Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عشية الجلسة الـ 13: الفراغ الرئاسي المتكرر في لبنان... أين المشكلة؟

يرد بعض المتابعين الأسباب لغياب الراعي الخارجي لكن بعضهم الآخر يضع المشكلة في قانون الانتخاب الذي لم ينتج أكثرية

مضى على الشغور في موقع رئاسة الجمهورية عامان وثلاثة أشهر، تعطل خلالها عمل المؤسسات الدستورية في أحلك ظروف اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية مرت بها البلاد ولا تزال (مواقع التواصل)

ملخص

لم يشهد تاريخ لبنان الحديث على مدى الأعوام الـ79 الأخيرة انتقالاً سلساً للسلطة من رئيس للجمهورية إلى آخر، والشغور الرئاسي الحالي هو الرابع في سلسلة الفراغات الرئاسية التي حصلت قبل وبعد اتفاق الطائف.

يستعد مجلس النواب لجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية تحمل الرقم 13، يوم الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن أخفق النواب في الجلسات الـ12 السابقة في انتخاب خلف لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

ومضى على الشغور في موقع رئاسة الجمهورية عامان وثلاثة أشهر، تعطل خلالها عمل المؤسسات الدستورية في أحلك ظروف اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية مرت بها البلاد ولا تزال، وكان آخرها حرب مدمرة لم تنته نهائياً بعد. وصار الشغور الرئاسي منذ عام 1988 حالة معتادة في كل نهاية عهد رئيس، تختلف فقط من ناحية المدة الزمنية، إذ كانت أطولها في نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان حين امتد الشغور الرئاسي لعامين وخمسة أشهر، قبل تسوية رئاسية أوصلت الرئيس السابق ميشال عون إلى قصر الرئاسة في بعبدا (محافظة جبل لبنان). أما الأسباب فيربطها بعضهم بكثرة الانقسامات بين القوى السياسية، والطائفية التي أسهمت في حالات عدة بعرقلة عملية انتخاب رئيس جديد، واستقواء فريق على الآخر بالسلاح والفرض والتعطيل، وامتلاك الفريق نفسه ورقة الدعوة إلى جلسات الانتخاب من موقع رئاسة مجلس النواب. كما يتحدث آخرون عن الوصاية السورية على لبنان والتدخلات الخارجية والإقليمية والدولية التي لم تساعد في توفير ظروف ديمقراطية سليمة ومهدت لتسويات رئاسية. فحتى عندما كان الفريق الذي كان يعرف بـ"قوى 14 آذار" في عام 2007 يملك الأكثرية في البرلمان، فإنه لم ينجح في إيصال رئيس للجمهورية من صفوفه وفشل في كسر قرار إقفال المجلس النيابي لعامين وأكثر.

الفراغات على مر التاريخ

لم يشهد تاريخ لبنان الحديث على مدى الأعوام الـ79 الأخيرة انتقالاً سلساً للسلطة من رئيس للجمهورية إلى آخر، في سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا مرتين فقط، فمعظم العهود كانت تشهد في نهايتها على صراعات وحروب وفراغات تنتهي بتسويات داخلية أو إقليمية ودولية تؤدي إلى انتخاب رئيس جديد. والشغور الرئاسي الحالي هو الرابع في سلسلة الفراغات الرئاسية التي حصلت، قبل وبعد "اتفاق الطائف" (الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية)، التي بدأت مع انتهاء ولاية الرئيس السابق أمين الجميل في الـ22 من سبتمبر (أيلول) 1988، وهو شغور انتهى بانتخاب الرئيس الراحل رينيه معوض عام 1989 أي أنه دام عاماً و44 يوماً. والمرة الثانية التي حصل فيها شغور رئاسي مع انتهاء الولاية الممددة للرئيس السابق إميل لحود في الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وانتهى الشغور الذي دام نحو ستة أشهر، يوم الـ25 من مايو (أيار) 2008، بانتخاب العماد ميشال سليمان، نتيجة اتفاق بين الزعماء السياسيين اللبنانيين عقد في العاصمة القطرية الدوحة. أما المرة الثالثة والأطول فبدأت بانتهاء ولاية سليمان في الـ25 من مايو (أيار) 2014، وانتهت في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 2016 بانتخاب عون.


المشكلة في غياب الراعي الخارجي؟

يرد بعض منهم أسباب الفراغ الرئاسي لغياب الراعي الخارجي، إذ لم يشغر موقع رئاسة الجمهورية مثلاً في زمن الوصاية السورية على لبنان، إذ كان انتخاب الرئيس اللبناني يتم بقرار سوري والنواب ينفذون.
نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي عايش الانتخابات الرئاسية بين عامي 1992 و2004، التي أوصلت الرئيسين السابقين إلياس الهراوي وإميل لحود حين كانت كلمة السر تأتي من سوريا.
يعتبر الفرزلي أن هناك خطأ في قراءة المرحلة السورية، ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه "صحيح أن النظام السوري كان هو صاحب القرار في لبنان في تحديد السقف، إنما في النهاية هو كان يساعد في تنفيذ أو عدم تنفيذ إرادة اللبنانيين بالخلافات أو بالتوافقات". ويذكر بأن التمديد للهراوي "لم يكن ليحصل لو لم يتلاق مع إرادة القيادات اللبنانية، وفي مقدمهم رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، و(الزعيم السياسي) ريمون إده، وكذلك البطريرك الماروني الراحل نصر الله بطرس صفير". ويعترف الفرزلي بالدور الأمني الذي لعبه النظام السوري في لبنان، لكنه يشدد على "الدور اللبناني أيضاً"، ويذكر بقوانين الانتخابات النيابية التي "لم تكن لتصدر كما كانت إلا بإرادة اللبنانيين". أما الفراغ الرئاسي برأيه فهو "نتيجة عدم وجود أكثرية نيابية تستطيع حسم الأمور لمصلحة مرشح، والسبب هو الخلل الموجود في قانون الانتخاب الحالي".
ويؤكد الفرزلي أنه "في كل بلدان العالم عندما يعجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس وتأليف حكومة يكون الحل بانتخابات نيابية جديدة لإعادة تشكيل أكثرية"، ويضيف "حتى في إسرائيل حصلت خمس انتخابات على مدى أربع سنوات عندما لم يتمكنوا من تأليف حكومة". ويرى الفرزلي أنه "في ظل عدم وجود قدرة على الوفاق يصبح الحل بتأمين نصاب 65 صوتاً في الدورة الثانية". ويستغرب كيف أن المداخلات الدولية والإقليمية وضعت حاجزاً أمام انضمام عدد من النواب لفريق دون آخر، مما منع حصول أي من المرشحين على أكثرية 65 صوتاً. وينتقد الإصرار على الوفاق لانتخاب رئيس للجمهورية، مستذكراً الانتخابات الحقيقية التي كانت تحصل وكان الفارق صوتاً واحداً كما جرى في انتخابات عام 1972.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثقافة التعطيل

وفي قراءة للفراغات الرئاسية الثلاثة التي تكررت منذ عام 2007 حتى اليوم بعد الانسحاب السوري من لبنان، يعتبر كثيرون أن المسبب الرئيس بعدم انتخاب رئيس للجمهورية كان في كل مرة، فريق واحد أقفل مجلس النواب وعطل نصاب الجلسات لفرض مرشحه، فيما يدافع هذا الفريق عن نفسه مؤكداً أن التعطيل وغياب الانتخاب كان نتيجة غياب التوافق وعدم الذهاب نحو حوار داخلي جامع، كما حصل في الأشهر الماضية التي تخللها إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على عقد جلسة حوار قبل الانتخاب.

يعتبر الكاتب السياسي نبيل بو منصف في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "تجارب الفراغ الرئاسي في لبنان تدل على أنه في العقدين الأخيرين كان الفريق الذي يعطل الانتخابات الرئاسية هو نفسه، من خلال تحالف الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) مع التيار الوطني الحر ولو باختلاف الظروف، فبعد عام 2007 حتى اليوم هناك ثلاث تجارب للشغور الرئاسي غالباً ما كانت صنيعة هذا التحالف. وفي كل مرة كان يعجز عن فرض مرشحه، كان يخلق أوضاعاً تعطيلية تنشأ عنها حقبات الفراغ". والآن نشهد بحسب بو منصف "آخر تجليات هذه التجارب الثلاث، وبالتالي المسألة لا تتعلق لا بالنظام الدستوري وليس هناك في النظام أية ثغرة تتعلق بمسألة الفراغ، لكي يصار إلى التذرع بها والمطالبة بتعديلها، إنما هذه ممارسة تعطيلية تنشأ عن ثقافة تعطيل وعن ثقافة فراغ لا صلة لها بالديمقراطية الصحيحة وبالأصول الديمقراطية، وهذه آفة تتصل بقوى سياسية وبثقافة غالباً ما تكون مرتبطة بالخارج أو بالاستئثار السياسي، والفراغ الرئاسي إذاً هو ممارسة تعطيلية وثقافة تعطيلية أولاً وأخيراً ولا صلة لها بالنظام السياسي في لبنان".

بدوره يرى الكاتب الصحافي قاسم قصير، المقرب من "حزب الله"، أن الفراغات الرئاسية الأخيرة كانت نتيجة عدم وجود نص واضح في الدستور يعالج مشكلة عدم انتخاب رئيس الجمهورية، إلى جانب الخلافات السياسية والحزبية، وليس استئثار حزب أو جهة معين بقرار المجلس ولا البلاد. وعن ثقافة التعطيل، يقول قاسم إن ثقافة التعطيل موجودة في لبنان منذ عقود، ويضيف "عام 1988 عطلت القوات اللبنانية الانتخابات بالقوة ومنعت وصول النواب بحسب اعتراف سمير جعجع في مذكراته كذلك هناك قوى لبنانية هددت وتهدد بالتعطيل اذا لم ينتخب رئيس يناسبها".


هل المشكلة في الدستور؟ 

من جهته يؤكد المحامي في بيروت وباريس الدكتور أنطوان صفير أن "منطق الفراغ هو منطق يناقض الدستور، على اعتبار أن المشرع عندما يحدد أصول انتقال السلطة في نظام ديمقراطي كالنظام الذي نعيش فيه في ظل دستور وقوانين مرعية الإجراء". ويرى صفير أن "هناك مواقيت محددة في الدستور يجب أن تحترم وإلا لا يعود هناك ضابط لانتقال السلطة، وبالتالي يتم المس بالديمقراطية والخروج على النصوص الدستورية المرعية الإجراء مما يؤدي إلى خرق للدستور"، ويضيف "من جهة ثانية ربما تكون النصوص غير مكتملة في بعض الأحيان، لكن المسألة السياسية هي الطاغية والتوقيت أصبح توقيتاً سياسياً يخرق المواقيت الدستورية بأشهر وسنوات وهذا ينطبق على انتخاب رئيس للجمهورية كما على تشكيل الحكومات المتتالية". ومسألة الرئاسة يتابع المحامي صفير، أصبحت أزمة بذاتها باعتبار أنها بدأت منذ عام 1976 عندما انتخب رئيس الجمهورية قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية الرئيس السلف، وعدلت المادة آنذاك. ثانياً عندما حصل الشغور الرئاسي الأول في عام 1988 ولاحقاً مع حصول التمديدين، والتمديد هو شقيق التقصير، لأن قوة الرئيس والرئاسة هي في السنوات الست غير القابلة للتجديد، ثم شهدت البلاد مرحلتين متتاليتين من فراغ رئاسي عام 2007 بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود وعدم انتخاب رئيس جديد إلا بعد ستة أشهر، ثم مع انتهاء ولاية الرئيس سليمان إذ امتد الفراغ لعامين وخمسة أشهر. ومع بلوغ مرحلة الفراغ الثالث بات النظام الديمقراطي مهدداً في الصميم، وكأن المواقيت الدستورية أصبحت بمثابة مواعيد يمكن عدم احترامها أو تخطيها والوصول إلى تسويات معينة، وكأن الرئاسة باتت لزوم ما لا يلزم في النظام". ويتابع "لم تصبح الرئاسة بمثابة رئاسة بروتوكولية، لأننا لا نزال في نظام برلماني، لكن النظام البرلماني صار غير مكتمل المعالم باعتبار أن رئيس الجمهورية لا يزال جزءاً من السلطة التنفيذية، وهذا ما حدده الدستور وبالتالي فإن عدم وجود رئيس يجعل الحكومة غير قادرة على القيام بكل الأعمال بسبب وجود صلاحيات منوطة بشخص الرئيس، حتى لو كانت عادية، فكيف بالحري وهي حكومة تصريف أعمال".

المزيد من متابعات