ملخص
علق الرئيس الأميركي على وعده بحسم المشكلة الأوكرانية خلال 24 ساعة بقوله ضاحكاً "لا يزال أمامنا نصف يوم".
في محاولة لخطب ود موسكو استهل الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب فترة رئاسته الثانية للولايات المتحدة بالاعتراف بحبه للروس، وبأنه على علاقة جيدة مع نظيرة الروسي فلاديمير بوتين، والتأكيد أن روسيا قدمت أوجه المساعدة إلى الولايات المتحدة في تحقيقها للنصر إبان أعوام الحرب العالمية الثانية، وخسرت خلالها زهاء 60 مليون نسمة. وتلك معلومات تتضمن كثيراً من المبالغات اللفظية لترمب، الذي سبق واستبعد روسيا من قائمة المشاركين الرئيسين في الحرب العالمية الثانية. كما أنه وعلى رغم "حبه للروس" كان أكثر الرؤساء الأميركيين الذين وقعوا أكبر قدر من العقوبات ضد روسيا في التاريخ، خلال الفترة الأولى لرئاسته (2017-2021). وبعيداً من مثل هذه المفردات التي يمكن إدراجها ضمن دائرة "المجاملات والترضيات"، فقد استهل ساكن البيت الأبيض الجديد نشاطه الرئاسي بما يمكن وصفه "بالتهديدات" التي أطلقها في حق الرئيس بوتين، في حال عدم قبوله بالمحادثات مع الجانب الأوكراني والتوصل إلى السلام المنشود خلال المستقبل القريب، تحت رعايته كرئيس للولايات المتحدة.
رد موسكو على "تهديدات" ترمب
وتعكف روسيا على دراسة التصريحات والأقوال التي تصدر عن البيت الأبيض مع بداية نشاط ساكنه الجديد، بما في ذلك كل ما يخص التسوية في أوكرانيا بخياراتها المتعددة. وأعلن بوتين عن وجود مراوحة من الخيارات للعمل على حل جميع المشكلات المتعلقة بالتسوية المنشودة. وذلك إضافة إلى ما قاله قبل ذلك حول إنه يتطلع إلى إجراء حوار مع واشنطن "على أساس المساواة والاحترام المتبادل"، ويستند إلى فهم أهمية "الاستقرار والأمن الاستراتيجيين". ومن جانبه، أعلن المبعوث الشخصي للرئيس ترمب للمهام الخاصة ريتشارد غرينيل أن الإدارة الأميركية السابقة تركت ترمب في "فوضى رهيبة"، مشيراً إلى أن "ليس لديه كثير من الخيارات الجيدة".
أما في ما يخص ما وصفه مراقبون محليون ودوليون بـ"تهديدات" ترمب لبوتين، ومدى صدقية ما قاله حول عزمه على توقيع عقوبات جديدة في حال عدم استجابة الرئيس الروسي لما قد يطرحه من حلول مقترحة، قال غرينيل "أعتقد أن هذا أحد الخيارات، لكن امنحوا الرئيس ترمب بعض الوقت. إنه أفضل مفاوض، وهناك فرق بين مجرد التهديد والتهديد الحقيقي".
وعلى نحو يبدو وكأنما الكرملين لم ير جديداً في "تهديدات" ترمب التي أشار إليها في ما كتبه على منصته "تروث سوشال"، حول ضرورة وقف الحرب تحت طائلة فرض عقوبات جديدة وضرائب مرتفعة على كل ما تصدره روسيا إلى الولايات المتحدة، قال الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف "إن ترمب غالباً ما لجأ إلى مثل هذه التدابير في ولايته الأولى". وأضاف "إنه يحب هذه الأساليب، في الأقل أحبها خلال فترة رئاسته الأولى. نحن نراقب من كثب بالطبع كل الخطابات وجميع التصريحات". وخلص بيسكوف إلى القول إن موسكو مستعدة "لحوار متساو ويحظى باحترام متبادل" وتنتظر "إشارات لم يتم تلقيها بعد".
اتفاق إسطنبول ليس مكانه "سلة المهملات"
وكان الرئيس بوتين أشار خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى أن روسيا مستعدة للمفاوضات مع أوكرانيا على أساس اتفاق إسطنبول لعام 2022، الذي تنازل بموجبه الجانب الأوكراني عن إصراره على طلب عضوية حلف شمال الأطلسي، ووافق على حيادية أوكرانيا إلى جانب حظر نشر الأسلحة الاستراتيجية في الأراضي الأوكرانية. وشدد بوتين على أنه لا ينبغي "أن تكون تلك الوثيقة في سلة المهملات".
ونقلت وكالة أنباء "تاس" عن النائب الأول للمندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي ما قاله حول "إن الأمر لا يتعلق فقط بإنهاء الحرب. بل يتعلق في المقام الأول بالقضاء على الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية".
ودون العودة إلى ما أعلنه بوتين في شأن أسباب النزاع، وما طرحه من شروط للتوصل إلى اتفاق سلام دائم وحصول روسيا على ضمانات أمنية، أهمها عدم انضمام أوكرانيا إلى "ناتو"، أضاف بوليانسكي أنه "من الواجب النظر إلى ما يعنيه الاتفاق بالنسبة إلى الرئيس ترمب. فهو ليس مسؤولاً عما كانت الولايات المتحدة تفعله في أوكرانيا منذ عام 2014، وتحويلها إلى دولة معادية لروسيا وإعدادها للحرب معنا، كما أنه لا يتحمل المسؤولية عن أي شيء آخر". وأشار بوليانسكي إلى أن ترمب "بوسعه وقف هذه السياسة الضارة". وكان ترمب أشار خلال وقت سابق إلى أن إدارته تعتزم فرض رسوم جمركية وعقوبات جديدة على الصادرات الروسية، إذا لم يتم حل الصراع داخل أوكرانيا في القريب العاجل. ومن اللافت في هذا الصدد أن "إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة وروسيا خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 كان 3.4 مليار دولار فقط"، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" وهو حجم لا يتناسب مع قدرات البلدين، وضرورة مقارنة ذلك بحجم التجارة بين الولايات المتحدة وكندا الذي بلغ 700 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وقال ترمب أيضاً إنه مستعد لتقديم "خدمة كبيرة للغاية" لروسيا من خلال الإعلان عن التزامه بإنهاء الصراع في أوكرانيا.
باقي من الزمن "نصف يوم"
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الأميركي الجديد مارك روبيو أن واشنطن لا تستطيع تحديد إطار زمني لإنهاء الصراع الأوكراني، في أعقاب ما تردد حول تحديد مهلة 100 يوم لتحقيق ذلك، بعد أن سبق وحدد كيث كيلوغ المبعوث الشخصي للرئيس ترمب إلى أوكرانيا فترة ستة أشهر لهذه المهمة، بدلاً من "الـ24 ساعة" التي سبق وأعلنها ترمب منذ أعوام. وليس واضحاً بعد ما إذا كان الرئيس الأميركي الحالي اعتمد خطة كيلوغ. وكان روبيو قال إن السلام الموقت لمدة عامين أو ثلاثة أعوام لن يناسب أميركا، وأن البيت الأبيض يخطط لاتفاق طويل الأجل ولا يستبعد فرض عقوبات جديدة ضد الاتحاد الروسي من أجل تحقيق ذلك.
وبعيداً من ذلك الارتباك المتعلق بتحديد الفترة الزمنية للمحادثات، نعيد إلى الأذهان ما سبق واقترحه كيلوغ حول وقف الأعمال القتالية على طول خط التماس الحالي، مما سبق ورفضه الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة، لأسباب متعددة منها مخاوفه من استغلال القوات الأوكرانية ذلك لحاجتها إلى الراحة، ولمزيد من إعادة التنظيم وحشد القوات اللازمة لوقف تقدم القوات الروسية المطرد، والحد من توغلها في الأراضي الأوكرانية الذي يتزايد يوماً بعد يوم. وأعلن ترمب أنه يخطط للقاء بوتين في روسيا خلال المستقبل القريب. ووفقاً له، فإن عملية التحضير للاجتماع جارية بالفعل. وقال ترمب إنه سيحاول القيام بذلك في أقرب وقت ممكن. وعندما ذكره الصحافيون بأنه وعد بإنهاء الحرب في اليوم الأول كرئيس، قال مازحاً "لا يزال هناك نصف يوم".
"العقوبات تجعل روسيا أقوى"
على الجانب الأوكراني، أعلن الرئيس المنتهية ولايته فولوديمير زيلينسكي استعداده لإبرام اتفاق مع روسيا لإنهاء الحرب، لكنه اشترط تأمين ضمانات أمنية من أوروبا والولايات المتحدة قبل أن تبدأ. واستبعد في تصريحاته السابقة أية اتفاقات باستثناء المفاوضات في شأن السلام العادل واسترداد الأراضي المحتلة. ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن زيلينسكي قوله إنه "إذا كان ترمب يستطيع ضمان أمن قوي ولا رجعة فيه لأوكرانيا، فسنتحرك على هذا المسار الدبلوماسي". وأشار الموقع الإلكتروني "غازيتا رو" إلى أنه بينما يصر ترمب على المفاوضات فإن السلطات الروسية قلقة بصورة متزايدة في شأن التشوهات في الاقتصاد، التي نشأت بسبب العمليات العسكرية". وقال الموقع إن "الاقتصاد الروسي كان ينمو بنشاط على مدى العامين الماضيين، على رغم عدد من حزم العقوبات الغربية"، لكنه يلفت الانتباه إلى حقيقة أنه خلال الأشهر الأخيرة كان هناك توتر في الاقتصاد بسبب نقص العمالة وارتفاع أسعار الفائدة. وكتبت "رويترز" أن "هذا الوضع أسهم في تشكيل رأي جزء من النخبة الروسية بأن التسوية التفاوضية للصراع أمر مرغوب فيه". وذلك ما علق عليه بوتين بقوله "إن مثل هذه العقوبات تجعل روسيا أقوى، كما أن الاقتصاد ينمو على رغم العقوبات، ويتم استبدال الواردات بنجاح بما تنتجه المصانع الروسية بعد ما جرى من التعديلات التي كانت تحتاج إليها، وبما يتفق مع المتغيرات الدولية والمحلية".
وكان ترمب أعقب تهديداته بما قاله في معرض مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض حول ما يجب أن يفعله بوتين، وحول اعتقاده بأنه يدمر روسيا دون إبرام صفقة. وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية ما قاله الرئيس الأميركي للصحافيين في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض "أعتقد أن روسيا ستواجه مشكلات كبيرة... لا يمكن أن يكون (بوتين) سعيداً لأنه لا يقوم بعمل جيد. في البدء، اعتقد معظم الناس أن الحرب ستنتهي في غضون أسبوع، والآن تستمر إلى ما يقارب ثلاثة أعوام"؟
وبينما أفصح الرئيس بوتين عما تنتظره روسيا من المحادثات المرتقبة بوساطة أميركية، قال زيلينسكي "إذا كان بإمكان الرئيس ترمب - كما أعتقد - أن يضمن لنا أمناً قوياً ولا رجعة فيه لأوكرانيا، فسنتحرك على المسار الدبلوماسي". واستطرد الرئيس الأوكراني في معرض حديثه لوكالة "بلومبيرغ" قائلاً "أفهم أنه دون روسيا من المستحيل إنهاء هذه الحرب دبلوماسياً". وعما تحتاج إليه أوكرانيا من ضمانات، قال بوجوب تقديمها "إما من طريق عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، أو من طريق نشر قوات حفظ السلام على أراضيها، بما في ذلك قوات أميركية"، مؤكداً حتمية أن تكون المشاركة المباشرة للقوات الأميركية إلزامية، وهو ما ترفضه روسيا "صورةً ومضموناً".