ملخص
أعلنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة العام الماضي تخصيص الفترة من 2025 إلى 2034 لمناقشة قلقها المتزايد في شأن العواصف الرملية والغبارية والحاجة الملحة إلى فهم ومراقبة مصادر تأثيراتها، وتحسين أنظمة التنبؤ والإنذار المبكر، وتسهيل تبادل المعلومات، وتعبئة الموارد المالية وتعزيز التعاون الدولي للتخفيف من حدة هذه الأزمة العالمية.
تخيل أن تستيقظ على سماء مظلمة بسبب الضباب الكثيف الخانق الناتج من الرمال والغبار الممزوج بجزيئات دقيقة يسهل استنشاقها.
هذا ليس خيالاً مرعباً ولكنه تجربة حقيقية يعيشها أكثر من 500 مليون شخص في الهند، و173 مليوناً في باكستان، و62 مليوناً في إيران، مع 40 مليوناً في الصين، الذين يتنفسون بصورة متكررة مستويات عالية من الهواء الملوث بالعواصف الرملية والغبارية.
تحدث هذه العواصف عندما ترفع الرياح القوية كميات كبيرة من الرمال والغبار في الهواء، مما يصعب الرؤية والتنفس، ويدرج العلماء هذه العواصف إلى قائمة أسوأ الأزمات البيئية في القرن الـ21 نظراً إلى تأثيراتها السلبية الشديدة على جودة الهواء والصحة البشرية والبيئة وعدم استعدادنا لها.
سبب تكونها
تحدث العواصف الغبارية عادة عندما تكتسح الرياح القوية المناطق الجافة التي لا يوجد بها غطاء نباتي، ومع مرور الرياح على الأرض فإنها تكسر طبقة الغبار فوق التربة وترفع جزيئات الغبار الخفيفة والصغيرة إلى الهواء، وفي النهاية يتحد الغبار والرياح لتكوين سحب هائلة تتدحرج عبر الطبيعية.
وعلى رغم أن العواصف الغبارية تنتهي بعد بضع دقائق فحسب، فإن الغبار يظل عالقاً في الهواء ويسبب مشكلات لأيام عدة أو حتى أشهر بعد ذلك، ويمكن أن تتسبب العواصف الغبارية في صعوبة الرؤية عند قيادة السيارة فترفع من معدلات حوادث المرور، كما يمكن أن يقلل الغبار الكثيف من وضوح الرؤية عند الطيارين، مما يتسبب في تأخير وإلغاء الرحلات فضلاً عن مشكلات ميكانيكية في الطائرات.
وعلى الجانب الآخر تنتج العواصف الرملية من التقاط الرياح الجزيئات السائبة، ولكنها تقتصر عادة على المناطق الصحراوية، مثل صحراء جوبي في الصين أو الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، وغالباً ما تكون أصغر من العواصف الغبارية فوزن الرمال الثقيل نسبياً يصعّب على الرياح حملها في الهواء.
آثار ودمار
التأثيرات الصحية الناجمة عن العواصف الرملية والغبارية مدمرة، إذ يعاني معظم المعرضين للغبار وبخاصة الأطفال مشكلات في الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من الحالات الصحية التي تتفاقم بسبب تلوث الهواء السام.
وعلى مستوى العالم يتعرض 330 مليون شخص إلى العواصف الرملية والغبارية على أساس يومي، بينما يتعرض أكثر من 80 في المئة من إجمالي سكان تركمانستان وباكستان وأوزبكستان وطاجيكستان وإيران لمستويات متوسطة وعالية من سوء جودة الهواء بسبب العواصف الرملية والغبارية.
وفي منطقة الصحراء الكبرى، تؤدي العواصف الرملية إلى تفشي مرض التهاب السحايا، مما يعرض 350 مليون شخص للخطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأعراض الأكثر شيوعاً التي يعانيها الأشخاص أثناء عاصفة الغبار هي تهيج العينين والمجاري الهوائية العلوية، أما الأشخاص الذين قد يكونون أكثر عرضة للخطر من غيرهم فهم الرضع والأطفال والمراهقون وكبار السن، الذين يعانون أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية وانتفاخ الرئة، وكذلك الذين يعانون أمراض القلب ومرضى السكري.
بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، قد يؤدي التعرض لعاصفة الغبار إلى إثارة ردود الفعل التحسسية ونوبات الربو، والتسبب في مشكلات خطرة تتعلق بالتنفس، والمساهمة في الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وتقليل متوسط العمر المتوقع، وحدوث مشكلات مزمنة في التنفس والرئة وربما أمراض القلب.
وفي بعض أجزاء العالم يؤدي ارتفاع نسبة الملح في الغبار إلى جعله ساماً للنباتات، مما يقلل من غلة المحاصيل ويهدد الأمن الغذائي، وقد تسببت موجة رملية وغبارية كبيرة عام 2021 ضربت شمال شرقي آسيا في نفوق 200 ألف رأس من الماشية وتدمير 121 ملجأ للحيوانات في منغوليا، ودفعت إلى إصدار نصائح صحية عاجلة في كوريا الجنوبية.
خسائر كارثية
وتعمل العواصف الغبارية على تسريع ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا وهضبة التبت، المعروفة باسم "القطب الثالث"، وتشكل هذه الأنهار الجليدية مصدراً حيوياً للمياه العذبة لأكثر من 1.3 مليار شخص في آسيا، ومع ذوبان هذه الأنهار الجليدية بصورة أسرع بسبب الغبار وتغير المناخ، فإنها تهدد إمدادات المياه والزراعة وإنتاج الطاقة وتزيد من خطر الفيضانات.
وتؤثر العواصف الرملية والغبارية في التعليم من خلال إجبار المدارس على الإغلاق وتعطيل تعليم ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم، كما تؤثر في توليد الطاقة الشمسية، مما يقلل من إنتاجية العمل ودخل الأسر.
من جهة أخرى تهدد هذه العواصف صناعة الطيران إذ تتعرض بعض مراكز الرحلات الجوية الدولية الرئيسة مثل دبي وإسطنبول والدوحة لعواصف رملية وغبارية هائلة تقلل من الرؤية والرحلات الجوية الأرضية وتعطل الأعمال وسلاسل التوريد الدولية.
وعام 2020 تسبب غبار صحراوي واحد في إلغاء 1000 رحلة جوية فوق جزر الكناري، بكلفة تزيد على 19 مليون دولار في ثلاثة أيام فحسب.
ومن الأمثلة التي يمكننا ذكرها أيضاً عاصفة الغبار "الفجر الأحمر" في 2009 التي مرت فوق الساحل الشرقي لأستراليا وكلفت ما يقارب 300 مليون دولار، فيما تكلف العواصف الرملية والغبارية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنوياً أكثر من 150 مليار دولار، وهو ما يمثل 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، ويقدر التأثير الاقتصادي لها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنحو 5.6 مليار دولار سنوياً.
تقصير دولي
والنطاق العالمي لهذه الكارثة يجعل من المستحيل تجاهلها أو الهرب منها، فلا دولة ولا منطقة ولا مجتمع معفى منها، ومع ذلك فإن العالم غير مستعد للتعامل معها فهي مهملة بصورة منهجية، وبالكاد يعترف بها في المحادثات العالمية حول المناخ والصحة والبيئة.
وكانت الاستجابة الدولية للكارثة المتزايدة المتمثلة في العواصف الرملية والغبارية غير كافية، ولا تزال الاستثمارات لمكافحتها ضئيلة، وفي الوقت الحالي تعاني جهود الهواء النظيف نقص التمويل المزمن، إذ تجتذب واحداً في المئة فحسب من تمويل التنمية الدولية.
وتكثف الجهود الدولية، مثل تحالف الأمم المتحدة لمكافحة العواصف الرملية والغبارية، جهودها لرفع مستوى الوعي بهذا التهديد المتزايد وتعزيز التعاون على المستويين العالمي والإقليمي، ولكن هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به لتجهيز الدول المختلفة للتخفيف من حدتها والحد من آثارها الصحية والاقتصادية.
وأعلنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة العام الماضي تخصيص الفترة من 2025 إلى 2034 لمناقشة قلقها المتزايد في شأن هذه العواصف والحاجة الملحة إلى فهم ومراقبة مصادر تأثيراتها، وتحسين أنظمة التنبؤ والإنذار المبكر، وتسهيل تبادل المعلومات، وتعبئة الموارد المالية وتعزيز التعاون الدولي للتخفيف من حدة هذه الأزمة العالمية.