ملخص
أكثر من مسؤول إسرائيلي ومطلع على سير المفاوضات أكدوا أنه لا يوجد حتى اللحظة أي تفاهم حول المواضيع الرئيسة، وأن أي تقدم نحو الصفقة لن يحصل إلا في حال تنازلت "حماس" عن شرط وقف الحرب أو تنازل نتنياهو عن استمرارها، وحتى اللحظة لم يبد أي طرف تنازلاً.
على رغم التفاؤل الكبير بين الإسرائيليين لاحتمال التوصل إلى صفقة قريبة بعد موافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على إرسال الوفد المفاوض إلى قطر على عجلة، مع انتهاء المحادثات التي أجراها مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في تل أبيب، فإن مسؤولين سياسيين وبعض الأمنيين والعسكريين المطلعين على سير المفاوضات يؤكدون عدم وجود اختراق في مفاوضات الصفقة، إذ لم تُحسم بعد النقاط المركزية خصوصاً ما يتعلق بشرط "حماس" إنهاء الحرب، مما يرفضه نتنياهو.
الوفد المفاوض يشمل إلى جانب رئيسي "الموساد" و"شاباك" ديفيد برنياع ورونين بار ومسؤول ملف الأسرى في الجيش نيتسان ألون، مستشار نتنياهو السياسي أوفير فيلك الذي أصر رئيس الحكومة على مشاركته في جلسات المفاوضات حتى يبقى مطلعاً على أدق التفاصيل المطروحة، على رغم الاحتجاج على ضمه إلى الوفد، مما اعتبره بعضهم عدم ثقة بين نتنياهو والوفد المفاوض من جهة، وخلافات بينهما على بعض نقاط كان نتنياهو بطرحه لها يضعها عقبة أمام التقدم في الصفقة.
التحركات السريعة جاءت بعد الرسالة التي نقلها ويتكوف في تل أبيب بضرورة التوصل إلى صفقة قبل دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض، وهي رسالة عمقت التناقض الإسرائيلي بين كثير من التفاؤل والتجاوب مع مطلب ترمب بالتوصل إلى اتفاق وقف نار قبل الـ20 من يناير (كانون الأول) الجاري، وبين عدم إمكان التوصل إلى ذلك خلال الأيام التسعة التي تفصل ترمب عن البيت الأبيض.
وجاء هذا في وقت كان بنيامين نتنياهو أصر في جلسة المفاوضات السابقة على إضافة تسعة أسرى إسرائيليين إلى قائمة تبادل الأسرى، وبعد ضغوط من مختلف الوسطاء وواشنطن تمت الموافقة على ذلك، وخلال لقائه ويتكوف أبلغ موافقته على التفاوض على المرحلة الثانية خلال تنفيذ الأولى، على أن يكون انسحاب الجيش من "محور فيلادلفي" مع انتهاء المرحلة الثانية.
أكثر من مسؤول إسرائيلي ومطلع على سير المفاوضات أكدوا أنه لا يوجد حتى اللحظة أي تفاهم حول المواضيع الرئيسة، وأن أي تقدم نحو الصفقة لن يحصل إلا في حال تنازلت "حماس" عن شرط وقف الحرب أو تنازل نتنياهو عن استمرارها، وحتى اللحظة لم يبدِ أي طرف تنازلاً.
واعتبر مقرب من نتنياهو أن النجاح يعتمد على "حماس" إذ قال "تعاملنا هذه الأيام مع جميع مكونات الصفقة، وهي صفقة معقدة تتكون من تفاصيل عدة، ومن أجل التوقيع عليها وتنفيذها، يجب التوصل إلى اتفاق على جميع مكوناتها، ونأمل في أن نقترب من إتمام الصفقة، لكن من المهم أن نوضح أننا لم نصل بعد إلى مرحلة التوقيع التي تعتمد بصورة رئيسة على ’حماس‘ وجميع المكونات موجودة على الطاولة وعلى الحركة الآن اتخاذ الخطوة التالية".
لكن في المقابل، هناك من يرى في إسرائيل أن الحديث عن موافقة نتنياهو على انسحاب الجيش من "محور فيلادلفي" في نهاية المرحلة الثانية مؤشر على أنه ما زال يرفض إنهاء الحرب وكل ما طرح حتى اليوم لا يشير إلى وضع تنهي فيه إسرائيل حربها مع غزة.
أما عائلات الأسرى التي طالبت الوفد بعدم العودة من دون التوصل إلى صفقة، فاتهمت نتنياهو بعرقلة الصفقة، فيما عائلات الأسرى الذين لا تشمل المرحلة الأولى من الصفقة ذويهم، طالبوا بصفقة شاملة وفورية وإنهاء الحرب واعتبروا أن دون ذلك يعني الحكم بالإعدام على ذويهم في أنفاق "حماس"، متهمين نتنياهو مباشرة.
واليوم الأحد، وإذ أعلن الإسرائيليون عن تكثيف الجهود للتقدم بالصفقة، قال مصدر مطلع على المفاوضات إن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، والوفد الإسرائيلي يتخذ خطواته بالتنسيق مع ويتكوف وبريت ماكغورك إلى جانب الوسطاء "نحن نعمل بصورة ممتازة مع الإدارتين الأميركية الحالية والمقبلة، مما يضمن استمرارية التفاهم، وهناك تفاهم كامل مع الطرفين".
أكثر من 1200 أسير فلسطيني والمحكومون بالمؤبد إلى الخارج
المرحلة الأولى من الصفقة ستشمل 33 أسيراً إسرائيلياً، غير واضح بعد عدد الأحياء منهم والأموات، مما ينتظره الإسرائيليون لحسم عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم، وفق المعادلة التي سيتفق عليها والمختلفة بين أسرى أحياء وجثث وبين مدنيين وجنود ومجندات.
وفي تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أعرب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس عن تفاؤله الحذر من التوصل إلى صفقة، وقال "تجربتنا في المفاوضات السابقة مع الإسرائيليين ونتنياهو تحديداً، تجعلنا أمام تساؤل حول إذا ما اتخذ رئيس الحكومة الإسرائيلية خطوات من شأنها عرقلة الصفقة، ولو في الدقيقة الأخيرة، فاستمرار حكومته ومصلحته الشخصية والسياسية وحفاظه على ائتلاف حكومته ما زالت تتغلب على أي قرار آخر".
وأضاف فارس أنه لا مناص لنتنياهو وحكومته إلا بالموافقة على وقف الحرب، على رغم سياسة الضغوط العسكرية التي تتبعها إسرائيل من أجل الضغط على حركة "حماس" لتقديم تنازلات والموافقة على شروط إسرائيل.
وأصر بنيامين نتنياهو في الجولة السابقة في الدوحة على إضافة تسعة أسرى إسرائيليين، وبحسب قدورة فارس كان هذا السبب الذي أجّل التوصل إلى صفقة التي كانت متوقعة قبل 10 أيام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد زيارة ويتكوف إلى تل أبيب وافق نتنياهو، بحسب مسؤولين، على التفاوض على المرحلة الثانية خلال تنفيذ المرحلة الأولى على أن يكون انسحاب الجيش من "محور فيلادلفي" مع انتهاء المرحلة الثانية.
ولكن هذا الشرط هو بحد ذاته عقبة، ويقول قدورة فارس إن توقعات التوصل إلى اتفاق أقرب من أي وقت مضى، ونحن بصدد انتظار عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم مقابل التسعة الذين أضيفوا أخيراً، بعد أن تم الاتفاق على الإفراج عن 1200 أسير وأسيرة فلسطينيين.
المعادلة لتبادل الأسرى غير معروفة بعدما شملت هذه المرحلة مجندات وأيضاً أحياء وأمواتاً من الأسرى الإسرائيليين، فيما المعادلات التي سبق واتُفق حولها شملت أسرى إسرائيليين أحياء.
وفق الأسماء التي بدأت تجهيزها هيئة الأسرى والمعتقلين بانتظار الاتفاق حول معادلة التسعة، تشمل 1200 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية بينهم
200 أسير محكوم عليهم بالمؤبد، بعضهم سيتم نفيه إلى خارج الأراضي الفلسطينية والدول المطروحة مصر وقطر وتركيا، وعلى رغم المعارضة ورغبة الأسرى في العودة لمسقط رأسهم في الضفة والقدس وغزة، فإنه وفق قدورة، سفرهم إلى الخارج ربما يكون الأفضل إزاء التهديدات المستمرة من قبل إسرائيل.
وهناك 48 أسيراً من محرري صفقة جلعاد شاليط الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم، وجميع الأسرى النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، فعدد النساء 86 أسيرة فلسطينية و326 طفلاً والمرضى يشكلون النسبة الأعلى والمتغيرة يومياً بسبب الظروف غير الإنسانية في السجون حيث يُمنع العلاج الطبي المناسب للأسرى.
وهذه المرحلة لن تشمل أسرى النخبة في "حماس" أو من تم اعتقالهم في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
جائزة لـ"حماس"
وعلى رغم تشكيك جهات عدة في إمكان التوصل إلى صفقة في غضون تسعة أيام قبل دخول ترمب البيت الأبيض، وجد نتنياهو نفسه أمام احتمال تفكيك حكومته لمعارضة الائتلاف الصفقة بالمطلق، فأسرع إلى الاجتماع مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اليوم بعد توقعات تشير إلى احتمال انسحاب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزرائه من الحكومة في حال المصادقة على صفقة تبادل.
ووجود سموتريتش سيدعم نتنياهو في الحفاظ على حكومته، ومن أجل ذلك ناقش نتنياهو موقف سموتريتش إذا جرت المصادقة على الصفقة وما إذا كان حزبه سينسحب من الحكومة في هذه الحال.
وبحسب مقربين من نتنياهو، فإن أفضل اتفاق بين الطرفين أن يصوت سموتريتش ضد الصفقة، لكن هذا غير مضمون بعد لبقائه في الحكومة.
ووصفت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك من جهتها الصفقة بأنها "جائزة للإرهاب"، داعية نتنياهو إلى عدم تحديها وقالت إنه "يعرف خطوطنا الحمر، لا صفقة مع ’حماس‘ أو انسحاب الجيش وإنهاء الحرب في غزة".
في هذه الأثناء، وعلى رغم المعطيات حول القتال في غزة والتي يطرحها المطالبون بصفقة شاملة وفورية وإنهاء الحرب، فإن حكومة نتنياهو تواصل سياسة الضغط العسكري على "حماس" للموافقة على شروطها من خلال تكثيف قتالها في غزة.
ونقل الجيش اليوم اللواء 188 من لبنان إلى جباليا، وأعلن أنه يستعد لعملية عسكرية واسعة في حال فشلت المفاوضات.
هذه التهديدات أثارت غضباً عارماً في إسرائيل وتعالت صرخات المطالبين بوقف الحرب وهم يستعرضون المعطيات التي تشير إلى مقتل 10 جنود خلال الأسبوع الأخير وجرح العشرات، إلى جانب دخول ما لا يقل عن 1000 جندي جريح كل شهر إلى مراكز تأهيل الجرحى الذين يعانون إصابات صعبة.
ويقول الخبير العسكري عاموس هرئيل إنه "خلافاً لتصريحات القيادة في إسرائيل، لا توجد الآن أي فائدة حقيقية للحرب في القطاع، والمعطيات حول قتلى وجرحى الجيش الإسرائيلي خطرة جداً، فصحيح أن الجيش يجبي ثمناً باهظاً من ’حماس‘، لكنه لا يقترب على الإطلاق من الحسم العسكري الكامل، بل يتكبد خسائر كبيرة في حرب استنزاف طويلة ووحشية".
ووفق رأيه، فإن "الصفقة يمكن أن تكون بداية عملية خلق واقع سياسي مختلف في القطاع، يدمج في الحل أيضاً الأميركيين والدول العربية المعتدلة، وهذا رهان كبير ولكنه أفضل من استمرار سفك الدماء القائم، وعلى أقل تقدير إذا هاجمت ’حماس‘ مرة أخرى فسيكون لإسرائيل المبرر لاستئناف الحرب ضدها".