Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الاصطناعي يتيح لك كسب ألفي دولار شهريا بلا عمل

في قمة باريس برزت مخاوف من أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات. تستكشف كاتبة التحقيق ما إذا كان تقديم دخل ثابت للجميع بغض النظر عن عملهم أو وضعهم الاقتصادي من شأنه أن يكون الحل الأنسب في عالم يفتقر إلى الوظائف

توقع إيلون ماسك أننا في المستقبل لن نحتاج إلى العمل إلا إذا شئنا ذلك (غيتي)

ملخص

راتب بلا وظيفة حلم قد يبصر النور في مجتمعات ترجح فيها كفة الذكاء الاصطناعي

أسبوعياً، يدخل في الحساب المصرفي لإلينور أودونوفان مبلغ وقدره 282 جنيهاً استرلينياً (ما يعادل 350 دولاراً أميركياً تقريباً). إلينور التي تبلغ من العمر 27 سنة، فنانة متعددة المجالات، تمارس النحت وتصنع الأفلام وأعمالاً فنية تركيبية تفاعلية، ولكنها لا تتلقى المال المذكور مقابل أعمالها هذه، وليس إعانة حكومية أو هدية من فاعل خير كريم. كذلك لا تتحدد قيمة المال وفق حاجاتها المادية أو ما إذا كانت في حاجة إليه من الأساس، ولا يشترط منها تقديم أي شيء في المقابل. أما كيف تختار إنفاقه، فهذا قرار متروك لها تماماً.

ربما يبدو رائعاً جداً إلى حد عصي على التصديق أن تتلقى مبلغاً ثابتاً من المال كل أسبوع من دون شروط، ولكن أودونوفان واحدة من بين 2000 فنان وعامل في المجال الثقافي يشاركون حالياً في برنامج تجريبي للدخل الأساسي في إيرلندا. في العام الماضي، اختارت الحكومة الإيرلندية عشوائياً فنانين تشكيليين وموسيقيين ومخرجي أفلام وكتاباً وممثلين وراقصين و13 فنان سيرك، من بين أكثر من 8 آلاف متقدم مؤهل للحصول على هذه الأموال أسبوعياً طوال ثلاث سنوات، ومن دون أي مقابل أو التزامات.

بالنسبة إلى أودونوفان التي كانت تعمل سابقاً موظفة استقبال بدوام جزئي، شكلت هذه الفرصة تحولاً إيجابياً كبيراً في حياتها.

تقول أودونوفان "إنها تجربة مدهشة"، مضيفة "أصبحت أخصص وقتاً أكبر لإنجاز أعمالي الفنية. أشعر بالطمأنينة وراحة البال لأنني أعرف أن المال سيبقى في متناولي لثلاث سنوات. وقد تحسنت حالتي النفسية بفضل الأمان الذي يوفره لي الاستقرار المالي. في وسعي أن أتنفس الصعداء بعيداً من الأعباء المالية، والتركيز تماماً على أهدافي وطموحاتي".

في الواقع، يندرج البرنامج الإيرلندي ضمن مئات التجارب المماثلة الجاري العمل عليها حول العالم، ويشكل جزءاً من حركة متنامية تدعو إلى تطبيق ما يسمى "الدخل الأساسي الشامل" (اختصاراً "يو بي آي" UBI)، الذي يقضي بأن يحصل كل فرد في المجتمع على مبلغ مالي ثابت ومنتظم من دون أي شروط أو معايير معينة. خاضت اسكتلندا وويلز كلتاهما تجربتين على نطاق صغير، والآن وصل جمع التبرعات للتجربة الأولى في إنجلترا إلى مراحله النهائية. سيتلقى 30 شخصاً في مدينة جارو في شمال شرقي إنجلترا وحي إيست فينشلي في شمال لندن 1600 جنيه استرليني (نحو 2000 دولار أميركي) شهرياً لدراسة التأثير الذي ستطرحه هذه الخطوة في صحتهم النفسية والجسدية، إضافة إلى معرفة ما إذا كانوا سيختارون العمل  أو لا.

تذكيراً، الدخل الشامل للجميع مفهوم موجود منذ أيام الكاتب والسياسي والقانوني الإنجليزي توماس مور الذي تطرق إليه في كتابه "يوتوبيا" Utopia (المدينة الفاضلة) عام 1516، ولا يزال كثر ينظرون إليه باعتباره مفهوماً راديكالياً، ناهيك بأنه غير قابل للتحقق من الناحية المالية. ويصر المدافعون عن الفكرة، ومن بينهم آندي بورنهام، عمدة مدينة مانشستر، أنها تمثل حلاً عملياً للتحديات التي تواجه العالم المعاصر، وأن من شأنها في النهاية أن تساعد الحكومات في توفير الأموال وخفض الكلف من طريق تقليص المشكلات الاجتماعية.

يقترح النموذج الأكثر شيوعاً الإبقاء على نظام الإعانات مثل المساعدات الخاصة بالإسكان ورعاية الأطفال والإعاقات، إلى جانب تطبيق "الدخل الأساسي الشامل"، وذلك لضمان عدم تأثر أي شخص سلباً. سيحل "الدخل الأساسي الشامل" محل أجزاء من النظام الضريبي، وليس مستبعداً إلغاء الإعفاء الضريبي الشخصي، مما يعني أن السكان سيدفعون ضرائب على إجمالي دخلهم. والفكرة أن الفئات السكانية ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط ستستفيد من "الدخل الأساسي الشامل" على نحو يعوضها عن أي ضرائب إضافية تدفعها، ويتيح لها الحصول على مبلغ أكبر.

ولا يزال الجدل محتدماً حول كيفية تطبيق هذه الممارسة بصورة عملية. يزعم بعض المنتقدين، من بينهم الدكتور لوك مارتينيلي من "جامعة باث" البريطانية، أن تطبيق نهج "الدخل الأساسي الشامل" سيجعل ذوي الدخل المنخفض أسوأ حالاً، إذ سيذهب قدر من الأموال التي تنفق عليهم حالياً إلى أصحاب الدخل المرتفع الذين لا يحتاجون إليها. ويقول آخرون، إن هذا النظام سيزيد فجوة عدم المساواة والفوارق الاجتماعية اتساعاً، إذ سيحصل الأثرياء على أموال أكثر من أي وقت مضى.

ولكن الواضح أن طريقة عملنا أصلاً تتغير بوتيرة سريعة جداً. والسبب الذي يجعل البعض أكثر إلحاحاً على تطبيق مخططات "الدخل الأساسي الشامل" أن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل والوظائف التي نشغلها نحن البشر بات جلياً إلى حد لم يعد ممكناً تجاهله أو التقليل من شأنه. مثلاً، في السنة الأولى منذ إطلاق روبوت الدردشة الشهير "تشات جي بي تي" ChatGPT، فقد 14 في المئة من العمال في الولايات المتحدة وظائفهم لمصلحة "الروبوتات" [المؤتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي]، وفق أحد التقديرات.

وكما حذر قادة التكنولوجيا، من بينهم قطب المال والأعمال إيلون ماسك، فإن أكبر تهديد من الذكاء الاصطناعي لن يأتي على الأرجح من جيش روبوتات تسيطر على العالم، بل من فقدان نحو 300 مليون وظيفة، وفق توقعات مثيرة للقلق كشفت عنها شركة "غولدمان ساكس" المتخصصة بالخدمات المالية والاستثمارية. في الماضي، كانت الأنظمة المؤتمتة مصممة لتحل محل الأعمال التي تحتاج إلى مجهود بدني كبير أو تتطلب التفاعل مع مواد قذرة أو ملوثة أو خطرة. أما الآن، فإنها تستهدف المهن التي يشغلها أفراد الطبقة المتوسطة. وتظل الوظائف ذات المهارات العالية والأجور المرتفعة من قبيل [تلك في مجالات] القانون والمالية والطب الأكثر عرضة للخطر.

اقرأ المزيد

انضم سام ألتمان [الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" التي طورت "تشات جي بي تي"] وغيره من أقطاب التكنولوجيا إلى قادة العالم وأصحاب القرار لمناقشة تأثير الذكاء الاصطناعي على الأمن والاقتصاد والحوكمة في "قمة باريس للذكاء الاصطناعي" Paris AI Summit، في وقت تعلو التحذيرات من أن نماذج الذكاء الاصطناعي قد تتفوق على القدرات البشرية "في المهام كلها تقريباً" خلال سنتين إلى ثلاث سنوات.

للأسف، العواقب على المجتمع ربما تكون كارثية، مما يستدعي إعادة التفكير وعلى نحو عاجل في العقد الاجتماعي الأساسي الذي يحكم [يؤطر] وينظم طريقة عملنا وسبل حصولنا على الدخل. ومع فقدان ملايين الأشخاص وظائفهم، سيتعذر تماماً تمويل الخدمات الحيوية عبر النظام الضريبي، مما سيقود إلى انهيار بنيتنا التحتية الأساسية. يقول ويل سترونج مدير مركز الأبحاث "أوتونومي"، الذي يقف وراء المشروع التجريبي المقترح في مدينة جارو الإنجليزية، إننا نعيش في "عصر الأزمات" وأنه لا مفر من التغيير الجذري.

"سيحتاج مجتمعنا إلى شكل من أشكال الدخل الأساسية في السنوات المقبلة، نظراً إلى الفوضى والتقلبات التي يجلبها معه تغير المناخ، والتحولات التكنولوجية، والتحولات الصناعية التي تنتظرنا"، يقول سترونج.

"ليس نظام الرعاية الاجتماعية المعمول به حالياً فاعلاً أو مجدياً، إذ يقوم على مبدأ العقوبات كوسيلة لضبط سلوك الأفراد فيعاقب أشخاص لا يمتثلون [للقواعد المرعية الإجراء]، وقد ثبت أنه يعود بنتائج عكسية ويفاقم تعقيد المشكلات. من جهة أخرى تشير جميع الأدلة إلى أن الدخل الأساسي سيخفف مباشرة من وطأة الفقر ويعزز رفاهية الملايين من الناس. تبدو الفوائد المحتملة لهذا النظام ضخمة جداً لذا تستحق الاهتمام الكامل"، يضيف سترونج.

والسؤال الأول الذي ربما يتبادر إلى ذهننا عند الحديث عن الحصول على أموال مجانية وغير مشروطة، ما إذا كنا جميعاً سنستسلم للكسل. والحجة القائلة إن "الدخل الأساسي الشامل" من شأنه أن يثبط حافز الناس للعمل، تعد من أبرز النقاط التي يطرحها المعارضون الذين يخشون من أن مجتمعاً مليئاً بأفراد يختارون ترك وظائفهم ربما تسفر عنه تأثيرات سلبية خطرة على الصحة النفسية. ولكن ثمة من أشار إلى احتمالات أكثر إثارة للاهتمام.

قال ماسك أخيراً، إن الوظيفة في المستقبل [ربما لا تكون مجرد وسيلة لكسب المال بل وسيلة] لتحقيق "الرضا الشخصي"، ويبدو أن هذه الفكرة تؤكدها النتائج الأخيرة التي خلصت إليها برامج "الدخل الأساسي الشامل" في مختلف أنحاء العالم.

"عندما يحصل الناس على دخل أساسي، لا يحدث تراجع كبير في العمل المدفوع الأجر"، تقول كليو غودمان، المسؤولة عن برامج الدخل الأساس لدى "أوتونومي"  Autonomy والمؤسسة المشاركة لمبادرة "الحوار حول الدخل الأساسي" The Basic Income Conversation.

والمثير للدهشة أن كلام غودمان صحيح تماماً. مثلاً، في عامي 2017 و2018، حصل أشخاص عاطلون عن العمل في فنلندا على دفعات مالية وصلت إلى نحو 500 جنيه استرليني (نحو 600 دولار أميركي) شهرياً للفرد، ولم تتوقف هذه الأموال حتى في حال حصول المستفيدين على وظيفة لاحقاً. تبين أن الأشخاص الذين يتلقون هذه المدفوعات عملوا بمعدل 78 يوماً في المتوسط بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 وأكتوبر (تشرين الأول) 2018، أي بزيادة قدرها ستة أيام عن الذين يتلقون إعانات البطالة.

كذلك وجدت التجربة أن المشاركين الذين تلقوا دخلاً أساسياً أبلغوا عن تحسن كبير في صحتهم النفسية والعقلية ورفاهيتهم، فضلاً عن زيادة في مستوى ثقتهم بالمستقبل. وكان مرد ذلك إلى عاملين رئيسين، أولاً التخلص من حال عدم اليقين، بمعنى الشعور بالطمأنينة والاستقرار في الحياة اليومية، وثانياً "القدرة على رفض الوظائف غير الآمنة والمنخفضة الأجر"، وفق البروفيسورة هيلينا بلومبيرغ كرول من جامعة هلسنكي في فنلندا، التي تولت الإشراف على دراسة في شأن النتائج.

كذلك منح البرنامج بعض المشاركين "فرصة السعي وراء أحلامهم وعيشها"، ومتابعة العمل الذي يشعرون بشغف تجاهه بدلاً من أن يقبلوا مكرهين العرض الأول المتاح بسبب الحاجة الماسة إلى راتب. مفاد ذلك أنه في عالم لا يشكل فيه المال الدافع الأكثر أهمية، سيختار عدد أكبر من الناس الوظائف على أساس الاستمتاع بها. ومن الوارد أن تغير هذه الحقيقة نظرتنا إلى بعض المهن. مثلاً، ربما يختار مبدع في الرياضيات تدريس هذه المادة العلمية بدلاً من العمل في القطاع المصرفي، مما يرفع مكانة التدريس كمهنة محترمة ومرغوبة، خلافاً للوضع الحالي حيث يرتبط التدريس عادة بالأجر المنخفض، مما يقلل من تقديره مقارنة مع مهن أخرى.

في الولايات المتحدة، كانت النتائج مماثلة. شرعت ولاية ألاسكا في تطبيق إحدى صور "الدخل الأساسي الشامل" منذ عام 1982، إذ يتلقى كل مقيم، من بينهم الأطفال، دفعة سنوية من "صندوق ألاسكا الدائم"، الذي تعتمد إيراداته على عائدات عقود النفط والتعدين. ويتغير المبلغ المدفوع مع تغير أسعار النفط: في 2021 بلغ 1114 دولاراً (نحو 887 جنيهاً استرلينياً)، وارتفع في العام الماضي إلى 3284 دولاراً أميركياً (نحو 2615 جنيهاً استرلينياً).

إيوانا مارينيسكو بروفيسورة في "كلية بنسلفانيا للسياسة الاجتماعية والممارسات"، قالت بعد مراجعة البرنامج، "كانت النتيجة التي وجدناها مذهلة، إذ تبين أن متوسط العمل في ألاسكا لا يختلف في المعدلات عن الولايات المماثلة".

تقول غودمان، "عندما تتحدث إلى مشاركين في البرنامج التجريبي، يوضحون أن الدخل الثابت مكنهم من البحث عن عمل يناسبهم بصورة أفضل على المدى الطويل". كذلك امتلكوا القدرة على التفاوض، ورفض الوظائف التي تتسم بظروف عمل رديئة أو المنخفضة الأجر وغير المستقرة. وكان لدى الآباء والأمهات وقتاً أكبر يمضونه برفقة أطفالهم، فيما تابع الشباب دراستهم لسنوات أطول".

وفي ألاسكا، ترك برنامج "الدخل الأساسي الشامل" تأثيراً إيجاباً على الاقتصاد المحلي، حيث ازدهرت الأعمال التجارية مثل المقاهي والمتاجر، مما أتاح توظيف أعداد أكبر من الموظفين.

وبالعودة إلى إلينور أودونوفان، اختبرت الفنانة هذا التأثير التدريجي للدخل الأساسي الشامل على نطاق مصغر [في حياتها]. وتقول إن حصولها على دخلها الأساسي مكنها من "المساهمة في الاقتصاد الدائري" [بمعنى أنها تستثمر الأموال التي تحصل عليها في المجتمع الفني]. "لقد صنعت فيلمي الأول هذا العام وتمكنت من توظيف فنانين آخرين للعمل معي، لذا أعيد استثمار الأموال في النظام البيئي الفني"، كما تضيف.

وفي المجتمعات الفقيرة، كما الحال في ستوكتون في كاليفورنيا، حيث تلقى 125 شخصاً 500 دولار شهرياً، مكنت التجارب المشاركين من تحمل كلف الضرورات الأساسية، مثل الطعام والملابس وفواتير الخدمات العامة [مثل الكهرباء والماء والغاز والإنترنت...].

وأظهرت دراسة امتدت بين فبراير (شباط) 2019 وفبراير 2020، ارتفاع معدل التوظيف بدوام كامل بين المجموعة التجريبية في ستوكتون، كذلك تحسنت صحتهم المالية والجسدية والعاطفية. قالت لورا بلامر إحدى المشاركات في التجربة وجدة لتسعة أولاد، "قبل ذلك، كنت أدفع كثيراً من الفواتير، ولم أكن أعرف كيف سأسد رمقي. الآن، التقطت أنفاسي [أشعر براحة وطمأنينة]. التخلص من هذا القلق لا يحسن نوعية الحياة فحسب، بل يتيح للناس أيضاً تقييم خياراتهم بهدوء أكبر".

وفي أونتاريو بكندا، ألغيت تجربة كانت تهدف إلى مساعدة 4 آلاف شخص من ذوي الدخل المنخفض، وذلك بعد عام واحد فقط من إطلاقها. ولكن خلال تلك الفترة، أبلغ 74 في المئة من المشاركين عن زيادة في مشاركتهم في الأنشطة البدنية، و83 في المئة عن تحسن في صحتهم النفسية والعقلية، و79 في المئة عن تحسن في رفاهيتهم بصورة عامة.

ولكن أحد الأسئلة الجوهرية التي يثيرها مفهوم "الدخل الأساسي الشامل"، كيف سيؤثر هذا النظام على سلوك الأشخاص المحظوظين بما يكفي لدفع فواتيرهم والعيش براحة مادية ورفاهية؟ إذا كان لدينا ضمان مالي لتغطية حاجاتنا الضرورية، كيف سنحدد خياراتنا وتوجهاتنا الحياتية؟

تقول غودمان، "كثر من الأشخاص الذين نتحدث إليهم يقولون إنهم سيقضون وقتهم بشكل مختلف [في حال حصولهم على هذا الشكل من الدخل]. يذكر عدد كبير منهم أنهم يريدون تقليص ساعات عملهم كي ينصرفوا إلى الاستمتاع بأمور أخرى كثيرة يتمنون لو أن الوقت متاح أكثر للقيام بها، سواء مشروع تجاري يحاولون تأسيسه، أو عائلة يهتمون بها ويرعونها، أو اكتساب مهارات جديدة وتلقي تدريبات في حقول مختلفة بهدف الانتقال إلى مجال مهني آخر أو المشاركة في أنشطة تطوعية لخدمة مجتمعهم المحلي. يحب الناس إعطاء الأولوية وتخصيص الوقت للأمور غير المدفوعة التي تمثل جوهر الحياة".

في 2020، أعلن الملياردير الياباني يوساكو مايزاوا [مؤسس متجر الأزياء الياباني الإلكتروني "زوزو"] في تغريدة أنه سيتبرع بمليار ين ياباني (نحو 7 ملايين جنيه استرليني) لـ1000 متابع عشوائي على "تويتر". وإذ وصف هذه الخطوة بأنها "تجربة اجتماعية جادة"، قال إنه يريد اختبار فرضية الدخل الأساسي. كان على كل متلق أن يملأ استبيانات متابعة حول تأثير المال على حياتهم، وأظهرت النتائج الأولية أن المشاركين كانوا أكثر اهتماماً بإطلاق مشاريع تجارية جديدة بمعدل 3.9 مرة مقارنة بما كانوا عليه سابقاً. كذلك لوحظ انخفاض في معدلات الطلاق، في تراجع من 1.5 في المئة إلى 0.6 في المئة.

إذا كان من المؤكد تقريباً أن "الدخل الأساسي الشامل" سيعزز ريادة الأعمال، فمن المنطقي أيضاً الافتراض بأن الأعمال التطوعية، التي من الصعب قياس تأثيرها بصورة دقيقة، ربما تشهد زيادة بدورها أيضاً. وجد استطلاع "المواطنة" البريطاني لعام 2011/2010 أن "الالتزامات المهنية" كانت إلى حد بعيد المعوق الأكبر أمام المشاركة في العمل التطوعي، مما يشير إلى أن "الدخل الأساسي الشامل" يمكن أن يترك تأثيرات إيجابية كبيرة على العمل التطوعي. ولكن يشار إلى أن بعض نماذج الدخل الأساسي الشامل تتضمن "عقد مساهمة" عاماً، لا بد من توقيعه قبل أن يحصل الأفراد على هذا الشكل من الدخل (مما يعني أنه ليس غير مشروط تماماً).

وواضح أن نجاح أي نظام للدخل الأساسي الشامل، يبقى في الواقع رهناً بوجود عدد كاف من السكان الذين يكسبون دخلاً مرتفعاً بما فيه الكفاية لتمويله من طريق الضرائب المستحقة عليهم.

وتأمل أودونوفان في أن يتحول برنامج "الدخل الأساسي الإيرلندي للفنون" إلى نظام شامل للجميع. وبالنسبة إلى الفنون وحدها، ترى الفنانة أن هذا النظم سيمنحها فوائد محتملة هائلة. وتقول في هذا الصدد، "يتساءل الناس دائماً عن قيمة الفن، لأن القيمة التي يقدمها للمجتمع لا يمكن اختزالها في أرقام. ولكنها تبقى هائلة بلا ريب، و"الدخل الأساسي الشامل" سيفتح باب الازدهار أمام الفنون".

في رأي أودونوفان، حصولها على المنحة المالية [ليس فرصة شخصية فحسب بل] يضع على عاتقها مسؤولية اجتماعية، وقد تجسد هذا الشعور في قرارها الأخير بأن تصبح أمينة سر "براكسيز" Praxis، اتحاد الفنانين الإيرلنديين. "فكرت أنه لدي وقت مدفوع الثمن، فكيف يسعني استغلاله في دعم الفنانين الآخرين؟"، تقول. "تظهر تجارب "الدخل الأساسي الشامل" أن في مستطاعنا العيش بطريقة أكثر تعاونية ومجتمعية والتركيز على المصلحة العامة بدل السعي وراء المكاسب الفردية فحسب".

© The Independent

المزيد من علوم