Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح ترمب في إبرام سلام في أوكرانيا؟

يدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض وقد عصف برأسه الغرور بسبب الدور الذي لعبه في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. ولا شك في أن حلفاءه وأعداءه حول العالم يخططون الآن لاستغلال غروره ونقاط ضعفه

يبدو السلام في أوكرانيا أثر بعد عين (غيتي)

ملخص

هل يفاجئ دونالد ترمب العالم ويسعى إلى سلام في أوكرانيا؟

رداً على سؤاله عمن ينسب له الفضل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أبرم في قطر، هو أم دونالد ترمب؟ رد الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن بسرعة "هل هذه دعابة؟". لكنها لم تكن كذلك. صحيح أن زعم ترمب بأنه المسؤول عن التوصل إلى الاتفاق "الأسطوري" كان مضحكاً، لكنه أسهم فيه حقاً.

فقد عمل فريق بايدن يداً بيد مع إدارة ترمب المرتقبة - ومع مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف - من أجل إبرام الاتفاق الذي تطلب وضعه أشهراً طويلة من العمل.

وليس من قبيل المصادفة أنه تم في آخر أيام عهد بايدن، وقبل أسبوع من الموعد المحدد لعودة ترمب إلى البيت الأبيض. وقد علم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إشراك ترمب في الاتفاق سيعبد الطريق أمام إقامة علاقات ودية مع الرئيس الـ47 للولايات المتحدة.

كما تعلم "حماس" من جهتها أنه سيظل على الدوام عدواً لها، لكنه عدو قد يفي فعلاً بوعده بـ"أن نيران الجحيم" تنتظر الحركة في حال عدم التوصل إلى اتفاق.

في الغالب، يستخف الجميع في عالم السياسة الخارجية بترمب ويعتبرونه طفلاً معرضاً لنوبات غضب. إنما يشهد عهد الرئيس الـ45 على أن النهج الذي اتبعه في بلوغ "السلام من طريق القوة" وإدراج "أميركا أولاً" في الصدارة، إضافة إلى السمعة التي تلاحقه بأنه رجل لا يمكن التكهن بتصرفاته، أفضل من الفوضى التي يتركها بايدن خلفه.

وأبرز ما وسم عهد بايدن هو إحجامه عن منح أوكرانيا الدعم العسكري الكافي لدحر القوات الروسية، بل منحها فحسب ما يكفيها كي تستنزف [من دون أن تهزم]. 

وقد عجز عن لجم القصف الإسرائيلي العنيف على غزة باستخدام أسلحة أميركية، هذا إن أراد فعل ذلك من الأساس- فيما أسفر هذا القصف عن توجيه اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، قد تلاحق أميركا أيضاً. وتمكنت إيران، في عهد بايدن، من توسيع رقعة عملياتها التي تزعزع الشرق الأوسط إلى أن كفت إسرائيل يدها بالهجوم الذي شنته على أراضيها وبتدمير "حزب الله" في لبنان. كما أن النهاية البائسة لـ20 عاماً من الحرب وخسائر الغرب من الأرواح والثروات في أفغانستان حصلت في عهد بايدن أيضاً.

يدخل ترمب البيت الأبيض وقد عصف برأسه الغرور [يشعر ببالغ الرضا عن] بسبب دوره في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة. ولا شك في أن حلفاءه وأعداءه حول العالم يخططون الآن لاستغلال نرجسيته وغروره بصورة كبرى. هل يضع جائزة نوبل للسلام نصب عينيه الآن؟

من منظور روسيا، هذا طموح يستحق التعزيز. لقد تبجح ترمب غير مرة بأنه قادر على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وهو يريد الإشراف على المحادثات بين موسكو وكييف. 

إذا تمكنت روسيا من إبقاء هذه الفكرة حاضرة في الأذهان، فربما يقلص ترمب المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا ويفرض على الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن يتخلى عن المناطق الشرقية التي أحكم الغزاة الروس القبضة عليها بالفعل. لن تكفل أية صفقة من هذا النوع لترمب أية جوائز نوبل ولن تُحل السلام في أوروبا- لكن عندها، سيكون بوتين قد فاز بكل ما بإمكانه أن يأمل في تحقيقه واقعياً. 

اقرأ المزيد

بيد أن ترمب أظهر أخيراً مؤشرات إلى أنه ربما لن يكون مستعداً لتبني مقاربة مبسطة لمعالجة الحرب في أوكرانيا. ولحظ أن إنهاء الحرب لن يتحقق في 24 ساعة، بل سيتطلب ستة أشهر. ولا شك في أنه لا يرغب في أن يراه الآخرون على أنه الرجل الذي خسر كييف على نحو ما يلام بايدن على خسارة كابول.

في غالب الأحيان، أعطى الرجل الانطباع بأنه مناهض لحلف الشمال الأطلسي، الناتو، وقد هدد بالانسحاب من الحلف الذي ضمن أمن الغرب منذ الحرب العالمية الثانية. لكنه لطف مقاربته من طريق مطالبته أعضاء الحلف برفع إنفاقهم العسكري إلى خمسة في المئة من إجمالي ناتجهم المحلي (تخصص معظم الدول أقل من الحد الأدنى الذي اتفق عليه الناتو وهو اثنان في المئة). أصبح إنفاق بولندا يقارب 4.7 في المئة وهناك مؤشرات كثيرة على أن كثيراً من الدول الأوروبية تسعى إلى مجاراة هذه النسب.  

ولهذا، سيتعامل الأوروبيون بحذر مع ترمب - وينزلون في الإجمال على مطالباته إياهم بالاهتمام بشؤونهم [تولي زمام أمرهم] - خوفاً من أن يساعد بوتين على إحراز نصر جزئي. وهذه خطوة جيدة بنظر الأميركيين. فروسيا لا تشكل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة. لكنها تشكل خطراً حقيقياً على أوروبا، ولذلك يعتبر إنفاق أوروبا على حمايتها الخاصة أمراً معقولاً من الناحية السياسية وسليماً من الناحية الاقتصادية.

وباتت فرنسا - والآن المملكة المتحدة - تدرس إمكانية إرسال قواتها لضمان أمن أوكرانيا (إذا وافقت كييف أساساً على وقف إطلاق النار مع روسيا). لكن روسيا لن تقبل بخطوة كهذه لأنها تضع أعضاء الناتو على بابها.

تتركز توجهات ترمب بالفطرة نحو الداخل إجمالاً. وهو مهووس بقضايا الهجرة وأميركا الوسطى. وفي هذا الوقت، تعصف الاضطرابات بالمكسيك وفنزويلا والسلفادور، وقد ابتليت هذه الدول بانتشار المخدرات والفوضى- وربما يحاول تركيز الانتباه على أميركا الوسطى والجنوبية بدلاً من مواصلة المغامرات الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط وما بعده. 

كما أن مخططاته في شأن الاستيلاء على غرينلاند وكندا وقناة بنما مجنونة وتهدد أسس القانون الدولي الذي يقوم عليه الكوكب- لكنها أيضاً مؤشرات إلى تركيزه على مشكلات قريبة من بلاده.

ويواجه ترمب معضلة الصين التي تمثل منافساً حقيقياً على النفوذ العالمي. وهي تمضي قدماً في مسار توسعها العسكري ودبلوماسيتها الاقتصادية على مستويات لا تضاهى. وقد بسطت شبكات علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في كل أرجاء العالم النامي من كالكوتا إلى كيب تاون وكاراكاس. كذلك تملك الصين قواعد استخباراتية في كوبا وقد أغرقت أميركا بالمواد الأفيونية التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الأشخاص.

وقد هدد ترمب بشن حرب تجارية على الصين على خلفية الرسوم الجمركية على صادرات بكين إلى الولايات المتحدة فيما لا تزال تايوان تواجه تهديداً عسكرياً فعلياً من البر الصيني. ولدى سؤاله عن استعداده للدفاع عن الدولة الجزيرة في حال اجتاحتها الصين، اكتفى بقوله "أفضل ألا يقدموا على ذلك [أريد ألا يفعلوا ذلك]".

يعتبر ترمب رجل الصفقات والتعاقدات. لذلك من الأرجح أن يحاول استئناف مسار عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل. فهو الذي شق مسار اتفاقات أبراهام التي "طبعت" العلاقات بين الدولة العبرية من جهة والإمارات والمغرب والبحرين والسودان من جهة أخرى.  

لكن أحد الأسباب التي جعلت "حماس" تشن هجماتها القاتلة على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هو تجاهل القضية الفلسطينية في غمار السعي "للتطبيع" وإبرام اتفاقات أبراهام.

ربما يؤمن المتفائلون الآن أن رغبة ترمب بتحقيق انتصارات دبلوماسية قد انتعشت بعد محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وهو قادر على التأثير في نتنياهو ولديه علاقات جيدة مع السعودية وفهم أفضل لضرورة إيجاد حل عادل للشعب الفلسطيني إضافة إلى ضمان أمن إسرائيل. وربما يرغب الرئيس الأميركي الجديد أيضاً في قيادة الجهود الرامية إلى إعادة فتح عملية سلام.

لا ريب أن ذلك سيكون خطوة "تاريخية" إنما أيضاً مسار طويل وممل نهايته الفشل الحتمي. ولا يريد ترمب أبداً أن يسجل له أي إخفاق. لذلك، فالعبرة المستخلصة من غزة هي أن ترمب يهوى الانتصارات والتهليل الذي يرافقها. لكن يرجح ألا يخاطر بالظهور بمظهر "الخاسر" حتى إن تعلق الأمر ببوتين- وقد يكون ذلك خبراً يثلج قلب أوكرانيا.

© The Independent

المزيد من آراء