ملخص
على نقيض بنما وغرينلاند التي لم يستبعد غزوهما، لا يخطط ترمب لحرب ضد كندا، لأنه يفضل بحسب تصريحاته المعلنة، الطاعة المسبقة التي تؤدي إلى إنشاء ولاية جديدة في الجارة الشمالية برئاسة حاكم. لكن بعد استقالة ترودو، سيضطر أي شخص يصبح رئيساً لوزراء في الأسابيع أو الأشهر المقبلة إلى معرفة كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي الجديد.
أمضى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الأسابيع الماضية في خلق عالم مواز عبر طرح أفكار وتهديدات لم تكن تخطر على بال الساسة الأميركيين من قبل، فعرض شراء غرينلاند من الدنمارك ثم هدد بغزوها، وطرح استرداد قناة بنما من السيادة البنمية وهدد بغزوها، وأسهم أخيراً في استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بعدما هدد بفرض رسوم جمركية على بلاده، وعندما التقاه سخر منه بعرض دمج كندا كولاية أميركية رقم 51، ونشر أخيراً خريطة للولايات المتحدة تشمل كندا داخلها، فما هي أهداف ترمب من الإصرار على طرح فكرة الدمج، وهل يقبل الكنديون بعرضه كما يدعي أم إن العلاقات الأميركية الكندية أصبحت مرشحة لمزيد من الاضطراب؟
علاقات تتغير
تتمتع الولايات المتحدة وكندا بأطول حدود دولية في العالم (8891 كيلومتراً)، تم ترسيمها في الثالث من سبتمبر (أيلول) 1783، عند توقيع "معاهدة باريس" في نهاية حرب الاستقلال الأميركية. وعادة ما تكون العلاقات بين البلدين هادئة، فعلى مدى أكثر من قرن، وجد البلدان طرقاً للتعاون والازدهار على أساس من التحالفات والاتفاقات القائمة على معايير وقيم وعادات مشتركة كجزء من علاقة عميقة متعددة الأوجه، على رغم حقيقة أن الولايات المتحدة دولة أقوى بكثير. لكن هذا الوضع يبدو أنه يتغير الآن بفضل رئاسة دونالد ترمب الثانية التي تنذر بالاضطراب مع الكنديين بعدما هدد ترمب كندا والمكسيك بفرض رسوم جمركية بقيمة 25 في المئة على منتجاتهما، ثم سخر من ترودو بطرح فكرة ضم كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية لتكون الولاية رقم 51 ويصبح ترودو حاكماً لها، مدعياً أن الكنديين سيحبون ذلك لأنه لن تكون هناك رسوم جمركية، وستنخفض الضرائب بصورة كبيرة، وستكون كندا آمنة ومحمية تماماً من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار، على حد قوله.
وعلى رغم أن ترودو كان يعاني واقعياً من متاعب داخلية عدة منها التضخم وعدم توفر المساكن مما أدى إلى انهيار شعبيته، إلا أن تهديد ترمب بالرسوم الجمركية على السلع الكندية، كان جزءاً من أسباب خسارة ترودو لمنصبه نتيجة زيادة المخاوف في كندا في شأن استقرارها الاقتصادي، إذ أنتجت استفزازات ترمب لحظة شبه وجودية في السياسة الكندية ساعدت بقوة في استقالة كريستيا فريلاند، وزيرة المالية في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعدما اتهمت ترودو بالفشل في مهمة الرد على القومية الاقتصادية المتمثلة في مبدأ "أميركا أولاً" التي تجسدت في صورة تعريفات جمركية لم تكن كندا مستعدة لها، مما دفع ترمب إلى وصف خطاب فريلاند بأنه "سام".
سلوك انتقامي
وفيما حاول مسؤولون كنديون التقليل من أهمية الصراع المحتمل مثل سفيرة كندا لدى الولايات المتحدة كيرستن هيلمان، التي قالت لموقع "بوليتيكو"، إن "الولايات المتحدة وكندا مثل أبناء العم أو الأشقاء. كلاهما يريد الآخر قوياً"، حذر المعلق السياسي ستيفن كولينسون من "السلوك الانتقامي للرئيس القادم الذي يركز على جار أميركا الشمالي في الوقت الحاضر، لكنه من المرجح أن يكون هذا هو الأسلوب السائد في سياسته الخارجية"، مضيفاً أنه إذا كان ترمب يلاحق كندا الآن، فسيلحق الآخرون بها مستقبلاً.
سبب هجوم ترمب المتجدد يعود إلى ما وصفه بدعم أميركا لكندا بنحو 100 مليون دولار سنوياً كما أشار عبر منشوراته على منصة "تروث سوشيال" التي يملكها، مهدداً بفرض تعريفات جمركية، لكن الرئيس المنتخب بدا أنه يتجاهل أن الفارق في الميزان التجاري يعود إلى صادرات كندا النفطية التي يستفيد منها الاقتصاد الأميركي.
ومع تزايد نبرة التهديدات بدأ المسؤولون الكنديون يستعدون الآن لفرض ضرائب على صادرات بعض السلع لأميركا مثل اليورانيوم والنفط والبوتاس، التي من شأنها رفع الكلف للمستهلكين والمزارعين والشركات الأميركية رداً على التعريفات الجمركية التي اقترحها ترمب، وقد يصل الأمر بالأميركيين إلى دفع مزيد من الأموال عند محطات وقود السيارات لأن كندا هي أكبر مورد خارجي للنفط للولايات المتحدة، كما ينتظر أن تنتهي الحرب التجارية إلى معركة فوضوية باهظة الكلفة لكلا البلدين، نظراً لتكامل اقتصاديهما، ولكن بسبب التفاوت في حجم اقتصاد البلدين، فإن التأثير سيكون أكبر في كندا.
فكرة قديمة
ولا تعد فكرة ترمب بضم كندا جديدة تاريخياً، فقد راودت فكرة اندماج الولايات المتحدة وكندا أذهان القادة الأميركيين منذ الثورة الأميركية، عندما غزا الجيش الأميركي مقاطعة كيبيك خلال عامي 1775 و1776 لإقناع سكان المقاطعة بالانضمام إلى جانب المستعمرات الأميركية الـ13 التي تمردت على بريطانيا، لكن الحملة باءت بالفشل.
وفي عام 1921، بعد انتشار معلومات عن أن الولايات المتحدة تستعد لغزو كندا، وضع ضابط استخبارات كندي مخططاً دفاعياً يستند إلى شن غزو استباقي للولايات المتحدة تحتل بمقتضاه القوات الكندية مدن سياتل وسبوكان وبورتلاند في غرب أميركا، ثم تتراجع وتدمر في طريقها الجسور والسكك الحديد لإبطاء تقدم الأميركيين، بينما تسارع التعزيزات البريطانية لمساعدة الكنديين.
وفي وقت لاحق من عشرينيات القرن الماضي، وضعت وزارة الحرب الأميركية خطة سميت باسم "الحرب الحمراء"، حددت الخطوط العريضة لحرب محتملة مع بريطانيا تتضمن بجزء منها الدفاع ضد الغزاة الكنديين.
التعامل مع ترمب
وعلى نقيض بنما وغرينلاند التي لم يستبعد غزوهما، لا يخطط ترمب لحرب ضد كندا، لأنه يفضل بحسب تصريحاته المعلنة الطاعة المسبقة التي تؤدي إلى إنشاء ولاية جديدة في الجارة الشمالية برئاسة حاكم. لكن بعد استقالة ترودو سيضطر أي شخص يصبح رئيساً لوزراء في الأسابيع أو الأشهر المقبلة إلى معرفة كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي الجديد والتعاطي مع التهديد الوجودي الذي يشكله على كندا بطريقة أكثر فاعلية بكثير من الليبراليين تحت قيادة ترودو، إذ تعد غالبية الكنديين أن ترمب أساء بصورة صارخة إلى استقلال كندا وهويتها، وأنه يتحدى علناً فكرة السيادة الكندية ذاتها.
ربما يكون من الصعب فهم طبيعة ومدى التهديدات التي يفرضها شخص على استعداد لتجاهل الاتفاقات السياسية والدبلوماسية وخلق تحديات متعددة الأوجه للازدهار الاقتصادي الكندي والمعايير الديمقراطية والسيادة، مثلما يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة كولومبيا البريطانية ستيوارد بريست، خصوصاً أن تصرفات ترمب أشارت مراراً إلى أنه لا يحترم من يعدهم عاجزين، وهو ما ينطبق على كندا الآن بعدما جعلها مزحة متداولة مفادها أنها ليست دولة حقيقية، بل مجرد ولاية أميركية أخرى.
وتتزايد النبرة الوطنية في كندا الآن ضد ترمب الذي يعده البعض متنمراً لا ينتهي تنمره عندما تستسلم له، ولكن فقط عندما يتضح أن كندا لن تستجيب لاستفزازاته بعد أن ظهر جلياً أن ترودو تصرف بطريقة خطأ تجعل الأمر يبدو وكأن ترمب على حق، وبدلاً من الرد على اتهامه كندا بالتراخي في حماية الحدود، وعدت الحكومة الكندية على الفور بإنفاق أكثر من مليار دولار لتعزيز أمن الحدود، وفي مواجهة تهديدات ترمب بالرسوم الجمركية، زار ترودو مقر ترمب في فلوريدا برحلة مفاجئة لتقديم احتراماته للرئيس المنتخب بدلاً من مراعاة البروتوكول المعتاد وانتظار زيارة رسمية بعد التنصيب. وهذا جعل ترودو يبدو وكأنه متضرع أكثر منه رئيس حكومة زائراً.
رفض شعبي كندي
ورداً على ادعاء ترمب بأن الكنديين يريدون الاندماج مع الولايات المتحدة، أظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة "ليغر" عكس ذلك بصورة قوية للغاية حيث تبين أن 13 في المئة فقط من الكنديين يرغبون في أن تصبح البلاد الولاية الأميركية رقم 51 بينما عارض الفكرة 82 في المئة. وجاءت أكبر نسبة مؤيدة للاندماج من حزب الشعب الكندي (25 في المئة) والحزب المحافظ بنسبة (21 في المئة)، في حين قال واحد فقط من كل 10 ناخبين ليبراليين إنهم يؤيدون الفكرة، بينما كان الحزب الديمقراطي الجديد هو الأدنى من حيث التأييد بنسبة (ستة في المئة). ومن بين إجمالي السكان، جاءت أعلى نسبة معارضة من المقاطعات المطلة على المحيط الأطلسي، والنساء، ومن تزيد أعمارهم على 55 سنة، بينما أيد الفكرة 19 في المئة من الرجال.
ولا تعد النتيجة مفاجئة قياساً بالماضي، إذ كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في عام 1990 في وقت المفاوضات الساخنة في شأن "اتفاق بحيرة ميتش"، أن 13 في المئة فقط من الذين شملهم الاستطلاع سيؤيدون فكرة انضمام مقاطعتهم إلى الولايات المتحدة، بينما عارضها 79 في المئة. وفي عام 1964، نشرت مجلة "ماكلينز" إصداراً خاصاً يتناول العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا أظهر فيه استطلاع للرأي أجرته المجلة وعدد قليل من وسائل الإعلام الكندية الأخرى، أن 17 في المئة من الكنديين فضلوا اتحاد كندا والولايات المتحدة، وفضل هذا الاتحاد بقوة 12 في المئة إضافيين، بينما رفضه أكثر من 70 في المئة.
تصيد أم تكتيك سياسي؟
وفي حين يتصور البعض أن ترمب منخرط فقط في التصيد بدعوته الكنديين للاندماج مع أميركا، يرى آخرون أن التهديد هو تكتيك سياسي فعال، سبق أن استخدمه ترمب من قبل وحقق نجاحات بالفعل خلال دورته الرئاسية الأولى. وبحسب جينيفر ميرسيكا أستاذة الإعلام والاتصالات في "جامعة تكساس أي أند أم" ومؤلفة كتاب "ديماغوجيا الرئيس: العبقرية الخطابية لدونالد ترمب"، فإن "الرئيس المنتخب يهدف إلى الهيمنة والترهيب، وقد نجح جداً في استخدام هذه الاستراتيجيات وخصوصاً مع السياسيين التقليديين الذين لا يعرفون عادة كيفية الرد".
والدليل على نجاح تكتيكات ترمب أن كندا أعلنت عن عدد من التغييرات في سياساتها، بدءاً من طائرات الهليكوبتر الجديدة على الحدود، إلى تشديد ضوابط الهجرة، وتنفيذ قواعد جديدة لمكافحة غسل الأموال، والدفع بقوة عمل مشتركة بين كندا والولايات المتحدة لمكافحة مخدر الفنتانيل.
ولهذا يحتفل فريق ترمب الرئاسي بالتغييرات التي أعلنتها كندا على الحدود كدليل على أن ترمب أنجز المهمة، وفي بيان صحافي قال فريقه، إن "الرئيس ترمب يفي بوعوده ويؤمن الحدود بينما لم يتولَ منصبه بعد"، ونشرت السكرتيرة الصحافية القادمة للبيت الأبيض هذه الرسالة المنتصرة على حساباتها على "إنستغرام" و"إكس". وكان الجمهوريون في الكابيتول هيل يتباهون بفوز ترمب في معركة كندا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كندا هدف شعبوي
غير أن بعض علماء النفس اعتبروا أن الأيديولوجية التي تقف خلف الأهداف السياسية بما في ذلك "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" وهو شعار حركة "ماغا" المؤيدة بقوة لترمب، لا تتألف من صيحات حاشدة يطلقها الزعماء السياسيون في الفراغ، بل إنها شيء مغر يرغب فيه الساسة والناخبون على حد سواء من دون وعي، بغض النظر عن العواقب النهائية السلبية.
ووفقاً للأستاذ في نظرية التحليل النفسي السياسي بجامعة يورك، إيلان كابور فإن "قضية التجارة هي أيضاً قضية عاطفية للغاية وحتى مقدسة، ومشبعة بتوقعات شبه سحرية تتحدى الحس السليم والحكمة الاقتصادية، ولهذا نجحت حملة ترمب الانتخابية في الاستفادة من هذا الإغراء العاطفي، مستغلة الإحباطات الاقتصادية الشعبية إزاء صعود الصين والانحدار النسبي للولايات المتحدة، ومن هذه الزاوية عرض ترمب قضية التجارة والتعريفات الجمركية كأدوات لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، لكن كندا وقعت في مرمى النيران حين سعت إلى استرضاء الولايات المتحدة بينما أصبحت هدفاً لشعبوية ترمب".
تأكيد الهيمنة الأميركية
غير أن المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة سانت ماري، غافين فريديل، يرى أن "استراتيجية ترمب، تعتمد على استخدام الأدوات الوقائية لإعادة تأكيد الهيمنة الأميركية على القطاعات التي تخلفت فيها"، مشيراً إلى أن "ما هو على المحك في أيديولوجية ترمب الشعبوية ليس الاقتصاد فحسب، بل والمكانة العالمية للولايات المتحدة إذ ينظر إلى هذه المكانة مع صعود الصين على أنها مهددة، مما أثار القلق الأميركي الذي عكسته نتيجة الانتخابات بظهور رغبة يقودها الحنين إلى استعادة عظمة أميركا الماضية عبر إزالة أي عقبات تقف في طريقها".
ولكن على رغم أن ترمب أثبت براعته في استغلال هذه الرغبة، فإن عدم عقلانية سياساته الشعبوية من المرجح أن تثبت أنها غير فعالة أو منتجة، وبدلاً من معالجة المشكلات الاقتصادية والتجارية البنيوية الأميركية مثل التضخم والتفاوت غير المسبوق في الدخل والتوظيف الهش، ينصب التركيز على استعراض العضلات وإخضاع الآخرين.
مناورة نفسية
ولهذا تعد تصريحات ترمب بمثابة مناورة نفسية كلاسيكية، فبدلاً من الاهتمام بإخفاقات الولايات المتحدة الخاصة، يحمل الرئيس المنتخب الآخرين هذه الإخفاقات بصورة نمطية لجهات مثل الصين والمهاجرين والمسلمين وغيرهم، وهو ما يتضح في محاولات ترمب تصوير المكسيكيين باعتبارهم أشخاصاً سيئين يغزون أميركا بالمهاجرين غير الشرعيين ويجلبون المخدرات، في حين يزعم أن المكسيك تجني ثروة من الولايات المتحدة، على رغم حقيقة أن المكسيك، ورغم تحقيقها مكاسب اقتصادية في الأعوام الأخيرة، تأخرت كثيراً عن الولايات المتحدة وكندا في الإنتاجية ونمو الدخل على مدى الأعوام الـ30 الماضية.
ولعل سبب إثارة ترمب قضية الاستثمار الصيني المحتمل في صناعة السيارات المكسيكية (وهو أمر مبالغ فيه بصورة كبيرة لأنه لا يوجد حالياً سوى مصنع سيارات واحد مملوك للصينيين في المكسيك)، يستهدف تحويل الانتباه عن الفشل المستمر لصناعة السيارات الموجودة على الأراضي الأميركية في مواكبة التكنولوجيا الصينية. لكن خطط ترمب لاستغلال المخاوف الأميركية من خلال الحمائية التجارية من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية، إذ تعزز هذه السياسات موقتاً المشاعر القومية وتساعد بعض الشركات المصنعة الأميركية، إلا أن المستهلكين الأميركيين سيعانون قريباً من ارتفاع الأسعار في حين قد يتضرر المنتجون من ارتفاع أسعار النفط والغاز من كندا، وربما تستهدف الصين أيضاً الزراعة الأميركية رداً على التعريفات الجمركية المتجددة التي فرضها ترمب، مما يؤثر سلباً في نفس المناطق الريفية التي قدمت الدعم السياسي للرئيس الأميركي العائد.
ميزة أم ضرر دبلوماسي؟
في المقابل، فإن المدافعين عن ترمب يصرون على أن مثل هذه المطالب وتهديداته المفاجئة، تضمن ميزة دبلوماسية للولايات المتحدة لأنها تقلب التوقعات والأعراف الدبلوماسية، وبهذا الخط من التفكير، فإن عدم القدرة على توقع ما يمكن أن يفعله ترمب يزداد، مما يضع العواصم الأخرى في موقف ضعيف وأقل قدرة على مقاومة المطالب الأميركية.
لكن المشكلة بحسب ما يشير تقرير لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن لا يتمثل في تكتيكات ترمب بقدر ما يتعلق بحماسته لاختيار معارك غير ضرورية مع أصدقاء أميركا، إذ تواجه الولايات المتحدة اليوم الوضع الجيوسياسي الأكثر تنافسية منذ عقود، والصين هي أول منافس يمكنه تحدي الزعامة الأميركية اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وهي تعمل على تعميق علاقاتها مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية ودول أخرى تشترك معها في رغبتها لإضعاف القوة الأميركية، كما تبني علاقاتها مع ما يسمى القوى المتأرجحة مثل البرازيل والهند ودول عربية أخرى التي من المرجح أن تقرر تطور النظام العالمي.
وفي مواجهة مثل هذه المنافسة، يتعين على الولايات المتحدة أن تعزز علاقاتها مع الأصدقاء والشركاء والحلفاء، الذين كانوا منذ فترة طويلة مضاعفين للقوة الأميركية، على اعتبار أن زيادة العدد قوة.
ولأن بكين تدرك هذا المفهوم، فإنها تسعى إلى زرع الانقسامات في علاقات التحالف مع الولايات المتحدة، إذ تريد أن تشكك الدول في الزعامة الأميركية وأن تشكك في نيات واشنطن وموثوقيتها، ومن ثم يمكن أن يصبح لدى الولايات المتحدة عدد أقل من الشركاء، أو عدد أقل التزاماً، ممن ثم يكون للولايات المتحدة نفوذ أقل على الساحة العالمية.
ويبدو أن ترمب غير مهتم بهذا الأمر فهو لا يزال مقتنعاً، كما قال في تجمع انتخابي في الربيع الماضي، بأن "حلفاءنا في كثير من الحالات أسوأ من أعدائنا المزعومين"، وهو ما يفسر لماذا يبدو ترمب أكثر اهتماماً باختيار المعارك مع الأصدقاء من تجنيدهم في قضية مشتركة، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب على الولايات المتحدة أن تنجح في عالم من المنافسة بين القوى العظمى.