ملخص
قال باحث اقتصادي "بعد أعوام من اكتشاف عشرات المواقع السرية للتنقيب عن الذهب، وهي مواقع لا تستوفي عموماً شروط السلامة، مما يعرض العمال لأخطار جسيمة، لا يزال هذا القطاع غير منظم، مما يحرم البلاد والسكان من هذه الثروة".
وأكد أن "الأخطار تكمن في أنه تحفر آبار ومواقع بعمق نحو 100 متر، وهي آبار قد تنهار في أية لحظة، ناهيك بإمكان تسمم المنقبين بالزئبق الذي يقع استخدامه للتنقيب".
على رغم اجتياح حمى التنقيب عن الذهب في ساحل العاج، إلا أن معدلات الفقر والبطالة إلى تصاعد في هذا البلد الأفريقي، مما يثير تساؤلات جدية حول الأطراف المستفيدة من المعدن الأصفر.
في قرية نزي كوموييه وسط البلاد، لجأ إبراهيم الذي رفض الكشف عن هويته الكاملة خشية الملاحقة الأمنية، إلى التنقيب عن الذهب بصورة غير قانونية، بعد أن توافد عشرات على مساحة شاسعة من أرضه التي يستثمرها بزراعة الكاكاو، لكن حقوله تحولت إلى مواقع منجمية غير مرخص لها من السلطات.
ويقول إبراهيم في حديث لـ"اندبندنت عربية": "في البداية رفضت تدمير حقلي الذي كان يضم مساحات واسعة من الكاكاو من أجل التنقيب عن الذهب، لكنني تعرضت لتهديدات ومضايقات دفعتني في الأخير إلى الانضمام لحشود المنقبين واستحال حقلي منجماً غير قانوني للذهب".
وشدد على أن "آلاف الهكتارات من الغابات استحالت هي الأخرى مناجم لاستخراج الذهب في البلاد، وهي عمليات لديها منافعها، لكن سلبياتها أكثر بكثير بالنظر إلى الأخطار التي نواجهها".
مدن مزدهرة
وفي وقت سابق كشفت مجلة "لوبوان" الفرنسية أن مدناً بأكملها تشهد ازدهاراً بفضل عمليات التنقيب، لكنها لفتت إلى أن استفادة السكان والمجتمعات المحلية من هذه العمليات محدودة.
وأشارت المجلة إلى أنه على رغم أن عمليات التنقيب في ساحل العاج شهدت تطوراً كبيراً في الأعوام الأخيرة، غير أن الفوائد المالية التي يجري تحصيلها لا توزع على قدم المساواة والعدالة.
وأبرز إبراهيم أنه "في الواقع أصحاب الأراضي التي تختزن الذهب تستفيد بصورة كبيرة من العمليات، لأنهم يشغلون يداً عاملة تقوم بالتنقيب عن المعدن الأصفر الذي يباع الغرام الواحد منه بنحو 18 ألف فرنك (أي نحو 30 دولاراً أميركياً)".
وشدد على أن "العائدات المالية توزع على مالك الأرض وصاحب معدات التنقيب والعمال الميدانيين الذين يقومون بالتنقيب، والآخرون هم الحلقة الأضعف في هذه العملية".
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ساحل العاج كشف في وقت سابق عن وجود نحو 240 موقعاً غير قانوني للتنقيب عن الذهب، وتقول السلطات إن قطاع التنقيب عن الذهب يشغل نحو 23 ألف شخص، لكن الرقم قد يكون أكبر بكثير بالنظر إلى وجود عشرات من المواقع غير القانونية لاستخراج المعدن الأصفر.
ولجأت السلطات المحلية في الأعوام الماضية إلى تعزيز حملاتها الأمنية، من أجل التصدي لعمليات تهريب الذهب المستخرج من المواقع السرية إلى دول مجاورة لبيعه هناك.
لا استفادة محلية
ويأتي ذلك في وقت يتطور فيه الإنتاج المحلي المعلن من السلطات في ساحل العاج من الذهب بصورة ملاحظة، إذ بلغ في عام 2022 نحو 48 طناً، مما يمثل زيادة بنحو 14 في المئة عن عام 2021.
وقبل عقود كان ساحل العاج أكبر منتج في العالم للكاكاو، لكنه تحول في الأعوام الأخيرة إلى ما يشبه المنجم المفتوح لاستخراج الذهب، وتعلن السلطات سعيها إلى تطوير أكبر لهذا الإنتاج.
وقال الباحث الاقتصادي الإيفواري دياموند بويكا، "بعد أعوام من اكتشاف عشرات المواقع السرية للتنقيب عن الذهب، وهي مواقع لا تستوفي عموماً شروط السلامة مما يعرض العمال لأخطار جسيمة، لا يزال هذا القطاع غير منظم مما يحرم البلاد والسكان من هذه الثروة".
وفي تصريح خاص أوضح بويكا أنه "لا توجد استفادة محلية حقيقية من المعدن الأصفر، فالشركات العاملة بصورة قانونية لا تفرض عليها حصص كبيرة للدولة يمكن استثمارها في البنى التحتية ومصانع محلية وغير ذلك، أما المواقع الموازية فالمستفيد الأكبر منها مالكو الأراضي التي تكتنز الذهب بينما يتم استغلال العمال وتعريضهم للخطر".
وأكد أن "الأخطار تكمن في أنه يتم حفر آبار ومواقع بعمق نحو 100 متر، وهي آبار قد تنهار في أية لحظة، ناهيك بإمكان تسمم المنقبين بالزئبق الذي يقع استخدامه للتنقيب".
الشركات متعددة الجنسيات
ويحتوي ساحل العاج، الذي يقع في غرب أفريقيا، نحو 600 طن من الذهب تسعى السلطات إلى تأطير عمليات استغلاله من خلال إصدار عدد من القوانين التي لم تنفذ على أرض الواقع.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين إن "ساحل العاج يمتلك ثروات هائلة من الذهب، مما يجعل قطاع التعدين فرصة اقتصادية كبيرة للبلاد، ومع ذلك فإن المستفيد الحقيقي من عمليات التنقيب هم الشركات المتعددة الجنسيات التي تسيطر على المناجم الكبرى، والوسطاء الذين يديرون الأسواق غير الرسمية، إضافة إلى بعض النخب السياسية التي تستفيد من العائدات بصورة غير مباشرة".
وأردف تورشين في تصريح خاص أنه "على رغم أن البلاد تحتوي على إمكانات ضخمة في المعدن الأصفر، إلا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مناطق التعدين يعاني تحديات كبيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "المجتمعات المحيطة بالمناجم تواجه تدهوراً في الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وارتفاعاً في معدلات الفقر والجريمة. كما أن عمليات التعدين تسبب تدهوراً بيئياً خطراً، بما في ذلك تلوث المياه وتدمير الأراضي الزراعية، مما يزيد من معاناة السكان المحليين، إضافة إلى ذلك فإن ضعف الشفافية وسوء توزيع العائدات يحدان من استفادة الدولة والشعب من هذه الثروات".
وأكد تورشين أنه "لتحقيق استفادة حقيقية، تحتاج الحكومة إلى تعزيز الحوكمة وفرض قوانين صارمة على قطاع التعدين لضمان توزيع عادل للعائدات، مع استثمارها في تحسين البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في المناطق المتضررة".
وأنهى تورشين حديثه قائلاً إن "التصدي لظاهرة التعدين غير القانوني يعد أمراً ضرورياً لحماية البيئة وضمان استدامة الموارد، وعلى رغم الفرص الهائلة التي يمثلها الذهب، فإن التنمية المستدامة تتطلب إدارة رشيدة لهذه الثروات لتحقيق التوازن بين المكاسب الاقتصادية ورفاهية المجتمع".