Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من توجه ترمب لفرض تعريفة على الذهب

استمرار ارتفاع أسعار المعدن النفيس وزيادة نقل المخزون من لندن إلى نيويورك

خلال نحو 3 أشهر نقل ما قيمته 61 مليار دولار من سبائك الذهب إلى نيويورك (أ ف ب)

ملخص

ارتفع مخزون الذهب في نيويورك 120 في المئة تقريباً في هذه الفترة، وطالت قوائم انتظار سحب المستثمرين سبائكهم من لندن لنقلها إلى نيويورك.

على رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم يشر من قبل إلى احتمال توسيع حربه التجارية بفرض تعريفة جمركية على واردات بلاده بخلاف السلع والبضائع، فإن الأسواق تتحسب منذ نهاية العام الماضي إلى احتمال أن تفرض الإدارة الأميركية الجديدة تعريفة جمركية على واردات الذهب إلى الولايات المتحدة.

ومع فرض واشنطن تعريفة جمركية 25 في المئة على واردات أميركا من الصلب والألمنيوم، زادت مخاوف الأسواق من احتمال فرض تعريفة ورسوم على معادن أخرى كالذهب والفضة وغيرهما، بل وربما اتجاه إدارة ترمب لفرض رسوم أيضاً على رؤوس الأموال التي تدخل إلى الولايات المتحدة.

هذا ما أسهم إلى حد كبير في استمرار ارتفاع الطلب على الذهب، بوصفه ملاذاً آمناً للثروة من ناحية في ظل الاضطرابات التي سببتها التعريفة الجمركية وتحسباً من ناحية أخرى لاحتمال فرض إدارة ترمب تعريفة جمركية على الذهب الداخل إلى أميركا.

منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 ارتفع الطلب بشدة وبصورة غير مسبوقة على الذهب والفضة مما أدى إلى تجاوز سعر الذهب حاجزاً غير مسبوق بوصول سعر الأوقية إلى ثلاثة آلاف دولار في تعاملات نهاية الأسبوع، أول من أمس الجمعة.

تجدر الإشارة إلى أن الإقبال على المعدن الثمين لم يكن فحسب من قبل المستثمرين والمتعاملين في صناديق تداول الذهب على مؤشرات الأسواق، وإنما أيضاً فيمن يشترون المعدن الحقيقي نفسه.

نقل الذهب لأميركا

تصدرت عناوين الأخبار منتصف فبراير (شباط) الماضي أنباء الطائرات التي تنقل الذهب من لندن إلى نيويورك بكميات كبيرة، وخلال نحو ثلاثة أشهر نقل ما قيمته 61 مليار دولار من سبائك الذهب إلى نيويورك، في محاولة من أصحابها للتحوط في شأن احتمال فرض تعريفة جمركية على واردات الذهب، ونقل معظم ذلك الذهب من لندن، إذ يحتفظ كثر حول العالم بمن فيهم بنوك مركزية بما لديهم من ذهب في خزائنها تحت الأرض أسفل مبنى بنك إنجلترا (البلاد المركزي البريطاني).

وارتفع مخزون الذهب في نيويورك 120 في المئة تقريباً في هذه الفترة، وطالت قوائم انتظار سحب المستثمرين سبائكهم من لندن لنقلها إلى نيويورك.

وتعد بورصة الذهب في لندن أكبر بورصة لتجارة المعدن الثمين في العالم، تليها بورصة "كوميكس" في نيويورك، ومع أن الذهب، خصوصاً في حاله المعدنية الحقيقية، يعد أصلاً لا يدر عائداً استثمارياً، إلا أن الجميع يلجأ إليه في أوقات الاضطراب والأزمات بوصفه مخزناً للقيمة.

زاد الإقبال على الذهب أيضاً في ظل تراجع قيمة الملاذ الآمن الآخر وهو الدولار الأميركي، إذ إن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة أدت إلى هبوط سعر صرف الدولار مع هبوط شديد في مؤشرات الأسهم الأميركية كذلك.

ويحتاج نقل الذهب من لندن لنيويورك إلى مروره بمسابك لتغيير شكله نتيجة اختلاف حجم السبائك بين السوقين عبر الأطلسي، ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تحقيقاً مطولاً في عدد نهاية الأسبوع حول "مثلث تجارة الذهب" مضيفة زيورخ في سويسرا حيث مسابك إعادة تشكيل الذهب اللندني لنقله إلى نيويورك.

وتعتمد بورصة الذهب الأميركية السبائك (وزن 1 كيلوغرام) وهي عبارة عن قوالب في حجم هاتف الموبايل تقريباً، بينما الذهب المخزن في لندن فهو في صور سبائك وزنها 400 أوقية (نحو 12.5 كيلوغرام) وتشبه حجم قالب الطوب.

رحلة الذهب الثلاثية

تبدأ رحلة نقل الذهب بسبب المخاوف من فرض ترمب تعريفة جمركية على وارداته من لندن، يحتفظ معظم المستثمرين في العالم بسبائك الذهب التي يملكونها.

وتوجد تسع خزائن مؤمنة ومحكمة تحت الأرض أسفل مبنى البنك المركزي بوسط لندن، منها تبدأ الرحلة حين يتقدم المستثمر أو البنك المركزي صاحب الذهب بطلب نقله.

ولأن عملية الوصول إلى السبائك وتحميلها تتطلب وقتاً في ظل الطلب الهائل أخيراً أصبحت هناك طوابير انتظار للطلبات تصل إلى أربعة أسابيع.

وبعد الوصول إلى السبائك المحددة في الطلب المقدم يتم تحميلها في سيارات مصفحة حيث تنقل إلى مطار هيثرو لشحنها بالطائرات إلى سويسرا، وتنقل في باطن طائرات الركاب مع حقائب المسافرين، وتقدر كلفة نقل وإعادة التشكيل بما بين ثلاثة وخمسة دولارات للأوقية.

ولأسباب تتعلق بشروط التأمين على الحمولة، لا تحمل أي طائرة أكثر من خمسة أطنان من سبائك الذهب، وفي سويسرا تنقل السبائك إلى مسابك صهر وتنقية الذهب لإعادة تشكيل القوالب الكبيرة إلى قوالب صغيرة وزن (كيلوغرام).

اقرأ المزيد

ويفصل تحقيق الصحيفة تلك العملية من داخل أحد المسابك الكبيرة بجنوب سويسرا، ويقول المدير التنفيذي لمسبك "أرغور – هيرايوس" روبين كولفنباخ إن "أفران المسبك تعمل على مدار 24 ساعة لتلبية الطلب غير المسبوق على إعادة تشكيل الذهب المنقول من لندن إلى نيويورك".

ومع أن هذا الذهب لا يحتاج إلى تنقية من أي شوائب، كما تفعل أفران المسابك مع الذهب الخام أو المشغولات الذهبية، إلا أن إعادة التشكيل تحتاج إلى صهره وصبه في قوالب جديدة.

ورغم قلة الكلفة التشغيلية تلك فإن هناك زيادة في الكلف ناجمة عن الزيادة في "رسوم التأجير"، ففي الفترة التي يتم فيها إعادة التشكيل "تؤجر" المسابك ذلك الذهب.

ونتيجة الطلب الهائل على نقل المخزونات في الأشهر الأخيرة ارتفعت رسوم التأجير تلك،

ومنذ نهاية العام الماضي، يقول كولينباخ إن "الطلب ارتفع على أشغال المسبك، وعادة ما يكون ارتفاع الطلب بقوة لفترة قصيرة لا تستمر أكثر من أسبوع أو أسبوعين، إلا أن ارتفاع الطلب الذي نشهده الآن، والذي استمر أكثر من ثلاثة أشهر، فهو أمر غير معتاد إطلاقاً".

وتعد لندن تاريخياً المكان الأفضل لتخزين سبائك الذهب لأسباب مختلفة، منها الإرث التاريخي لمخازن بنك إنجلترا منذ فترة "قاعدة الذهب" في النظام المالي العالمي حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك أيضاً فارق الكلفة، حيث رسوم تخزين الذهب في لندن أقل كثيراً منها في نيويورك.

ضريبة على رؤوس الأموال

تحتفظ عشرات البنوك المركزية حول العالم، وحتى بنوك تجارية، باحتياطاتها من المعدن الثمين في لندن، ورغم الكمية الهائلة من الذهب تحت البنك المركزي البريطاني، فإن ما تملكه الخزانة البريطانية منه لا يتجاوز نسبة ستة في المئة، والبقية هي لآخرين حول العالم يحتفظون بذهبهم في بريطانيا.

لذا، فإن حمى نقل الذهب من لندن إلى نيويورك ليس وراءها أي مبرر اقتصادي أو مالي للبنوك والمستثمرين سوى الخوف من احتمال فرض الإدارة الأميركية الجديدة تعريفة جمركية على واردات الذهب والفضة وغيرها، وفي ظل عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات إدارة ترمب، تمتد هذه المخاوف الآن إلى المستثمرين في سندات الدين وأسواق المال.

في غضون ذلك، كتبت المعلقة الاقتصادية غيليان تيت مقالاً في "فايننشال تايمز" هذا الأسبوع حول ما إذا كانت الحرب التجارية الأميركية على السلع والبضائع يمكن أن تمتد إلى رؤوس الأموال، صحيح أن انسياب رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة هو السبيل الوحيد لتمويل دينها العام الذي يزيد على 36 تريليون دولار، وأنه من ضروري لاستمرار أعمال كثيرة، حتى إن إيلون ماسك يستفيد من ذلك بانسياب الاستثمارات الصينية إلى شركاته.

وقبل ستة أعوام طرحت عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية تامي بالدوين ونظيرها الجمهوري جوش هولي مشروع قانون في الكونغرس لفرض ضرائب على رؤوس الأموال الأجنبية وتطبيق سياسة "الدولار الضعيف" من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وبدا أن مشروع القانون قد طويت صفحته.

لكن مركز "أميركان كومباس" اليميني المقرب من نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس أعلن الشهر الماضي أن الضريبة على رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في أميركا يمكن أن توفر ما يصل إلى تريليوني دولار، ثم أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً بعنوان "سياسة الاستثمار لأميركا أولاً" تضمن "إعادة النظر في إمكانية تعليق أو إلغاء" معاهدة عام 1984 التي ألغت ضريبة بنسبة 30 في المئة على انسياب الاستثمارات من الصين إلى أميركا.

ومع أن تلك التطورات لم تحتل عناوين الأخبار، إلا أنها زادت من المخاوف الحقيقية لدى المستثمرين حول العالم من احتمال توسع إدارة ترمب في فرض التعريفة الجمركية والرسوم والضرائب ليس على السلع والبضائع فحسب، بل على كل ما يرد إلى الولايات المتحدة من المعادن الثمينة كالذهب والفضة إلى رؤوس الأموال والاستثمارات في أسواق الأسهم والسندات.