Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

في يوم المرأة: التنمية الشمولية أكثر استدامة

صحيح أنها لم تحصل بعد على كامل حقوقها إلا أن التغيير الفعلي لا يتم بمجرد تمكين شريحة أو فئة معينة

فتاة صغيرة واقفة بين أحذية نسائية حمراء معروضة على سلّم كرمز للتنديد بالعنف ضد المرأة. تيرانا، ألبانيا (رويترز)

ملخص

حديثنا اليوم عن التنمية الشمولية ليس دعوة إلى الاحتفاء بما تحقق فقط، بل هو تذكير بأن المرأة، على رغم ما جرى تحقيقه من تمكين وتدريب، لم تصل بعد إلى الحصول على كامل حقوقها في مختلف نواحي الحياة وفي المجتمعات والبيئات كافة.

مع بداية موسم الربيع الدافئ في صعيد مصر، وعلى ضفاف النيل الخالد، كانت النساء يجلسن معاً في حلقة من الحوارات والابتسامات، لكنهن لم يكن يتحدثن عن القضايا التقليدية التي يتداولها معظم النساء. بل كن يتحدثن عن كيفية تحسين واقعهن الاقتصادي والاجتماعي بصورة تتجاوز حواجز الفردية إلى آفاق أكبر. هنا في هذه القرى البسيطة من أسوان، تجسد مفهوم مختلف للتنمية، وهو التنمية الشمولية التي لا تكتفي فقط بتمكين المرأة بمعزل عن محيطها، بل تشمل جميع أفراد المجتمع من رجال وشباب لبناء مجتمع أكثر توازناً واستدامة.

يعد هذا النهج حاسماً في تاريخ التنمية في المجتمعات المحلية، إذ يبدأ الجميع في فهم أن التمكين الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تشمل الجهود كل الأفراد والأطراف المعنيين في منظومة متكاملة. لم تبق هذه المقاربة مجرد حلم، بل تحققت من خلال استراتيجية واضحة تراعي احتياجات المجتمع ككل، وتعزز تكامل الجهود بين مختلف الأطراف.

 

التنمية الشمولية: مفهوم يعيد تشكيل المستقبل

التنمية الشمولية هي منهج يهدف إلى تحسين حياة الأفراد والمجتمعات من خلال تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي مستدام وشامل، ويركز هذا النهج على تمكين أفراد المجتمع كافة، بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الخلفية الاجتماعية، مع تأكيد تعزيز العدالة والمساواة. نشأ المصطلح في السبعينيات من القرن الـ20 إذ بدأ استخدامه في سياق استراتيجيات التنمية التي تدمج الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر الأمم المتحدة التنمية الشمولية جزءاً من أهدافها الإنمائية، وبخاصة في إطار "أهداف التنمية المستدامة 2030"، التي تركز على القضاء على الفقر وتحقيق المساواة بين الجنسين وضمان بيئة مستدامة للجميع، كما اعتمد عدد من المنظمات الدولية هذا النهج كإطار عمل لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة عالمياً.

تعني المساواة في الفرص أن كل فرد يجب أن يمتلك الفرصة للوصول إلى التعليم الجيد والعمل اللائق والخدمات الصحية، مما يسهم في تعزيز قدراته الشخصية والاقتصادية، وتشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الدول التي تضمن فرصاً متساوية للجميع تحقق نتائج اقتصادية أفضل على المدى الطويل.

أما التوزيع العادل للموارد فيعني أن التنمية لا تقتصر على فئة معينة، بل تشمل جميع أفراد المجتمع. يشمل ذلك توزيع الموارد الاقتصادية، مثل فرص العمل والتمويل، بصورة تعزز التوازن بين المناطق الريفية والحضرية. ووفقاً للبنك الدولي، فإن هذا التوزيع يسهم في تحقيق نمو مستدام ويعزز من استقرار المجتمعات.

وإذا كان تمكين المرأة يعتبر أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة، فإن النجاح لا يتحقق بمجرد دعم النساء فقط، بل يتطلب إشراك المجتمع بكامل أفراده في عملية التغيير. فالتنمية الشمولية ليست مجرد عبارة تحمل أبعاداً اقتصادية أو اجتماعية فحسب، بل هي فلسفة تجمع بين الجوانب الصحية والتعليمية والاقتصادية والبيئية لتضمن استدامة التحولات عبر الأجيال.

وأثبتت تجربة مؤسسة "أم حبيبة" في هذا الصدد أن النمو لا يكون فعالاً إلا إذا شمل مختلف الفئات المجتمعية: النساء والشباب والأطفال والرجال. ففي تجربة فريدة من نوعها، تأخذ مؤسسة "أم حبيبة"، العضو في "شبكة الآغا خان للتنمية"، على عاتقها تنفيذ مشاريع تنموية متكاملة، تسعى إلى تمكين مختلف فئات المجتمع في أسوان، ومن خلال برامج تتبنى التعليم المستمر، وتعزز من الشراكات مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، تضمن المؤسسة أن تكون جهود التنمية متكاملة وعميقة.

تخبرني المديرة العامة لمؤسسة "أم حبيبة" حنان الجندي أن "التنمية الشمولية هي أساس عملنا في المؤسسة، "لا يمكننا الحديث عن تقدم إذا لم نضع نصب أعيننا أن كل فرد في المجتمع يجب أن يكون جزءاً من هذا التغيير. نحن لا نعمل من أجل تمكين المرأة فقط، بل نركز على بناء مجتمع كامل يسهم فيه الجميع في تحقيق التنمية المستدامة، ويضمن أن لا أحد يترك خلف الركب".

تمكين الجميع لبناء مجتمع مستدام

منذ عام 1991، بدأت مؤسسة "أم حبيبة" في تنفيذ مشاريعها في أسوان لتلبية حاجات الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً، ولكن من خلال نهج لا يقتصر على الفرد بل يشمل المجتمع ككل. كما تروي الجندي "منذ انضمامي إلى المؤسسة في عام 2022، كان هدفي أن نؤسس منهجاً تنموياً شمولياً، بحيث لا تقتصر الخدمات على فئة معينة، بل تشمل جميع أفراد المجتمع، مع تركيز خاص على النساء. فعلى رغم أن النساء يشكلن نصف المجتمع، فإن دورهن يمتد ليشمل قيادة المجتمع وضمان أسس التنمية المستدامة". وتجسد هذا النهج الشمولي من خلال عدد من البرامج والمشاريع التي طبقت على أرض الواقع، إذ كان كل مشروع يهدف إلى تحسين جودة حياة المجتمع بصورة عامة. من خلال التعاون مع المؤسسات الحكومية، مثل وزارة التضامن الاجتماعي ومحافظة أسوان، ومع جهات أخرى مثل الجامعات، وتحقق تكامل جهود التنمية، وتم تفعيل شراكات مثمرة.

المرأة والشباب: أساس التنمية

في قلب استراتيجية مؤسسة "أم حبيبة"، تكمن مقاربة شاملة تركز على تمكين المرأة ليس فقط من خلال التعليم والتدريب المهني، بل من خلال تحسين صحتها وجودة الحياة داخل منزلها. وهو نهج يعكس عمق الفهم بأن تمكين المرأة لا يتوقف عند حدود المعرفة الأكاديمية أو التدريب على المهارات فقط، بل يشمل جميع جوانب حياتها اليومية التي تؤثر بصورة مباشرة في قدرتها على المساهمة في المجتمع بصورة فعالة. ففي هذا الإطار، كان البرنامج الصحي والتغذوي جزءاً أساسياً من المبادرات التي تقدمها المؤسسة لضمان تحسين صحة المرأة وحمايتها من الأمراض، إذ يجري توفير الرعاية الصحية الأولية والتوعية الغذائية لضمان قدرتها على أداء دورها في الأسرة والمجتمع بصورة سليمة. كما أن المؤسسة تركز على تعليم المرأة كيفية إدارة الموارد الغذائية بصورة حكيمة، مما ينعكس إيجاباً على صحة أفراد أسرتها وبالتالي على جودة الحياة بصورة عامة.

تقول المديرة العامة لمؤسسة "أم حبيبة" "يبدأ تمكين المرأة من الصحة والتعليم، إذ نعمل على توفير الرعاية الصحية الأولية والتوعية الغذائية، إضافة إلى تدريب النساء على تطوير مهاراتهن الاقتصادية". يظهر هذا التوجه أن التمكين الفعلي لا يتوقف عند تقديم الفرص التعليمية فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الصحية والاقتصادية، ما يجعل المرأة أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة وتحقيق النجاح في مختلف جوانب حياتها.

كما أن التمكين لا يتوقف عند النساء فقط، ففي إطار نهج التنمية الشمولية الذي تتبناه المؤسسة، يتم تدريب الرجال والشباب أيضاً لضمان تنمية اقتصادية مستدامة تشمل جميع أفراد المجتمع. فالتمكين لا يعني فقط تعزيز دور المرأة، بل يشمل بناء مجتمع متكامل، إذ يكون كل فرد جزءاً من عملية التنمية المستدامة. في هذا السياق، يجري تقديم برامج تدريبية متخصصة في ريادة الأعمال ودعم المشاريع الصغيرة، إذ يحصل الشباب والرجال على المهارات اللازمة لتأسيس مشاريعهم الخاصة وتعزيز قدراتهم الاقتصادية.

من خلال هذه البرامج، تمكنت مؤسسة "أم حبيبة" من إحداث تأثير إيجابي في حياة عديد من الأسر في أسوان. على سبيل المثال، جرى إنشاء برامج تدريبية لتعليم الشباب كيفية إدارة المشاريع الصغيرة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية. وبالتالي لا يقتصر عمل المؤسسة على تحسين الوضع الاقتصادي للأفراد فحسب، بل السعي إلى بناء بيئة اقتصادية أكثر توازناً حيث يتعاون الجميع، من رجال ونساء، في تطوير المجتمع.

من خلال العمل الجماعي والشراكات المثمرة مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، تسهم هذه المشاريع في بناء بيئة اقتصادية أكثر توازناً ورفاهية. على سبيل المثال، التعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي ومحافظة أسوان عزز من فعالية البرامج التنموية التي تنفذها المؤسسة، إذ جرى إنشاء عدد من المشاريع المجتمعية التي تسهم في تحسين سبل العيش للأسر، بخاصة تلك التي تعيش في المناطق الأكثر فقراً.

اقرأ المزيد

التكيف مع التغيرات البيئية وتعزيز الأمن الغذائي

من بين أبرز ملامح التنمية الشمولية التي تتبناها مؤسسة "أم حبيبة"، يأتي التوجه نحو الاستدامة البيئية. ففي الوقت الذي يعاني العالم آثار التغيرات المناخية، تعي المؤسسة أهمية التصدي لهذه الظاهرة من خلال تبني تقنيات زراعية مستدامة، وتشجيع الزراعة العضوية. وقامت المؤسسة بزراعة أكثر من 30 ألف شجرة في مختلف المناطق، وتقديم حلول زراعية مستدامة تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي للأسر.

تقول الجندي "نحن نؤمن أن التنمية لا تكتمل إلا إذا كانت مستدامة بيئياً، لذلك نحن نشجع على تقنيات الزراعة المستدامة، مثل الزراعة المتجددة وزراعة الأسطح وحتى الأشجار الداعمة للبيئة، التي تسهم في الحفاظ على البيئة وفي الوقت نفسه توفر فرص دخل إضافية للعائلات".

كانت لهذا النهج المتكامل نتائج ملموسة، فعلى سبيل المثال استطاعت المؤسسة تدريب أكثر من 6 آلاف شخص في ريادة الأعمال، ورعاية أكثر من 91 شركة ناشئة، كما أسهمت في تحسين سبل العيش لنحو 500 سيدة من خلال إنشاء حدائق منزلية وتحسين المهارات الزراعية، مما أسهم في رفع الدخل الشهري للأسر بنسبة تتجاوز 30 في المئة.

وقد كانت هذه النجاحات نتيجة العمل الجماعي المبني على مبدأ التعاون بين القطاعين الحكومي والمجتمعي، فضلاً عن الدعم المستمر الذي تقدمه مؤسسة "الآغا خان" عبر الشبكة الدولية.

الطريق إلى المستقبل

حديثنا اليوم عن التنمية الشمولية ليس دعوة إلى الاحتفاء بما تحقق فقط، بل هو تذكير بأن المرأة، على رغم ما جرى تحقيقه من تمكين وتدريب، لم تصل بعد إلى الحصول على كامل حقوقها في مختلف نواحي الحياة وفي المجتمعات والبيئات كافة. إن التنمية الشمولية تعني أنه لا يمكننا تحقيق التغيير الفعلي والجاد بمجرد تمكين الأفراد أو فئات معينة. فكما يقول المثل: يد واحدة لا تصفق، بل يجب أن تتضافر الجهود في المجتمعات بأسرها. وفي هذا السياق، يأتي دور التعاون المجتمعي والتكامل بين مختلف الأطراف لتحقيق التنمية المستدامة، إذ إن كل فرد في المجتمع يجب أن يحمل مسؤولية العمل الجماعي. ومن هنا تتجلى أهمية العمل المستمر والمشترك للوصول إلى بيئة تنموية شاملة وعادلة، تضمن مستقبلاً أفضل للجميع.

المزيد من منوعات