ملخص
يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً حاسماً في قطاع الذكاء الاصطناعي إذ يعيد كثير من اللاعبين والاستثمارات تشكيل المشهد التنافسي
هناك إجماع متزايد على أن صناعة الذكاء الاصطناعي تقود الثورة التكنولوجية المقبلة، لكن بالنسبة إلى المستثمرين، يظل السؤال الأهم هو ما إذا كانت التوقعات الحالية في الأسواق المالية تعكس مساراً واقعياً للنمو المستقبلي.
حالياً تسيطر أسهم الذكاء الاصطناعي على "وول ستريت" بالكامل، ولا تظهر أي مؤشرات إلى توقفها عام 2025 حتى الآن، وأصبحت معظم أسعار الأسهم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي خارج نطاق قدرة المستثمرين في الولايات المتحدة.
وأنهت سوق الأسهم الأميركية عام 2024 على ملاحظة إيجابية، إذ ارتفع مؤشر (أس أند بي 500) القياسي بنسبة 23.3 في المئة، جاء ذلك بعد ارتفاعه بنسبة 24.2 في المئة عام 2023، لذا ارتفع إجمال المؤشر بنسبة 53.2 في المئة منذ عام 2022، مما جعله واحداً من أفضل فترات السنتين في القرن الـ21، ومن المؤكد أن أسهم التكنولوجيا، بخاصة تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (AI)، كان لها دور كبير في هذا الانتعاش القوي.
وتعزز الأسس القوية لأسهم الشركات التكنولوجية العملاقة، سواء مقارنة ببقية شركات مؤشر "أس أند بي غلوبال" اليوم أو مقارنة بفقاعة التكنولوجيا في العقد الأول من الألفية، فكرة أن سيناريو "اللحاق بالانخفاض" الكبير غير مرجح، فمجموعة "السبعة العظماء" تمتلك سيولة نقدية في موازناتها تبلغ نحو 460 مليار دولار، وفقاً لتقارير أرباحها، ويعكس الفارق الحالي الذي يزيد قليلاً على 10 نقاط أساس على السندات الصادرة عن "أبل" والمستحقة عام 2032 مدى ثقة السوق في جودة الشركة.
وعلى رغم أن العدد الكبير من الشركات ستجد نفسها في مرحلة ما ضمن أحد مجالات الذكاء الاصطناعي أو أكثر، فإن عدداً قليلاً فقط من الشركات العملاقة ينظر إليها اليوم على أنها الرابحة، استناداً إلى توقعات الأرباح الحالية.
شركات جديدة في الذكاء الاصطناعي
قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات، وضاح الطه، لـ"اندبندنت عربية"، إن الذكاء الاصطناعي في تفاعل مستمر، إذ يمكن أن يحقق تطوراً غير محدود، وأشار إلى أن المنافسة محتدمة بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بعد تأسيس شركة "ديب سيك الصينية" التي بدأت تترك بصمتها في قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي.
وأضاف الطه أن هناك جوانب عدة للنقاش، ومن أهمها التأثير في سوق العمل، إذ سيستغنى عن آلاف الوظائف في مجالات معينة مثل اللوجيستيات والنقل والتخزين، في حين أثار الموضوع الثاني حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، الذي نوقش أخيراً في باريس، تأكيد ضرورة وضع حدود للطموحات اللامتناهية للجهات الفاعلة في هذا القطاع.
وأوضح الطه أن هناك وجهتي نظر حول هذا الموضوع، الأولى ترى أن وضع محددات أخلاقية قد يعوق الابتكار، بينما الثانية ترى ضرورة وجود حدود لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وأضاف أن أوروبا تميل إلى الاتجاه الثاني، بينما الولايات المتحدة وبريطانيا تميلان إلى الاتجاه الأول الذي يشير إلى "عدم وجود حدود"، وعلى رغم أن الذكاء الاصطناعي يشكل مستقبلاً واعداً للبشرية، فإنه يحمل أيضاً أخطاراً في حال إساءة استخدامه.
من الناحية الاستثمارية، ذكر الطه أن هناك تركيزاً كبيراً من الصناديق والمحافظ والأفراد على الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي، لكنه أشار إلى أنه بسبب الطبيعة المتطورة للذكاء الاصطناعي، قد تظهر شركات جديدة من الصفر، مما قد يؤثر سلباً في القيم السوقية أو في أسعار الشركات القائمة، ومن ثم ينصح المستثمرين في قطاع الذكاء الاصطناعي بالتفكير في تنويع استثماراتهم بين الشركات المختلفة في هذا المجال.
إنفاق أكثر من تريليون دولار بحلول 2027
ووفقاً لبيانات (أس أند بي غلوبال) يتوقع أن ينفق خمسة من عمالقة الذكاء الاصطناعي أكثر من تريليون دولار من النفقات الرأسمالية مجتمعة بين عامي 2024 و2027، مما يؤدي بدوره إلى توقعات ضخمة للإيرادات في قطاع أجهزة الذكاء الاصطناعي، وتعد شركة "إنفيديا" المستفيد الأكبر، استناداً إلى النتائج القوية التي حققتها الشركة في السنة المالية 2025 حتى الآن، فالتوقعات تشير إلى ارتفاع إيرادات مراكز البيانات بنسبة 141 في المئة إلى 114 مليار دولار في السنة المالية 2025، وتتوقع الشركة نمواً بنسبة 55 في المئة في السنة المالية 2026 إلى 177 مليار دولار، ونمواً بنسبة 20 في المئة إلى 213 مليار دولار في السنة المالية 2027، ونمواً بنسبة 13 في المئة إلى 240 مليار دولار في السنة المالية 2028، مما يؤدي إلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 23 في المئة للأعوام الثلاثة التالية.
وفي ضوء التطورات الأخيرة يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً حاسماً في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ يعيد كثير من اللاعبين والاستثمارات تشكيل المشهد التنافسي.
ومع تطور الأحداث، من المتوقع أن تستمر الشركات التي تتمتع بالقيمة العالية والنمو السريع والزخم الكبير في قيادة السوق عام 2025، وفي رصد لتحليل أفضل أسهم الذكاء الاصطناعي في فبراير (شباط) 2025 تصدرت "إنفيديا" و"مايكروسوفت" و"ألفابيت" و"أمازون" و"ميتا" و"بايدو"، وينصح المحللون المستثمرين بمراقبة هذه الشركات من كثب، إذ يستمر الذكاء الاصطناعي في إحداث تغييرات في الأسواق وتحويل الصناعات، مع الإشارة إلى أن السباق نحو الهيمنة على الذكاء الاصطناعي لم ينته بعد، ومن المحتمل أن يكون عام 2025 عاماً محورياً في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي والأسهم المرتبطة بها.
ارتفاع شهية المستثمرين لأسهم الذكاء الاصطناعي
من جانبه تحدث المحلل المصرفي، حسن الريس، عن الذكاء الاصطناعي، قائلاً إنه نظام حاسوبي قادر على أداء المهام التي عادة ما يفعلها البشر، مشيراً إلى أن أحد الأمثلة على ذلك هو السيارات الذاتية القيادة، وأضاف أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "تشات جي بي تي" و"ديب سيك" من أبرز الأمثلة الحديثة في هذا المجال، وأوضح أن الشركات التي تقف وراء هذه التقنيات هي شركات تكنولوجيا المعلومات التي أصبح كثير منها شركات مدرجة في الأسواق المالية، يجرى تداول أسهمها علناً، مما يجعلها تجذب كثيراً من المستثمرين، سواء الأفراد أو المؤسسات.
ويضيف الريس أن اهتمامات صناعة الذكاء الاصطناعي حالياً تتركز على مجالات مثل السيارات والمالية والصحة، إذ يمكن لهذه التكنولوجيا أن تسهم في تطوير عديد من المهام، ومع ذلك هناك بعض القيود على هذه الوظائف بسبب غياب اللوائح والتنظيمات المناسبة، فعلى سبيل المثال، يتساءل الريس "ماذا سيحدث إذا تعرضت سيارة ذاتية القيادة لحادثة مع سيارة يقودها شخص؟ كيف سيجرى التأمين على ذلك؟ أو كيف ستشرف القوانين على هذا النوع من الحوادث؟".
ويوضح المحلل المصرفي بالقول "على رغم هذه التحديات فلا تزال شهية المستثمرين مرتفعة لهذا القطاع، إذ تواصل الشركات تقليص الكلفة، ويعد الذكاء الاصطناعي أحد الأولويات الرئيسة في هذا المجال، علاوة على ذلك تولي الحكومات في جميع أنحاء العالم اهتماماً كبيراً للحفاظ على هذه التكنولوجيا وحمايتها من المنافسة أو الأنشطة غير المرغوب فيها."
وقال الريس إن الشهية المرتفعة للمستثمرين دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التوقيع على أمر تنفيذي بإنشاء صندوق سيادي أميركي يركز على الاستثمار في هذه الأنواع من التقنيات، ومن المتوقع أن يظهر هذا الصندوق عام 2026، إذ ستتمكن الحكومة الأميركية من تخصيص نحو 40 في المئة من الموازنة الحكومية الناتجة من تخفيضات في الإنفاق للاستثمار وسيكون الذكاء الاصطناعي جزءاً من هذا الاستثمار.
وأضاف "باختصار، يعد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي فكرة صائبة، شريطة أن يكون المستثمرون مستعدين للاستثمار على المدى الطويل بدلاً من القصير، كذلك فإنه يكمل أي نوع من أنواع المحافظ الاستثمارية سواء للأفراد أو المؤسسات".
تقييم الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية
وعلى رغم هيمنة عدد قليل من الشركات العملاقة على قطاع الذكاء الاصطناعي، من غير المرجح أن تستمر الفجوة التقييمية بينها وبين بقية السوق إلى الأبد، ففي حال استطاعت منظومة الذكاء الاصطناعي الأوسع تحقيق إيرادات كافية لتبرير التوقعات المرتفعة للأرباح، فمن المتوقع أن تلحق الشركات الأخرى بركب النمو، أما إذا لم تجد الشركات خارج هذا النطاق فائدة واضحة من هذه التقنيات ولم تكن مستعدة لدفع كلفها، فقد نشهد سيناريو "التراجع اللحاقي" إذ تعود التقييمات إلى مستويات أكثر واقعية.
والخبر الجيد للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا هو أن تبني الذكاء الاصطناعي في تزايد، فعلى سبيل المثال، أظهر الاستطلاع العالمي للذكاء الاصطناعي من "ماكينزي" في وقت سابق من عام 2024، أن نسبة الشركات التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي في وظيفة تجارية واحدة في الأقل قفزت من 55 في المئة عام 2023 إلى 72 في المئة عام 2024، مع زيادة أكبر في نسبة الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وتشير تركيبة مؤشر (أس أند بي غلوبال) إلى مدى أهمية الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، إذ تشكل مجموعة "السبعة العظماء" الآن نحو 35 في المئة من القيمة السوقية للمؤشر، وأسهمت بأكثر من 70 في المئة من العوائد منذ بداية 2023، وفي وقت تتداول فيه بقية الشركات في المؤشر نفسه بمضاعف ربحية آجلة لمدة 12 شهراً تبلغ 19 مرة، تتداول أكبر 10 شركات في المؤشر عند مضاعف 29 مرة.
ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي إلى 243.72 مليار دولار عام 2025، وأن تظهر السوق معدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 27.67 في المئة خلال الفترة من 2025 إلى 2030، مما سيؤدي إلى حجم سوق تبلغ 826.73 مليار دولار بحلول عام 2030. وعلى مستوى العالم سيظل أكبر حجم للسوق في الولايات المتحدة، إذ يتوقع أن يصل إلى 66.21 مليار دولار عام 2025، وفقاً للمنصة الألمانية لجمع البيانات "ستاتيستا".