Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بلاي" مسرحية المراوغة والأسئلة الشائكة

حكايات وأزمنة وقضايا تجعل المشاهد في حيرة ايجابية

مشهد من مسرحية "بلاي" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

يقدم مسرح الغد في القاهرة العرض المسرحي" بلاي" من تأليف سامح مهران وإخراج محمد عبدالرحمن الشافعي، وهو عرض إشكالي، يبدو في سطحه بسيطا ومسليا، وإن كان عمقه يحتشد بالأسئلة الشائكة.

يتضمن العرض المسرحي المصري "بلاي" الذي يقدم على مسرح الغد في القاهرة (وزارة الثقافة- البيت الفني للمسرح) من تأليف سامح مهران وإخراج محمد عبدالرحمن الشافعي، تتعدد أشكال اللعب، وكذلك طرق التلقي، إذ يعتمد العرض، ما دمنا في إطار اللعب، مراكمة طبقات وحكايات وأزمنة ومستويات وقضايا، ليترك المشاهد في النهاية في حيرة من أمره، وهي حيرة إيجابية تدفعه إلى التفكير في العرض وإعادة تفكيكه، بحثاً عن إجابات، كل بحسب وعيه وبحسب حاجاته من المسرح.

يبدو العرض بسيطاً في مستواه الأول، أو طبقته الخارجية، لكنه يضمر الكثير تحت السطح الذي كان خفيفاً، لكنها الخفة التي تكتنز عدداً كبيراً من الأسئلة المتعلقة بوجودنا.

نحن أمام فرقة مسرحية، غاب مخرجها ومؤلفها، فقرر أعضاؤها القيام بكل شيء، واختاروا أحدهم ليقوم بالإخراج، وفي طريق بحثهم عن نص، هل يقدموا هاملت أو ماكبث أو المومس الفاضلة، انتهوا إلى ارتجال مسرحية يؤدي كل منهم فيها دوره في الحياة.

مسرح داخل المسرح

مسرح داخل المسرح، هكذا دارت اللعبة، أب بخيل عائد من رحلة عمل خارج البلاد (جلال عثمان) يدعي التدين، ويرفض تلبية مطالب زوجته (عبير الطوخي) وابنه (أحمد نبيل) الناقم على أوضاع البلد ويرغب في الهجرة إلى الخارج، ووالد الزوجة (نائل علي) الذي يعاني الوحدة بعد وفاة زوجته، وجارة لعوب (إيمان مسامح) تستغل بخل الزوج الذي عرض عليها الزواج مقابل مبلغ مالي ليستغل عضويتها في أحد الأندية ويحصل هو وأسرته على العضوية، وبعد أن تم له ما أراد، ذهب بها إلى المأذون ليطلقها كما اتفقا، إلا أنه يموت قبل أن يتم الطلاق، لتحصل الزوجة الجديدة على جزء كبير من ثروته كحق شرعي لها ما دام قد مات وهي في عصمته.

وسط هذه الأحداث، يستعين الممثلون بجمل من ماكبث وهاملت وغيرهما، وهي جمل لا يتم جلبها لذاتها، بل هي متماهية مع الحدث وفي موضعها تماماً، في ربط بين ما هو معاصر وآني وما هو تراثي أو قديم، فمن ناحية نحن أمام ممثلين يتذكرون أدوراهم السابقة ويربطون بينها وما يتم ارتجاله في مسرحيتهم التي تدور أمامنا، كذلك فإن حارس المسرح الذي يقطع البروفات دائماً وكان فاكهة العرض (علي كمالو) لم يكُن دوره مجانياً أو لغرض إضفاء طابع كوميدي على العرض، فقد كان بمثابة الرابط بين الواقعي والخيالي، الكلاسيكي والمعاصر، فضلاً عن رسائله الموجهة للممثلين، وكأنه رأي رجل الشارع في المسرح الذي لا يناقش قضايا ناسه، ورأيه في غربتهم عن جمهورهم، إما مضطرين إلى ذلك، أو أنهم مغيبو الوعي، وغيرها من الآراء التي يبديها على سبيل الضحك لكنها رسائل شديدة الوعي والخبث.

صياغة القاعة

استغل المخرج قاعة الغد بصياغتها على نحو يلتحم فيه الممثلون بالجمهور، وبدلاً من أن يجعل مقاعد الجمهور في مواجهة منصة التمثيل، كما لو كنا في مسرح علبة، جعله يحيط بالمنصة من ثلاثة جوانب، وترك كذلك مساحات بين المقاعد لتكون أماكن للتمثيل في بعض المشاهد، ليبدو الجمهور كما لو كان يعيش حكاياته هو، أو يعيش في قلب هذه الحكايات غير منفصل عنها.

ولم تسرف مصممة الديكور دينا زهير في استخدام كتل أو أدوات لا تحتملها مساحة القاعة، منضدة ومقاعد عدة، وفي العمق وعلى مستوى أعلى قليلاً بار، هي قاعة بروفات، تتحول إلى بيت، وتتحول إلى مقهى أو بار، حتى الممثلون أنفسهم يؤدون أكثر من شخصية ويتحولون من شخصية إلى أخرى بواسطة بعض الملابس أوالأكسسوارات البسيطة، وكل ذلك جائز ومقبول، خصوصاً أننا بصدد بروفة عرض مسرحي وتمثيل داخل التمثيل، حتى دخول وخروج الممثلين لم يكُن بحسب ما تقتضية قواعد اللعبة المسرحية، فالأصل أننا في بروفة مسرحية يجوز فيها كل شيء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا التداخل في الأمكنة والأزمنة والشخصيات وطرق الأداء، ما بين الكلاسيكي المتقن وبين الكوميديا ديلارتي والرقص والاستعراض واللاتمثيل في بعض الأحيان، كل ذلك منح العرض قدراً من الثراء والحيوية، وأفصح عن وعي المخرج بالمادة التي بين يديه وقدرته على تشكيلها في صياغة تبدو كما لو كانت عشوائية أو تسير كيفما اتفق، لكنها في الأصل مقصودة ومحسوبة بدقة شديدة. دائماً ما تكون نصوص سامح مهران مراوغة ومتمردة على البناء الدرامي الكلاسيكي وساعية إلى خلخلة هذا البناء، مما يتطلب وعياً وحساسية في التعامل معها عند تقديمها للمسرح، وقد فطن المخرج إلى ذلك، وبدا قادراً على فهم شيفرات النص وما بين سطوره، ليأتي العرض حمالاً للأوجه وعلى قدر من الثراء على المستويين الفكري والجمالي.

في العرض وقبل المسرحية المرتجلة، ظهر الممثلون بأسمائهم الواقعية، وكانوا يعودون لها من وقت لآخر، وهي أيضاً لعبة ذكية تم من خلالها تمرير عدد من الأفكار والأسئلة، أي إن ذلك كله كان موظفاً في خدمة رسالة العرض أو مغزاه.

في نهاية المسرحية العائلية التي تم تقديمها داخل المسرحية، يسأل المخرج ممثليه هل تم تدوين النص الذي ارتجلناه، فتأتي الإجابة "لا" وهي إجابة تطرح مزيداً من الأسئلة، فإذا كان الأب الحريص على أمواله قد تركها ومات لتقتسمها زوجته الجديدة مع أسرته، أي إنه كنز أمواله من دون جدوى، فهل واجه الممثلون المصير نفسه بعد نسيانهم ما اجتهدوا في ارتجاله، لتكون الخسارة هي مآل كل شيء في حياتنا؟.

عرض" بلاي" من العروض الإشكالية المراوغة التي تقول أشياء كثيرة، بعضها واضح، والبعض الآخر يلمح ولا يصرح، وفي النهاية يمكن لصناعه أن يخرجوا "مثل الشعرة من العجينة" كما يقولون، لأنهم أولاً وأخيراً كانوا يلعبون، ثم إن مصير ما ارتجلوه كان النسيان.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة