ملخص
سعى المستكشف الإسباني خوان بونس دي ليون إلى العثور على ينبوع الشباب في فلوريدا في أوائل القرن الـ16، لكنه لم يعثر عليه.
كثيراً ما بحث الإنسان عن طريقة للوصول إلى الخلود أو تأخير الموت والشيخوخة أو العيش حياة مديدة من دون أمراض وضرر يلحق بأعضاء الجسم مع التقدم بالعمر، وعبر البشر عن هذا التوق إلى الأبدية منذ قديم الزمن في الأساطير التي تناقلتها المجتمعات البدائية التي تطورت مع مرور الزمن، وجلجامش هو أول من بحث عن الخلود، أو هو أول من اقترح تحدي مسار الطبيعة في بلاد ما بين النهرين، بعدما عرف أنه سيموت في يوم من الأيام على رغم أنه نصف إله ونصف بشري، وكذلك هرقليس في الثقافة اليونانية، وغيرهما من شخصيات الأساطير القديمة. وبسبب استحالة تحقيق الخلود هنا على الأرض، وجدت معظم الثقافات متنفساً للخلود في الحياة بعد الموت، وهو اعتقاد سري عند سائر القدماء في معظم المجتمعات الإنسانية، وهو ناتج من سؤال معنى الحياة أو سبب وجودنا.
وضع المصريون القدماء مع أمواتهم الأدوات التي قد يحتاجون إليها في حياتهم الأخرى، حتى أنهم حنطوا القطط الأليفة كي ترافق المسافر في نهر الخلود وتعيش معه في حياته المقبلة. وكانت ثقافات عدة في اليونان القديمة ولدى الشعوب الأصلية في أميركا تتداول أساطير عن "ينبوع الشباب"، وسعى المستكشف الإسباني خوان بونس دي ليون إلى العثور على هذا الينبوع في فلوريدا في أوائل القرن الـ16، لكنه لم يعثر عليه.
"إكسير الحياة"
ومصطلح "إكسير الحياة" مشهور لدى الخيميائيين والسحرة والكهنة الذي كانوا يعتقدون بوجود جرعة أو مادة يمكن أن تمنح الحياة الأبدية، وخصوصاً في الخيمياء الصينية القديمة، وبالطبع ما زالت كل الأديان الحالية والمدارس الفلسفية المعاصرة تناقش موضوع موت الجسد وخلود الروح. وفي زمننا المعاصر تروج فلسفة تسمى "الترانس هيومان" لفكرة استخدام التكنولوجيا لتعزيز القدرات البشرية وتمديد الحياة، أو تحقيق نوع من الخلود الرقمي عبر رفع الوعي إلى الآلات.
الخريطة الجينية وكائنات حية لا تموت
مع تقدم العلم والتكنولوجيا، بدأ الباحثون في استكشاف العمليات البيولوجية التي تؤدي إلى الشيخوخة، على أمل إبطائها أو حتى عكسها، فاعتبر بعضهم أن تقليل استهلاك السعرات الحرارية من دون الإصابة بسوء التغذية يمكن أن يكون طريقة محتملة لتمديد العمر، وأظهرت التجارب على الفئران أن تقليل تناول السعرات الحرارية يمكن أن يطيل حياتها بصورة كبيرة.
ثم تطورت العلوم البيولوجية والاكتشافات المذهلة في الخريطة الجينية إلى درجات كبيرة حتى يقول بعض العلماء المعاصرين إن خريطة الجينية بمثابة اكتشاف مفتاح الخلق للبشر ولسائر الكائنات الحية والنباتات، وأعادت هذه الاكتشافات العلمية فكرة الخلود للواجهة، وهناك مختبرات كبرى حول العالم تعمل على اكتشاف الجينات المسؤولة عن الشيخوخة في محاولة لتجديدها دوماً قبل هرمها وهذه الأبحاث ما زالت شبه سرية، ولكن المختبرات التي تصنع المساحيق والأدوية والفيتامينات التي قد تمدد فترة الشباب تعمل على قدم وساق في إنتاجها منذ منتصف القرن الـ20، ولكن اكتشافات كائنات حية على كوكب الأرض لا تموت أو لا تهرم، أو تعيش لآلاف السنين، أعطت الباحثين والعلماء في هذا المجال مزيداً من الثقة في إمكان إيجاد العقار السحري الذي يجدد خلايا الجسم البشري ويجعله في شباب دائم ما دام أن كائنات حية بعضها مجهرية وبعضها يرى بالعين المجردة، وبعضها حيوانية، وأخرى من النباتات، وبعضها تعيش في الماء، وبعضها فوق التراب، يمكنها أن تعود لفترة الطفولة كلما وصلت في النمو إلى درجة معينة، وكأنها تولد من نفسها من جديد، أو أنها تقوم بنقل جيناتها نفسها إلى المولود الجديد، الذي يكون نسخة طبق الأصل عن سابقه، وتبدأ خلايا الكائنات الحية في التفكك التدريجي مع التقدم في العمر. المصطلحات تصف الأمر بالشيخوخة البيولوجية، أو حالة التدهور التدريجي في الوظائف الطبيعية، حين تتوقف الخلايا عن الانقسام وتموت، مثل الأوراق التي تموت وتسقط من الأشجار في الخريف.
لكن هذه القاعدة العامة وجد لها العلماء استثناءات في العالم الطبيعي، منها على سبيل المثال قنديل البحر القمري وهو كائن صغير جداً وشفاف، يوجد في معظم المحيطات، ويمكنه "إعادة الزمن للوراء" من خلال العودة لمرحلة سابقة من دورة حياته التي تبدأ في بويضة مخصبة تنمو إلى مرحلة اليرقة "بلانولا"، بعد فترة قصيرة تلتصق البلانولا بالصخور وتتحول إلى صورة أنبوبية مع فم في أحد الطرفين و"قدم" في الطرف الآخر. عندما يتقدم في العمر أو يصاب بالمرض أو يواجه خطراً، يقوم بعملية تسمى "التحول الخلوي" فتتغير طبيعة الخلايا من نوع إلى آخر، مما ينتج جسماً جديداً بالكامل. ويمكنه تكرار هذه العملية من دون توقف، مما يعني أنه يعيش إلى الأبد. وقام فريق من الباحثين الإيطاليين أخيراً بقراءة تسلسل جزء صغير من الحمض النووي لقنديل البحر، والاستنتاج المرحلي هو أن سر "عكس الحياة" قد يكتشف فقط بعد فك شيفرة الجينوم الكاملة للكائن الحي.
الهيدرا
المخلوق الآخر الذي يتمتع بهذه القدرة هو الهيدرا المسماة تيمناً بالوحش الأسطوري اليوناني، الذي كان ينمو له رأسان جديدان عندما يقطع أحد رؤوسه، وهو كائن حي صغير جداً ذو جسم أنبوبي وله فم محاط بمجموعة من اللوامس وتعيش في برك المياه العذبة أو الأنهار، وتستخدم المستشعرات الخارجة من فمها لالتقاط الفريسة. هذه الكائنات البحرية الصغيرة التي تقاس بمليمترات فقط، تعتبر نموذجاً لعلماء الأحياء في التجديد بسبب قدرتها على تجديد أجزاء من جسمها وطول عمرها الاستثنائي.
والهيدرا قادرة على البقاء على قيد الحياة بعد قطع أجزاء من جسمها من خلال تجديد الأجزاء المفقودة، وإذا قسمت الهيدرا إلى أجزاء، فإن كل جزء منها سيصبح هيدرا جديدة. وإذا مزجت الهيدرا، سيتم إنتاج مجموعة من الخلايا التي يمكن إعادة تنظيمها وتشكيل هيدرا جديد.
واكتشف العلماء أن الهيدرا لا تمر بعملية الشيخوخة على الإطلاق، إذ تمتلك خلاياها الجذعية القدرة على التجدد إلى ما لا نهاية، بفضل مجموعة معينة من الجينات تعرف باسم جينات FOXO ، أما السرطانات البحرية مثل الكركند فمعروفة بقدرتها على إصلاح الحمض النووي باستمرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شيخوخة جسم الإنسان
في علم الطب البشري كان يعتقد سابقاً أننا نصبح شخصاً جديداً كل سبع إلى 10 سنوات، إذ تموت جميع خلايا الجسم ويحل محلها خلايا جديدة، لكن دحضت هذه الخرافة مع العلوم الحديثة لأن خلايانا تموت باستمرار ويتم استبدالها، حتى إننا لا نملك قدرة بعض السحالي في مجال التجدد، التي يمكن لأنواع منها أن تجدد أجزاء من قلوبها وفكوكها وساقين وذراعين بالكامل، وبعضها يمكنه أن يجدد ذيله بالكامل، وهناك أنواع من السحالي يمكنها تجديد الحبل الشوكي. واكتشفت بعض فرق البحث أن السحالي تكبح بروتيناً يسمى p53، الذي قد يساعد في تحول الخلايا، فيؤدي كبحه إلى تجدد الخلايا وتوالدها من جديد.
بالنسبة إلى الجسد البشري يعمل العلماء على اكتشاف الآليات البيولوجية الرئيسة وراء الشيخوخة، وعرف علماء الجينات أن عملية تقصير التيلوميرات، وهي الأغطية الواقية في أطراف الكروموسومات، مع كل انقسام خلوي، هو ما يؤدي إلى الشيخوخة الخلوية أو موت الخلايا. ولهذا بات بحث العلماء الباحثين عن الخلود البشري يركزون على إنزيم التيلوميراز الذي يمكنه إعادة بناء التيلوميرات، ولو اكتشفت كيفية عمل هذا الأنزيم داخل الخريطة الجينية البشرية فسيكون طريقة محتملة لإبطاء الشيخوخة. وفي عام 2009 فاز الباحثون بقيادة إليزابيث بلاكبيرن بجائزة نوبل في الفسيولوجيا عن عملها في مجال التيلوميرات والتيلوميراز، وتقصير التيلوميرات المرتبط بوقف الشيخوخة.
الخلايا الجذعية
الأبحاث الأخرى تنصب على الخلايا الجذعية لإعادة تجديد الأنسجة والأعضاء، مما قد يؤخر آثار الشيخوخة، ومن المعروف أن الخلايا الجذعية تقوم بتجديد الأنسجة التالفة وإفراز الخلايا الجديدة مكان القديمة الميتة، وتعتبر التجارب الأميركية والأوروبية على الخلايا الجذعية، التي تتناول إصلاح الأنسجة والأعضاء التالفة باستخدام الخلايا الجذعية، الأكثر طموحاً في الطب التجديدي المعاصر.
وهناك الأبحاث الكثيفة من أجل تحديد الجينات المرتبطة بالشيخوخة وطول العمر، وفي عام 2009 حدد الباحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية جيناً يسمى FOXO3 يرتبط بطول العمر والحماية من الشيخوخة، وبدأت مؤسسة أبحاث SENS باستخدام أساليب مثل العلاج الجيني وتجديد الخلايا.
وعلى مستوى الأدوية الصيدلانية فإن أشهر الأدوية التي يجري البحث عليها الآن هي "الرامابيسين"، التي أظهرت قدرة على تمديد عمر الفئران، وتجري الآن اختبارات لتأثيراتها في البشر.