Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فريال غزول تقارب آفاق "النظرية الأدبية" عربيا وأفريقيا

كتاب يتناول علم العلامات والشكلية الروسية ودور غرامشي وما بعد الكولونيالية وخطاب ما بعد الاستقلال في أفريقيا

الكتاب والنظرية (موقع إدويكاسيون)

ملخص

في كتابها الجديد "في النظرية الأدبية" تسعى الناقدة الأكاديمية فريال غزول، إلى تأصيل نظريات النقد الغربي بروح استكشافية مبدعة. والناقدة التي تدرس الأدب والنقد الحديث في الجامعة الأميركية - القاهرة، لها مؤلفات جمة وترجمات عن الإنجليزية.

مع بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي، كانت الشكوى دائمة من هيمنة التنظير النقدي المعتمد على نقل النظريات الغربية، التي كانت البنيوية في مقدمها، سواء البنيوية الأسلوبية التي لا تتجاوز "النص" الأدبي إلى سياقاته المختلفة، أو البنيوية التكوينية التي سعت إلى تأكيد انفتاح النص على سياقاته الاجتماعية والثقافية. وظل التنظير النقدي العربي مشدوداً إلى البنيوية وما بعدها، مهملاً القراءات التطبيقية على النصوص الإبداعية، وفي أحسن الحالات فرض هذه النظريات - بصورة تعسفية - على النصوص. وأخذ على البنيوية مساواتها بين النصوص وإسقاط حكم القيمة، إلى أن تعدل الموقف - بدرجة كبيرة - على يد نقاد حاولوا الإنصات إلى روح النصوص وخصوصيتها، بحيث يطرح النص ما يناسبه من أدوات منهجية ملائمة لمقاربته.

وكان إسهام الناقدة العراقية المقيمة في مصر فريال غزول واضحاً في هذه المساهمات النقدية المبدعة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال كتبها التي توزعت بين دراسة السرد القديم خصوصاً "ألف ليلة وليلة"، حتى لقبت بعاشقة الليالي والسرد الحديث والشعر والأدب المقارن، على نحو ما نرى في "الشعر الليلي: الليالي العربية في سياق مقارن"، و"الريادة في الرواية – ثلاثية الخراط"، و"الفلسطينيون والأدب المقارن"، و"النص الإبداعي ذو الهوية المزدوجة"، وهو عن المبدعين العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية.

 لكنها في كتابها الجديد "في النظرية الأدبية" (الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة) تعود لتأصيل نظريات النقد الغربي بروح استكشافية مبدعة، إذ بدأت بالحديث عن علم العلامات (السيميوطيقا)، ثم جماليات الشكلية الروسية ودور غرامشي النقدي وما بعد الكولونيالية وخطاب ما بعد الاستقلال في أفريقيا، وهو قضية سبق أن تناولتها غزول في كتاب "أدب الأنثروبولوجيا في أفريقيا". وفي كتابها الذي نقدم له هنا، تقدم غزول قراءة عميقة للعالم، والنقد عند إدوارد سعيد، وتوضح تأثره بالمفكر الإيطالي المغمور "فيكو" الذي قرأه سعيد وهو في سن الـ20.

الاقتصاد والشعر

ترى فريال غزول - وهي محقة في ذلك - أن العلامة لا تقتصر على "الكلمة"، بل تتجاوزها إلى اللون، فلبس الأسود مثلاً علامة على الحداد في بعض البلدان، وفي بعض الأقاليم يرتدي الناس ملابس بيضاء في العزاء، ويستخدم اللون الأحمر علامة على الشهوة والأصفر للغيرة والأخضر للبعث والتجدد. وإذا كان ما سبق علامات مرتبطة بالثقافة، فهناك علامات مرتبطة بالطبيعة مثل الغيوم الدالة على السقوط الوشيك للمطر. والحق أن السيميوطيقا مسبوقة باجتهادات عربية كما يبدو من قول الجاحظ "كل ما أوصل إليك المعنى فهو لغة"، تستوي في ذلك الكلمة والإشارة والإيماءة ونظرة العينين وطريقة التلفظ. غير أن السيميوطيقا تضيف ما هو أعمق من ذلك حين تؤكد التناظر بين الظواهر التي تبدو متباعدة مثل "الاقتصاد والشعر"، إذ "تشكل السلعة الاستهلاكية - سواء في الشعر أم الاقتصاد - علامة، والنظام الإنتاجي علاقة". وهكذا نجد أننا وصلنا إلى مستوى من التحليل يمكننا فيه أن نقارن بين الأنظمة الاقتصادية والأنظمة الشعرية، فهي "ليست إلا أنظمة تربط بين العلامات الداخلة في تكوينها".

رؤى غرامشي

تتساءل فريال غزول عن دواعي الحديث عن الشكلية الروسية بعد أن اختفت من الميدان النقدي، وتجيب عن ذلك بأن وظيفة المدارس الثورية، "تمتد وتثمر على رغم سلطات القمع وقوى التجاهل المفروض". وهذا ما فعلته الشكلية، إذ امتد أثرها إلى مدرسة براغ البنيوية، ومدرسة النقد الجديد في بريطانيا وشمال أميركا. واللافت - وهذا متوقع - أن العلاقة بين الشكلية الروسية والعقيدة الماركسية اتسمت بالتوتر، على رغم أن بعض الشكليين كانوا موالين للبلشفية. هذا االتوتر أفضى إلى انحسار الشكلية، إذ عزز الخط الرسمي في الفن المضمون على حساب الشكل، كما تبنى الكتاب البروليتاريون أسساً نقدية شعبية ودعوا إلى التحريض المباشر. في حين عرفت الشكلية الروسية الشعر على أنه ظاهرة لغوية، وهكذا يتم إرجاع الوظيفة الجمالية للنص الأدبي إلى الإدهاش والتغريب.

ويمكن القول إن غرامشي حاول الجمع بين الاتجاهين السابقين، وتجلى ذلك في اهتمامه  بدور الأدب ووظيفته أكثر من اهتمامه بتحديد طبيعته والتنظير لجمالياته. أي أنه اهتم بالجانب الاجتماعي للأدب، ويبقى أن أي تعامل مع الأدب سواء أكان سوسيولوجياً أم جمالياً، لا بد أن يحتوي على تصور ما للفن وللأدب ضمناً أو صراحة. وهكذا فإن غرامشي لم يكن يقيم العمل فنياً فقط، بل يرى فيه وظيفة ثقافية تسهم في تعدي وتطوير وعي الجمهور. وهذا ما دفعه إلى الربط بين الأدب الرفيع - عند دانتي مثلاً - والأدب الشعبي، كما ربط بين أدب الصفوة في تحليله لأحد الأبيات المدهشة في "الكوميديا الإلهية"، والتعبير الطفولي بالدهشة أمام لعبة. وكل هذا يدل على حساسية معينة لها ما يعادلها عند عامة الناس. وربما كان من المهم أن نشير إلى أن غرامشي كتب هذه الرؤى النقدية وهو في السجن، لذلك جاءت في صورة شذرات ذكية لا أبحاث مطولة.

الأوربة والزنوجة

تسعى نظرية "ما بعد الكولونيالية" إلى تحقيق غايتين، هما التخلص من الهيمنة الأوربية، وفي الوقت نفسه عدم الانغلاق على الثقافة المحلية. وكان وول سونيكا الحاصل على نوبل أهم من كتب في هذه الثنائية، فعلينا أن "ندرس أبعاد الجديد الوافد كي لا نقع في مطب الانبهار أو الانغلاق". ودراسة هذا الوافد لا تعني اتباعه، بل إخضاعه للنظر الموضوعي، ولعل هذا يذكرنا بما قام به المفكر المصري حسن حنفي في "علم الاستغراب". إن أهم ما يميز "ما بعد الكولونيالية" هو أنها لا تقف عند مقاومة الاستعمار فحسب، بل إنها تناهض كل أشكال الهيمنة. وأهم المؤلفات التي قدمت في هذا السياق: "المعذبون في الأرض" لفرانز فانون، وكتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، و"مثيولوجيات بيضاء: كتابة التاريخ والغرب" لروبرت يونغ، و"الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" لعبدالوهاب المسيري. مع ملاحظة أن هناك نقداً للقومية من باب المسكوت عنه والمعتم عليه في هذا الخطاب (النساء، المهمشون، التابعون) بعيداً من العنصرية التمجيدية أو لنقل "العنصرية المضادة" للأوربة على نحو ما ظهر في حركة "الزنوجة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم الاجتهادات العربية العميقة التي تبلور آخر تطورات المركز الأوروبي، والتعايش مع هموم الأطراف، فإن تأملاً عابراً في وضعنا يجعلنا نقول إن هذا اتضح في الإبداع الأدبي أكثر من النظرية الأدبية المحكمة، فقصائد محمود درويش تحكي مسيرة الهوية المضطهدة، كما تحكي رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" مشكلة الهجنة الثقافية، وتتناول رواية لطيفة الزيات "الباب المفتوح" تلاحم التحرر من الإمبريالية بالتحرر من البطريركية، وكلها تثير قضايا تندرج تحت دراسات ما بعد الكولونيالية من منظور التجربة العربية. وهذا شبيه بما حدث في الأدب الأفريقي الذي عمل على نقد التمركز الأوروبي، فقد كان سونيكا - كما ذكرنا - مناهضاً لكل من التمركز الأوروبي والتمركز في الذات الأفريقية، لأنه يرى في كليهما إفقاراً للآخر وترويجاً للذات، وبعبارة أخرى نراه "يدين التراتب الحضاري كما يدين الانعزال الثقافي، ويسعى إلى إعادة ترتيب أوراق العلاقات الثقافية بحيث يتم تفاعل خلاق ومتكافئ".

والحقيقة أن علاقة التابع بالمتبوع تمر بثلاث مراحل، في المرحلة الأولى يكون التقليد فيها هو المهيمن، فيقلد المستعمر - بفتح الميم - قاهره ويسعى إلى الانخراط في حضارته والذوبان فيها، وفي المرحلة الثانية يبدأ الرفض الكلي لكل ما يمثله هذا القاهر، فيبتعد المقهور عنه ويعلي من شأن تراثه فيما قبل الاستعمار، من دون أن ينتبه إلى عيوبه. أما في المرحلة الثالثة فيتم التخلص من تلك الثنائية والوقوع في أحد النسقين المتضادين، ويبدأ نسج فكر منطلق من حيثيات الواقع ومستفيد من الحضارتين. إن فريال غزول لا تستعرض - بحياد - تطورات النظرية الأدبية، بل تتمثلها بعمق قبل هذا الاستعراض، وتقدم رؤيتها الخاصة وملاحظاتها الذكية ورؤيتها للفكر الأوروبي، وكذلك الفكر والأدب العربيين والأفريقيين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة