكن من الحركة البحرية لقوات المشاة والذخائر الثقيلة مثل الدبابات وناقلات القوات. في الوقت نفسه يضيف تقرير إسرائيلي حول هذه الاستعدادات أن البحرية تمتلك وسائل إضافية مستعدة للقتال على مسافة بعيدة من حدود إسرائيل، ما يسمى "الدائرة الثالثة" مثل السفن الهجومية الحديثة والغواصات، وكذلك قوارب الصواريخ.
جهود الموساد والاستخبارات
منذ نحو أسبوع كثفت أجهزة الاستخبارات العسكرية والموساد جهودهما لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية حول الحوثيين في اليمن. وأكد أكثر من مسؤول أمني استخدام إسرائيل وكالات الاستخبارات الصديقة لها لسد الفجوة القائمة حول اختراق الاستخبارات الإسرائيلية في اليمن.
يأتي هذا النشاط المكثف وكما وصفه البعض "المعقد"، بحسب تقرير إسرائيلي، كون تل أبيب لم تتعامل لأعوام طويلة مع الحوثيين كتهديد لها ولأمنها، لذلك تم تصنيفهم في أسفل قائمة المصالح الاستخباراتية الإسرائيلية. وحتى بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على اليمن، والذي سعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس إلى جعله هجوماً نوعياً وخاصاً، وبثا شريط فيديو لهما في القاعدة الجوية خلال تنفيذ الهجوم، اعتبرت إسرائيل أن العملية لم تحقق الهدف المركزي لها بإضعاف وتقويض قدرات الحوثيين.
ونشر بعد إطلاق صاروخين باليستيين على إسرائيل الجمعة والسبت الماضيين أن الهجوم الذي شنه سلاح الجو لم يستهدف مخزونات الأسلحة أو قدرات الحوثيين في إطلاق النار على إسرائيل، بل أهداف مدنية، وهي أهداف حكومية وأخرى للطاقة.
رفع حالة الاستعداد والجهوزية
في موازاة التحضير للمعركة التي تنوي إسرائيل خوضها تجاه اليمن يجري الاستعداد للدفاع والتصدي لهجمات الحوثيين وتشكل منظومة "ثاد" الأميركية، التي تصدت للصاروخين الباليستيين الدفاع المركزي في إسرائيل في مواجهة هجمات الحوثيين. ولا تزال المنظومة منتشرة في إسرائيل ومعها الوحدة الخاصة من الجيش الأميركي، منذ نصبها استعداداً للتصدي للهجوم الإيراني الأخير.
إلى جانب هذا، ووفق تقرير لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أدخل سلاح الجو والصناعات الجوية تعديلات على منظومة الاعتراض "حيتس"، بعد استخلاص العبر من فشلها في إسقاط صاروخين باليستيين أطلقا من اليمن الأسبوع الماضي، والعبرة المركزية هي إطلاق صاروخ اعتراضي نحو الهدف، حين يكون اشتباه لإمكانية تفويت الإصابة.
"لمثل هذا القرار الدراماتيكي كلفة وكميات صواريخ اعتراضية ينبغي الاحتفاظ بها مثلاً لمعركة واسعة مع إيران. وجاء في التقرير أن كلفة صاروخ اعتراض جديد تتجاوز 4 ملايين دولار وزمن الإنتاج طويل مقارنة مع تسلح الحوثيين الذين ينجحون في ارتجال صاروخين باليستيين في الأسبوع. ولعل مستوى هذه الصواريخ وإن كان يعد متدنياً، لكنه لا يزال قادراً على اختراق طبقات الدفاع وإن كانت بنسبة منخفضة وإحداث ضرر"، وفق التقرير.
أخيراً، ومن جهة أخرى وقعت وزارة الدفاع الإسرائيلية على صفقة كبرى مع الصناعات الجوية لشراء صواريخ اعتراض "حيتس 3" بهدف استكمال المخزون.