ملخص
إزاء تكرار كمائنه التي تستهدف أفراد الأمن العام، وخطاباته المتمردة التي تفوح منها رائحة القتل والانتقام والطائفية، رجح متابعون تلقيه دعماً عسكرياً ومالياً للاستمرار بتمرده وعصيانه حتى أفضى الأمر إلى تأسيسه لما أطلق عليه "درع الساحل"، وهي ميليشيات تضم فلول النظام ممن رفضوا تسليم أسلحتهم وإجراء تسوية مع السلطات الجديدة.
بعضلات بارزة وزي عسكري يقف مصوباً سلاحه الرشاش على رأس أحد المعتقلين الجالسين أرضاً قبل تصفيته، صورة واحدة من مئات الصور التي توثق انتهاكات أحد أكثر مجرمي سوريا تعطشاً للدماء في جيش النظام البائد.
إنه مقداد فتيحة صاحب أول تمرد عسكري بعد سقوط بشار الأسد وهروبه إلى العاصمة الروسية، شخصية أثارت جدلاً بظهوره المتكرر متلذذاً بقتل الأبرياء المدنيين وتصفيتهم خلال سنوات الحرب الماضية، بينما رفض تسليم سلاحه وقاد مجموعة من فلول النظام ممن شابها كثير من التساؤلات حول ارتكابها مجازر بحق المدنيين خلال عقد الصراع الأهلي.
رجل الكمائن الدامية
لم يتردد اسم شخصية موالية منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) كما تردد اسم فتيحة، ففي الوقت الذي انكفأت كل الشخصيات السياسية والحزبية والأمنية والعسكرية عن الظهور، وظلت حبيسة صدمة الخسارة المزرية التي لحقت بجيش كامل لم يصمد أكثر من عشرة أيام، خرج صاحب العضلات المفتولة يتوعد السلطات الجديدة بالثأر مرتدياً وشاحاً أخضر في إحدى هذه الإطلالات، واستمرت حلقات استعراض البطولة هذه حين ظهر ملثماً في الكهوف والحقول وأثناء قيادته المركبات.
وإزاء تكرار كمائنه التي تستهدف أفراد الأمن العام، وخطاباته المتمردة التي تفوح منها رائحة القتل والانتقام والطائفية، رجح متابعون تلقيه دعماً عسكرياً ومالياً للاستمرار بتمرده وعصيانه حتى أفضى الأمر إلى تأسيسه لما أطلق عليه "درع الساحل"، وهي ميليشيات تضم فلول النظام ممن رفضوا تسليم أسلحتهم وإجراء تسوية مع السلطات الجديدة.
يغلب على "أبو جعفر" كما يطلق عليه شخصيته الانفعالية والارتجالية، وهو ما يظهر عبر خطاباته المصورة حتى قبل سقوط النظام في معارك تحرير سوريا، حيث عرف بإطلالات متلاحقة في المعارك التي دارت بين غرفة عمليات "ردع العدوان" والقوات النظامية أثناء تقدم المعارضة نحو مدينة حماة ومنها إلى دمشق.
ولم يكتف بلغة التحدي أثناء ظهوره برفقة مقاتلين مدججين بالسلاح حتى بعد الخسارة المدوية للنظام السابق، بل بدا كقائد مجموعة عسكرية يجر أذيال الخيبة، مستغرباً من سقوط الفرقة "25 مهام خاصة"، وهي الفرقة العسكرية الأكثر تدريباً وتتبع سهيل الحسن الملقب بـ"النمر"، أحد أشهر ضباط الجيش، حيث أدارت وحدته عمليات عسكرية على مدى سنوات طويلة في مواجهة قوات المعارضة والفصائل المتشددة منذ عام 2019 وحتى قبل سقوط النظام.
فلول في الجبال
يتهم ناشطون حقوقيون مقداد بارتكاب انتهاكات وتجاوزات واسعة، وبأن لديه سجلاً أسود أثناء تأدية خدمته كمتطوع في "الحرس الجمهوري"، وهي وحدة مقاتلة معروفة بولائها الشديد لنظام الأسد، كما نسبت إليه عمليات تجارة في المخدرات والبشر مع جرائم تصفية وتعذيب، ووثق هو بنفسه بالصوت والصورة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أعمال التعذيب والتصفية والتمثيل بالجثث وحرق المعتقلين أحياء، وتقدر التقارير الحقوقية أن مئات من الضحايا قضوا على يده.
استمرت هذه الانتهاكات حتى بعد سقوط النظام، حيث تسبب بمصرع عشرات من الأشخاص في قرى اللاذقية، بعضهم من أبناء طائفته الدينية ممن عارضوا أعماله وتصرفاته التي أثرت بشكل سلبي في السلم الأهلي، وتسببت جولاته الافتراضية على وسائل التواصل بتأجيج المشهد والاحتقان الطائفي وتعمد افتعال اشتباكات سريعة وخاطفة ومن ثم الهرب.
إلى ذلك، لاقت تصرفات فتيحة استياء بين القاطنين الآمنين والراغبين في العيش بسلام، لكن مع استمراره بارتكاب انتهاكات وضربات بحق قوى الأمن وأسرهم على مدار ثلاثة أشهر، بات من الضروي استقدام تعزيزات عسكرية واسعة لملاحقته مع فلول النظام البائد.
ويجزم محافظ اللاذقية محمد عثمان، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" بانتقال مجموعات الفلول إلى الجبال والوديان بعد العملية الأمنية الأخيرة. مؤكداً أن ملاحقتهم تحتاج إلى وقت، ومن المتوقع أن ينفذوا أعمالاً تخريبية ليثبتوا للرأي العام أنهم ما زالوا حاضرين.
وكشف تلفزيون سوريا القريب من الحكومة الجديدة عن تواجد مقداد فتيحة بين سوريا ولبنان عبر دراسة التضاريس وجغرافية الأمكنة التي تواجد بها، وتبين أنه يتنقل عبر منطقة حدودية اسمها "حكر الضاهري" يمكن للأشخاص العبور من خلالها عبر قطع نهر بشكل يسير، وهو ما يفسر الدعم الذي يتلقاه بسبب سهولة تنقله، وفي مقابل ذلك يطالب السوريون من كل الطوائف باعتقاله ومحاسبته.
ساحل الجحيم
ويثير مقطعه المصور بعد ظهوره مرتدياً لباساً يشبه لباس أفراد وزارة الدفاع، توجساً من تنفيذ أعمال إجرامية بحق مدنيين، وقد ظهر فتيحة حاملاً سلاحاً حديثاً ومتطوراً أثار انتباه المتابعين، وذكر أحد المتخصصين العسكريين أن "هذا السلاح لا يوجد له مثيل في الجيش السوري"، ما يعطي إشارة إلى دعم جديد يتلقاه.
وعلى رغم تأييد فريق يتبع النظام البائد، لا سيما من العسكريين المطلوبين للعدالة، لمقداد فإن الأوساط الشعبية من مختلف الطوائف في اللاذقية تنبذه لأنه كان سبباً مباشراً في تأجيج معارك جبال الساحل، وأفادت مصادر أهلية بأن المنطقة كانت تعيش حالاً من الأمان، لا سيما أبناء الطائفة العلوية، ولم تسجل أية انتهاكات، لغاية الكمين الغادر الذي نفذه واندلاع أحداث السادس من مارس (آذار)، بل إن النشطاء الحقوقيين يطالبون بالقبض عليه ومحاكمته، بينما يصف مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقداد فتيحة بـ "رجل إرهابي أشعل الفتنة في الساحل بين أبناء الشعب".
وفي تسجيل جديد لمقداد وجه رسالة إلى ما وصفها بـ"حكومة الأمر الواقع" حملت تهديداً بالانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال، واعترف بقتل أكثر من 1000 عنصر من عناصر الأمن العام خلال ساعات بعد الهجوم على قرية الدالي، وأضاف في تسجيل مصور "لقد عجزتم عن مواجهتنا فاتجهتم نحو النساء والأطفال وحرقتم المنازل".
وهدد قائد ميليشيات "درع الساحل" في آخر رسائله المثيرة للجدل، والتي تحمل على الدوام لغة التهديد بوجود عدد كبير من الأسرى لديه، السلطة الجديدة للبلاد في حال عدم انسحاب قواتها من الساحل بأنه سيتعامل بطريقة مختلفة مع الأسرى، مع إدخال مقاتليه بين مقاتلي الجيش والأمن بأسلحة صامتة، بحسب وصفه.