ملخص
أثار قرار ترمب تعليق شحن الطرود الصغيرة من الصين وهونغ كونغ صدمة في آسيا، وردت الصين بفرض تعريفات على السلع الأميركية وتشديد ضوابط التصدير، بينما تواجه الشركات المتعددة الجنسيات تحديات نقل الإنتاج من الصين.
استفاقت آسيا على صدمة جديدة في الحرب التجارية الدائرة، ففي خطوةٍ بسيطة وجذرية في الوقت نفسه، علقت الولايات المتحدة شحن الطرود الصغيرة من الصين وهونغ كونغ، في ما شكل ضربة قوية لعمالقة التجارة الإلكترونية مثل "شي إن" Shein و"تيمو" Temu - على الرغم من تعليق القرار لاحقاً بمجرد الإعلان عنه.
على أن القرار لو تُرك ليأخذ مجراه لكان تأثيره شديداً، إذ تخطط شركة "شي إن" لإدراج أسهمها في بورصة لندن بقيمة 50 مليار جنيه إسترليني (62 مليار دولار) وهو ما يشكل حجر الزاوية لإستراتيجية حكومة حزب العمال بهدف جذب الاستثمار وتعزيز جاذبية المدينة واستقطابها، قرار ترمب الذي أوقف الاستثناء الذي يسمح بإعفاء الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار (641 جنيهاً إسترلينياً) من الرسوم الجمركية كان ليزيد الأمر تعقيداً.
في هذا السياق، تُركت أكوام هائلة من الأغراض المخصصة للمشترين الأميركيين من الملابس الرخيصة وغيرها من السلع مكدسة في مكاتب الفرز، في حين قالت هيئة البريد الأميركية وهيئة الجمارك وحماية الحدود إنهما تعملان معاً بصورة وثيقة "لتنفيذ آلية جمع فعالة للتعريفات الجمركية الصينية الجديدة لضمان أقل قدر من التأخير والاضطرابات في تسليم الطرود".
ولكننا لم نبلغ النهاية بعد، ولا يزال الأمر بعيداً من خواتيمه، فالرئيس دونالد ترمب عازم على وقف إعفاء الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار (641 جنيهاً إسترلينياً) من الرسوم الجمركية.
قد يكون الأمر بسيطاً ولكنه مربك، فلماذا نسعى إلى منع المستهلكين الأميركيين من الحصول على السلع التي سبق أن دفعوا ثمنها؟ ربما يكون عدد منهم من الأشخاص ذوي الدخل المحدود الذين صوتوا للرئيس، في وقت تحاولون فيه رؤية كيف يتناسب هذا مع إستراتيجية الصدمة التي ينتهجها ترمب، اسمحوا لي أن أشرح لكم.
عام 1930، الذي شكل المرة الأخيرة التي شهد فيها العالم موجة من سياسة الحمائية الأميركية، أقرت الولايات المتحدة قانون التعريفات الجمركية، وأرسى هذا القانون معياراً تُعفى عنده الواردات من الرسوم الجمركية، واستند المبدأ إلى القاعدة القانونية اللاتينية القائلة "القانون لا يهتم بالأمور التافهة" (de minimis non curat lex). خلال الأعوام الأخيرة تم رفع هذا الحد إلى مستواه الحالي الذي بلغ 800 دولار أميركي.
لم يكن أحد يتصور عام 1930 أن شركات التجارة الإلكترونية الصينية العملاقة سوف تستخدم ذات يوم هذا القانون الغامض لإيجاد ثغرة تسمح لها بشحن منتجاتها مباشرة إلى المشترين الأميركيين، مما من شأنه أن يقوض المنافسة المحلية ويجنبها الرسوم الجمركية الأميركية، ولكن هذا ما حدث بالفعل.
وكانت النتيجة انفجاراً في شحنات الطرود خصوصاً في فترة جائحة كوفيد-19 من قبل تجار التجزئة الصينيين. عام 2019، بلغت قيمة السلع والأغراض المرسلة إلى الولايات المتحدة من سائر دول العالم بموجب استثناء الحد الأدنى 5.3 مليار دولار، وفق تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس، وفي عام 2023 بلغت قيمتها 66 مليار دولار ومصدر ثلثيها هو الصين.
وفي سياقٍ متصل، أعلنت وكالات إنفاذ القانون الأميركية أن بعضها احتوى على مواد غير قانونية مثل مادة الفنتانيل الأفيونية والمواد الكيماوية المستخدمة في تصنيعها وغيرها من المخدرات المحظورة، وبدأ المشرعون في مقارنة تدفق الطرود غير الخاضعة للرقابة بوصول المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الأميركية.
بالمختصر، شكلت تلك قضية أخرى تستدعي من إدارة ترمب إيجاد حل سريع، لا أحد يعرف كيف كان من الممكن تطبيق هذه الفكرة، فمن الناحية النظرية، كان لا بد من خضوع ملايين الطرود للتفتيش من قِبَل وكلاء الجمارك الأميركية، ولكن كان هناك نهج متبع في حفلة الجنون الواضحة تلك.
في هذا الإطار، ترسل الولايات المتحدة إشارة مفادها أنها ستستخدم تكتيكات المتمردين لإدارة الحرب التجارية في وقتٍ تنخرط فيه الصين في عمليات انتقامية مرهقة تشنها الدولة، وهذا من شأنه أن يزرع حالاً من عدم اليقين في مختلف اقتصادات التصدير الآسيوية، مما يجبر القادة والشركات إلى التكيف مع الوضع الجديد الحالي.
حتى الساعة، لم يتواصل الرئيس ترمب مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في موضوع الحروب التجارية، وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه ليس مستعجلاً للقيام بذلك، لكن الزعيم الصيني لا يجلس مكتوف الأيدي، فهذا الأسبوع يستقبل رئيسة وزراء تايلاند، بايتونغتارن شيناواترا، التي تقوم بزيارة للصين تستغرق أربعة أيام وتقول إن أولويتها ستكون التجارة.
وفي هذا الصدد، بوسع تايلاند، على غرار الدول المصدرة في جنوب شرقي آسيا، أن تستفيد من "إعادة التوطين" reshoring [أي إعادة عمليات التصنيع من الخارج إلى الوطن]، مع قيام الشركات المتعددة الجنسيات بنقل إنتاجها إلى خارج الصين للهرب من رسوم ترمب الجمركية، ويمكن أن تكون الهند أحد الرابحين جراء ذلك، بيد أن نقل خطوط الإنتاج بالكامل ليس بالأمر السهل ولا الزهيد من حيث الكلفة، كما أنه ليس بوسع المنافسين تقليد سلسلة التوريد الصينية المتطورة التي تنقل المنتجات من المصانع الواقعة داخل البر الصيني إلى سفن الحاويات العملاقة المتجهة إلى فيليكسستو [ميناء في سوفولك وهو أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في المملكة المتحدة].
وفي غضون ذلك، واجه المتحدثون الرسميون الصينيون صعوبة في الاستجابة الأولية لحظر الطرود، فتحدث أحدهم عن "قضية الفنتانيل المزعومة"، وهي الأزمة التي يلقي الصينيون باللوم فيها على الانحطاط والجريمة والتراخي في تطبيق القانون - خلافاً للوضع في جمهورية الصين الشعبية من دون أدنى شك.
ولكن هجمة ترمب ضد التجارة الإلكترونية، التي يراها بوضوح محاولة غير خاسرة، أزعجت من دون شك الرئيس شي وصناع السياسات في حكومته، وحتى اللحظة، ردت الصين باتخاذ إجراءات مدروسة ضد قرار ترمب القاضي بفرض نسبة 15 في المئة إضافية على الرسوم الجمركية المفروضة بالفعل على الواردات من الصين.
وفي هذا السياق، أعلنت السلطات الصينية فرض تعريفات جمركية بنسبة 15 في المئة على الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، ورسوم مماثلة على النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة، وإضافة إلى ذلك شددت الحكومة الصينية ضوابط التصدير على خمسة معادن إستراتيجية هي التنغستن والتيلوريوم والبزموت والموليبدينوم والإيريديوم.
لم تكن أي من تلك الخطوات جذرية لأن مستويات التعريفات الجمركية لم تكن باهظة الثمن، كما أن المعادن الخمسة ليست شحيحة بصورة حرجة بالنسبة إلى الصناعات الأميركية.
ومع ذلك، أعادت السلطات الصينية فتح تحقيق لمكافحة الاحتكار في غوغل، التي يواجه محرك البحث الخاص بها حظراً في الصين، لكن منتجاتها الأخرى، على غرار نظام التشغيل أندرويد، تحقق أرباحاً في البلاد.
وفي هذا الإطار، وصف المعلقون الصينيون هذا الأسبوع المسألة بأنها ساحة معركة عالمية بين العلامات التجارية. ويعتبرون أن الولايات المتحدة تريد تدمير الشركات الرائدة في الصين، ومنها شركة الاتصالات العملاقة "هواوي" وتطبيق "تيك توك" الشهير، وشركة الذكاء الاصطناعي الرائدة الأقل كلفة "ديب سيك" DeepSeek.
ويقول محللو الأسواق إن ليس من قبيل الصدفة أن تكون شركة أمازون هي الرابح الوحيد من الخطوات الرامية إلى إلحاق الضرر بشركات التجارة الإلكترونية الصينية.
مايكل شيريدان مراسل أجنبي ومحرر دبلوماسي سابق لدى "اندبندنت"، ومؤلف كتاب "الإمبراطور الأحمر: شي جينبينغ والصين الجديدة" ‘The Red Emperor: Xi Jinping and His New China’ الصادر عن دار هيدلاين للنشر بسعر 25 جنيهاً إسترلينياً (31 دولاراً).
© The Independent