Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أي مدى علينا القلق من استخدام البلاستيك في مطابخنا؟

يستخدم معظمنا يومياً هذه المواد خلال إعداد الطعام. ولكن هل علينا جميعاً أن نفكر أكثر في الأخطار الصحية المحتملة التي تنطوي عليها؟

هل علينا أن نقلق في شأن الأدوات البلاستيكية التي نستخدمها في الطبخ يومياً؟ (غيتي)

ملخص

منتجات المطبخ البلاستيكية، خصوصاً أدوات الطهي السوداء، قد تطلق مواد سامة مثل "مثبطات اللهب المبرومة" والميكروبلاستيك عند تعرضها للحرارة، مما يرتبط بمخاطر صحية مثل السرطان والخرف. لتقليل هذه الأخطار، يُنصح باستبدال الأدوات البلاستيكية بأخرى من الفولاذ أو الخشب، وتجنب تسخين الطعام في البلاستيك.

الليلة الماضية، قطعتُ الخضراوات على لوح تقطيع بلاستيكي. وقلبتها بواسطة ملعقة بلاستيكية سوداء أثناء إعدادها على النار في مقلاة غير لاصقة. لاحقاً، وضعت ما بقي من طعام في وعاء بلاستيكي شفاف. تبدو كلها أفعالاً عادية تماماً، أو حتى بسيطة، في أمسية هادئة، أو هكذا تظن. ولكن ماذا لو كان هذا الروتين المسائي المعتاد يدمر صحتي شيئاً فشيئاً؟

طوال الأشهر الماضية، انتشرت أخبار كثيرة وبحوث علمية تنذر بـأخطار محتملة تنطوي عليها المنتجات البلاستيكية البسيطة التي تملأ مطابخنا. الأدوات التي تستخدمها لتحريك طعامك وتقليبه أثناء تسخينه؟ ربما تترك مواد مسرطنة في صلصة المعكرونة. هل تنوي تسخين الصلصة نفسها في وعاء بلاستيكي داخل الميكروويف لوجبة الغداء؟ فكر مجدداً. يبدو أن الأطباء يحذرون من خطر الإصابة بالخرف المرتبط بذلك (أشعر الآن فجأة بأنني أقل رضا واعتزازاً بطهو كميات كبيرة من الطعام). ولا ننسى "المواد الكيماوية المخفية التي لا تنتهي" التي ربما تكون مختبئة في مقلاة قديمة غير لاصقة إنما مخدوشة.

في الحقيقة، تبعث هذه الحقائق على ُقلق كبير. وإذا كانت ستثنيك عن طهي طعامك في المنزل، فأنا اعتذر مقدماً، ذلك أن حاويات الطعام البلاستيكية الجاهزة تشكل أخطاراً محتملة أيضاً. في فبراير (شباط) الماضي، وجدت دراسة أن تناول الطعام منها بكثرة من شأنه أن يفاقم خطر الإصابة بقصور القلب الاحتقاني بنسبة 13 في المئة.

بعد أن مررنا بلحظة من الذعر الوجودي حول كيفية امتلاء مطابخنا بالمخربين غير المرئيين، ما هو أفضل تصرف يمكن أن نتبعه؟ هل نجمع كل أدواتنا السوداء ونتخلص منها، ضاربين بعرض الحائط أي ضرر سيلحق بالبيئة؟ هل نلوذ بالفرار إلى الغابة حيث نعيش حياة تعتمد برمتها على الخشب؟ هل في المتناول أي طريقة معقولة تخفف من هذه الأخطار، علماً أنه من شبه المستحيل تجنبها تماماً؟

على الأرجح، تبقى الأداة الأكثر تعرضاً للانتقاد الآن ملعقة الغرف البلاستيكية السوداء تلك (أو ملعقة السمك، أو الملعقة ذات الثقوب، أو أي أداة مصنوعة من تلك المادة وتستخدم عادة لتقليب طعامك في مقلاة ساخنة أثناء الطهو أو التسخين). فما الذي يجعل هذا النوع من الأدوات على هذه الدرجة من السوء؟ كي نعرف الإجابة، لا بد من أن نلقي نظرة فاحصة على طريقة صنعها.

عموماً، لا تستطيع التكنولوجيا الموجودة في آلات إعادة التدوير تمييز البلاستيك الأسود عن غيره من الأنواع، ذلك أن الأضواء تحت الحمراء التي تستخدمها في عملية فرز المواد تمتصها الصبغة الداكنة، لذا يجد طريقه غالباً إلى مكبات النفايات أو تكون نهايته الحرق. ولكن كما نعرف، الأسود لون شائع في منتجات المطبخ (ربما لأنه يعكس بساطة في الذوق، أو لسهولة تنسيقه مع أغراضك الأخرى). ومع استخدام الشركات المصنعة أعداداً أكبر من المواد المعاد تدويرها في منتجاتها البلاستيكية السوداء، وجدت نفسها في وضع بحيث يفوق الطلب العرض.

 

ولكن الشركات المصنعة تغلبت على هذا النقص عن طريق اللجوء إلى البلاستيك الأسود الناتج من النفايات الإلكترونية، أي التلفزيونات والحواسيب وآلات القهوة، على سبيل المثال لا الحصر. ربما يبدو كل هذا جيداً من الناحية النظرية، بل حتى مبتكراً وصديقاً للبيئة، بيد أنه في الغالب، تتضمن عملية تصنيع تلك الأجهزة مواد كيماوية مقاومة للحريق لمنع احتراقها عند ارتفاع درجة حرارتها. وهذه المواد الكيماوية، المعروفة باسم "مثبطات اللهب المبرومة" (اختصاراً "بي أف آر" BFR)، تترك تأثيراً ساماً في جسم للإنسان؛ فقد وجدت دراسات علاقة بينها وبين ظهور مشكلات في الغدد الصماء والسرطان. وما يزيد الطين بلة، أنه من الصعب على المتسوقين غالباً أن يعرفوا ما إذا كانت أغراضهم البلاستيكية السوداء مصنوعة من نفايات إلكترونية معاد تدويرها، أو من مواد جديدة تماماً.

الميكروبلاستيك شظايا بلاستيكية متناهية الصغر تكون غالباً غير مرئية للعين المجردة وتنتشر على نطاق واسع في حياتنا العصرية

 

في العام الماضي، حلل بحث نشرته مجلة "كيموسفير"Chemosphere أكثر من 200 منتج بلاستيكي أسود، من أنواع المنتجات التي تتوقع وجودها عادة في أي منزل. في النتيجة، وجد الباحثون أن تلك المواد الكيماوية المثبطة للهب كانت موجودة في 85 في المئة من المنتجات، ومن بين العناصر التي تحوي أعلى مستويات من المواد الكيماوية كانت ملعقة الطهي السوداء البسيطة. تثير هذه الحقيقة قلقاً كبيراً، ذلك أنه في كل مرة تستخدمها لتقليب عجة البيض مثلاً أو لمنع الطعام من الالتصاق في قاع المقلاة، ترتفع درجة حرارة الملعقة. هكذا، تتسبب عملية التسخين هذه في تسرب "مثبطات اللهب المبرومة"، وتنتهي في عشائك. كذلك سبق أن وجدت دراسة أخرى تعود لعام 2018 أن مثبطات اللهب الموجودة في أدوات المطبخ تجد طريقها إلى زيت الطهي الساخن.

ولكن ليس البلاستيك الأسود وحده مصدراً محتملاً للقلق. لوح التقطيع القديم، مثلاً، تتسرب منه إلى طعامنا جزيئات الميكروبلاستيك. كذلك الحال بالنسبة إلى حاوية الطعام البلاستيكية القديمة التي تحفظ فيها وجباتك المحضرة بعناية باستخدام أفضل المكونات. ولمن لا يعرف، الميكروبلاستيك عبارة عن شظايا بلاستيكية متناهية الصغر، تكون عادة غير مرئية للعين المجردة، ولكنها منتشرة في كل مكان تقريباً في حياتنا العصرية. إنها موجودة في الهواء وفي نظامنا الغذائي وفي الماء؛ ولعلك سبق أن سمعت فعلاً عن الضرر الذي تلحقه بمحيطات العالم.

تحدثت في هذا الشأن الدكتورة ريتشل آدامز، الباحثة في مجال الكيمياء الحيوية لأمراض القلب والأوعية الدموية في "جامعة كارديف متروبوليتان"، والمتخصصة في الجسيمات السامة، فقالت إنه "مع مرور الوقت، نلاحظ أن عدد الميكروبلاستيك المنتشر في البيئة ازداد بصورة كبيرة. وتظهر الرسوم البيانية العلاقة بين كمية البلاستيك المنتجة من جهة، والكمية الموجودة في البيئة [زيادة الإنتاج تترافق مع ارتفاع التلوث البلاستيكي في البيئة]. لذا، نعلم أن كميات كبيرة منها تلوث البيئة".

وتضيف آدامز أن البحوث وجدت جسيمات بلاستيكية بالغة الصغر في أنسجة الجسم، وحتى في الدماغ. وتوضح أنه في حال "ابتلاعها مع الطعام"، "يمتصها" الجسم، ويمكنها أن "تعبر غشاء الخلية" وتتراكم هناك، ذلك أن جسمنا "لا يملك آلية معينة للتخلص منها". هكذا، مع مرور الوقت، "نتعرض لها أكثر فأكثر". وفي الواقع، كشفت الدراسة التي ذكرتها سابقاً حول الخرف، عن أن دماغ الإنسان العادي يحوي كمية من الميكروبلاستيك تعادل ملعقة بلاستيكية عادية؛ وكانت مستويات الميكروبلاستيك أعلى بثلاث إلى خمس مرات لدى الأشخاص الذين شخص الأطباء إصابتهم بالخرف. كذلك سلطت دراسات أخرى الضوء على مشكلات صحية محتملة أخرى مثل الالتهابات وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، إضافة إلى التأثيرات السلبية في الصحة الإنجابية عموماً [كتراجع الخصوبة].

ولكن عندما نتجنب الانجراف وراء العناوين الطنانة ونأخذ المعلومات ضمن سياقها الصحيح، نجد أن الصورة أكثر تشعباً. نعم، تقول آدامز، "التعرض للجسيمات البلاستيكية كثيراً ما ارتبط سابقاً بنتائج صحية سيئة". ولكن في الوقت الحالي، لا تتوافر دراسات طويلة الأمد كثيرة تستكشف تأثيرات الميكروبلاستيك (علماً أن الإحصاءات تبدو أحياناً مخيفة). وتشير الباحثة إلى أن "بعض الدراسات الصغيرة تظهر وجود تأثيرات سيئة"، بيد أننا بحاجة إلى النهوض ببحوث أكثر لفهم هذه التأثيرات السلبية بصورة صحيحة.

 

ولكن مع ذلك، تتوافر "أدلة علمية واضحة" على التأثيرات التي تخلفها في صحتنا "المواد الكيماوية الأبدية" [الخطرة التي لا تتحلل طبيعياً] التي تطلقها المقالي غير اللاصقة، كما تقول آدامز. عادة ما تصنع الطلاءات غير اللاصقة من مواد "البيرفلورو ألكيل" و"البوليفلورو ألكيل"، وهي مجموعة من المواد الكيماوية تسمى اختصاراً "بي أف أي أس" (PFAS) [مجموعة من المواد الكيماوية الصناعية التي تحوي روابط بين ذرات الكربون والفلور، وهي من أقوى الروابط الكيماوية المعروفة]. وتملك هذه المواد القدرة على مقاومة الزيوت والشحوم، مما يجعلها مفيدة جداً في أواني الطهي (إنها موجودة أيضاً في بعض المواد المستخدمة في تغليف الطعام، إضافة إلى الملابس والأثاث المقاوم للبقع). ولكن تستغرق هذه المواد الكيماوية آلاف السنين قبل أن تتحلل طبيعياً (ومن هنا جاءت تسميتها "الأبدية"). وتؤثر سلباً كذلك في الصحة الإنجابية وفي النمو، إضافة إلى ارتباطها بالسرطانات والتغيرات في وظائف المناعة"، كما تقول آدامز.

علاوة على ما تقدم، تندرج مواد الـ"بي أف أي أس" والميكروبلاستيك كلاهما ضمن المواد الكارهة للماء (بمعنى أنهما لا تختلطان بالماء أو تذوبان فيه، لذا تتشابكان معاً بصورة طبيعية، مما يعني، وفق كلمات آدامز، "أن الميكروبلاستيك يحمل معه السموم الكارهة للماء، مثل الـ"بي أف أي أس"، إلى الجسم. لذا، فإن التعرض لـ"بي أف أي أس" والميكروبلاستيك يترك تأثيراً تآزرياً مشتركاً، فتعرضنا لهما معاً يكون أكثر ضرراً من التعرض لكل منهما على حدة. إنها حقيقة مثيرة للقلق إلى حد ما".

التعرض لــ"بي أف أي أس" والميكروبلاستيك معاً يترك تأثيراً مشتركاً أكثر ضرراً في الجسم من التعرض لكل منهما بصورة منفصلة

الدكتورة ريتشل آدامز، محاضرة في الكيمياء الحيوية لأمراض القلب والأوعية الدموية

 

لكن من المهم جداً أيضاً وضع هذه الأخطار في سياقها الصحيح. وتشير آدامز إلى أنك "لن تتخلص من تعرضك للميكروبلاستيك بالامتناع عن استخدام أدوات الطهي البلاستيكية. ويقلق الناس في شأن قناني المياه البلاستيكية. فيسأل بعضهم، هل أشرب من قنينة مياه بلاستيكية؟ ربما تعرضك لمزيد من الميكروبلاستيك. ولكن على أي حال، تحوي المياه أصلاً كثيراً من هذه الجسيمات البلاستيكية البالغة الصغر". وتضيف أنه "إذا كان شخص ما مهتماً حقاً في شأن دخول الجسيمات البلاستيك الدقيقة إلى جسمه"، ولكنه مثلاً، يدخن السجائر، "فعليه أن يعطي الأولوية للإقلاع عن التدخين، إذا كان متخوفاً من التعرض للجسيمات".

يبدو أن الحل الأفضل الذي يستحسن اتباعه في الأيام المقبلة أن تحاول تقليل كمية البلاستيك التي تواظب على استعمالها عموماً، ولكن من دون التركيز على المهمة الصعبة المتمثلة في عدم استخدام هذه المادة تماماً. من المهم أيضاً إعطاء الأولوية للتخلص من أدوات المطبخ التي تتعرض للحرارة عادة [من طهو الطعام أو تسخينه]، ذلك أن المواد الكيماوية السامة تتسرب منها إلى الطعام خلال هذا الوقت على الأرجح، لذا يمكنك استبدال أدواتك البلاستيكية بأدوات أخرى مصنوعة من الخشب أو الفولاذ المقاوم للصدأ.

وإذا كنت تستخدم أوعية بلاستيكية لتسخين طعام العشاء في الميكروويف، فخصص بضع ثوانٍ إضافية لتفريغ الطعام في وعاء أو طبق من زجاج، أو يمكنك البحث عن حاوية زجاجية آمنة للاستخدام في الميكروويف (تبدو الأوعية المعدنية أنيقة في ثلاجتك، ولكن لأسباب بديهية وواضحة للجميع [خطر نشوب حريق مثلاً]، يفضل عدم وضعها في الميكروويف). ويشار أيضاً إلى أن حرارة غسالة الأطباق والتلامس المستمر بين البلاستيك والماء الساخن أو أسطوانات الغسالة قد يتسببان في تآكل البلاستيك بمرور الوقت، مما قد يؤدي إلى إطلاق جزيئات البلاستيك البالغة الصغر أيضاً.

عموماً، معظم المقالي الحديثة غير اللاصقة آمنة للطهي عادة، شرط عدم استخدامها في درجات حرارة عالية جداً، والحرص على رميها وابتياع غيرها في حال تعرض الطلاء للخدش لأن الخدش يعرضك للمواد الكيماوية السامة، أو يمكنك البحث عن أوانٍ للطهي خالية من مواد الـ"بي أف أي أس" (عادة ما تكون أكثر كلفة من المقالي العادية). باختصار، أن تحمي نفسك من أضرار المواد الكيماوية السامة والميكروبلاستيك لا يعني بالضرورة قلب طريقة عيشك رأساً على عقب، بل إجراء بعض التغييرات الذكية شيئاً فشيئاً، ومراقبة عمر أدوات الطهو وحفظ الطعام في مطبخك. من جهتي، سأعتذر مسبقاً من ملعقة تقليب الطعام السوداء المهترئة في مطبخي وأقول لها، أنت على وشك الذهاب إلى سلة المهملات.

© The Independent

المزيد من صحة