ملخص
دعت جمهورية الكونغو الديمقراطية العالم إلى وقف تقدم "إم-23" شرق البلاد الغني بالمعادن، والذي مزقته عقود من الصراع تعود جذوره جزئياً للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
أمرت الولايات المتحدة الأربعاء موظفيها غير الأساسيين بمغادرة جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد أن دخل مسلحون مدعومون من رواندا مدينة غوما الرئيسية في شرق البلاد، ما دفع متظاهرين غاضبين إلى مهاجمة سفارات غربية.
وقالت وزارة الخارجية في بيان إنها "أمرت بمغادرة موظفي الحكومة الأميركية غير الأساسيين وجميع أفراد عائلاتهم المؤهلين"، مشيرة إلى التظاهرات وانعدام الأمن بشكل عام.
وجددت الخارجية توصيتها للأميركيين بعدم السفر إلى البلاد.
في وقت سابق الأربعاء، أكدت الخارجية الأميركية اندلاع احتجاجات عنيفة قرب "منشآت حكومية أميركية متعددة" في كينشاسا وسفارات دول أخرى في اليوم السابق.
يأتي ذلك فيما حقق متمردو حركة "إم-23" المدعومة من رواندا تقدماً سريعاً وسيطروا على معظم مدينة غوما بشرق البلاد بعد أيام من القتال الدامي.
وانتقدت قوى دولية، من بينها الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترمب، الهجوم لكن المحتجين في كينشاسا أبدوا غضبهم لغياب ضغوط دولية قوية على رواندا.
وأعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن قلقه في اتصال هاتفي أجراه الثلاثاء مع الرئيس الرواندي بول كاغامي وحث على وقف إطلاق النار الفوري.
السيطرة على غوما
سيطر مقاتلو حركة "إم-23" التي تدعمها رواندا على معظم مدينة غوما شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث بدأ السكان الأربعاء الخروج ببطء من منازلهم بعد أيام من القتال في المنطقة الغنية بالمعادن.
وعاد الهدوء بعد معارك ضارية أسفرت عن سيطرة جماعة "إم-23" المسلحة وقوات رواندية على المطار ومواقع مهمة في المدينة، ومع تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء الأزمة فقد رفض الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي حضور محادثات مع نظيره الرواندي بول كاغامي اليوم، ومن المقرر أن يلقي تشيسكيدي أول خطاب له منذ دخول حركة "إم-23" إلى وسط عاصمة المقاطعة الشرقية بعد هجوم خاطف استمر أسابيع.
ودعت أنغولا، الوسيط في المحادثات التي انهارت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى عقد اجتماع عاجل بين الزعيمين الكونغولي والرواندي في لواندا.
إلى ذلك دعت جمهورية الكونغو الديمقراطية العالم إلى وقف تقدم "إم-23" شرق البلاد الغني بالمعادن والذي مزقته عقود من الصراع تعود جذوره جزئياً للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
تفاقم الأزمة الإنسانية
وأدى القتال العنيف إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة المضطربة، وقد أجبر نصف مليون شخص على النزوح من منازلهم منذ بداية العام، وفقاً للأمم المتحدة، وأسفرت ثلاثة أيام من الاشتباكات في غوما عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة نحو 1000 آخرين، وباتت المستشفيات تكتظ بالمصابين وفق حصيلة أعدتها الصحافة الفرنسية استناداً إلى أرقام مستشفيات المدينة.
وقال أحد الأطباء لوكالة الصحافة الفرنسية إن كثيراً من الجثث لا تزال منتشرة في المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة ومحصورة بين بحيرة كيفو والحدود الرواندية.
وبعد فرار كثير من الجنود الكونغوليين أو وقوعهم في الأسر، لم يشاهد في الشوارع سوى مقاتلون من حركة "إم-23" والقوات الرواندية، وكان بعضهم يطلق النار في الهواء.
وقال مصدر أمني إن مقاتلي حركة "إم-23" اقتادوا عبر وسط المدينة صفاً طويلاً من مئات الجنود الكونغوليين وأفراد ميليشيات موالية لكينشاسا بعد نزع سلاحهم ووضع عصابات بيضاء على رؤوسهم.
وبعد أيام من الاحتماء داخل منازلهم من دون كهرباء بدأ السكان الخروج الأربعاء، حتى إن بعضهم سبحوا في بحيرة كيفو بينما كانت أصوات إطلاق النار المتقطعة تتردد في البعيد.
الأمر مخيف
وقال الطالب ميردي كامبيلينغي "كان الأمر مخيفاً بعض الشيء بسبب أصوات إطلاق النار، لكن يبدو أن الأمور استقرت على رغم انقطاع التيار الكهربائي فنحن معزولون عن العالم".
ولاحظ مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية أيضاً عمليات نهب واسعة النطاق في المدينة، وفي وقت سابق من الأسبوع أعلنت كينيا أن زعيمي الكونغو ورواندا سيحضران عن بعد قمة أزمة لـ "مجموعة شرق أفريقيا" الأربعاء، وعلى رغم انسحاب تشيسكيدي، فإن كاغامي سيحضر، بحسب ما أكد المتحدث باسمه.
وفي الجانب الآخر من البلاد هاجم متظاهرون في العاصمة كينشاسا سفارات عدة احتجاجاً على عدم تدخلها لإيقاف الفوضى في الشرق، وحضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي رواندا على سحب قواتها من المنطقة.
وقال ممثل رواندا في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية فإنسان كاريغا إن "تقدم حركة 'إم-23' سيتواصل" إلى إقليم جنوب كيفو المجاور"، وأضاف أنه من المحتمل أن يتمكن المقاتلون من التقدم إلى ما هو أبعد من شرق البلاد.
تحذير إنساني
وحذرت منظمات إنسانية أيضاً من نقص الغذاء والمياه في محيط غوما فضلاً عن نهب المساعدات، وقالت منسقة الطوارئ في منظمة "أطباء بلا حدود" في شمال كيفو فرجيني نابوليتانو في بيان "في مستشفى كييشيرو اخترقت رصاصة سقف غرفة العمليات أثناء إجراء جراحة".
من جهته قال الجيش الرواندي الأحد الماضي إن أكثر من 280 مرتزقاً من رومانيا يقاتلون إلى جانب القوات الكونغولية استسلموا لحركة "إم-23" في مدينة غيسيني الرواندية الحدودية.
وقال أحد الرومانيين، مكتفياً بذكر اسمه الأول إميل، "لم نكن في ساحة معركة، بل كنا هنا للتدريب والمساعدة في مجال المدفعية".
وتقع الكونغو الديمقراطية في وسط أفريقيا الغنية بالذهب ومعادن أخرى مثل الكوبالت، وهو عنصر رئيس في صناعة البطاريات عالية الجودة المستعملة في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.
واتهمت الكونغو الديمقراطية رواندا بشن الهجوم للاستفادة من المعادن الوفيرة في المنطقة، وهو ما يدعمه خبراء الأمم المتحدة الذين يقولون إن كيغالي لديها آلاف الجنود في الكونغو الديمقراطية و"تسيطر فعلياً" على حركة "إم-23".
لكن رواندا نفت الاتهامات وأشارت إلى أن هدفها هو مواجهة مجموعة مسلحة تطلق على نفسها "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" أسستها شخصيات من الهوتو قادت إبادة العام 1994 في رواندا وارتكبت مجازر بحق التوتسي.
إعادة إشعال النزاعات
وحذرت بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية من أن القتال يهدد بإعادة إشعال النزاعات العرقية التي يعود تاريخها للإبادة الجماعية، قائلة إنها وثقت "حالة واحدة في الأقل من الإعدام خارج نطاق القانون بدوافع عرقية".
واحتلت حركة "إم-23" مدينة غوما لفترة وجيزة نهاية عام 2012 قبل أن تهزمها القوات الكونغولية والأمم المتحدة في العام التالي، وعادت الحركة "إم-23" للظهور في أواخر عام 2021، وبعد فشل محادثات توسطت فيها أنغولا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بدأت الحركة في الزحف نحو غوما.