ملخص
تثير تعقيدات وتشابك التحديات في الحال السورية ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، التي خلفت معها تحولات كبيرة في قواعد اللعبة وموازين القوى والتفاعلات الإقليمية، تساؤلات كبيرة حول قدرة العرب على التعاطي معها وخياراتهم في احتضان الدولة السورية مجدداً ومنع انزلاقها إلى المجهول أو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لا سيما أمام تعاظم أدوار إقليمية "متضادة" تتمثل في مخاوف استبدال المشروع الإيراني بآخر تركي، واتساع "المطامع الإسرائيلية" في جغرافية جارتها الشمالية.
في الرابع من مارس (آذار) الجاري، كانت القمة العربية الطارئة بالقاهرة حول فلسطين، الحدث العربي الأول الذي يحضره أحمد الشرع، بصفته الرسمية الجديدة "رئيساً لسوريا" وذلك بعد أشهر معدودة من إطاحة حكم عائلة الأسد المستمر منذ سبعينيات القرن الماضي. وكان من بين أبرز ما أكد عليه الشرع خلال حضوره ذلك المحفل الدبلوماسي العربي، هو أن "بلاده الآن في مكانها الطبيعي، بين إخوانها"، وأن سوريا "جزء من الحضن العرب"، وأن "استعادة العلاقات الطبيعية مع العرب"، أخذت مسارها، وذلك بعد أعوام من التوتر والاضطراب.
في ذلك التوقيت مثّل حضور الشرع القمة العربية "الدقيقة والمصيرية" في توقيتها وموضوعها، امتداداً لحراك دبلوماسي وسياسي مكثف على المستوى العربي شهدته دمشق منذ إطاحة نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ تبدلت البوصلة وتغيرت "أوجه" الضيوف القادمين إلى "قصر الشعب"، وحتى على صعيد الزيارات الخارجية لحكام البلاد الجدد، حيث جاءت محطاتها الأولى الخارجية عربية، مما عكس أن سوريا قد بدأت بالفعل خطوات عودتها الجادة إلى "محيطها وفضائها العربي" الذي كان قد تضرر كثيراً منذ اشتعال الانتفاضة ضد حكم الأسد في عام 2011، وارتكاز الأخير الكامل حينها على الحليف الإيراني وأذرعه في المنطقة وعلى رأسهم "حزب الله" اللبناني.
لكن وأمام ما بدا أنه عودة عربية لسوريا، حتى وإن بقيت "حذرة" في بعض جوانبها، بحسب توصيف كثيرين، اصطدم ذلك التوجه بتصاعد النفوذين التركي والإسرائيلي، إذ دعمت أنقرة بشكل قوي مسار إطاحة نظام الأسد في الأسابيع الأخيرة من حكمه، وعززت من مواقع الحكام الجدد لحسابات "سياسية واستراتيجية" بالنسبة إليها، في ما استغلت تل أبيب الفوضى التي أعقبت تلك اللحظة لتوسيع تحركها الجيوسياسي تمثل في تدمير البني التحتية العسكرية في البلاد، واحتلال أجزاء ليست بالصغيرة من الجنوب السوري معلنة اعتزامها البقاء بها لفترة غير محدودة، مما يدفع للتساؤل مع مرور نحو 100 يوم على تغير قواعد اللعبة والتوازنات في دمشق، في شأن قدرة هذا الزخم العربي في التعاطي مع سوريا الجديدة في إعفائها من ثقل التأثيرات التركية و"المطامع" الإسرائيلية، وما إذا كان العرب يملكون الخيارات في الوقت الراهن لتحجيم مثل هكذا تأثيرات إقليمية قد تكون في كثير من جوانبها "ذات انعكاسات سلبية" على الأمن القومي العربي؟
"تبدل البوصلة وتغير الموازين"
بعدما بقيت الوجهة الخارجية الأولى لسوريا نحو حلفاء الأسد التقليديين في طهران وموسكو، تغيرت الموازين وأشكال التحالفات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية لا سيما في ما يتعلق بدائرتها العربية، إذ لم تتوقف التحركات الدبلوماسية المتبادلة وذلك في ظل زيارات أجراها مسؤولون سوريون واستقبلتها دمشق في محاولة لترميم العلاقات السورية العربية، وبحث آفاق التعاون المشترك، وهو ما توج سريعاً في استضافة السعودية في النصف الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، اجتماعاً دولياً لمناقشة تطورات المشهد السوري، بمشاركة واسعة من دول إقليمية ودولية، لدعم خيارات الشعب السوري فضلاً عن الدفع باتجاه إلغاء العقوبات على سوريا، في تحركات هدفت لإعادة إدماج دمشق ضمن المشهد السياسي العربي والدولي.
وتعزيزاً لذلك التوجه، جاءت الجولة الخارجية الأولى لوزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني إلى كل من السعودية وقطر والإمارات والأردن، وجاءت أيضاً أول زيارة خارجية للرئيس السوري أحمد الشرع إلى السعودية، وذلك بعد أيام قليلة من تعيينه رئيساً للجمهورية للمرحلة الانتقالية.
لكن ورغم أن الانفتاح العربي الكبير على دمشق شابه حذر لدى البعض، على وقع مخاوف في شأن الفراغ الذي قد يخلفه سقوط نظام الأسد واحتمالات أن يقود إلى مزيد من الفوضى والعنف، مما قد يهدد سيادة واستقلال ومستقبل الدولة السورية، وقدرة الإدارة الجديدة على ملأ ذلك الفراغ، فضلاً عن توجهات الحكام الجدد للبلاد الذي يمثلون امتداداً لمشروع "الإسلام السياسي" الذي ترى فيه بعض الدول العربية "خطراً عليها"، فإنه حمل في طياته تحديات وفرصاً للدور العربي في الحال السورية، لا سيما مع تعاظم الأدوار الإقليمية القادمة من أنقرة وتل أبيب، بـ"مشاريعهما المتضادة" في دمشق، التي أثارت مزيداً من القلق، وفق توصيف مراقبين.
يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات هاني سليمان، "عكس التعاطي السياسي والدبلوماسي للإدارة السورية الجديدة تجاه الدول العربية إدراكاً كبيراً لاستراتيجية تلك الدائرة الخارجية بالنسبة إلى الواقع الجديد المعاد تشكيله في البلاد وأهميته في استعادة الأمن والاستقرار بالنسبة إلى الدولة السورية ما بعد سقوط الأسد"، موضحاً في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الزيارات المتبادلة بين دمشق والدول العربية في الأشهر الأولى من عمر النظام السوري الجديد سعت في الأساس للحصول على اعتراف هذه الدول ومحاولة تأمين دعم اقتصادي عاجل يمكنها من تثبيت أركان حكمها، فضلاً عن الاستفادة من ثقل الدول العربية المركزية في تسهيل التواصل مع العواصم الغربية والدفع باتجاه رفع العقوبات المفروضة على البلاد منذ زمن بشار الأسد".
وتابع سليمان، "رغم المعوقات والحذر في بعض الأحيان من جانب دول عربية بعينها في التفاعل مع المشهد السوري الجديد، فإن استعادة سوريا إلى الحضن العربي بعد أعوام من الاضطراب والأزمة، مثّل أهمية قصوى لدى الأطراف العربية والحكومة السورية الجديدة معاً، مما بعث على التفاؤل في شأن مستقبل إدارة البلاد والابتعاد عن التحالف الإيراني"، مشيراً إلى أن الوضع الراهن في سوريا بالنسبة إلى العرب يمثل "فرصة كبيرة لتدشين علاقات أكثر عمقاً وتكاملية"، كما أنه مرتبط "بكيفية تعامل الإدارة السورية الجديدة مع المخاوف العربية"، على حد وصفه.
واحتجاجاً على استخدام دمشق القوة في قمع احتجاجات شعبية اندلعت عام 2011 وسرعان ما تحولت إلى نزاع مدمر، قطعت عديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، كما تم تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وذلك قبل أن تشهد الأعوام الأخيرة عودة تدريجية للعلاقات الثنائية بين حكومة الأسد وعدد من الدول العربية، ظهرت مؤشراتها الأولى في عام 2018، وتوجت في النهاية باستعادة دمشق لمقعدها بالجماعة العربية في عام 2023، في قرار أرجعه وزراء الخارجية العرب في حينه، إلى حرصهم على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل "الأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها أزمات اللجوء وتهريب المخدرات وخطر الإرهاب"، إلا أن حكومة الأسد السابقة بدا أنها اختارت تجميد الصراع من دون التعاون مع العرب في حلحلته.
مشاريع إقليمية "متضادة" و"خطرة"
منذ سقوط الأسد بدا أن مشروعين إقليميين كبيرين يتنافسان في سوريا، مستغلين الفراغ الحادث في البلاد لمصلحة توسيع نفوذهما، تمثل أحدهما بقيادة أنقرة والآخر بقيادة إسرائيل، وذلك في وقت بدأت فيه معادلات القوة والتوازن في الإقليم بالتغير، بعد أكثر من عام على الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة تزامناً مع مواجهة ما سمته "أذرع إيران" في المنطقة.
ففي الحال التركية، كثيراً ما مثلت معضلة المسلحين الأكراد في الجزء الشمالي من سوريا هاجساً لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعهد على إثرها مراراً وتكراراً شن عملية برية في شمال سوريا، بهدف إفراغ المنطقة من المقاتلين المتحالفين مع "حزب العمال الكردستاني"، الذي تعده تركيا والولايات المتحدة منظمة "إرهابية"، فضلاً عن إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين التي تستضيفهم تركيا منذ أعوام الصراع الأولي والتي يتجاوز عددهم وفق تقديرات مختلفة بضعة ملايين من السوريين، ناهيك بالطموحات التركية المستمرة بـ"استعادة الإمبراطورية العثمانية".
وفي تصريح سابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب، قال إن أنقرة "الطرف الفائز" في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد، معتبراً أن تركيا سيكون معها "مفتاح الأحداث" في سوريا الجديدة.
أما عن إسرائيل، فأقدمت الدولة العبرية من اليوم الأول لسقوط بشار الأسد، على تدمير الأصول العسكرية التي كانت تابعة لنظام الأسد، لمنع وقوعها في "أيدي المتشددين" على حد وصفها، فضلاً عن تمركز قواتها العسكرية في المنطقة العازلة التي أقيمت بين البلدين، لضمان التزام كل منهما بمعاهدة فض الاشتباك لعام 1974، وكانت تراقبها قوات أممية تسمى "أندوف"، إضافة إلى السيطرة على أجزاء أخرى، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعاظم التدخل الإسرائيلي في سوريا بتوسيع ضرباتها العسكرية والتعهد بعدم السماح باقتراب أية "قوات سورية" إلى منطقة الحدود معها، فضلاً عن التعهد بحماية أقليات بعينها وعلى رأسهم الدروز، مرجعة تحركها إلى "عدم وجود حكومة حقيقية في سوريا ما بعد الأسد" ومخاوف من تهديد "الجهاديين السنة" لها، وهو ما استنكرته دمشق والدول العربية معاً.
ووفق تقديرات مشروع "بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح" (ACLED)، فمنذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) من عام 2024 الذي شهد سقوط نظام الأسد، شنت إسرائيل هجمات عدة جوية منتظمة على سوريا، أكثر بكثير مقارنة بالهجمات التي شنتها عام 2023 كاملاً، وفي غضون الـ48 ساعة الأولى فقط بعد الإطاحة الأسد، دمرت إسرائيل بين 70 و80 في المئة من القدرات العسكرية الاستراتيجية للنظام السابق، كما ذكرت تقارير سورية وإسرائيلية أن القوات الإسرائيلية، باتت تحتل الآن أعلى قمة في سوريا "جبل الشيخ" وهو موقع استراتيجي يطل على لبنان وسوريا وإسرائيل، وواصل الجيش الإسرائيلي تقدمه بعد القمة، حتى وصل على بعد نحو 25 كيلومتراً (15.5 ميل) من العاصمة السورية.
وأمام هذين المشروعين الإقليميين المتضادين، كان لافتاً خلال الأسابيع الماضية، هيمنة المخاوف المتبادلة التي عكستها الكتابات والتحليلات العبرية والتركية في شأن تحركات كل من أنقرة وتل أبيب في سوريا، إذ رأت تقارير إسرائيلية عدة أن تركيا قد تصبح التهديد الرئيس التالي للدولة العبرية بسبب وجودها المتزايد في سوريا، بعدما تعرض المحور الإيراني لضربات مكثفة خلال العام ونصف الماضيين أضعفت من قواه.
وبحسب صحيفة "إسرائيل هيوم" فإن "النشاط التركي في سوريا هو حجر الزاوية في سياسة أردوغان التوسعية، إذ أقامت أنقرة وجوداً عسكرياً وسياسيا دائماً شمالي سوريا، مما يعزز نفوذها في المنطقة"، مشيرة نقلاً عن تقرير قدمته لجنة "ناغل" الإسرائيلية المتخصصة في قضايا الأمن والدفاع إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقريراً الشهر الماضي، حذرت فيه من أن "إسرائيل قد تواجه تهديداً جديداً ينبثق من سوريا بدعم تركي"، لا سيما إذا أصبحت سوريا "وكيلة لتركيا كجزء من خطة أردوغان لاستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية".
في المقابل، حذرت تحليلات تركية عدة، من أخطار توسع الدور الإسرائيلي في سوريا، معتبرة أن سياسات تل أبيب تسعى لـ"تحقيق أهداف أمنية وجيوسياسية خاصة بها، مما يؤدي إلى وضع قد يعقد تحقيق تركيا لأهدافها في المنطقة المتمثلة في القضاء على التهديدات الإرهابية وتعزيز استقرار حدود تركيا الجنوبية"، مشيرة إلى أن سوريا كثيراً ما كانت "ساحة صراع للقوى الإقليمية والدولية"، حيث تشهد تنافساً مستمراً بين عدة "أطراف ذات نفوذ".
العرب وحدود القدرة على "ضبط المسار"؟
تثير تعقيدات وتشابك التحديات في الحال السورية ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، التي خلفت معها تحولات كبيرة في قواعد اللعبة وموازين القوى والتفاعلات الإقليمية، تساؤلات كبيرة حول قدرة العرب على التعاطي معها وخياراتهم في احتضان الدولة السورية مجدداً ومنع انزلاقها إلى المجهول أو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لا سيما أمام تعاظم أدوار إقليمية "متضادة" تتمثل في مخاوف استبدال المشروع الإيراني بآخر تركي، واتساع "المطامع الإسرائيلية" في جغرافية جارتها الشمالية.
وحول قدرة التعاطي العربي مع الحال السورية، تباينت قراءات وتحليلات المراقبين ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" وذلك إثر التحديات المتعددة التي يعانيها الإقليم في أكثر من ملف وعلى رأسهم الملف الفلسطيني، فضلاً عن انكفاء دول مركزية على مشكلاتها الداخلية.
وبرأي المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة، فإن "حال النظام العربي والعمل العربي المشترك في الوقت الراهن تعاني تفككاً، ولا يمكن الاعتماد عليها بالكامل في أي قضية من القضايا لا سيما مع سرعة واتساع المساحات التي خلقها الفاعلان الإقليميان في قضايا المنطقة" في إشارة إلى الدور التركي والإسرائيلي في الحال السورية.
وأوضح نافعة في حديثه معنا، أن "من يستطيع حماية القضية السورية في الأساس في مواجهة المطامع الإقليمية والخارجية، تصرفات وسلوكيات الإدارة السورية الراهنة، وقدرتها على المواءمة بين أهمية وضرورة الحفاظ على مصالحها الوطنية وإدراكها عوامل النجاح للحفاظ على استقلال واستقرار الوطن"، متابعاً "بالنسبة إلى الدور التركي في سوريا، فما من شك أن هناك مصالح مشتركة بينه وبين الإدارة السورية الجديدة، وأخرى متضاربة وعلى حكام دمشق الجدد أن يدركوا هذه المعادلة".
أما عن الدور الإسرائيلي، فيصفه نافعة بأنه "الأخطر على مستقبل الدولة السورية" موضحاً "مصلحة تل أبيب الكبرى بالنسبة إلى سوريا في أن تبقيها ضعيفة ومقسمة وغير قادرة على تجاوز أزمتها، وأخطر ملف تحاول اللعب به في الأسابيع الأخيرة هو الملف الطائفي لتمزيق النسيج الوطني السوري"، مضيفاً "خلال الفترة الأخيرة أدركت الحكومة السورية هذا التحدي وتحركت باتجاه حلحلته إلا أنه لا يزال أمامها كثير للمضي فيه للحفاظ على نسيجها الوطني من دون نعرات طائفية أو إثنية"، مشيراً إلى الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري الشرع مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية للعمل تحت مظلة الدولة السورية.
ويتابع نافعة، "اتخذت الحكومة السورية خطوات مبشرة في هذا الاتجاه وذلك في مواجهة المخطط الإسرائيلي، إلا أنه علينا إدراك أن البلد لا تزال ممزقة جراء حرب أثرت عليها بصورة كبيرة طوال الأعوام الماضية، ولا تزال هناك كثير من الأخطاء ترتكب، ورغم ذلك تحتاج الإدارة الجديدة إلى عقلية منفتحة وذكية في التعامل مع تحدياتها".
وعن تعاطي العرب مع تلك التحديات، ذكر نافعة، أنه إلى الآن لا تزال هناك تباينات بين الدول العربية المركزية في التعاطي مع سوريا، قائلاً "لا تتعامل الدول العربية مع تطورات المشهد السوري بذات السياسة أو الكيفية، فهناك دول لا تزال متحفظة على الانفتاح وأخرى حذرة، وأخرى مترقبة، وذلك استناداً إلى تاريخ وخلفيات الإدارة السورية الجديدة التي يعدها البعض محط قلق"، مضيفاً "إلا أن الأمر المبشر هو أن هناك إجماعاً عربياً على مساعدة الشعب السوري"، داعياً الدول العربية إلى المساعدة على تشجيع إيجاد دستور ونظام سياسي يستوعب جميع الطوائف السورية من دون إقصاء أو استثناء لأحد.
بدوره يرى مدير المركز العربي للبحوث والدراسات هاني سليمان، أن "الدور والمكون العربي في سوريا يمكن أن يكونا مفتاحاً مهماً في مواجهة الاشتراطات الإسرائيلية والتركية عبر عدة طرق استراتيجية وسياسية أساسية"، مشيراً إلى أنه "خلال الأشهر الماضية بقي التعاطي العربي مع التطورات السورية بطيئاً، لكن التطورات الأخيرة التي طرأت على الساحة السورية ربما توفر مجالاً لصياغة دور عربي جديد يمكن أن يسهم في تجنيب سوريا عواقب أي فوضى محتملة".
ووفق سليمان في حديثه معنا، فإن على الدول العربية "تقديم مزيد من الدعم السياسي والدبلوماسي للدولة السورية، بما يوفر قوة دافعة للعبور من المرحلة الانتقالية وتخفيض حجم التجاذبات الموجودة والضغوط الخارجية الواقعة عليها والتي تعبر من خلال المكون الطائفي والعرقي. وهو ما يعني تحركاً عربياً مكثفاً ودعم مقترح شامل للوضع السياسي بما يتضمنه من المصالحة والعدالة الانتقالية ودعم الاستقرار في اللحظة الصعبة الراهنة"، مشدداً على الحاجة إلى "موازنة الدور العربي، في مواجهة التحركات التركية والإسرائيلية التي لا تخلو من غايات ذاتية واستقطابات ضيقة، في مقابل الدور العربي الذي يسعى إلى الحفاظ على مقدرات الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها ودعم مؤسساتها الوطنية، وقد يسهم الدور العربي في خلق قنوات حوار بين الدول العربية وسوريا لخفض مساحات الانصياع للأهداف التركية، أو التسليم والخضوع للأمر الواقع الإسرائيلي بما لا يحقق السيادة السورية".
ويتابع سليمان أن هناك ضرورة متمثلة في "الاستفادة من الدعم الاقتصادي والاستراتيجي العربي، وخصوصاً في الخدمات والحاجات اللوجيستية وأساسيات الحياة في الداخل السوري، من خلال مساعدات اقتصادية أو تسهيلات أو من خلال استثمارات اقتصادية قد تسهم في تقوية الاقتصاد السوري، مما يقلل من الضعف الذي قد يستغل من قبل القوى الخارجية مثل تركيا أو إسرائيل"، فضلاً عن "تفعيل فكرة التضامن العربي، بما يمكن سوريا من تعزيز موقفها السياسي والاستراتيجي ضد الضغوط الخارجية".
في المقابل، لا يتوقع خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي كيريل سيمينوف، قدرة الأطراف العربية على احتضان سوريا في مواجهة الأدوار التركية والإسرائيلية على المدى القريب، مرجحاً في حديثه معنا "تعاظم الأدوار الإقليمية واحتدام المنافسة مما قد يمثل تحدياً كبيراً أمام سعي الإدارة السورية الجديد على إقرار الأمن والاستقرار إلى البلاد".
ويوضح سيمينوف، ستتوقف قدرة العرب على انتشال سوريا من أزمتها ودعمها في مواجهة الأدوار الإقليمية على "تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وفي البنية التحتية، وحتى في بناء القدرات الأمنية والعسكرية السورية، فضلاً عن مساعدة السوريين على الخروج من قائمة العقوبات والبدء بعصر إعادة الإعمار".