Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دلالات عودة السودان المحتملة لمنظمة "إيغاد"؟

يبدو أنها ستكون خطوة أولى في طريق العودة للاتحاد الأفريقي رغم التعقيدات

جاء تعليق عضوية السودان في "إيغاد" بعد تصاعد التوترات بسبب الصراع الداخلي المستمر في البلاد، بخاصة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" (مواقع التواصل)

ملخص

قد تحمل عودة السودان لمنظمة "إيغاد" عدداً من المخاوف التي تحيط بوضع الجيش السوداني، لا سيما في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة.

أعلن السودان عزمه العودة لعضوية "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية" (إيغاد)، الكتلة الإقليمية التي تركز أساساً على التنمية وحل النزاعات في شرق أفريقيا. ولم يتضح بعد طريق العودة بصورته النهائية، إن كان مفروشاً بالورود أو محفوفاً بالتحديات. فمنذ تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، مروراً بالتوترات الداخلية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، وصولاً إلى اندلاع الحرب بينهما، ثم إبلاغ حكومة السودان، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في جمهورية جيبوتي، رئيس مجلس "إيغاد" الوزاري، (بصفة جيبوتي رئيساً للدورة الحالية) بقرار تجميد التعامل مع المنظمة حول ملف الحرب في السودان، مرت أحداث ومياه كثيرة من تحت جسر علاقات السودان مع المنظمات الإقليمية.
وكان الجيش السوداني اتهم منظمة "إيغاد" بخدمة أجندات دولية وإقليمية بعيدة من المصالح السودانية، كما اتهم قادة الاتحاد الأفريقي، ومن بينهم رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي بالسعي إلى تحقيق مصالح دولهم. والاتهام ذاته وجهه إلى نفوذ الأعضاء المهيمنين في "إيغاد" مثل كينيا وإثيوبيا، مما عطل صوت السودان في قضايا إقليمية حساسة. ولكن المسافة بين وجود السودان وعدمه في هذه المنظمات، تقف على حدين، الأول حاجة السودان الماسة لأن يكون ضمن إطار إقليمي فاعل، والثاني أن المنظمات الأفريقية تتبنى رؤية ترتكز على دور الآباء المؤسسين كرعاة للحركات التحررية في القارة السمراء، ولكن لا يخلو دورها من انغماسها في صراعات النفوذ الإقليمي.
وظل السودان بعد سقوط النظام السابق، يسعى جاهداً إلى إعادة بناء علاقاته مع القارة الأفريقية، وخلق حال مواءمة بين علاقاته مع المنطقتين الأفريقية والعربية، بعد عقود من تناوب العزلة التي خلفها الرئيس السابق عمر البشير. وفي هذا الإطار، قام قادة من طرفي النزاع في السودان بجولات عدة على دول أفريقية بغرض توطيد العلاقات وتعزيز التعاون الإقليمي، إذ ركزت هذه الجهود على تقديم كل طرف لنفسه في سياق أفريقي، ورؤية تحاول استبعاد الآخر من أي حوار أو تفاوض.


خطوات العودة

في أغسطس (آب) الماضي، أجرى المبعوث الخاص في "إيغاد" إلى السودان لورانس كورباندي زيارة غير رسمية لمقر الحكومة الحالية في مدينة بورتسودان، شرق البلاد. وتوصل إلى اتفاق أولي مع الجيش السوداني حول العودة لعضوية المنظمة مع تأجيل الإعلان الرسمي إلى وقت لاحق. ويتوقع أن يصل كورباندي، مرة أخرى إلى بورتسودان في يناير (كانون الثاني) عام 2025 في أول زيارة رسمية له منذ تعليق عضوية السودان في المنظمة. وكان أكد أهمية عودة السودان للمنظمة نظراً "إلى مكانته داخلها وفي المنطقة، ولضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة وإنهاء الحرب وتحقيق السلام".
على رغم التعقيدات، يبدو أن عودة السودان لـ"إيغاد" ستكون خطوة أولى في طريق العودة للاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة يعتمد على معالجة كثير من الترسبات السابقة، بما في ذلك تعديل القوانين التنظيمية لكل من "إيغاد" والاتحاد الأفريقي لتسهيل إعادة دمج السودان. وحصل السودان بالفعل على دعم بعض الدول الأفريقية التي أبدت تجاوباً مع طلبه، إلا أن هذا الدعم يحتاج إلى تعزيز إضافي بمبادرات سياسية ودبلوماسية تُظهر جدية السودان واستعداده لالتزام متطلبات العودة.
ويحاول السودان الاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية لتعزيز موقعه الأفريقي عبر الوسائل الدبلوماسية، ولكن غالباً ما يضل الطريق إلى مواقع القوة، فحين بدأ خطوات توسيع علاقاته مع دول غرب أفريقيا، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كان الدافع الأكبر هو إبراز جنرالات تلك الدول "عضلاتهم" العسكرية في مواجهة الغرب، إلى درجة طرد الوجود الفرنسي من مالي، والرهان على هذه الدول باعتبارها نموذجاً يمكن أن يُحتذى، تم بمعزل عن طرحها أي مبادرات لحل الأزمة في السودان، بل عجزها عن حل أزماتها الداخلية وافتقارها إلى مقومات الاستقرار داخل حدودها، مما يجعل جهود السودان متعثرة، لا سيما مع إصرار طرفي النزاع على وضع شروط للتفاوض، قد تحتاج هي الأخرى إلى جلسات للإقناع والتنازل.


عوامل مؤثرة

وجاء قرار السودان بالعودة لعضوية "إيغاد" بعد تعليق دام 11 شهراً متأثراً بعوامل عدة، العامل الأول، وهي محاولة من جانب الحكومة السودانية لتقديم نفسها كجهة فاعلة شرعية وذات سيادة في المنطقة وقادرة على الدخول في المحادثات الدبلوماسية على رغم الحرب المستمرة، مما يعزز علاقاتها الدولية.

العامل الثاني هو أن الجيش السوداني يدرك أن العودة لعضوية "إيغاد" في الوقت الحالي ستضمن حلاً للأزمة ضمن إطار إقليمي (أفريقي- عربي)، فالسودان في خضم أزمته بحاجة إلى منصة لمعالجة الصراع وتأمين الدعم الإقليمي المحتمل للحلول التي تصب في مصلحة الحكومة الحالية. ويمكن موازنة المنافسات، لا سيما أن "إيغاد" تضم دولاً أعضاء ذات مصالح متشابكة، بالمشاركة مباشرة في المحادثات الإقليمية والاستفادة من جهود الوساطة التي تبذلها "إيغاد"، والعمل بصورة تعاونية لإيجاد حل للحرب. وإظهار الجيش استعداده للتعاون في جهود السلام يعكس توافقاً مع مبدأ الحلول التي تقودها أفريقيا، مما يفضله الاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليون الذين يدفعون في هذا الاتجاه.
أما العامل الثالث، فهو أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أعرب عن دعمه لجهود "إيغاد" لحل النزاعات في المنطقة وفي السودان خصوصاً، وعودة السودان لـ"إيغاد" من شأنها أن تحقق توافقاً مع المبادرات الدبلوماسية الأوسع نطاقاً التي تهدف إلى الاستقرار وقد تفتح آفاقاً للمساعدات المالية والإنسانية وتجذب مزيداً من الدعم لمبادرات "إيغاد" في مجال التنمية وحل النزاعات.
وفي العامل الرابع، يعكس قرار السودان بالعودة لـ"إيغاد" اعترافاً بأهمية التكامل الإقليمي في معالجة الأزمات الداخلية والتأثير في الأجندة الإقليمية، من خلال تعزيز مبدأ "الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية"، مما يقلل من تأثير الجهات الفاعلة الخارجية في حل الأزمة السودانية.

تفعيل الدور

وعلق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان عام 2019 بعد إطاحة الانتفاضة التي اندلعت عام 2018 بالرئيس عمر البشير، وتبعت ذلك تجاوزات من قبل القوات النظامية أفضت إلى حادثة فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة التي نتج منها ضحايا تعذيب واغتيالات وإغراق في النيل واغتصابات واختفاء قسري، ووصم تلك الفترة الفشل في تحقيق انتقال سلس إلى فترة انتقالية، ولحقها فشل آخر في ضمان الانتقال السريع إلى الحكم المدني. ومع أن الاتحاد الأفريقي لا يبدو متشدداً مع حالات تغيير عسكري حدثت في القارة الأفريقية، إلا أنه بالنسبة إلى السودان يزعم أنه يحافظ على سياسة عدم التسامح مع التغييرات غير الدستورية للحكومات الأفريقية، وكان تعليقه لعضوية السودان يهدف إلى الضغط عليه لدفعه نحو انتقال ديمقراطي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما تعليق عضوية السودان في "إيغاد"، فجاء بعد تصاعد التوترات بسبب الصراع الداخلي المستمر في البلاد، بخاصة بين القوات المسلحة وقوات "الدعم السريع"، وشاركت المنظمة في جهود الوساطة التي رفضها الجيش السوداني مرات عدة، إذ اتهمها بالتحيز إلى "الدعم السريع"، وعكس "تعليق" السودان أيضاً عدم رضاه عن تعامل "إيغاد" مع الصراع وليس قراراً رسمياً من قبل المنظمة.

ويرتبط كلا التعليقين بأزمات الحكم والأمن في السودان، فمن جهة السياقات السياسية والأمنية، يؤكد قرار الاتحاد الأفريقي على مبادئ النظام الدستوري، في حين يعكس وضع "إيغاد" التوترات والتحديات الإقليمية في الوساطة ضمن النزاعات، وتداعياتهما أن استبعاد السودان من الهيئات الإقليمية والقارية يحد من نفوذه في هذه المنتديات ويعزله دبلوماسياً، مما يصعّب حشد الدعم للاستقرار الداخلي.
قد تُسهم عودة السودان لـ"إيغاد" ومن ثم للاتحاد الأفريقي في تعزيز مكانته الإقليمية ودعم جهود السلام والاستقرار. ومع ذلك، فإن التحدي الأساسي يتمثل في تحقيق التوازن بين التزام قرارات المنظمتين، والحفاظ على سيادته الوطنية. إضافة إلى ذلك، فإن مواصلة الحرب تهدد بعرقلة الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق سلام شامل، وتمثل عودة السودان لـ"إيغاد" خطوة استراتيجية تمهد لتفعيل دوره في القارة الأفريقية، وتحقيق النجاح يتطلب إرادة سياسية قوية وجهوداً دبلوماسية مكثفة والتزام تعزيز الاستقرار الداخلي كشرط أساسي لتفعيل دوره الإقليمي والإسهام في تحقيق تطلعات السودانيين.

مخاوف العودة

من الممكن أن تحمل عودة السودان لمنظمة "إيغاد" عدداً من المخاوف التي تحيط بوضع الجيش السوداني، لا سيما في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة، ومن أبرزها، أولاً، التزام شروط المنظمة والتنازل عن بعض السيادة، إذ إن عضوية السودان في "إيغاد" قد تفرض عليه التزام قرارات المنظمة وسياساتها، حتى إذا تعارضت مع أولوياته. كما ستطلب "إيغاد" من السودان تطبيق الإصلاحات المطلوبة السياسية والأمنية، مثل تسريع إنهاء الصراع الداخلي أو التفاوض مع الأطراف المتنازعة، مما قد يكون صعب التنفيذ في ظل تعنت بعض الأطراف.
ثانياً، تعقيد الصراع الداخلي، إذ يُرجح أن يزيد تدخل "إيغاد" في الأزمة السودانية من الضغوط الدولية والإقليمية على حكومته، مما يؤدي إلى تعقيد عملية صنع القرار. كما أن هناك مخاوف من أخطار الانحياز إذا اعتقد أحد طرفي النزاع بأن "إيغاد" تدعم الطرف الآخر، مما قد يتسبب في تفاقم الصراع بدلاً من حله.
ثالثاً، تأثيرات اقتصادية وسياسية، فالعودة لـ"إيغاد" تتطلب ربما مساهمات مالية ومشاركات دبلوماسية تزيد من الأعباء الاقتصادية والسياسية على السودان في وقت يعاني أزمات خانقة، ومن المحتمل ألّا تقدم المنظمة دعماً كافياً للسودان لمعالجة الأزمة أو إعادة الإعمار، نظراً إلى الأزمات التي تعانيها وغيرها من المنظمات الإقليمية.
رابعاً، تحديات الإصلاح الداخلي، فالاعتماد المفرط على "إيغاد" كوسيط قد يؤدي إلى تأخير الحلول الوطنية الداخلية للأزمة السودانية، كما أن الانشغال بإجراءات العودة والتزام متطلبات المنظمة قد يضعف التركيز على القضايا المحلية الأساسية.
وبينما تحمل عودة السودان لـ"إيغاد" فرصاً لتعزيز موقعه الإقليمي والإسهام في حل أزماته، إلا أن الأخطار المرتبطة بالالتزامات والتحديات الداخلية والتأثيرات الإقليمية قد تجعل هذه العودة معقدة، وتتطلب استراتيجية مدروسة لضمان تحقيق المكاسب وتجنب السلبيات المحتملة.


"الإقليمية الجديدة"

يمكن تحليل عودة السودان لـ"إيغاد"، إن تحققت جديتها، من خلال منظار "الإقليمية الجديدة" التي تؤكد على التعاون متعدد الأبعاد ومتعدد المستويات المتجذر في القيم المشتركة والتكامل الاقتصادي والترابط السياسي. وبالنسبة إلى السودان، تعكس إعادة الانضمام إلى "إيغاد" جهداً لإعادة معايرة دوره في النظام الإقليمي في خضم الديناميات الجيوسياسية المتطورة. وفي ما يتعلق بكيفية انسجام عودة السودان مع مبادئ "الإقليمية الجديدة" وتداعياتها الجيوسياسية الأوسع، فإن التوافق معها يضمن مشاركة متعددة الأبعاد، إذ تعكس العودة إدراكاً مفاده بأن التعاون الإقليمي لم يعُد يقتصر على القضايا الأمنية فحسب، بل يشمل التنمية الاقتصادية والتبادل الثقافي والتنسيق الإنساني والتحديات البيئية.
وتشير عودة السودان إلى استعداده لموازنة سيادته الوطنية مع حاجة الدول الأعضاء في "إيغاد"، وهذا التوازن يمثل هاجساً لهذه الدول، إذ إن الحرب الحالية خلفت آثاراً مباشرة على الاستقرار الإقليمي، لا سيما مع  التحديات العابرة للحدود مثل اللاجئين والاتجار بالأسلحة والبشر والإرهاب والتدهور البيئي وعدم الاستقرار الاقتصادي.
هذا المنظور، يصور عودة السودان لـ"إيغاد" بإمكان توافقها مع مبادئ "الإقليمية الجديدة" من خلال تعزيز التعاون متعدد الأبعاد ومعالجة التحديات المشتركة وتعزيز التكامل الاقتصادي، ولكن نجاحها سيعتمد على استعداد السودان لالتزام المعايير الإقليمية وقدرة "إيغاد" على الوساطة بفاعلية والعمل الجماعي للدول الأعضاء فيها. وعلى الصعيد الجيوسياسي، تعزز إعادة دمج السودان أهمية "إيغاد" وتوفر الفرصة للكتلة لمعالجة التحديات المعقدة في منطقة القرن الأفريقي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل