Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولايات المتحدة والرسائل المتبادلة مع إيران عبر اليمن

التصعيد الأخير تريد واشنطن من خلاله تأكيد تحجيم أذرع طهران ودك آخر حصونها

عادت الولايات المتحدة لاستهداف القدرات العسكرية والتسليحية لقوات جماعة الحوثي في اليمن (أ ف ب)

ملخص

القيادة الإيرانية تتعامل مع التطورات العملية العسكرية الأميركية في اليمن بكثير من الحذر والقلق، فهي من جهة لا تريد خسارة هذه الورقة الحيوية والمتبقية في مشروعها الإقليمي، ومن جهة أخرى لا ترغب في فتح باب التصعيد على مصراعيه، لما له من تأثيرات سلبية متعددة المستويات، سواء في إعادة توتير علاقاتها مع محيطها العربي، وتحديداً الخليجي، أو في أن تجد نفسها مجبرة على الدخول مباشرة في هذه المعركة دفاعاً عن واحد من آخر حصون نفوذها الإقليمي.

في الأيام الأخيرة عاد اليمن إلى مركز الاهتمام الدولي والإقليمي ظاهرياً، بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد جماعة الحوثي بإعادة إدراجها على لائحة الجماعات الإرهابية، ثم من خلال التهديد الذي أعلنه زعيم هذه الجماعة عبدالملك بدر الدين الحوثي بالعودة إلى سياسة الحصار البحري للسفن الإسرائيلية نتيجة عودة تل أبيب إلى سياسة الحصار ومنع المساعدات الغذائية عن قطاع غزة.

في البعد العملي، يبدو أن عودة التصعيد على الجبهة اليمنية وبشكل مباشر عودة الاستهداف الأميركي للقدرات العسكرية والتسليحية لقوات جماعة الحوثي في اليمن، ترتبط بشكل مباشر بالتسريبات التي كشف عنها أحد السياسيين الإيرانيين في لقاء مع التلفزيون الرسمي، بما جاء في الرسالة التي وجهها الرئيس الأميركي إلى مرشد النظام، وما تضمنته من شرط واضح يطلب من إيران التخلي عن دعم اليمن أو الجماعات الحوثية في هذا البلد ووقف الدعم العسكري والتسليحي الذي تقدمه لهم، والذي يؤثر في سلامة الملاحة في أحد أهم الممرات البحرية للتجارة العالمية.

وعلى رغم التحول الجوهري الذي أبدته القيادة الإيرانية في التعامل مع الرسالة "الثانية" للرئيس ترمب إلى المرشد الأعلى، والتعامل معها بمستوى من الدبلوماسية والسياسية التي تترك الباب مفتوحاً أمام إشارات إيجابية، تهدف إلى عدم الدفع باتجاه مزيد من التصعيد أو كسر كل الجسور التي قد توصل إلى تفاهمات وحلول لكل الملفات العالقة بين الطرفين، فإن الشروط المسربة التي تشمل إلى جانب اليمن، التخلي عن دعم الأذرع الأخرى، بخاصة في لبنان وحليفها هناك "حزب الله"، تضع إيران ونظامها أمام مرحلة جديدة من التحديات وما تتضمنه من تأثيرات سلبية ومصيرية في مشروعها الاستراتيجي في كل المنطقة.

فالضربات التي لحقت بالمشروع الإيراني على الساحات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، إضافة إلى الصفقة القاسية التي تلقاها بسقوط النظام السوري بقيادة بشار الأسد، أعادت خلط أوراقه، ووضعته في موقف حرج ودقيق، بين محاولة البحث عن آليات تساعده على إعادة ترميم نفوذه الإقليمي، ومحاولة الحفاظ أو الدفاع عن استقرار النظام والسلطة وإبعاد شبح الحرب المباشرة ضده، أو بالحد الأدنى منع تسرب الاضطرابات إلى ساحته الداخلية.

 

 

من هنا تأخذ جغرافيا اليمن أهمية قصوى في المعادلات الإيرانية الجديدة، بما أنه آخر الساحات التي لا تزال تشكل مجالاً حيوياً لنفوذها، فضلاً عن أنه آخر القلاع للدفاع عما تبقى من مشروعها الإقليمي والاستراتيجي، وأن الدفاع عنه والاستمرار في الإمساك بهذه الورقة يشكل آخر الحلقات في الدفاع عن الحدود الإيرانية وعدم نقل المعركة إلى الداخل الإيراني أو تحولها إلى هدف مباشر لأي عملية عسكرية أميركية أو إسرائيلية.

إضافة إلى العوامل السابقة فإن اليمن بموقعه الجغرافي الذي يسمح له بالتحكم بالبحرين العربي والأحمر، وتحكمه في مضيق باب المندب وما يشكله من أهمية في التجارة العالمية وعبور البضائع والطاقة شرقاً وغرباً، يجعل من اليمن والسيطرة عليه وإحكام النفوذ على موقعه الجيواستراتيجي والبعدين السياسي والاقتصادي، يجعله يحظى بأهمية عالية في المشروع الاستراتيجي للنظام الإيراني، الذي يتيح له التحكم بأهم ممرين مائيين في المنطقة وعلى مستوى العالم، هما باب المندب ومضيق هرمز، وما يتيحه له ذلك من إمكانية استخدامهما في التأثير السلبي في عمليات توريد الطاقة العالمية في حال تعرض لأي هجوم أو عملية عسكرية لإطاحته أو محاولة إضعافه أو فرض شروط استسلام عليه.

العمليات العسكرية التي قام بها الحوثيون خلال الأشهر الـ15 الماضية، منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" والحرب في قطاع غزة تحت عنوان "دعم غزة ضد العدوان الإسرائيلي"، وضعت مفهوم "الهيمنة" الأميركية التي تقوم أساساً على سيطرتها المطلقة على البحار، أمام مأزق حقيقي، بخاصة بعد فشل "تحالف الازدهار" الذي شكلته لمواجهة العمليات الحوثية ضد السفن الإسرائيلية أو التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية، وصولاً إلى استهداف القطع البحرية الأميركية في هذه المساحة المائية للبحرين العربي والأحمر، مما سمح للمؤسسة العسكرية الإيرانية ومنظومة السلطة بالحديث عن أفول الهيمنة الأميركية على العالم.

اقرأ المزيد

وعلى رغم هذه الأهمية التي يتمتع بها اليمن في الاستراتيجية الإيرانية، فإن القيادة الإيرانية، سواء المرشد الأعلى أو المؤسسة العسكرية، قرأت بشكل جيد الرسالة الأميركية التي تضمنها قرار الرئيس ترمب ببدء العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثي، لذلك ارتفعت وتيرة الحديث لدى هذه القيادة عن "استقلالية" القرار اليمني، وأن جماعة الحوثي لا تتلقى أي أوامر من إيران، وأن قرار استئناف حظر الملاحة أو استهداف السفن الإسرائيلية أو الرد على الهجوم الأميركي هو قرار يمني مستقل وبناء على تقديراتهم الخاصة.

في المقابل هذه القيادة قرأت جيداً وبوضوح أبعاد الرسالة الأميركية، عندما تحدثت عن استعدادها للرد على أي اعتداء قد تتعرض له الأراضي الإيرانية، وأن ردها سيكون "كاسحاً ومدمراً" ضد القواعد الأميركية في المنطقة والعمق الإسرائيلي، لذا فإن الطريق الأنسب لحل أزمة التصعيد الذي تعيشه المنطقة يمكن تأمينه من خلال الحوار والتفاوض انطلاقاً من مبدأ الاحترام المتبادل والاعتراف بمصالح كل الأطراف.

 

 

لا شك أن القيادة الإيرانية تتعامل مع التطورات العملية العسكرية الأميركية في اليمن بكثير من الحذر والقلق، فهي من جهة لا تريد خسارة هذه الورقة الحيوية والمتبقية في مشروعها الإقليمي، ومن جهة أخرى لا ترغب في فتح باب التصعيد على مصراعيه، لما له من تأثيرات سلبية متعددة المستويات، سواء في إعادة توتير علاقاتها مع محيطها العربي، وتحديداً الخليجي، أو في أن تجد نفسها مجبرة على الدخول مباشرة في هذه المعركة دفاعاً عن واحد من آخر حصون نفوذها الإقليمي، وما يعنيه ذلك من أن تضع نفسها في دائرة الاستهداف الأميركي المباشر، والذي يحمل تهديداً وجودياً للنظام القلق من تداعيات مثل هذه الحرب، بخاصة أن القدرة على المواجهة العسكرية قد لا تعني القدرة على مواجهة التحديات الداخلية التي قد تتحول إلى خطر حقيقي يهدد استمرار النظام وبقائه.

القيادة الإيرانية، التي يبدو أنها استوعبت الأبعاد الاستراتيجية للرسالة الأميركية في اليمن، قد تكون أمام خيارات صعبة في المرحلة المقبلة، تحديداً في ما يتعلق بالجهود التي تبذلها من أجل التخفيف من الشروط الأميركية التي بدأت تتضح في مواقف وتصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية أو من التسريبات التي تنشر عن فحوى رسالة ترمب إلى المرشد الأعلى، وأن هدف حصر التفاوض في الملف النووي والتوصل إلى اتفاق حوله وإنهاء العقوبات الاقتصادية الخانقة قد يكون صعباً، في ظل الرسائل التي تلقيها المقاتلات الأميركية في سماء اليمن، لذا فإن الخيارات المطروحة أمام إيران لن يكون على طهران وقيادتها التعامل معها بسهولة، بخاصة بعد فشل الجهود التي يبذلها النظام من أجل تدوير الزوايا التي تسمح بتخفيف الشروط الأميركية من أجل العودة إلى طاولة التفاوض، ومن ثم سيكون عليها إما الذهاب إلى مواجهة مفتوحة، وتلقي الضربات القاسية، وإعلان النصر في حال نجح النظام في البقاء والاستمرار، أو التسليم انطلاقاً من مبدأ أساس وعقائدي يقول إن "حفظ النظام من أهم الأولويات، حتى وإن كان على حساب بعض العقائد الأيديولوجية".

المزيد من تحلیل