ملخص
"هل تراني؟" هو عنوان المعرض الذي يستضيفه غاليري الزمالك في القاهرة حتى الثامن من يناير (كانون الثاني) الجاري لأعمال الفنانة آية الفلاح، وهو عنوان يحمل في طياته تساؤلاً فلسفياً ووجودياً يتردد صداه في تفاصيل الأعمال المعروضة.
تعكس الأعمال التي تقدمها آية الفلاح رؤيتها الشخصية لكنها تجربة تتشابك مع التجربة الإنسانية العامة، وهو كذلك رحلة بصرية وتأملية في الهوية والوعي الذاتي.
تشيرالرسامة إلى أن هذه الأعمال تنبع من تجربتها الشخصية مع الوحدة والضجيج الداخلي، في عالم يبدو مزدحماً لكنه يترك الفرد يشعر بالغربة. وخلال العامين الماضيين وجدت الفلاح نفسها تواجه أسئلة عميقة حول طبيعة العلاقة بين الإنسان وذاته، كقدرتنا على فهم ذواتنا ومدى فهم الآخرين وشعورهم بنا كما نحن. وتتساءل الفنانة: كيف يمكن للوحدة أن تكون جزءاً من التجربة الإنسانية حتى ونحن محاطون بالناس؟ وهي تصف رحلتها في سبيل البحث عن هذه التساؤلات بأنها كانت مليئة بالشكوك وعلامات الاستفهام، وهو أمر تعده طبيعياً وجزءاً أصيلاً من طبيعة الإنسان. وتتحدث الفنانة عن لحظات من التأمل في أعماق النفس محاولة أن تفهم نقاط قوتها وضعفها، حتى تصل في النهاية إلى قبول الذات. وهذه المشاعر، كما توضح آية الفلاح، هي التي قادتها لإنشاء هذه الأعمال والتي تتعامل معها كمرآة لذاتها.
يتضمن المعرض مجموعة متنوعة من اللوحات والمنحوتات، تقدم كل منها جزءاً من الحكاية. اللوحة الرئيسة التي تظهر وجه آية الفلاح مغطى بطلاء أسود تلخص إلى حد كبير رسالة المعرض، فهي مستوحاة من لحظة تأمل أمام المرآة حينما قررت الفنانة أن ترسم صورة ذاتية تمثل شعورها بالعزلة. وهذا العمل يعكس بصورة واضحة محاولة الفلاح لتحويل المشاعر العميقة إلى صورة بصرية، معبرة عن حال نفسية معقدة تتأرجح بين القوة والضعف.
الأعمال النحتية تضيف طبقة أخرى من التعمق في هذه التجربة، إذ نرى مجسمات منحوتة تمثل أفراداً من عائلتها مثل أمها وابنتها، وهو ما يربط بين الذاتي والجماعي في تجربتها. حتى خامة البوليستر التي اختارتها لإنتاج هذه المنحوتات تعكس إحساساً بالصلابة والهشاشة في آن، تماماً كما هي مشاعر الإنسان في مواجهة العالم. أما اللوحات فهي تمتاز بالتداخل بين المساحات اللونية الداكنة والفاتحة، مع خطوط متشابكة تحدد العناصر المرسومة. وتبدو هذه الفوضى المنظمة كتعبير عن الحال النفسية التي تعيشها الفنانة: خليط من المشاعر المتضاربة والمجهولة أحياناً، والواضحة أحياناً أخرى. أما الكتابات باللغتين العربية والإنجليزية التي تظهر على اللوحات فتضيف بعداً جديداً للأعمال، فهي ليست مجرد نصوص أو كلمات، بل هي أشبه بالبوح أو كدعوة للمشاهدين إلى التفاعل مع الأسئلة المطروحة.
يتردد صدى تجربة آية الفلاح في أعمال فنانين عالميين تركوا بصمة مشابهة في سياق التعبير عن تجاربهم النفسية، وبخاصة في ما يتعلق بمشاعر الوحدة والتشكيك في الذات. غير أن أعمال آية الفلاح تعيد إلى الأذهان على نحو خاص أعمال الفنانة الأميركية فرانشيسكا وودمان التي كانت تصور نفسها في لحظات من التأمل والضعف والاغتراب، هذا مع اختلاف التجربة وسياقها بالطبع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"هل تراني؟" هو عنوان يبدو كدعوة للتأمل والحوار والتفاعل مع الأفكار المطروحة، كأن الفنانة تريد منا أن نطرح أيضاً تساؤلاتنا الخاصة مستندين إلى مشاعرنا وتجاربنا. وهذا التفاعل بين العمل الفني والمشاهد يجعل من المعرض مساحة حية للنقاش، إذ لا يكتفي الزائر بالمشاهدة بل يصبح جزءاً من الرحلة.
يتيح لنا المعرض الفرصة للتفكير في دور الفن في معالجة القضايا النفسية، فالأعمال التي تعرضها آية الفلاح لا تقدم إجابات جاهزة بقدر ما تثير تساؤلات جديدة تدفع المشاهدين إلى التأمل وإعادة النظر في أنفسهم وعلاقتهم بالعالم من حولهم. واحدة من أبرز الرسائل التي تسعى آية الفلاح إلى توصيلها من خلال هذا المعرض هي أهمية تقبل الذات كما هي، بكل ما تحمله من تناقضات. وترى الفنانة أن هذا القبول ليس ضعفاً بل قوة، لأنه يمكننا من مواجهة تحديات الحياة بفهم أعمق لذواتنا. وتصف الفنانة رحلتها مع الحياة كأنها لعبة "سودوكو"، إذ يجب على المرء أن يضع الأرقام في أماكنها الصحيحة. وقد تكون الرحلة معقدة ومربكة في بعض الأحيان، لكن في النهاية يكمن الجمال في المحاولة ذاتها.