Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصريون أموات في السجلات أحياء على الأرض

تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" عن كوابيس مفزعة وحرمان من الخدمات وقانونيون: حالات فردية

قصة غريبة عاشها طباخ مصري في القاهرة عاد لأسرته بعد دفنه وتشييع جثمانه (مواقع التواصل)

ملخص

شهدت مصر وقائع لأشخاص أدرجوا لأعوام طويلة موتى في السجلات الرسمية ولكنهم لا يزالون على قيد الحياة نتيجة عمليات تزوير أو أخطاء من الموظفين المسؤولين عن تسجيل البيانات، مما حرمهم التمتع بحقوقهم الطبيعية مثل باقي الأشخاص.

ضجت وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي أخيراً على أثر واقعة العثور على سيدة بريطانية تُدعى "شيلا فوكس" على قيد الحياة بعد أكثر من 52 عاماً على اختفائها من كوفنتري عام 1972، إذ كانت حينها تبلغ 16 سنة، لتتمكن شرطة "ويست ميدلاندز" من حل واحدة من أطول قضايا الأشخاص المفقودين، التي ظلت لغزاً لأكثر من نصف قرن.

رحلة العثور على شيلا بدأت بنداء استغاثة متجدداً وجهته الشرطة البريطانية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لمساعدتها في العثور على السيدة، وأرفقته بصورة ضبابية قديمة، وفي غضون ساعات تلقى بعض الأشخاص معلومات أدت إلى العثور على السيدة. وأكد الضباط الذين تحدثوا معها أن السيدة فوكس على قيد الحياة، وأنها بخير وبصحة جيدة. وقالت الشرطة إنها بحثت في كل خيوط أدلة العثور عليها، وتمكنت من تحديد صورة لها وأن التقدم الجنائي والتكنولوجي مكن الفريق من متابعة خيوط جديدة في قضايا ظلت من دون حل لفترة طويلة.

اللافت أن تلك الواقعة، لم تكن هي الأولى من نوعها، ففي سبتمبر (أيلول) 2024، حدثت واقعة أخرى أغرب من الخيال مع عائلة من بورتوريكو بعد عثورها على أحد أفراد العائلة بعد سبعة عقود من اختطافه داخل إحدى الحدائق في كاليفورنيا أثناء لعبه مع شقيقه الأكبر منذ 73 عاماً، وتحديداً عام 1951، ليتمكن لويس الذي أتم 79 سنة حالياً من الوصول لعائلته أخيراً.

مفاجأة لويس هذه بدأت بعد قرار ابنة شقيقه البالغة من العمر 63 سنة، البحث عن عمها المفقود، وباستخدام مزيج من اختبارات الحمض النووي والمعلومات من قصاصات الصحف القديمة حول اختفائه، تمكنت مع سلطات إنفاذ القانون المحلية، أخيراً من التوصل إليه.

عربياً، شهدت الجزائر خلال مايو (أيار) من العام الماضي، واقعة أكثر غرابة بعد عثور الدرك الوطني في جنوب البلاد على شخص يُدعى عمر اختفى قبل 26 عاماً، وتحديداً منذ مايو 1998 ويبلغ من العمر حالياً 45 سنة، بعد أن ظل "محتجزاً" طيلة هذه المدة في إسطبل شخص على بعد 200 متر فقط من منزل عائلته بقرية القديد في الجلفة، على بعد 300كلم جنوب الجزائر العاصمة، من دون أن يتمكن من الهرب، وحاولت أسرته البحث عنه ونشروا صوره في التلفزيون لكن من دون جدوى، حتى تمكنت الشرطة من توقيف المتهم البالغ 61 سنة، الذي يعمل حارساً في البلدية.

 

 

لم تقتصر الوقائع الغريبة التي تشبه أفلام الرعب السينمائي عند حد اختفاء أشخاص وعودتهم بعد عقود طويلة، بل شهدت مصر وقائع لأشخاص أدرجوا لأعوام طويلة كموتى في السجلات الرسمية ولكنهم لا يزالون على قيد الحياة نتيجة عمليات تزوير أو أخطاء من الموظفين المسؤولين عن تسجيل البيانات، مما حرمهم التمتع بحقوقهم الطبيعية مثل باقي الأشخاص.

كابوس مفزع

"أعيش كابوساً مفزعاً وحياتي تحولت إلى فيلم سينمائي مرعب... لا أعرف ما الذنب الذي اقترفته حتى يحدث كل هذا معي؟"، بتلك الكلمات عبر الرجل الخمسيني أيمن عبدالمنعم العرجاوي نصار من أبناء مركز قلين في محافظة كفر الشيخ (شمال مصر)، عن معاناته الشخصية بعد أن فوجئ بإدراج اسمه متوفى في السجلات الرسمية رغم أنه لا يزال على قيد الحياة ويمارس حياته بصورة طبيعية.

بصوت متهدج يملؤه الحزن والأسى، يحكي العرجاوي الذي يعمل "عامل باليومية" بإحدى الشركات الخاصة ويعول زوجة وثلاثة أبناء، "كانت بداية الصدمة التي اكتشفت وقتها هذا الخبر كالصاعقة حينما توفي شقيقي في سبتمبر (أيلول) عام 2021، وذهبت لإصدار مستخرج رسمي للدفن، وطلبت مني الجهة المعنية إحضار ثلاث صور شخصية مدون عليها اسم المتوفى من الخلف، بخلاف صورة شخصية لي، وبعد الانتهاء من إجراءات الدفن، ذهبت لمكتب الصحة في قلين بكفر الشيخ لاستلام مستخرج شهادة وفاة شقيقي، ولكني فوجئت بإدراج اسمي كمتوفى على الورق وصدور شهادة وفاتي قبل شقيقي بيوم واحد فقط، ومدون في الشهادة أن سبب وفاتي هو (توقف القلب)، ومنذ تلك اللحظة لا تفارق جيبي شهادة وفاتي، وأعيش أوقاتاً من الرعب والفزع، ولا أعلم كيف أثبت أنني لا زلت على قيد الحياة؟".

وفق الرجل الخمسيني، "طرقت أبواب كل المسؤولين وسافرت لجميع المحافظات من أجل إثبات حقي في أنني لا زلت على قيد الحياة وحررت كثيراً من المحاضر الرسمية ضد بعض الأشخاص بمكتب الصحة الذين زوروا شهادة وفاتي، ولكن حتى الآن لا تزال قضيتي معلقة ولا زلت مقيداً متوفى في السجلات الرسمية".

وأكمل العرجاوي حديثه، "منذ إدراج اسمي متوفى أصبحت محروماً من حقوقي المدنية وكل الخدمات مثل استلام معاش وزارة التضامن الاجتماعي البالغ 600 جنيه (11.82 دولار) شهرياً منذ ما يزيد على عامين ونصف العام، علاوة على صعوبة استخراج بطاقة التموين"، متسائلاً "من يعوضني عن الظلم والقهر الذي أعيشه حالياً؟".

ويضيف الرجل الخمسيني، أنه سيواصل السعي من أجل إثبات حقه والحصول على حقوقه التي كفلها القانون والدستور ومحاسبة مرتكبي تلك الجريمة على ما اقترفوه من ظلم بحقي وأسرتي.

قبلة الحياة

فيما منحت الحياة "قبلة جديدة"، للرجل الستيني طه الإمام الشافعي غزاله، بعد أن ظل اسمه لأعوام مدرجاً كمتوفى حتى تدخلت الجهات الأمنية وأثبتت أنه لا يزال حياً ويمارس حياته بصورة طبيعية.

بصوت خافت، يحكي طه الذي يعمل خياطاً ويقطن مدينة المنزلة في محافظة الدقهلية (شمال مصر) ويعول زوجة وابنتين، "عشت أسوأ أيام في حياتي وكان جميع أصدقائي وأقاربي يلقبونني بالميت الحي، وكانت بداية القصة حينما توجهت لمديرية التموين التابع لها في مارس (آذار) عام 2019 لتسجيل بياناتي والحصول على حصتي من السلع التموينية، ولكن فوجئت بأن مسؤولي المديرية يقولون لي أن اسمي (سقط من الكمبيوتر)، وكذلك حينما توجهت للإدلاء بصوتي في انتخابات مجلس النواب عام 2020، اكتشفت أنني لست مدرجاً بسجلات الناخبين، وعندما استطلعت الأمر فوجئت أن اسمي ضمن سجلات المتوفين، وتم إصدار شهادة وفاة لي من محافظة بورسعيد في عام 2019".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال طه خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "توجهت لمكتب الصحة ببورسعيد الذي أصدر شهادة الوفاة لي، وعلمت من المسؤولين أن أحد الأشخاص أبلغهم بوفاتي، فأخبرت المسؤولين أنني لا أزال على قيد الحياة، وأنني الشخص الماثل أمامهم وليس المتوفى، كي يعيدوا تصحيح الأمر، وطالبوني بالذهاب لمصلحة الأحوال المدنية في القاهرة لإعادة القيد من جديد".

وأوضح الرجل الستيني، "طرقت كافة أبواب المحاكم والهيئات والمديريات والمصالح الحكومية من أجل حل أزمتي التي استمرت منذ عام 2019 حتى 2023، وكنت محروماً من أي شيء يتمتع به المواطن العادي، وفي تلك الأثناء نصحني بعض المقربين بعرض قضيتي على وسائل الإعلام وتحرير محضر رسمي لإثبات أنني على قيد الحياة، وفعلاً قمت بذلك، وتدخلت الجهات الأمنية وألقت القبض على المتهمين في قضيتي وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتمكنت من حل مشكلتي وأثبت أنني لا أزال على قيد الحياة ولست متوفى".

وقائع غريبة

خلال مايو 2019، سلطت صحف محلية وعربية الضوء على قصة غريبة لطباخ مصري يدعى رمضان علاء الدين (30 سنة) ويقيم في منطقة عرب غنيم التابعة لحي حلوان جنوب القاهرة، الذي عاد لأسرته بعد دفنه وتشييع جثمانه، وإبلاغ أسرته الشرطة باختفائه، وأدلت بمواصفاته، ووصل إخطار بالعثور على جثة الشاب في النيل، بعد وفاته غرقاً، وحينما ذهبت الأسرة لاستلام الجثمان وجدت معالمه مشوهة بسبب وجودها في مياه النيل لفترة لكنها تأكدت منه بسبب تطابق العلامات في جسده، فضلاً عن تطابق طوله، وتسلمت الأسرة الجثة بالفعل، ودُفنت في مقابر العائلة بعد استخراج تصريح دفن لها وأقامت الأسرة عزاء لابنها، وفي اليوم الثالث لتلقي العزاء كانت المفاجأة والصدمة، إذ فوجئت بابنها يطرق باب المنزل ويخبرهم أنه حي، ولم يمت، وأنه سافر للإسكندرية للعمل من دون أن يخبر أحداً بسبب خلافات له مع زوجته.

وفي يناير (كانون الثاني) عام 2022، ظهرت واقعة أخرى لشاب يُدعى فاروق أحمد فاروق (16 سنة)، مقيم بقرية صفط جدام التابعة لمركز تلا في محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، الذي فوجئ أثناء استخراج بطاقة شخصية له أن اسمه مدون بسجلات المتوفين منذ عام 2011، فأبلغ والده على الفور بما حدث معه بسجل مدني مدينة تلا، ومن دون انتظار قام والده بالذهاب إلى السجل المدني، فوجد أن اسمه مقيد في سجلات المتوفين وتم تحويله للسجل المدني الرئيس بمدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية، وبالبحث تبين أن هناك شخصاً آخر يتطابق اسمه مع اسم نجله وأن ذلك الشخص من سكان منطقة شبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية وتوفي قبل 10 أعوام، ورفض الموظف المختص إعلامه بمحل سكن ذلك الشخص المتوفى، وقدم والده كل الأوراق التي تفيد أن نجله شخص آخر غير ذلك المتوفى، من بينها شهادة التطعيمات- شهادة الميلاد- قسيمة زواج- بيان نجاح نجله بالمدرسة- شهادة من المدرسة بوجود نجله ضمن صفوفها".

حرمان من الحقوق المدنية

وفي هذا الشأن، يقول المحامي المصري بالنقض والدستورية العليا المستشار عمرو عبدالسلام، إن الشخص المفقود والمختفي لفترات طويلة لا يمكن اعتباره متوفى إلا عقب صدور حكم قضائي يثبت فقدانه أو هلاكه، شريطة أن تقوم أسرته وذوه بالتقدم بكافة الشواهد لجهات التحقيق والمحكمة، وعقب ثبوت التحريات يتم اعتبار الشخص متوفى، ويحق لزوجته إنهاء العلاقة الزوجية التي انتهت بالوفاة واعتبارها أرملة وتسري عليها كافة الأحكام الشرعية في الميراث، كما يتم تقاسم تركته بين الورثة الشرعيين.

وفي شأن إدراج أحياء في سجلات الموتى، يقول عبدالسلام، إن تلك الوقائع نادرة الحدوث ولا يمكن اعتبارها ظاهرة عامة، وغالباً ما تحدث إما نتيجة لخطأ مادي من الموظف المختص بالأحوال المدنية الذي يسجل بيانات متوفى لشخص لا يزال على قيد الحياة، أو التلاعب في السجلات الرسمية وتزوير أوراق أشخاص هاربين من العدالة وعليهم أحكام قضائية بالإعدام فيزورون شهادة وفاة لهم وتسجيلها في السجل المدني واستخدام بطاقات مزورة بأسماء أخرى للإفلات من العقوبة.

وكان المحامي العام الأول لنيابات جنوب القاهرة الكلية، أحال مفتش الصحة وآخرين بتهمة تزوير تصريح وفاة لشخص حي في مارس (آذار) 2024، بعد أن توصلت التحقيقات مع مفتش صحة سابق بمكتب السيدة زينب ثالث في العاصمة المصرية، إلى أن المتهم تلاعب في تصاريح الوفاة، واشترك مع أحد الأشخاص في استخراج تصاريح دفن وشهادة وفاة لشخص عام 2018، وتبين أنه على قيد الحياة، وتم اكتشاف الواقعة أثناء قيام أحد الأشخاص، بمحاولة صرف بوليصة تأمين لابن عمه المتوفى ومعه شهادة الوفاة.

وأوضح المحامي بالنقض، أن هؤلاء الأشخاص المدرجين موتى في السجلات الرسمية يتم حرمانهم من كافة الحقوق المدنية والخدمات سواء الحصول على بطاقة تموين أو الخدمات المتكاملة إذا كانوا من ذوي الإعاقة أو تجديد الرخص والمعاملات المالية وتعذر الحصول على الميراث والأملاك، منوهاً إلى أن تلك الحالات تخضع في حالات ارتكاب تزوير لقانون العقوبات المصري من المواد (211 إلى 213) وكذلك قانون الأحوال المدنية.

 

 

ونصت المادة (211) من قانون العقوبات المصري أن "كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر، أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية، سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات، أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء، أو صور أشخاص آخرين مزورة، يعاقب بالسجن المشدد أو السجن".

وأقرت المادة (212) أنه "كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين في المادة السابقة، يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها 10 سنين". كما نصت المادة (213) على أنه "يعاقب أيضاً بالسجن المشدد أو بالسجن كل موظف في مصلحة عمومية أو محكمة بقصد التزوير موضوع السندات، أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن، وكان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، مع علمه بتزويرها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف به".

وفي رأي عبدالسلام فإن حل تلك المعضلة يكمن في تقدم الشخص المقيد في سجلات الموتى، بطلب للسجل المدني للأحوال المدنية ومعه كافة الأوراق الثبوتية التي تؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة، ثم تفحص لجنة قضائية مُشكلة داخل الأحوال المدنية برئاسة رئيس محكمة الاستئناف الطلب ويعقب ذلك تصحيحه في السجلات الرسمية إذا تم التأكد من سلامة كافة الأوراق الثبوتية.

تحايل على القانون

في السياق ذاته يرى المحامي المصري وائل نجم أن بعض الأشخاص يحاولون التحايل على القانون باستخراج شهادة وفاة لهم للتهرب من المديونيات أو الأحكام القضائية أو القروض، ويخضعون في تلك الحالة لعقوبات القانون في جرائم النصب وانتحال الصفة والتزوير، موضحاً أن القانون يعد الأشخاص المفقودين والمدرجين في سجلات الموتى متوفين لحين صدور قرار محكمة بإعادتهم للحياة من جديد ومحو القرار القديم، وحتى يصدر الحكم القضائي يظل هذا الشخص محروماً من كافة الخدمات والحقوق المدنية.

يضيف نجم، أن الزوجة لا يحق لها أن تتزوج أو ترث زوجها المفقود إلا بعد مرور خمسة أعوام وصدور حكم قضائي وشهادة وفاة رسمية لزوجها المختفي، وتكون كافة إجراءاتها باطلة ومعلقة طوال إذا ما أقدمت على أي شيء طوال تلك الفترة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات