ملخص
العلاقات الباكستانية - الأفغانية كانت على مر الأعوام عبارة عن رحلة مليئة بالصعود والهبوط، إذ ظلت الجارتان عالقتين في علاقة معقدة ومتقلبة في كثير من الأحيان لعقود من الزمن. وعلى رغم أن خطر الحرب بين الجارتين منخفض في الوضع الحالي، فإن التوترات المتزايدة بين البلدين يمكن أن تشكل تهديداً للسلام والاستقرار في المنطقة.
حرب إلكترونية أكثر من كونها ميدانية اشتعلت بين باكستان وأفغانستان بعدما شنت إسلام آباد غارات جوية في مقاطعة باكتيكا الأفغانية على مواقع لحركة "طالبان" الباكستانية، لترد الأخيرة بإطلاق نار كثيف على الجانب الباكستاني، وما إن توقف صوت البنادق حتى ارتفعت أصوات "محاربي لوحة المفاتيح" من الجانبين على منصات التواصل الاجتماعي تتهم وتنتقص وتهدد بعضها الآخر.
وأدى التوتر الأخير بين باكستان وأفغانستان إلى زيادة تعقيد العلاقات بين البلدين. ووردت تقارير عن مناوشات وهجمات حدودية في الأيام الأخيرة مما أدى إلى زيادة التوترات بين البلدين. وأعلنت حركة "طالبان" الأفغانية أنها استهدفت مواقع حدودية رداً على هجمات باكستان، فيما تقول باكستان إنها تنفذ عمليات ضد الجماعات الإرهابية على حدودها.
ونشطت خلال هذه المواجهات حسابات التواصل الاجتماعي، إذ نشرت حسابات على وسائل تواصل مرتبطة بحركة "طالبان" مقاطع فيديو تظهر تحركات القوات الأفغانية في المناطق الحدودية، وفي مقطع آخر يمكن رؤية عديد من الدبابات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وهي من بقايا احتلال الاتحاد السوفياتي أفغانستان، محملة على المركبات وتقتاد إلى الحدود الباكستانية.
ومن ناحية أخرى ينشر محاربو لوحة المفاتيح في باكستان إشاعات عن احتلال حزام واخان الذي يربط أفغانستان بالصين في الشمال. بالطبع لم يحدث في الواقع شيء من هذا القبيل، لكن المصادر الرسمية والأمنية تلتزم الصمت وسط نشر إشاعات من حسابات مؤيدة للجيش على مواقع التواصل.
وفي وقت سابق شنت الطائرات الباكستانية غارات على مقاطعتي باكتيكا وخوست شرق أفغانستان في وقت كان فيه الممثل الخاص المعاد تعيينه في أفغانستان صادق خان يزور كابول.
من ناحية أخرى هناك تقارير تفيد بأن حركة "طالبان" الأفغانية نقلت بضع مئات من الأشخاص المرتبطين بحركة "طالبان" الباكستانية من شرق أفغانستان إلى مقاطعة غزنة الوسطى في الأيام الأخيرة بناء على طلب باكستان. ويتوقع أن هذه الخطوة الإيجابية ستنفس غضب باكستان وتقلل من أنشطة حركة "طالبان" الباكستانية.
وعلى رغم أن خطر الحرب بين الجارتين منخفض في الوضع الحالي، فإن التوترات المتزايدة بين البلدين يمكن أن تشكل تهديداً للسلام والاستقرار في المنطقة. الحقيقة أن أياً من الدولتين لا تستطيع تحمل بدء صراع جديد، إذ تسعى أفغانستان إلى الحصول على اعتراف دولي للإدارة الحالية، بينما باكستان تمر بأزمات اقتصادية وسياسية كبيرة، لكن في الوقت ذاته لا تريد الحكومات أن تبدو عاجزة أمام شعبها، لذا تحدث مثل هذه المناوشات بين حين وآخر وسط مخاوف من توظيف هذه الخلافات من قبل حركة "طالبان" الباكستانية وعناصر أخرى.
تاريخ العلاقات الثنائية
العلاقات الباكستانية - الأفغانية كانت على مر الأعوام عبارة عن رحلة مليئة بالصعود والهبوط، إذ ظلت الجارتان عالقتين في علاقة معقدة ومتقلبة في كثير من الأحيان لعقود من الزمن، يمكن فهم الأمر كأنه نزاع عائلي طويل تنتقل فيها المظالم من جيل إلى آخر. فالمشكلات الداخلية بين البلدين مثل العنف والصراع على السلطة وعديد من القضايا المماثلة الأخرى، غالباً ما تنتشر عبر الحدود مما يؤدي إلى نشوء توترات جديدة.
النزاع بين الجانبين ليس مجرد نزاع حدودي، بل هو قضية عميقة الجذور مليئة بمزيج من عدم الثقة والقضايا التاريخية.
وبحسب السياسي الباكستاني إحسان الله خان، "النهج الباكستاني فيه محاولة لتعزيز التعاون دبلوماسياً، لكن استجابة الحكومة الأفغانية كثيراً ما كانت متأثرة بالقبلية، أو بعبارة ملطفة، هناك نقص في التواصل والتفاهم المتبادل. ويبدو أن الحكومة الأفغانية في بعض الأحيان تعطي الأولوية لشعبيتها الداخلية على حساب الحوار البناء مع باكستان، وأحياناً تصدر بيانات تحريضية".
قضية ممر واخان
برز اسم ممر واخان على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الاشتباكات الأخيرة بين باكستان وأفغانستان وسط تهديدات من حسابات باكستانية بالسيطرة على الممر من جهة وإعادة ظهور مقاطع لمسؤولين أفغان يعتبرون الممر "رأس أفغانستان" ولا يمكن المساومة عليه.
ويبلغ طول شريط واخان الضيق في مقاطعة بدخشان بأفغانستان 350 كيلومتراً وعرضه يراوح ما بين 16 و64 كيلومتراً. هذا الممر محاط بثلاث سلاسل جبلية رئيسة في العالم، وهو فريد من نوعه لأنه يربط بين أربع دول: باكستان وأفغانستان والصين وطاجيكستان.
ويطلق على ممر واخان أيضاً اسم الجسر بين الدول على طريق الحرير بسبب حدوده التي يبلغ طولها 300 كيلومتر مع باكستان، و260 كيلومتراً مع طاجيكستان، و74 كيلومتراً مع الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تاريخياً وخلال فترة ما يسمى اللعبة الكبرى عندما كان الصراع الاستراتيجي بين روسيا والتاج البريطاني في ذروته، كان ممر واخان بمثابة منطقة عازلة بين البلدين. وفي عام 1860، تقدمت القوات الروسية وثبتت حكمها باحتلال عديد من الولايات الصغيرة إضافة إلى طشقند وخوجاند وسمرقند. وكان التارج البريطاني آنذاك يخشى أن تسيطر روسيا على شمال شبه القارة الهندية بأكمله وسقوط المناطق كلها من نيبال إلى كشمير في يد السوفيات.
واكتسب الممر أهمية اقتصادية واستثمارية كبرى بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان، وقد دعت الصين إلى استثمارات كبيرة في قطاع التعدين، إذ يمثل الممر الطريق البري الوحيد الذي يربط الصين بأفغانستان. في الجانب الآخر، تتعرض المصالح الصينية في باكستان لهجمات إرهابية من قبل عناصر تقول باكستان إن لديها ملاذات آمنة في أفغانستان.
ويرى إحسان الله خان أن "باكستان لا تسعى إلى السيطرة على الممر كما تدعي حسابات غير رسمية موالية للجيش الباكستاني لأن مثل هذا الأمر يخالف السياسة الخارجية الباكستانية التي تنص على احترام الحدود، كما أنها ستشكل عدائية تعرض أمن المنطقة بأسرها للخطر".
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"