ملخص
ولى زمن الجمود الجميل وانتهى عهد الثبات والسكون والقدرة على معرفة ما سيحدث غداً في المدرسة، أو ما سيطرأ على الامتحان بعد غد، أو هل ستظل الفيزياء قائمة، والفلسفة ضمن المجموع والتربية الدينية خارجه، بل هل ستظل الشهادة غاية المنى وكل الأمل قائمة، أم سيستيقظ شعب "الثانوية العامة" ذات صباح ليجد أنه أضحى "شعب البكالوريا".
انتقادات؟ ربما. مطالبة بتعديل هنا أو تغيير هناك؟ أحياناً. رغبة في التخلص من ناظر مدرسة أو معاقبة مدير إدارة أو محاسبة وكيل وزارة؟ تحدث بصفة يومية. الوزارة المقيمة في بيوت الغالبية المطلقة من الـ26 مليون أسرة، مجموع عدد الأسر في جمهورية مصر العربية، تُنتَقد أحياناً لافتقاد الحكمة، تحتاج كثيراً إلى حوار يبدو مفقوداً مع أصحاب الشأن، تعاني نقص موارد وتقلص ميزانية بين الحين والآخر، لكنها لا تفتقد القدرة على إحداث الصدمة، أو الموهبة في صنع الإثارة، أو الخروج بين الحين والآخر بصاعقة أو فاجعة أو كارثة، أو هكذا يهيأ لجمهور المتلقين.
جماهير الوزارة
جماهير وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني الغفيرة تتمثل في 28 مليون طالب، إضافة إلى ذويهم ونحو مليون معلم، إضافة إلى الضالعين في العملية التعليمية من إداريين وفنيين وكبار المسؤولين وصغارهم، جميعهم باتوا يضعون أياديهم على قلوبهم مع بزوغ شمس كل صباح خوفاً من الإعلان عن تعديل في نظام الامتحانات هنا، أو تغيير لطريقة الامتحانات هناك، أو إلغاء لمناهج وإضافة أخرى، وخروج مواد من المجموع ودخول غيرها.
ولى زمن الجمود الجميل، وانتهى عهد الثبات والسكون والقدرة على معرفة ما سيحدث غداً في المدرسة، أو ما سيطرأ على الامتحان بعد غد، أو هل ستظل الفيزياء قائمة، والفلسفة ضمن المجموع والتربية الدينية خارجه، بل هل ستظل الشهادة غاية المنى وكل الأمل قائمة، أم سيستيقظ شعب "الثانوية العامة" ذات صباح ليجد أنه أضحى "شعب البكالوريا".
الإعلان المفاجئ والمباغت قبل أيام عن نية أو تفكير أو تخطيط أو قرار وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تغيير نظام الثانوية العامة واعتماد نظام "البكالوريا" بدلاً منه بدءاً من العام الدراسي المقبل، لم يغضب أو يقلق الطلاب وذويهم ومعلميهم.
اعتياد القلق والتعرض المستمر لمحفزات الخوف والرهبة يؤديان إلى انخفاض متدرج للاستجابة مع تكرار التعرض له. علماء النفس يؤكدون أن حدة إفراز الأدرينالين في الجسم البشري والناجم عن التعرض لعوامل الضغط العصبي تتناقص مع كثرة التعرض وتكراره. وتشير دراسة عنوانها "اعتياد الضغوط المتكررة" منشورة على موقع "المكتبة الوطنية الطبية" الأميركية (2008) إلى أن تناقص الاستجابة للتوتر في ظل تكراره، يسمى "التعود" في أدبيات علم الأحياء العصبي.
ويبدو أن هذا تحديداً ما حدث في عدد من البيوت المصرية التي تكرر تعرض أفرادها للتوتر الناجم عن تواتر قرارات مصيرية وفجائية خاصة بمنظومة التعليم ما قبل الجامعي.
إلغاء ودمج وتقييم
من إلغاء مواد، ودمج تخصصات، وإخراج مواد من المجموع وإدخال أخرى، وفرض نظام التقييم على أساس مخرجات المواد الدراسية المطورة من الصف الثالث إلى السادس الابتدائي عبر امتحانات نهاية الفصل والمهام الأدائية وكراستي الواجب والأنشطة والتقييمين الأسبوعي والشهري والمواظبة والسلوك، تنزل قرارات التغيير وإجراءات التعديل وسياسات الإحلال والتبديل على رؤوس الملايين من المصريين الضالعين في التعليم المدرسي من طلاب وأهل ومعلمين بلا هوادة منذ مطلع العام الدراسي الجاري.
أحدث ما نزل على الرؤوس كان الإعلان عن النظام الجديد للثانوية العامة أو البكالوريا، الذي وصفه الوزير محمد عبداللطيف في اجتماع لمجلس الوزراء الأربعاء الماضي بأنه يعتمد على تنمية المهارات الفكرية والنقدية بدلاً من الحفظ والتلقين، وعلى التعلم متعدد التخصصات عبر دمج المواد العلمية والأدبية والفنية والتقييم المستمر، وتقسيم المواد على عامين بدلاً من عام واحد، على أن يطبق النظام الجديد بدءاً من العام المقبل على طلاب الصف الأول الثانوي.
وقال الوزير، إن "البكالوريا" الجديدة تتكون من مرحلتين، الأولى تمهيدية وهي الصف الأول الثانوي، والرئيسة للصفين الثاني والثالث الثانوي، وإنها (البكالوريا المقترحة) تحظى بـ"اعتراف دولي".
أثير الـ"سوشيال ميديا" امتلأ تنكيتاً ولم تتوقف المنصات عن تلقي تدوينات الاعتراض والرفض والمقاومة، لكن لوحظ غياب عنصر المفاجأة، وكأن المتلقين فقدوا القدرة على الاندهاش.
عقود طويلة والمصريون يطالبون بإصلاح التعليم، حلم إصلاح ما بدأ ينهار في سبعينيات القرن الماضي تحول إلى خيال وأسطورة مع طول مدة الحلم وتحوله إلى كابوس بمرور الوقت. غالبية المصريين كانت شبه متيقنة من أن التردي العام في منظومة القيم والعمل والإنتاج سببه تردي التعليم، وأن السبيل الوحيد لإحداث نهضة واستعادة المسار يكمن في إصلاح المنظومة.
تواتر الوزراء، وزاد عدد السكان، وارتفعت كثافة الفصول، وتطورت سوق العمل، وترقمنت مظاهر الحياة، وتبدلت أحوال العالم والإقليم، وتغيرت حكومات، وسقط نظامان، وحدثت ثورتان، وبقي لسان حال المصريين يقول "لا بديل عن إصلاح التعليم".
وحين كشف التطرف والتشدد والانغلاق الديني والاستقطاب السياسي في أعوام ما بعد عام 2011، واتسعت فجوات الفكر في أعقاب أحداث عام 2013، تعالت الأصوات مطالبة بإصلاح التعليم، اعتبر البعض أن ترديه أسهم في انغلاق الفكر وشلل الابتكار وشيوع التشدد والتطرف. ورأى آخرون أن الطريق إلى إعادة البناء وتحسين الأداء والدفع بالبلاد والعباد للحاق بركب التقدم لن يتحقق إلا بإعادة هيكلة نظام التعليم، والبداية بالمدرسة.
مرت أعوام وتغير وزراء وتبدلت سياسات وظلت الأمور على حالها. محاولات بعضها جاد لتغيير فكر التعليم، وتعديل نظام الحفظ والتلقين إلى فهم وتكفير نقدي وتنمية قدرة الطالب على البحث بنفسه والتنقيب عن المعلومة، وأخرى شكلية حيث طلاء واجهات المدارس وإضافة فصل جديد في كتاب التاريخ وتخفيف حمل ثقيل من منهج العلوم أو الرياضيات، واقتراح زي موحد للمعلمين، لكن الغالبية لم تسفر تغيراً يذكر. ظلت المدرسة على حالها، مبنى من دون محتوى.
مقاومة عنيفة
جانب من محاولات الإصلاح قوبل بمقاومة عنيفة من الأهل لأسباب شتى اجتهد البعض في تفنيدها، بين عدم التمهيد لها عبر حوار وطني، أو إعطاء الأولوية للرقمنة قبل تأهيل الأدمغة أو إصرار الأهل، لا سيما الأمهات، على عرقلة الإصلاح وإجهاض التجديد من باب "ما تعرفه أفضل مما لا تعرفه".
اليوم، وبعد أعوام شهدت النسبة الأكبر من تواتر الوزراء وتغير السياسات وتوالي المحاولات وتكرار لعبة القط والفأر بين قرارات حكومية تقول إنها تهدف إلى الإصلاح، ومقاومة شعبية ترفع راية "هذا إصلاح في غير وقته" أو "لا يلاقي قبولاً"، أتى قرار "البكالوريا" وريثة الثانوية العامة ليفجر النكات ويؤجج السخرية، والأهم ليسلط الضوء على المشكلة الرئيسة، وهي: ما هو الإصلاح، وهل يتحقق بإلغاء مواد ودمج شعب وتخصصات وتغيير الثانوية إلى "بكالوريا"؟
عمرو الشوبكي الباحث في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، كتب تحت عنوان "مشكلة إصلاح التعليم" (2024) أن "معضلة الإصلاح لا ترتبط فقط بالنوايا والرؤية، بل بامتلاك القدرة على تنفيذ الرؤية، إن وجدت، والنوايا إلى خطط قابلة للتنفيذ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتقد الشوبكي أداء كثير من وزراء التعليم في مصر، متهماً بعضهم بـ"عدم امتلاك أدوات حقيقية لتطوير المنظومة التعليمية، لذا اعتادوا أن يتركوا المشاكل الحقيقية التي تواجه التعليم بلا حلول ناجعة، من نقص في أعداد المعلمين والمدارس، وتكدس الفصول ومشكلات مناهج التعليم، ليمسكوا في البصمة، أو في إلغاء مواد يجب ألا تلغى، والتمسك بأخرى تحتاج لتطوير".
كما انتقد الشوبكي القرار المفاجئ للوزارة بإلغاء مواد مهمة لم يكن ينبغي أن تلغى في أي دولة متقدمة أو ترغب في التقدم. وطالب بـ"مواجهة مشكلات التعليم الحقيقية وأزمات التعليم الحكومي عن طريق اتخاذ سلسلة من الإجراءات، تبدأ بحوار بين المتخصصين يتعلق بتطوير المناهج، لا استسهال قرار الإلغاء والشطب لبعضها، ومناقشة مشكلة نقص عدد المدارس، واعتبار زيادة أعدادها مشروعاً قومياً يجب أن تشارك فيه الدولة والمؤسسات الخاصة، وأيضاً تعويض نقص عدد المعلمين والعمل على تأهيلهم علمياً وتحسين ظروفهم المادية، ومواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية والسناتر ببدائل عملية لا شعارات تُردَّد منذ عقود ولا يوجد لها مردود في الواقع".
وفي سياق البحث عن الإصلاح أيضاً، وبعيداً من إلغاء مواد وإضافة أخرى وإقرار "البكالوريا" بدلاً من الثانوية، كتب أستاذ الفلسفة والمترجم أنور مغيث تحت عنوان "بحثاً عن المدرسة" (2024) أنه "لم يعد هناك مدارس، وإنما سناتر"، مؤكداً أن الفرق بينهما كبير، فـ"المدرسة مؤسسة مرتبطة بالدولة الحديثة وهدفها خلق الوحدة بين أبناء الأمة من خلال تزويدهم بثقافة مشتركة وزرع الشعور بالانتماء للوطن وإعداد المواطن القادر على الاندماج في المجتمع، وهذا يسمى التنشئة الاجتماعية، وهي وظيفة مختلفة عن نقل المعارف التي من الممكن أن يقوم بها السنتر. كما أنها مهمة للفرد والمجتمع وتؤثر على الجميع سياسياً واجتماعياً".
وأشار مغيث إلى أن "دور المدرسة المهم والحيوي في كل أمة يفلت اليوم من بين أصابعنا ويتبدد. والأمر ليس وليد البارحة وإنما يحدث منذ عقود من دون التفات لخطورة ما يحدث ومحاولة إيقافه".
وانتقد مغيث تحول بعض المدارس لتصبح منبراً للثقافة المضادة، مشيراً إلى أنه "على مدى سنوات كان الطلاب يسمعون يومياً من معلميهم أفكاراً تنادي بعودة المرأة إلى البيت وتنصحهم بعدم مصادقة المسيحيين أو غير المحجبات، وضرب مبدأ الانتماء في مقتل بإلقاء تهمة الكفر على الدولة والمجتمع، وإطاحة قيمة العمل وبذل الجهد من خلال التساهل مع صور الغش بأنواعها. ومع ازدحام الفصول واحتضان المبنى لفترتين دراسيتين تم إلغاء حصص الألعاب والموسيقى والرسم والنشاط المسرحي".
يغني على ليلاه
كتاب وخبراء ومهتمون بالعملية التعليمية يكتبون ويقترحون ويطرحون أفكاراً عن إصلاح التعليم. كذلك الحال بين الأهل الذين يعرض بعضهم تصورات وأفكاراً عن الإصلاح، لكن كل يغني على ليلاه وبحسب أولوياته واتجاهاته. أما الإصلاح فيبقى ليس فقط عصياً على التحقيق، بل مقاوماً ورافضاً للتعريف، محافظاً على نفسه كفكرة ضبابية في سماء القرارات، وكياناً هلامياً لا تفسير له أو إجماع.
وفي الوقت الذي تجمع القلة القليلة من الممسكين بتلابيب الدولة المدنية، والمنتظرين منذ أعوام تفعيل مطالبات الرئيس المصرية عبدالفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني وتنقيحه مما لحق به من تطرف وتشدد وإلصاق معاني الكراهية ورفض الآخر والفوقية بالدين، بأن الطريق إلى إبعاد شبح الدولة الدينية ووضع أساسات الدولة المدنية، وإعادة ما فقدته البلاد من بهاء وتنوير وانفتاح منذ هجمة نموذج تدين السبعينيات، الذي استعاد هذه الأيام صحوة مفاجئة واكتسب أرضية ثابتة لأسباب تبدو غامضة، نزل قرار وزارة الأوقاف المصرية بعودة "الكتاتيب" نزول الصاعقة.
علق أنور مغيث على قرار عودة الكتاتيب عبر صفحته بموقع "فيسبوك" بالقول، "هل هي العلاج السحري لمشكلة التعليم؟ لعبت الكتاتيب دوراً حاسماً في تعليم الصبية. ويندر أن يكون هناك بين مفكري مصر من لم يبدأ حياته في الكتاب، وذلك قبل أن تعرف مصر الدعوة إلى تعميم التعليم ومجانيته، وقبل أن تعرف دور الحضانة. أعرف مشكلات التعليم في المدارس، وبخاصة ما يتعلق منها بإجادة القراءة والكتابة، والعجز في أعداد المعلمين، وفقرهم وانشغالهم بتدبير معايشهم خارج المدرسة، وكثافات الفصول الهائلة".
ويضيف، "منذ أيام ناقش الرئيس مع وزير الأوقاف مبادرته لعودة الكتاتيب، ولم تشف وسائل الإعلام غليلنا بتفاصيل أخرى يمكننا من خلالها التعرف على سبب تلك المبادرة". متسائلاً "هل تأتي هذه المبادرة لتكون الكتاتيب مجرد دروس إضافية لمن يرغب بتقوية القدرة على القراءة والكتابة وعلاج بعض أوجه قصور التعليم المدرسي؟ أم إنها ستكون بديلاً عن ذلك التعليم المدرسي الذي ينظمه الدستور وقانون التعليم 138 لسنة 1981، وهل سيكون الالتحاق بها إجبارياً كالمدرسة النظامية، وفى هذه الحال هل ستمنح شهادة الدراسة الابتدائية، وكيف يمكن والحال كذلك التوفيق بين من يتعلمون في المدرسة ومن يتعلمون في الكتاب، وما مؤهلات القائمين على التدريس في تلك الكتاتيب، وهل ستكتفي بشيوخ المساجد، وما المقرر الدراسي فيها، وهل ستكتفي بتحفيظ الأطفال القرآن الكريم، وهل سيناسب ذلك الأطفال الذين يجيدون استخدام الكمبيوتر والهاتف المحمول، وهل سيوجه الرئيس بمبادرة موازية لإنشاء كتاتيب مسيحية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الدستوري، وفي هذه الحال، هل ستتولى وزارة الأوقاف إنشاء الكتاتيب المسيحية أيضاً"؟
أسئلة لا تتوقف
الأسئلة لا تتوقف، لا سيما من قبل المعترضين والمتخوفين والرافضين لعودة الكتاتيب، ومن يعتبرونها أحد أبرز أسباب التطرف منذ الصغر وزرع بذور التحول نحو الدولة الدينية منذ زمن. لكن مظاهر السعادة والبهجة والاحتفاء أيضاً كثيرة، وهي لا تتوقف عند حدود عناوين الأخبار وإشادات بعض الإعلاميين ممن يرون في عودة الكتاتيب قراراً عظيماً وخطوة جليلة وتوجهاً حكيماً، ولكن تمتد إلى أنصار الدولة الدينية سواء كانوا على وعي بذلك، أو اعتقاداً منهم أن الكتاتيب نصرة للإسلام ودعماً للمسلمين.
مشايخ ودعاة، لا سيما ممن يعتمد مصدر رزقهم على تدريس الدين في دروس خصوصية حيث ظاهرة حرص عديد من الأسر على التعاقد مع مدرس دين (شيخ) خصوصي لتحفيظ أبنائها وبناتها القرآن الكريم في البيت حفاظاً على الأخلاق وبثاً للفضيلة وحماية لهم من أخطار الحياة الحديثة، كادوا يقيمون الأفراح ابتهاجاً، سواء لاعتبار العمل فيها مصدر دخل إضافي، أو رفعاً لراية الدين وتقوية شوكة المتدينين في مقابل غيرهم.
وعلى هامش وربما في القلب من إصلاح التعليم، تتوالى مفاجآت الوزارة وجهودها الحثيثة. إذ ستضاف مادة التربية الدينية للمجموع بالنسبة إلى طلاب الصف الأول الثانوي، وذلك اعتباراً من العام الدراسي المقبل ضمن نظام "البكالوريا" الجديد.
وبينما الملايين في مرحلة ضرب أخماس الإصلاح في أسداس التعليم، يعتقد بعض المصريين أن "البكالوريا" هي إعادة إحياء لشهادة إتمام الدراسة الثانوية التي كانت تسمى "البكالوريا" في مطلع القرن الـ20. وهذا دعاهم إلى الإمعان في السخرية والمطالبة بعودة الطربوش، ومخاطبة بعضهم بعضاً بـ"إكسلانس" و"هانم"، ومطالبة "نينة" بالدعاء و"تيزا" (ألقاب قديمة للجدة) بالدعم قبل دخول امتحان البكالوريا.
الطريف أن أبناء وبنات الأثرياء ممن يلتحقون بالمدارس الخاصة الفرنسية يتفاخرون بأنهم سيحملون شهادة الـ"باك"، وهو المسمى الذي يبهر السامعين ويغذي الغيرة في قلوب الناقمين ويثير دهشة السامعين. لكن ما هي إلا أيام حتى يزهو الجميع بأن الكل سيكون حاملاً للـ"باك" أو في طريق الحصول عليها، مع إضافة الدين للمجموع، وحذف الفلسفة واللغة الثانية، وتحويل "التابلت" من هدية مصر لأبنائها الطلاب إلى عهدة مصر لأبنائها، على أن ترد البضاعة إلى مصر من دون تلف أو أضرار. اتضح أن الـ"باك" هي البكالوريا بتصرف.
حتى الآن يكتفي المتابعون ممن يقفون على ضفة المشاهدة بإطلاق تعليقات مثل "حقل تجارب"، و"التعليم السوريالي"، و"هل تصلح البكالوريا ما أفسده بعبع الثانوية؟" و"الكتاتيب و(تيك توك) دونت ميكس (لا تمتزجان)". أما الباقون فإما ممتعضون مزمجرون منتقدون لضبابية رؤية الإصلاح والتباس مفهوم الدين والدولة، أو مبتهجون متغزلون مؤيدون لمزج الدين بالدولة بالتعليم بالتابلت بالكتّاب بالبكالوريا. ولا يوحد بين الجميع إلا انعدام عنصر الدهشة.