ملخص
يعتقد كثير من النقاد أن النصف الأول من شهر رمضان يفتقد ما يمكن تسميته "المسلسل الأول" والأكثر جماهيرية، وحتى الأكثر فنية. وبين حين وآخر تصعد بعض الحلقات، ولكن في الحقيقة لا يوجد مسلسل تجتمع عليه غالبية الفئات بعكس ما حدث خلال الأعوام الماضية، إذ حصدت عدة أعمال الجدل طوال مدة عرضها، لكن بلغة الأرقام يمكننا تفنيد طرق حساب الأعلى متابعة، وادعاءات التفوق لا سيما مع تعدد الوسائل من شركات بحوث المشاهدة مروراً بتقنيات حساب الأكثر بحثاً على "جوجل"، وصولاً إلى لعبة تصدر تريند منصة "إكس"
الوصول إلى قوائم الأعلى مشاهدة هوس رمضاني يتجدد، ومن قبل بدء سباق المسلسلات والبرامج بدأت المنافسة بالفعل والتباهي بالتمكن من قهر "الأخصام" وفقاً لتعبيرات أغنيات الراب، والتمادي بلغ أشده مع وصول الشهر إلى منتصفه، فهذا احتل عرش "يوتيوب" وآخر استحوذ على منصة "إكس" بتغريدات مليونية، وثالث اكتفى بأن يكون الأول عبر قنوات التلفزيون التقليدية، فيما يتناوب على الأكثر بحثاً على "غوغل" عدة أعمال بعينها منذ بداية الشهر، كل هذا في موسم أو نصف موسم بمعنى أدق. وبشهادة النقاد والمتخصصين، يُفتقد وجود مسلسل كبير يحظى بشعبية كاسحة ويكتسب جماهير من كل الطبقات، بالنسبة إلى الدراما التي عرضت خلال الـ15 يوماً الأولى من رمضان.
وفي المقابل، لا تتوقف اتهامات الفبركة والتزييف التي تلاحق بعض المشاهير الذين ينشرون يومياً مؤشرات منصات المشاهدة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث احتفالاً وابتهاجاً بتصدر أعمالهم، سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً، إذ تنتشر تدوينات تحاول تفنيد ما تسميه "ادعاءات الأكثر مشاهدة" وتشكك فيها جملة وتفصيلاً، فما معايير الحسابات في ما يتعلق بنسب المتابعة؟ وهل هناك طرق للقياس متوافرة في البلدان العربية يمكن الجزم بدقتها؟ ولماذا يزعم بعض أن بيع وشراء "التريند" تجارة رمضانية رائجة ورابحة عربياً؟
البحث عن "نمبر وان"
على مدى الأيام الماضية، أعلنت منصة "شاهد" عن قائمة الأعلى مشاهدة لديها وكان أبرزها مسلسلات "أشغال شقة جداً" و"كامل العدد" و"العتاولة" و"إش إش"، في حين كانت المسلسلات الأعلى مشاهدة على منصة "واتش إت" "فهد البطل" و"ولاد الشمس" و"قلبي ومفتاحه" و"الكابتن" و"تقابل حبيب"، وهي مراتب يدعمها محرك "غوغل" لبعض الوقت، إذ إن عدداً من تلك الأعمال تتصدر مؤشرات البحث بين يوم وآخر، مثلها مثل برنامجي "رامز إيلون مصر" و"مدفع رمضان"، والأول يستحوذ على نسب المتابعة بصورة دائمة، سواء في ما يتعلق بالتريند أو المشاهدة الفعلية عبر قنوات "أم بي سي". لكن في ما يتعلق بمنصات المشاهدة الإلكترونية على وجه التحديد، قد يصعد عمل اليوم ثم بعدها يتراجع لمصلحة آخر، فالبورصة متغيرة بحسب التفضيلات ووفقاً لمستوى الحلقات كلما تقدمت الأحداث، فهل تعد هذه المنصات الأكثر دقة في ما يتعلق بالقياس؟
يقول الناقد الفني محمد عبدالرحمن إن المنصات الرسمية تقيس تفضيلات المشاهدين لحظياً، وقوائمها معبرة عن أذواق المشتركين الذين يدفعون أموالاً مقابل الخدمة، من ثم هي تتبدل وفقاً للتفضيلات، لكن في رأيه هناك أنماط مشاهدة إلكترونية متعددة لا يمكن قياسها، لأنها غير خاضعة لأي نهج رسمي، متابعاً "من الصعب، على سبيل المثال، قياس من يشاهدون عبر الإنترنت بطرق أخرى، وكذلك المشاهدات الجماعية على المقاهي وفي التجمعات العائلية، خصوصاً في الأرياف والصعيد".
وفي ما يتعلق بالمشاهدة عبر الإنترنت فهي أيضاً باتت ملغزة، كون هناك أكثر من مستوى للمشاهدة يندرج تحتها، بداية من تحميل الحلقات من المواقع غير الشرعية وهو ما يجري قياسه عبر أداة بحث "غوغل"، ولهذا نجد في الإحصاءات أن معظم عمليات البحث من خارج العاصمة. كذلك هناك من يشاهد عبر "تيليغرام" ومن يشاهد عبر تقنية IPTV، من ثم كل أسلوب مشاهدة سيكون له قائمة تفضيلات مختلفة.
من جهته، يؤكد الباحث الإعلامي والمحاضر في التسويق الإلكتروني والإعلام الرقمي بالجامعة الأميركية فادي رمزي أن هناك صعوبة أيضاً في تقدير الأعلى مشاهدة في ما يتعلق بقنوات التلفزيون، نظراً إلى أن الاستعانة بشركات الأبحاث أمر مكلف للغاية، مشدداً على أن صدقية هذه الجهات أصبحت محل تساؤل خلال الأعوام الأخيرة.
بحوث المشاهدة والتجسس
ما يقوله رمزي يحيل مباشرة إلى الضجة التي حدثت في مصر قبل سنوات عدة بسبب شركة أبحاث وتسويق شهيرة، ووصفت نتائجها من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بأنها مضللة، ومن خلال حملة استمرت طويلاً، اتهمت الشركات من هذا النوع بتزوير أبحاثها والتجسس وتبعيتها لشبكات استخبارات عالمية، مع دعوات مباشرة للمواطنين بالحذر منها وعدم التعامل معها سواء في استطلاعاتها الورقية أو الإلكترونية، بزعم أنها تحصل منهم على تفاصيل دقيقة عن حياتهم وقد تبيعها لجهات مجهولة.
ويذكر أن هناك جهازاً معيناً لالتقاط إشارات المشاهدة يجري تركيبه في أجهزة التلفزيون المنزلية ومرفق به جهاز تحكم من بعد منفصل، ومرتبط أيضاً بقاعدة بيانات لدى هذه الشركات التي تقيس من خلاله القنوات الأعلى مشاهدة وكذلك المواد المعروضة، وأوقات ذروة المشاهدة كذلك وهو جهاز ممنوع تداوله في مصر تماماً.
وعلى هذا الأساس وأسس أخرى، يرى الناقد محمد عبدالرحمن أنه لا يوجد حالياً أية طريقة مثلى لقياس الحجم الحقيقي لمشاهدات الجمهور في مصر، ليس فقط بسبب عدم تداول هذا الجهاز، أو بسبب تضارب المصالح بين الجهات المنتجة ورغبة كل جهة في أن تكون الأولى حسب إحصاءاتها، لكن لأن طرق وصول المتفرجين للمحتوى الدرامي تعددت، ولم تعد الطريقة الوحيدة التي كان يقاس على أساسها حجم المشاهدات وهي المشاهدة عبر جهاز التلفزيون فحسب.
ويوضح عبدالرحمن "في الماضي، كانت الشركات تجري اتصالات بعينات من الجمهور بصورة ثابتة يومياً، لقياس الإقبال على القنوات والمسلسلات في مواعيد المشاهدة التي تتفاوت بين الذروة وعكسها، لكن حتى لو أن هذه الشركات تعمل الآن، فلم تعد نتائجها حاسمة لأسباب عدة، أبرزها أنها تقيس المشاهدة فقط عبر شاشة التلفزيون التقليدية".
فيما كان شائعاً داخل بلدان أخرى أن يذهب مندوب الشركة إلى المنازل ويعرض على أصحابها تركيب الجهاز فترة معينة مقابل أن يحصل أصحاب المنزل على مبلغ مالي لا يتجاوز 50 دولاراً، وذلك وفقاً لعدد الأجهزة التلفزيونية الموجودة بالمنزل.
بورصة شراء التريند
وبالعودة إلى أرقام وترتيبات المسلسلات والبرامج الرمضانية، فقد سخر بعض النجوم من تصريحات زملائهم في هذا الشأن، وبينهم ياسمين عبدالعزيز من خلال عدة تدوينات تندرت فيها من الفوضى العارمة على الساحة في هذا الصدد.
لكن محمد الشواف مؤلف مسلسل "حكيم باشا" لمصطفى شعبان كان لديه تعليق من نوع آخر، إذ كشف بصورة صريحة بأنه عرض عليه أن يشتري التريند ليصعد اسم مسلسله إلى الأكثر تداولاً مقابل 50 ألف جنيه مصري (نحو ألف دولار أميركي)، وهو ما رفضه تماماً.
وبالفعل، منذ أعوام طويلة يُتهم بعض في الوسط الفني باتباع تلك الطريقة لشراء التريند والاستمتاع بنجاح أسطوري مزيف والدفع لبعض الصفحات الشهيرة التي تمتلك ملايين المتابعين على "فيسبوك" و"إنستغرام" من أجل الإشادة بأعمالهم. وفي حين أن الأسعار المعلنة حتى وقت قريب كانت أن شراء التريند العالمي على منصة "إكس" لم يكن يكلف أكثر من 25 ألف جنيه (500 دولار أميركي)، فإنه على ما يبدو أن هناك تسعيرة رمضانية خاصة نظراً إلى أنه الموسم الأبرز لهذه الألاعيب.
ولا يجد المحاضر وأستاذ التسويق الإلكتروني في الجامعة الأميركية بالقاهرة فادي رمزي أية مفاجأة في هذا الكلام، مشيراً إلى أن شراء التريند "أمر معروف منذ أعوام طويلة، وهو إجراء أصبح سهلاً للغاية. فقديماً، كان يحتاج إلى مهارات تقنية كبيرة لإعادة التغريد حول موضوع معين بصورة مستمرة، لكن مع التقدم التكنولوجي وأدوات الذكاء الاصطناعي بات شيئاً يسيراً".
وحاول رمزي حسم الأمر في ما يتعلق بوسائل الكشف عن الأعمال الأكثر تداولاً أو متابعة، منوهاً بأن تريند "غوغل" وعدد مشاهدات "يوتيوب" من الدلالات القاطعة على اهتمام الجماهير بمواد معينة، لكنه أيضاً شدد على أنه لا يجب أبداً الاعتماد على معيار واحد للقياس، لأنه سيؤدي إلى نتائج غير دقيقة.ويؤكد رمزي أنه "يمكن النظر إلى عدد مشاهدات ’يوتيوب‘ إضافة إلى مؤشرات التقارير وعدد أسئلة الناس على ’غوغل‘ كأمور أساس، لكن معها أيضاً يجب تحليل البيانات من خلال طبيعة الكلمات المستخدمة حول العمل على منصات السوشيال ميديا، هل هي سلبية أم إيجابية؟ فالمعايير المختلفة هنا تضمن اكتمال الصورة بصورة أكثر دقة".