Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأ النظام الإيراني يشعر باقتراب الخطر الجدي؟

لطالما كانت سياسته في التعامل خلال أزماته مع المجتمع الدولي هي السير على حافة الهاوية

لم تعد منظومة السلطة تعتقد بأن سياسة السير على حافة الهاوية قادرة على منحها هامشاً للمناورة لتجاوز الأزمة أو التصعيد (أ ف ب)

ملخص

جوائز الترضية التي حصل عليها التيار المتشدد والراديكالي سرعان ما فقدت بريقها نتيجة سلسلة من القرارات والمواقف التي تضرب العصب الأيديولوجي الذي تقوم عليه رؤية هذه الجماعات.

طالما كانت سياسة النظام الإيراني في التعامل خلال أزماته مع المجتمع الدولي، بخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية، هي سياسة السير على حافة الهاوية، وهي سياسة استطاع توظيفها في تحسين شروطه التفاوضية مع جميع الأطراف على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال العمل على توسيع أنشطته النووية التي تشكل عقدة الموقف منه نتيجة المخاوف الدولية من عسكرتها وامتلاك سلاح نووي، أو من خلال توسيع مجالات نفوذه في منطقة غرب آسيا عامة والشرق الاوسط بخاصة، عبر تمكين الجماعات الموالية أو المتحالفة معه في الإقليم لتكون اليد التي يضرب أو يهدد الآخرين بها.

وفي موازاة هذه السياسة التي سمحت له بتحقيق كثير من النقاط على حساب دور وموقع قوى إقليمية أخرى، فإن رد الفعل الدولي وإن كان يرتفع في كثير من الأحيان ضد هذا النفوذ والدور والمزعزع، لكنه لم يكن بالحجم أو التأثير في منظومة القوى التي استطاع تركيبها، والتي تنسجم مع مشروعه الإقليمي ونظرية العمق الإستراتيجي الذي يسعى لتكريسه.

حال الثقة بالنفس، باعتبارها تعبيراً مرادفاً لمفهوم الغرور الذي عاشه النظام في إيران، جعلته يهمل العامل الداخلي وما فيه من صراعات وتوجهات وأزمات، فأسقط الداخل من حساباته كأحد مصادر القوة وكواحد من الأسس التي تدعم مفهوم العمق الإستراتيجي، بخاصة أنه لم يستطع تقديم قراءة مقنعة لجميع أطياف هذا الداخل بجدوى وأهمية المشروع الإستراتيجي والنفوذ الذي يعمل على تكريسه في الإقليم، أو أن تتحول هذه التوجهات إلى قوة داعمة للنظام في صراع المصالح مع المجتمع الدولي والعداء مع الولايات المتحدة.

الاكتفاء بجزء من الإيرانيين الذين يمثلون شريحة شعبية ضيقة قد لا تصل إلى نسبة 20 في المئة، وإحلالها مكان الجميع من الإيرانيين المعارضين أو المعترضين على سياسات النظام الداخلية والخارجية، مما ظهر بوضوح في مواقف وكلام المسؤولين الإيرانيين، من المرشد الأعلى للنظام إلى قيادات المؤسسة العسكرية والقوى المحافظة، وتحديداً التيار المتشدد منهم، وهذه الشريحة الأخيرة، وعلى رغم محدودية تمثيلها، لكن خطابها كان شمولياً بحيث لم تكن تأخذ في الاعتبار كل الشرائح الأخرى المعارضة وأسقطتها من حساباتها، واعتبرت نفسها الجهة التي تملك حصرية تمثيل الإيرانيين والعقل الكلي القادر على تحديد المصالح والأخطار.

وعلى رغم النكسات التي لحقت بهذه الجماعات والأفكار والمواقف المتشددة والراديكالية لكنها لم تستسلم أو تعترف بالتحولات والمتغيرات التي تحصل في المحيط الإقليمي والتراجع والخسائر التي أصابت أو لحقت بالمشروع الإقليمي للنظام الذي يسعى إلى أن تكون سياساته متجانسة مع سياساتها وتوجهاتها الداخلية والخارجية، وقد استشعر خلال الأسابيع الأخيرة نوعاً من النشوة عندما نجح في وضع العصي في عجلة حكومة الرئيس مسعود بزشكيان التي رفعت شعار الانفتاح والحوار حتى مع الولايات المتحدة، وعندما استطاعت إبعاد وإقصاء مفاتيح الإدارة الإستراتيجية على المستويين السياسي باستقالة محمد جواد ظريف، والاقتصادي من خلال سحب الثقة البرلمانية عن وزير الاقتصاد عبدالناصر همتي، والمستشار الاقتصادي علي طيب نيا.

وفي مقابل الدعم الذي قدمه المرشد الأعلى لبزشكيان والحماية التي قدمها له مما سهّل وصوله إلى رئاسة الجمهورية، لكنه أمام هذه الوثبة التي قام بها المتشددون في وجه الحكومة لإضعافها فإن مؤشرات أكثر وضوحاً على أن المرشد ومنظومة السلطة معه، قد سمحا بهذه الخسائر من أجل تمرير ما هو أصعب وأخطر مما يشكله من تهديد إستراتيجي ووجودي، أي عملت على إرضاء هذه الجماعات بالفتات في مقابل الحصول على الأهم.

وبوضوح يبدو أن النظام بقيادة المرشد الأعلى، وأمام التحديات والأخطار التي يواجهها على الصعيد الخارجي، وحجم الخسائر التي لحقت به نتيجة التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في لبنان وسوريا والعراق، والحرب الأميركية المفتوحة ضد اليمن باعتبارها ذراعاً ايرانياً مباشراً، إضافة إلى ما يمكن أن تنتجه هذه التحديات من انعكاسات سلبية على الداخل، كان لا بد لهذه المنظومة من أن تلجأ لعدد من الخطوات التي تساعد في تهدئة الداخل وتفكيك بعض مصادر الخطر الاجتماعي، طالما أنها غير قادرة على تفكيك الأخطار الاقتصادية والأزمات المعيشية التي وصلت حد الانفجار.

وانطلاقاً من تزايد الأخطار واقترابها من التحول إلى حقائق، فلم تعد منظومة السلطة تعتقد بأن سياسة السير على حافة الهاوية قادرة على منحها هامشاً للمناورة لتجاوز الأزمة أو التصعيد، لذلك كان لا بد من اللجوء إلى خطوات تخفف من الغليان الداخلي، ومن هنا يمكن فهم التسريب الذي يتحدث عن إمكان أن يتولى محمد جواد ظريف منصب مستشار العلاقات الدولية والسياسية للمرشد الأعلى مكان علي أكبر ولايتي، مما يعني أن ما سمح المرشد بخسارته في الحكومة سيستعيده في دائرته الخاصة، والذي يعني أن قيادة النظام تدرك حساسية المرحلة التي تعيشها إيران وحاجتها إلى دور ظريف خلال المرحلة المقبلة.

جوائز الترضية التي حصل عليها التيار المتشدد والراديكالي، سرعان ما فقدت بريقها نتيجة سلسلة من القرارات والمواقف التي تضرب العصب الأيديولوجي الذي تقوم عليه رؤية هذه الجماعات، فهي لم تستطع تحقيق خرق في موقف الحكومة الرافض تنفيذ قانون الحجاب الذي سبق أن أقرته هذه الجماعات في البرلمان خلال الأشهر الأخيرة، وقد أبدى بزشكيان صلابة مدعومة بموقف واضح من المجلس الأعلى للأمن القومي الذي تحمّل عبء قرار عدم التنفيذ لما يشكل من خطر قد يؤدي إلى انفجار الشارع الإيراني، ونشوب أزمة تعيد الفوضى للشارع وتعمق الانقسام العمودي الذي حصل بين النظام والشعب نتيجة الأحداث التي اندلعت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني عام 2022 على يد "شرطة الأخلاق"، ولعل اللافت في هذا الصراع هو السكوت الواضح للمرشد الأعلى، المعني الأول بهوية النظام الإسلامي، باعتباره "ولي الفقيه" وولي أمر المسلمين.

اقرأ المزيد

محاولات النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي لم تقف عند حدود قانون الحجاب، بل انتقلت إلى مرحلة تفكيك أزمات كانت تصنف بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي وسلامة النظام، وذلك في القرار الذي أصدره رئيس السلطة القضائية محسني إجئي بإنهاء قرار الإقامة الجبرية التي فرضت على أحد أبرز المعارضين مهدي كروبي عام 2009 بعد أزمة الانتخابات الرئاسية التي أعادت محمود أحمدي نجاد الرئاسة مرة ثانية، والذي رفض تنفيذ هذا القرار ما لم يشمل صديقه مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، مما دفع القضاء إلى التأكيد أن إنهاء الإقامة الجبرية عن هذين الزوجين ستحصل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، وهو قرار أو توجه لم يكن ليحصل أو ينفذ ما لم يأخذ القضاء ضوءاً أخضر من المرشد الأعلى ومجلس الأمن القومي المعنيين مباشرة بذلك، على عكس إرادة الجماعات المتشددة الرافضة ذلك باعتبار هؤلاء الأشخاص منحرفين وتجب محاكمتهم إن لم يكن إعدامهم، للأفكار التي يحملونها ضد الإسلام و"ولاية الفقيه" والنظام السلامي".

ولعل المؤشر الأكثر وضوحاً على نية النظام إبعاد خطر التصعيد والانتقال إلى التفاوض الجدي ما يدور من حديث عن إنهاء البحث في قانونية الانضمام إلى معاهدتي "باليرمو" وCFT الخاصة بتبييض الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وبالتالي يكون النظام قد أتم آلية الالتحاق بمعاهدة FATF التي تسمح بتسهيل عمليات التبادل المالي بين إيران والنظام المالي الدولي، باعتبارها شرطاً مسبقاً لأية عملية تجارية قد تحصل في حال جرى الاتفاق على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.

هذه المؤشرات، وإن كانت ذات أبعاد داخلية وخارجية في الوقت نفسه، إلا أنها تصب في محاولة النظام للتعامل مع مصادر الخطر الداخلي وتمهيد الطريق أمام تفكيك التصعيد مع الخارج، وأنه على استعداد للتفاوض والتفاهم بعيداً من التصعيد أو دفع الأمور إلى مواجهة مفتوحة قد تضعه في دائرة الخطر الحقيقي.

المزيد من آراء