ملخص
القمة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة "هي قمة مصيرية ومحورية في عمر العمل العربي المشترك" نظراً إلى حساسية الظرف السياسي الذي تمر به القضية الفلسطينية وتعقُّده بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكثر من مرة عزمه المضي في خطته لتهجير سكان القطاع بـ"صورة دائمة أو موقتة" لإعادة إعماره
بعد تأجيلها لـ"استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي" تستضيف القاهرة القمة العربية الطارئة حول غزة غداً الثلاثاء وعينها على تحقيق أقصى إجماع ودعم عربي لخطتها في شأن إعادة إعمار القطاع "المدمر" جراء الحرب الإسرائيلية "من دون تهجير السكان"، وذلك لمواجهة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاضي ببسط السيطرة الأميركية على قطاع غزة لـ"إعادة بنائه وتطويره" بعد تهجير سكانه إلى مصر والأردن، مما أثار موجة من الاستنكار والرفض الفلسطيني والعربي والدولي.
وبينما تترقب الأنظار مخرجات القمة العربية التي ترى فيها القاهرة "مفصلية ومصيرية في عمر العمل العربي المشترك لتشكيل موقف موحد وداعم لموقفها والأردن في رفض التهجير الذي ينذر بتصفية القضية الفلسطينية ويهدد أمنهما القومي بصورة مباشرة"، وفق ما أوضحت مصادر دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية"، يتساءل كثر عن "خيارات" العرب نحو تشكيل "درع واقية" للقاهرة وعمان يمكن من خلالها "إجهاض" الإصرار الأميركي على تنفيذ "مخطط التهجير" وإيصال رسالة قوية في شأن الموضوع ذاته من دون تعريض تحالفهم الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية للخطر.
وتأتي القمة العربية التي ستكون المنبر الأول الذي تُعرض فيه الخطة المصرية "قبل عرضها على الأطراف الخارجية"، بحسب تعبير وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي في وقت يواجه فيه اتفاق إطلاق النار "الهش" في غزة، الذي تم برعاية مصرية - قطرية – أميركية تحديات تنذر بنسفه، وذلك إبان إعلان إسرائيل منع تدفق المساعدات الإنسانية، بعدما أتاحت هدنة لستة أسابيع دخول مواد غذائية وصحية أساسية إلى القطاع، مما عكس أن المحادثات بين الأطراف المتحاربة في شأن تمديد الهدنة والدخول في مرحلتها الثانية بلغت "طريقاً مسدوداً" لتتصاعد المخاوف مجدداً في شأن احتمالات استئناف الأعمال العسكرية مرة أخرى.
قمة "مصيرية ومحورية"
خلال حديث إلى "اندبندنت عربية" ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية أن القمة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة "هي قمة مصيرية ومحورية في عمر العمل العربي المشترك" نظراً إلى حساسية الظرف السياسي الذي تمر به القضية الفلسطينية وتعقُّده بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكثر من مرة عزمه المضي في خطته لتهجير سكان القطاع بـ"صورة دائمة أو موقتة" لإعادة إعماره.
ووفق أحد المصادر الدبلوماسية، "فقد سعت القاهرة طوال الأسابيع الماضية إلى تأكيد حشد الدعم العربي المطلوب لإنجاح خطتها لتكون بديلاً واقعياً وعملياً لخطة ترمب"، مشيراً إلى أن اللقاء العربي "الودي" الذي جمع زعماء الدول الخليجية، إضافة إلى مصر والأردن، في السعودية قبل أيام، شدد على ضرورة التوافق على دعم الجهود المصرية لإعادة إعمار القطاع من دون تهجير سكانه.
ومع إشارة أحد المصادر إلى استمرار وجود بعض "الفجوات" حول عدد من التفاصيل في شأن القضية الفلسطينية، إلا أنه عاد وذكر أن "الموقف العام للقمة العربية سيعكس رغبة الدول للتعاطي مع إدارة الرئيس الأميركي لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وإعادة الإعمار في غزة من دون تهجير السكان، ودعم الجهود المصرية والأردنية في ذلك"، مضيفاً "هناك قناعة وإدراك كبيران بضرورة توحد المواقف العربية أمام مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، خشية تحولها من مجرد فكرة لمشروع واقعي".
وأعلنت مصر أمس الأحد الانتهاء من صياغة خطة إعادة إعمار غزة، مشيرة إلى أنها "لن تعرض على أي طرف أجنبي قبل إقرارها من القمة العربية الطارئة". وقال وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال مؤتمر صحافي مع مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط دوبرافكا شويكا إن "خطة إعادة الإعمار في قطاع غزة قصيرة الأمد من دون حاجة إلى إخراج المواطن الفلسطيني من أرضه، وإنه لا يمكن مشاركة أي طرف في تفاصيل الخطة قبل إقرارها من القادة والرؤساء والزعماء الثلاثاء المقبل".
وأوضح عبدالعاطي أن هذه الخطة "ستحظى بدعم وتمويل دولي لضمان تنفيذها بنجاح"، مضيفاً "سنجري محادثات مكثفة مع الدول المانحة الرئيسة بمجرد اعتماد الخطة في القمة العربية المقبلة".
ومنذ أسابيع تقود القاهرة جهوداً دبلوماسية لصياغة مقترح جاد ومدعوم لإعادة إعمار غزة "من دون تهجير السكان"، وذلك في مواجهة اقتراح الرئيس الأميركي سيطرة بلاده على القطاع وتهجير سكانه إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وأصبح ذلك الملف متصدراً المناقشات الرسمية للمسؤولين المصريين مع نظرائهم العرب وعلى المستوى العالم.
وعلى مدار السنوات الماضية رفض القادة الفلسطينيون أي اقتراح بمغادرة الفلسطينيين قطاع غزة الذي يريدون أن يشكل جزءاً من دولتهم المستقلة، كما رفضت الدول العربية هذا الاقتراح منذ بدء الحرب في غزة.
أدوات عربية لـ"إجهاض" التهجير
وفيما يتطلع كثر، سواء على مستوى المنطقة أو العالم، إلى ما ستتمخض عنه القمة العربية الطارئة في القاهرة، يجمع غالب المراقبين ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" على قدرة العرب على تشكيل موقف تفاوضي صلب مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإنفاذ رغباتهم وتحقيق مصالحهم في مواجهة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة ومشاريعه المناهضة لحقوق الفلسطينيين بشرط توافر الإرادة السياسية لذلك.
يقول وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي، "الموضوع بسيط جداً، توافق العرب خلال قمتهم المرتقبة على رأي واحد من دون الدخول في تفاصيل قد تؤدي إلى إحداث شلل لما هو متوقع من هذه القمة، من شأنه أن يغير المعادلة مع الجانب الأميركي"، موضحاً في حديثه معنا، "من المؤكد أن ما أظهرته طبيعة وسياق المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية أنها مليئة بالتفاصيل والتعقيدات، وأن بعض التفاصيل والاستغراق فيها قد تؤدي على هدم الإجماع على الموقف". ثم يعود فيقول، "لا بد أن تكون هناك إرادة سياسية لحماية القضية الفلسطينية من التصفية، هذا هو الأهم، ولا بد أن يكون ذلك شغلنا الشاغل، رفض التهجير وإعادة إعمار بسواعد الفلسطينيين وبمساندة العرب، هذه أمور بسيطة".
وذكر العرابي أن أبلغ مؤشر إدراك العرب لجدية اللحظة الراهنة من عمر القضية الفلسطينية هو "انعقاد القمة العربية في حد ذاتها"، مشيراً إلى أن الأمر المكمل لها هو "عند صدور قرار بالإجماع مصحوباً بدعم كامل وشامل على المستوى العربي، ووجود إرادة سياسية لتنفيذه، ستختلف الأمور قطعاً"، مشدداً على ضرورة تجنب "الدخول في تفاصيل قد تميع المواقف"، وتأكيد أن "الإدارة الفلسطينية في غزة لا بد أن تكون شأناً فلسطينياً وعربياً".
من جانبه يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، "ما من شك أن العرب لديهم كثير من الأوراق لدعم المواقف المصرية والأردنية في مواجهة خطط ترمب"، موضحاً "أولى هذه الأدوات تكمن في الحشد السياسي والدبلوماسي لتأكيد موقفهم الحاسم والحازم لرفض التهجير لما له من أخطار على رأسها تصفية القضية الفلسطينية، وتهديد الأمن القومي لكل من مصر والأردن، وإنه إذا حدث لن يقتصر على القطاع، بل سيتم استنساخ الأمر في الضفة الغربية لاحقاً، مما يدركه الجميع الآن".
ويتابع شنيكات، "الأداة الثانية هي أن يتمسك العرب بخطتهم البديلة فيما يتعلق بإعمار غزة، والتي تتضمن بصورة أساس إعادة الإعمار من دون تهجير السكان"، معتبراً في حديثه معنا أنه "من دون إعادة الإعمار فإن الفرصة ستصبح مواتية لأن يتحول التهجير إلى أمر واقع، بمعنى آخر، فإن عملية إعادة الإعمار هي الحافز الأساس والعامل الرئيس لمنع سيناريوهات التهجير، إذ يعوق حال القطاع الآن المدمر بالكامل وكل بنتيه التحتية على جميع المستويات، أية مظاهر ممكنة للحياة، ومن ثم على العرب تسريع الإعمار لدعم صمود الفلسطينيين".
ويمضي شنيكات بقوله، "لم يبالغ الأمر في القول إن القضية الفلسطينية تمتلك فرصة ذهبية الآن بالنسبة إلى العرب، والمتمثل في إنجاز المسار السياسي المتعطل منذ عقود"، موضحاً "إذا توفرت الإرادة السياسية يمكن للعرب أن يفكروا بصورة شاملة هذه المرة بدلاً من الاقتصار على التعاطي مع أزمة غزة". ويضيف، "يمتلك العرب من الإمكانات والقدرات، وحتى على مستوى التفاوض مع ترمب الذي يفضل خيار الصفقات، ما يمكنهم من طرح تصور شامل لحل القضية الفلسطينية، على اعتبارها السبيل الوحيد لأمن واستقرار المنطقة، الذي لن يتحقق باستمرار المماطلة في انتهاك حقوق الفلسطينيين".
ويوضح رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، "إذا نظرنا إلى الصراع العربي - الإسرائيلي أو الفلسطيني - الإسرائيلي نجد أننا نعيش حلقات غير منتهية منه، ستبقى مستمرة ومتواصلة إذا لم تحل بما يحفظ للفلسطينيين حقوقهم في دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية، وعليه فإن الدول العربية الفاعلة في الإقليم عليها أن تسرع في إيجاد حل عادل لهذه المسألة ضمن صفقة كبرى على مستوى الإقليم، والتي يجب أن تتضمن صراحة دولة فلسطينية"، وعلى الدول العربية أن توضح أن هذا هو "المسار الوحيد للحل ولا بديل عنه"، وأنه لا مجال "للتعايش مع السلوك الإسرائيلي المستمر تجاه القضية الفلسطينية وبعض الدول العربية الذي ينذر على طول الخط باحتمالات تفجر الأوضاع".
بدوره يقول المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية السفير عزت سعد، "إن الآلية الرئيسة التي يمكن أن يوفرها العرب من خلال القمة الطارئة هي أن يكون موقفها يعكس من الحزم والتصميم على رفض أية مخططات للتهجير، واتخاذ خطوات فعلية على الأرض لدعم صمود الشعب الفلسطيني"، موضحاً أن هذا الأمر "يحتاج إلى جهد كبير من الدول الفاعلة لإدارة ذلك الملف بذكاء وشجاعة مع إدارة الرئيس ترمب من دون الانزلاق في خطر المواجهة وتوتر العلاقات".
وبينما لا يخفي سعد "قلة تفاؤله" في شأن مخرجات القمة العربية بعدما عكست الترتيب لها بعض المؤشرات المقلقة، لا سيما تأجيلها، بعدما كانت مقررة في الـ27 من فبراير (شباط) الماضي إلى الموعد الجديد الرابع من مارس (آذار) الجاري لـ"استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي لها"، وفق تعبير وزارة الخارجية المصرية، إلا أنه عاد وأكد أن "الفرصة تبقى قائمة لدى العرب حال قدرتهم على تشكيل موقف موحد وتوافر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك".
مصالح واشنطن
ويمضي سعد في حديثه قائلاً "عن النظر إلى الأوضاع في غزة الآن وما يحاك بها فإنه ينبغي على الجميع أن يدرك أنها لم تعد تحتمل أي تأخير في سرعة التعاطي معها"، مدللاً على ذلك بالقول، "في أعقاب إعلان الرئيس ترمب لخطته القاضية بتهجير سكان غزة للمرة الأولى في الـ25 من يناير (كانون الثاني) الماضي وإصراره عليها في أكثر من مناسبة لاحقة، تعاطت الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل بجدية مع ذلك المقترح، وبدأت في التأسيس عليه، وذلك مع إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية تشكيل لجنة لتتولي تلك المسألة والتسريع فيها".
ويشدد سعد على أننا "في موقف ينبغي فيه الحديث بوضوح مع الإدارة الأميركية وإرسال رسائل واضحة بأن الدعم الأميركي غير المتناهي لإسرائيل على حساب المصالح العربية يضع مصالح واشنطن في الدول العربية في خطر، وعليها إعادة النظر في ذلك".
ويعد مقترح ترمب في شأن تهجير الفلسطينيين من غزة الأكثر تطرفاً في الموقف الأميركي الراسخ تجاه إسرائيل والفلسطينيين في التاريخ الحديث للصراع، وحتى منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 وحرب عام 1967 التي شهدت بداية الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي، بما في ذلك قطاع غزة.
وتلاقى مقترح ترمب الذي يمثل تحدياً للقانون الدولي مع رغبة اليمين المتطرف في إسرائيل الساعية إلى طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة وتوسيع المستوطنات اليهودية مكانها، ومنذ هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واندلاع الحرب في غزة طالبت هذه الجماعات التي كان قادتها جزءاً من ائتلاف نتنياهو الحاكم باستمرار الحرب ضد "حماس" إلى أجل غير مسمى، وتعهدوا في النهاية إعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية داخل القطاع.
وفي المقابل تؤيد غالبية دول العالم والمؤسسات الأممية منذ فترة طويلة مقترح وجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها، ويريد الفلسطينيون إقامة دولة مستقلة لهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
وسواء تحققت خطة ترمب لغزة أم لا يبقى حجم وكلفة إعادة إعمار قطاع غزة السؤال الأكبر في معادلة استقرار المنطقة لضخامة الأموال المطلوبة، إذ تقول الأمم المتحدة إن نحو 70 في المئة من مباني غزة دُمِّرت أو تضررت، بما فيها أكثر من 245 ألف وحدة سكنية، فضلاً عن تضرر نحو 70 في المئة من الأراضي الزراعية، في ما يعد الحرب "الحضرية" الأكثر تدميراً في التاريخ الحديث. وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فإنه بعد وقف إطلاق النار في غزة لم يعد الفلسطينيون قادرين على التعرف على أحيائهم، بينما تعجُّ الشوارع بالذخائر غير المنفجرة. وأشارت إلى أن إزالة نحو 50 مليون طن من الحطام الناتج من أشهر من القصف قد تستغرق أكثر من عقد من الزمن. ويقول الخبراء إن إعادة بناء غزة تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات، وتقدر الأمم المتحدة أن استعادة اقتصاد القطاع إلى مستويات ما قبل الحرب سيستغرق 350 عاماً.