ملخص
إزاء ما عدته إسرائيل شبه الوصول إلى باب مغلق، عرضت الأجهزة الأمنية مقترحات على المجلس الوزاري الأمني المصغر، ضمن ما تشمله العودة إلى القتال في غزة وليس الحرب واستمرار مفاوضات الأسرى.
مع تراجع احتمال التوصل إلى صفقة أسرى قريبة أو حدوث اختراق للدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة الأسرى، تعيد الأجهزة الأمنية النظر في سبل التعامل مع قطاع غزة وبلورة خطة جديدة في مركزها العودة إلى القتال بدل الحرب والعمل على منع حركة "حماس" من تعزيز قدراتها وإعادة بناء تنظيمها، وذلك في أعقاب تقارير إسرائيلية تدعي أن الحركة استغلت فترة الهدوء، منذ بداية تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة الأسرى، ونجحت في تعزيز قدراتها العسكرية وتجنيد مئات المقاتلين الجدد إلى صفوفها.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أوعز لوفد المفاوضات الاستعداد لاحتمال استئناف المفاوضات وفقاً للرد على "مقترح ويتكوف" (المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف). واتهمت إسرائيل حركة "حماس" بعرقلة الصفقة لشرطها الإفراج عن أسير يحمل جنسية أميركية وأربع جثث مقابل استمرار وقف النار. وإزاء ما عدته إسرائيل شبه الوصول إلى باب مغلق، عرضت الأجهزة الأمنية مقترحات على المجلس الوزاري الأمني المصغر، ضمن ما تشمله العودة إلى القتال في غزة وليس الحرب واستمرار مفاوضات الأسرى.
وعد مسؤول أمني مقتل الفلسطينيين التسعة في غزة بداية لتنفيذ هذا المقترح الذي نوقش مع مقترحات أخرى، منها حول لبنان وسوريا، حتى ساعة متأخرة من ليل الأحد.
ضربات مكثفة ومحددة
مقترح الأجهزة الأمنية الذي حظي بدعم الكابينت، يشمل تمركز وحدات عسكرية على طول المنطقة الحدودية مع غزة، بينها وحدات مراقبة وهندسة. وبدلاً من توغل الوحدات في عمق القطاع والعودة إلى الحرب، تقوم بتوجيه ضربات مكثفة ومحددة في غزة، لإحباط تحركات من شأنها أن تشكل خطراً على إسرائيل والمناطق الحدودية وأخرى تسهم في تعزيز قدرات "حماس"، وذلك إزاء تقارير أمنية تدعي أن حركة "حماس" تستغل الهدوء منذ بدء وقف إطلاق النار والإفراج عن أسرى لإعادة تنظيم عناصر قتالية متدربة وتعزيز قدراتها العسكرية في مختلف أنحاء قطاع غزة.
خطة الأجهزة الأمنية تضمن عدم ترك القطاع في حال هدوء تتيح للحركة تعزيز قدراتها العسكرية والتنظيمية وأيضاً سيطرتها المدنية على القطاع. حتى هذه اللحظة، وبانتظار تطورات الضغوطات التي تمارسها واشنطن لتحريك ملف الأسرى، يعمل الجيش الإسرائيلي بشكل تدريجي لتنفيذ الخطة. وبحسب مسؤول أمني، في حال عدم التوصل قريباً إلى اتفاق لصفقة الأسرى وفق "مقترح ويتكوف"، الذي يضمن الإفراج عن 10 أسرى في المرحلة الأولى وعدد من الجثث، ستعود إسرائيل إلى تكثيف هجماتها تحت مسمى "القتال"، وليس الحرب. وأضاف المسؤول الأمني أن استمرار الهدوء يشكل الأوكسجين لإعادة إنعاش "حماس" وتقويتها.
"جيش الاحتياط لا يمكنه الصمود"
من جهته، عد غيورا إيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، أن استمرار القتال أو عودة الحرب إلى غزة هي خطوات لن تحقق أهدافها، كما لن يحقق الضغط على "حماس" هدف تقريب صفقة الأسرى. وقال "كانت هناك محاولات عدة لعمليات عسكرية من دون أن تأتي بنتيجة، بل من شأنها تشكيل خطر على حياة المحتجزين. كما أن الوضع على الجبهات الأخرى، والضفة تحديداً، يتطلب تخفيف وحدات من جبهة غزة وليس تكثيف الوحدات العسكرية هناك. وعلى متخذي القرار أن يفهموا أن جيش الاحتياط لا يمكنه الصمود أمام الضغط الممارس عليه. لدينا إشكالية كبيرة معه، وهناك من يتساءل كم سيدفعون ثمن الدخول لحرب من جديد".
أما المنسق السابق للحكومة الإسرائيلية في الضفة إيتان دانغوت، فعد أن المشكلة الحالية بسبب حكومة إسرائيل وكل موضوع الصفقة بيدها. وبحسبه، "يتوجب على الحكومة اتخاذ قرار بتنفيذ الصفقة والإعلان عن وقف الحرب وأيضاً القتال. الوضع الحالي مقلق، ووضع مخطوفينا أكثر قلقاً، وغير مؤكد أن تحقق إسرائيل أهدافها تجاه (حماس)". وأضاف مشدداً "على الحكومة أن تضع إعادة الأسرى، جميع الأسرى، في مركز أهدافها. وتخوفي أن الحكومة غير معنية بتنفيذ الصفقة في هذا الوقت".
أسير حي أم تعزيز قدرات "حماس"؟
من جهة أخرى، وإزاء التقارير الإسرائيلية التي تدعي أن حركة "حماس" أعادت تعزيز قدراتها العسكرية والعملياتية، عد سياسيون أن اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر، ليل السبت، جاء في أعقاب المعضلة غير السهلة التي تواجهها إسرائيل في قرارها تجاه غزة. فالتوقعات تشير إلى أن واشنطن ستضغط باتجاه الإفراج عن أسير يحمل جنسية أميركية وعدد من الجثث مقابل استمرار وقف النار وتكثيف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يضمن إعادة جميع الأسرى. وهذا، بحسب الإسرائيليين، يتطلب مزيداً من الوقت في أعقاب ما كشف عن تعميق الثغرة في المواقف بين "حماس" وإسرائيل، خصوصاً وأن نتنياهو يرفض أي اتفاق نهائي يشمل وقف الحرب. في المقابل، تريد حركة "حماس" أن يشمل الاتفاق وقف الحرب مع ضمانات.
في الأبحاث الأمنية، لم تحسم إسرائيل موقفها بعد، ومنحت فرصة أيام لفحص إمكانية التقدم في المفاوضات وإذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق يضمن عدداً من الأسرى من دون تعهد بوقف الحرب. في الوقت نفسه، تبحث إسرائيل إذا كان يمكن أن تقبل استمرار وقف إطلاق النار واستغلال "حماس" لهذه التهدئة لتعزيز قدراتها مقابل أسير أو أكثر حي. وهو وضع يثير نقاشاً إسرائيلياً حيث ترتفع نسبة الداعين إلى صفقة قريبة. يرى 54 في المئة من الإسرائيليين أنه بعد قضاء أكثر من عام ونصف العام للأسرى في أنفاق غزة مع زيادة الخطر على حياة 24 من بين 59 أسيراً لا يزالون أحياء، يتطلب الأمر وقف الحرب وإعادتهم جميعاً، مهما كان الثمن.
تعديل عقيدة الجيش
قال مسؤول أمني، إنه "لم يتبقَ كثير من الوقت لاتخاذ القرارات، إنها مسألة أيام أو أسابيع فقط، وفي نهايتها سيتم اتخاذ القرار. إذا اختارت إسرائيل العودة إلى القتال البري، فهناك احتمال أن يتعرض المختطفون للأذى وستكون حياتهم في خطر. إضافة إلى ذلك، سيتعين على الجيش الإسرائيلي تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط في وقت يتم فيه دعوتهم من جديد بعد عبء طويل من القتال لمدة عام ونصف العام"، وشدد هذا المسؤول على أن "جنود الاحتياط يريدون أن يعرفوا أنهم يذهبون إلى مثل هذه الحملة فقط عندما لا يكون هناك خيار".
في الوقت نفسه، هناك من يرى أن على إسرائيل عدم إغلاق الباب أمام المفاوضات، ولكن في الوقت نفسه عليها أن تكثف استعداداتها لهجمات على غزة. ويتبنى هذا التوجه رئيس أركان الجيش إيال زامير الذي عد العودة إلى غزة مسألة وقت، فيما كُشف أنه بدأ يمهد لنظام عسكري إسرائيلي في غزة. وبحسب تقرير إسرائيلي قام زامير بتعديل عقيدة وسياسة جيشه خلال الفترة الأخيرة، وأعلن تولي الجيش الإشراف على ملف المساعدات الإنسانية والطعام والمياه، في تمهيد للحكومة العسكرية في قطاع غزة، مع الترويج لخطة ترمب لتهجير الفلسطينيين.
وأبلغ زامير المستوى السياسي بأن الجيش سيتولى، عند الضرورة، مسؤولية توزيع الخبز والماء على سكان غزة، وذلك خلافاً لرفض سابقه، هرتسي هليفي، تولي الجيش توزيع المساعدات الإنسانية.
يعالون يتهم نتنياهو
بينما اتهمت عائلة أحد الأسرى الأحياء في غزة نتنياهو بإهمال الإفراج عن الأسرى، كون معظم من تبقى من اليسار الإسرائيلي، عد وزير الأمن السابق موشيه يعالون، أن عدم التوصل إلى اتفاق يأتي في سياق سياسة نتنياهو في المماطلة وعدم تنفيذ المرحلة الثانية لإرضاء وزير ماليته اليميني بتسلئيل سموتريتش. وقال يعالون عبر حسابه على منصة "إكس"، إن "سموتريتش يريد العودة إلى القتال، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بالمخطوفين، مع التهديد بحل الائتلاف".
وأضاف، أنه يستبعد إمكانية تحمل الأميركيين الاستمرار في الوضع الحالي "وهم يدركون أن الحكومة الإسرائيلية لا ترغب في إطلاق سراح المخطوفين لأسباب سياسية داخلية، وهو ما دفعهم إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس".
العلاقة مع واشنطن
أما مدير عام معهد سياسة الشعب اليهودي الباحث شوكي فريدمان، فعد أن الدعم الذي سبق وأعلنه الرئيس الأميركي تجاه إسرائيل بمثابة "حبة سكر لطيفة"، من الممكن أن تذوب بسرعة. ودعا متخذي القرار في إسرائيل إلى إدراك حقيقة ما يجري من التآكل المستمر في دعم ومساندة إسرائيل جراء سياستها الحربية الأخيرة وعدم بذل الجهود للتجاوب مع المطالب الأميركية، وبينها صفقة الأسرى.
وبرأيه "كلما واصلت حكومات إسرائيل تجاهل التغييرات في الولايات المتحدة، تتعاظم الاحتمالات لأن يصبح الضرر اللاحق بالعلاقات بين الدولتين غير قابل للتراجع، وهو ما يستدعي إسرائيل إلى اتخاذ بعض الخطوات وفي مركزها الحفاظ على العلاقة المتينة مع واشنطن".