ملخص
صباح اليوم الخميس، حيث يترقب الجميع اجتماع "الكابينت" والحكومة الإسرائيلية للموافقة على الصفقة، كانت الصرخات أمام مكتب نتنياهو تتعالى من قبل قاعدة جماهيرية واسعة وصلت مساء أمس بعد الإعلان عن الصفقة، ونصبت الخيام هناك احتجاجاً.
بينما يترقب الجميع الـ19 من يناير (كانون الثاني) الجاري موعد انطلاق صفقة الأسرى بين إسرائيل و"حماس" لتكون نهاية حرب "طوفان الأقصى" التي تجاوزت الـ13 شهراً، تتعالى صرخات الإسرائيليين من أمنيين وعسكريين وسياسيين من جهة، وعائلات الأسرى الذين لا تشملهم هذه الصفقة ومئات الداعمين لهم وبينهم جنود وضباط احتياط من جهة أخرى بدعوة موحدة لعرقلة تنفيذ الصفقة، لكن الهدف بين الطرفين مختلف.
فعائلات من لا تشملهم هذه الصفقة تدعو إلى اتفاق شامل يضمن عودة 98 أسيراً وجثة، فيما الأصوات الثانية ترى في الصفقة خضوعاً لـ"حماس" وهدر دماء الجنود والإسرائيليين من دون تحقيق هدف الحرب بالقضاء على الحركة، وتعد الإفراج عن أكثر من 1200 أسير فلسطيني بينهم 250 ممن يقضون مؤبدات ومن تدرجهم إسرائيل ضمن قائمة "الخطرين والملطخة أيديهم بالدماء" هي صورة نصر لـ"حماس" وفشل لإسرائيل.
صباح اليوم الخميس، حيث ترقب اجتماع "الكابينت" والحكومة الإسرائيلية للموافقة على الصفقة التي توصل إليها، كانت الصرخات أمام مكتب نتنياهو تتعالى من قبل قاعدة جماهيرية واسعة وصلت مساء أمس الأربعاء، بعد الإعلان عن الصفقة، ونصبت الخيام هناك احتجاجاً على عدم تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع مطلب آلاف المحتجين وكبار الأمنيين والعسكريين والخبراء بالاتفاق على صفقة واحدة تشمل جميع الأسرى ووقف الحرب في غزة التي لم يدفع الأسرى الإسرائيليون وعائلاتهم فقط ثمنها الباهظ، بل والجنود الذين وصل عدد من قتل منهم في غضون ستة أيام 15 جندياً وأصيب العشرات.
على الجانب الآخر يدعو فريق من رافضي الصفقة التي يعدونها سيئة لإسرائيل، إلى استمرار القتال وعدم الانسحاب من غزة طالما يوجد عنصر واحد لـ"حماس" هناك.
لماذا الصفقة سيئة؟
بالنسبة إلى المتخصص في شؤون المتانة السياسية والاقتصادية أميهود أمير، فإن الثمن باهظ لإسرائيل، لأن مجرد الدخول في مفاوضات يعكس ضعف إسرائيل، وكلما زاد ضعفها كان الثمن أغلى. وبرأيه فإنه من دون معاقبة قاسية لـ"حماس" بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ستفتح إسرائيل بذلك الباب أمام دورة متكررة من إراقة الدماء.
ويرد على من يرى أن الحرب انتهت ويجب إعادة الأسرى بالقول، "قد يرى البعض أنه بعد 13 شهراً تحولت غزة إلى أنقاض ودفع مواطنوها عشرات الآلاف من القتلى، بما في ذلك رؤساء (حماس)، أليس هذا رادعاً؟ الجواب المخيف هو لا، لأنه بعد الاتفاق سيعاد بناء غزة بأموالنا وأموال العالم الغربي. وحتى الآن تظهر استطلاعات الرأي أن معظم سكان غزة يؤيدون (حماس) التي تواصل تعزيز قدراتها وتملأ صفوفها بشباب جدد. إنه انتصار ساحق لها. وكان يجب استمرار الحرب حتى النصر الحاسم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في رده على الأصوات التي تقول إنه لا قدرة لدى الجيش على الانتصار، ولا خيار سوى التفاوض يقول، "في هذه الحال يجب الإصرار على المبادئ التالية: قائمة كاملة من الصليب الأحمر بجميع الأسرى وحالهم، وعدم إطلاق سراح أي أسير يده ملطخة بالدماء، وكل أسير يطلق سراحه يُنفى إلى الخارج، والمطالبة بتسليم كل من أسهم في التخطيط والتنفيذ ليوم السابع من أكتوبر، وضم بعض أراضي غزة وإقامة مستوطنات عليها".
لكن أمام ما يراه عميهود أمير ويدعمه فيه وزراء ونواب كنيست وقياديون، هناك أيضاً من يدعمه في جانب عدم إطلاق سراح الأمنيين المحكومين بالمؤبدات، لكنهم يؤكدون ضرورة تنفيذ الصفقة، ويطرحون الحلول لتداعيات وخطورة الإفراج عن أسرى فلسطينيين محكومين بالمؤبدات، وقد أطلق أكثر من مسؤول أمني وعسكري في مقدمهم الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، تصريحات يدعون فيها إلى وضع القائمة ضمن أجهزة الاستخبارات لاغتيالهم لاحقاً، وتفاخروا بقدرات إسرائيل على اغتيال العشرات ممن شملتهم صفقات أسرى سابقة بينها "صفقة شاليط".
سياسة وأخلاق
الرئيس السابق لدائرة العمليات في "الموساد" عوديد عيلام، يرفض هذه الأصوات بالمطلق، ويرى أن الصفقة خطوة مهمة وضرورية وكان يجب تنفيذها منذ أشهر. ودعا من يرفضها إلى النظر للواقع بعيون مفتوحة، فـ"نحن أمام واقع مركب ومؤلم يلزمنا بنظرة عديمة الأوهام، لكن يوجد فيها أمل أيضاً".
ويحاجج هذه الأصوات التي ترى أن الصفقة وانسحاب الجيش خطر على أمن إسرائيل لعدم القضاء على "حماس" قائلاً، "صحيح أن الهدف المركزي لهذه الحرب كان تقويض القدرة العسكرية للحركة وإنهاء حكمها، وهو هدف لم يتحقق، بل لا يزال بعيداً. صحيح توجد لدينا إنجازات لكنها جزئية ولا يمكن طمس هذه الحقيقة. فالقدرة على استخدام أدوات عسكرية لتحرير الأسرى أثبتت أنها محدودة للغاية، خصوصاً بعدما اتضح مقتل عدد من الأسرى بنيران إسرائيلية، وآخرهم في الـ29 من أغسطس (آب) 2024 إذ قتل ستة أسرى داخل نفق".
ودعا إلى الاعتراف بقدرة البقاء لدى "حماس" المدعومة بقدر كبير بالمساعدات الإنسانية التي فرضتها إدارة بايدن. والاتفاق الذي وقع في هذه المرحلة ليس فقط مجرد اضطرار سياسي بسبب ضغوط دولية بل هو أمر أخلاقي كذلك".
وكغيره من الإسرائيليين الداعمين لها والرافضين يعد عميهود "الصفقة التي وقعت صعبة وإشكالية لكنها اضطرارية، ليس فقط من الجانب الأخلاقي، وإنما أيضاً لرأب الصدوع العميقة في المجتمع الإسرائيلي. فالوحدة الداخلية أصبحت مهمة وطنية بقدر لا يقل أهمية عن الصراع الخارجي، وفي هذا الإطار ينبغي أن نرى الفعل أيضاً من زاوية نظر أخلاقية وضرورات اجتماعية".
أبواب جهنم
الجهود مستمرة ومكثفة في إسرائيل من قبل جهات عدة وفي مقدمها وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، للضغط على نتنياهو للتراجع في الدقيقة الأخيرة عن الصفقة، ولكن طالما لم ينسحب أي منهما من الحكومة فسينجح نتنياهو في الحفاظ عليها ولن يكون لهذا الضغط أي انعكاس فوري، أما إذا ما نفذ الصفقة وفق البنود المعلنة، التي بموجبها سيجري وقف النار وإنهاء الحرب فقد تعود الخلافات داخل الحكومة، وسيكون الخطر على تفكيكها أكثر من أي وقت مضى، غير أن الواضح وباعتراف مسؤولين إسرائيليين فإن الحاسم في كثير من القضايا سيكون الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي طلب وقف الحرب في غزة ولبنان، مع منحه الضوء الأخضر لإسرائيل بالعودة للقتال في غزة إذا تطلب الأمر وتم انتهاك اتفاق إنهاء الحرب.
يرى المستشرق والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط تسفي برئيل، أن ترمب سيكون اللاعب الحاسم كما كان أيضاً الحاسم في التوصل إلى اتفاق صفقة الأسرى رغم جهود نتنياهو لعرقلتها، مشيراً إلى تهديد ترمب بـ"فتح أبواب جهنم"، هو مفهوم فارغ قام بصكه لكنه كان المفتاح السحري المطلوب من أجل إجبار نتنياهو على الموافقة على الصفقة، وهي الصفقة التي وضعها بايدن على الطاولة قبل أشهر كثيرة، وكان يمكن التوصل إليها وقتها".
وبحسب برئيل فإن الرئيس ترمب "سيرث خريطة شرق أوسط معقد وخطر. هو في الحقيقة نجح في تحقيق جزء مهم من (صفقة القرن) عندما نفذ (اتفاقات أبراهام)، لكنه يعود إلى نقطة الصفر في كل ما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وخلافاً لبايدن وبلينكن، لم يضع ترمب حتى الآن خطة عمل واقعية، سواء في القضايا التكتيكية والفورية، أو في رؤيته الاستراتيجية التي هي وصفة للتطبيق من أجل تسوية إدارة غزة والدفع قدماً بعملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين".
ويدعو برئيل إلى الانتظار قليلاً لمعرفة ما سيفعله ترمب، وفي الأساس كيف يمكنه الالتفاف على شروط السعودية التي تطالب بخطة لحل القضية الفلسطينية تشمل أفقاً سياسياً على أساس حل الدولتين، مضيفاً "يجب الآن الانتظار ورؤية ما إذا كان فتح أبواب جهنم سيتحول إلى استراتيجية ثابتة له حتى في مواضيع أساسية، أو أنه كان مشهداً لمرة واحدة".