Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريا والعراق... جمر تحت الرماد يريد الجاران إخماده

سيعتمد تعزيز العلاقات بينهما على معادلة معقدة من التوازنات الإقليمية والدولية

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مستقبلاً نظيره السوري أسعد الشيباني في بغداد، في 14 مارس الحالي (حساب الشيباني على إكس)

ملخص

بعد هزيمة إيران في لبنان وسوريا، والضربات الجديدة ضد حلفائها الحوثيين، تحاول طهران الإبقاء على نفوذها ببغداد، إلا أن هناك موقفاً دولياً وعربياً يركز على دعم استقرار سوريا من شأنه أن يضغط على العراق لإقامة علاقات استراتيجية مع سوريا، وهناك عوامل متعددة تجبر البلدين على التعاون، من بينها مكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، والتعاون الاقتصادي ثم السياسي.

تعد كل من سوريا والعراق بوابتين عربيتين لقوتين إقليميتين متناقضتين جغرافياً في الأقل، فسوريا بوابة العرب نحو تركيا وأوروبا، والعراق بوابته نحو إيران وبلاد فارس. وكان التدخل الإقليمي والدولي في شؤون الجارين، سوريا والعراق، عاملاً أساسياً عبر التاريخ في تقييم العلاقات بينهما.
رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد كان حليفاً استراتيجياً لإيران، بينما نظيره العراقي صدام حسين كان عدواً لدوداً لطهران، وسال بينهما كثير من الدماء. وبينما يرى كارهو صدام حسين أنه ديكتاتور ومجرم حرب، يراه محبوه أنه كان سداً يحمي العراق من إيران، وعلى رغم أن الولايات المتحدة أسقطت نظام صدام حسين بالقوة العسكرية، إلا أن سقوطه كان مفتاحاً لدخول إيران إلى العراق، وما يزال تأثيرها مستمراً حتى اليوم.

بسبب العلاقات العراقية مع إيران والبعد الطائفي، حافظت بغداد على علاقات متوازنة مع النظام السوري السابق بعد قيام الثورة السورية، واستخدمت إيران الأراضي العراقية لإرسال أسلحة وميليشيات إلى سوريا ولبنان، إلا أن صدمة إسقاط نظام البعث السوري شتت الموقف العراقي، وبدأت بغداد تحلم بالحصول على مزيد من الاستقلالية بعد رؤيتها لإيران وهي تنال الضربات واحدة تلو الأخرى، "حزب الله" أولاً ثم النظام السوري، واليوم يتعرض الحوثيون لضربات غير مسبوقة. وتبقى بغداد تترقب المشهد، إلا أن الأحداث تبدو متسارعة أكثر مما هو متوقع. ووسط انفتاح عربي ودولي على سوريا بحلتها الجديدة، إلا أن العراق لديه حسابات مختلفة من ثلاث جهات، أولها إيران التي ينظر إليها السوريون كعدو، وثانيها الضغوط العربية والدولية التي تريد لسوريا الاستقرار وعلاقات طيبة مع الجوار، والثالثة هي المصالح العراقية الوطنية، فتحاول بغداد اللعب بتوازن، خصوصاً وأن القمة العربية التي ستستضيفها بغداد باتت على بعد أسابيع، ويرغب الزعماء العرب في رؤية الرئيس السوري أحمد الشرع بينهم، وذلك ضمن الجهود العربية لتعافي سوريا، لكن دمشق وبغداد ما زالتا في طور تكوين العلاقات، في ظل مؤثرات إقليمية ودولية عدة، فكيف سيكون مستقبل العلاقات السورية - العراقية؟

الصورة الوردية ما تزال بعيدة

الباحث العراقي حسين الشمري يقول إن "زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لبغداد لا تعني بأن الأجواء وردية وأن الأمور طيبة، بل أعتقد أن الزيارة جاءت نتيجة ضغوط دولية على بغداد، لذلك يمكننا القول إن الجمر ما يزال تحت الرماد، وقد تبقى العلاقات بين البلدين هشة، ولا يمكن في الوقت الحالي بناء علاقات استراتيجية، بمعنى آخر فإن التعاون بين دمشق وبغداد في قضايا مثل مكافحة الإرهاب وغيرها أمر طبيعي ولا يشترط أن يكون فقط بين الحلفاء، ويمكننا أن نلاحظ ذلك من خلال التصريحات الرسمية العراقية المتناقضة قبل زيارة الشيباني وبعدها".

محاولات إيران للاحتفاظ ببغداد

ويرى الشمري أن "إيران ستحاول بصورة أو بأخرى عدم دفع العلاقات العراقية - السورية إلى درجة الصلابة، والسبب الرئيس في ذلك هو أن إيران خسرت دمشق، وقد تخسر صنعاء وبيروت قريباً، لذلك تريد أن تحتفظ ببغداد، وأظن أن طهران ستقاتل إلى أبعد الحدود للحفاظ على تحالفها مع العراق، لكن التوجه الدولي العام مختلف هذه المرة، وربما ستكون هناك ضغوطات دولية على إيران كي لا تكون عائقاً أمام تطوير علاقات العراق مع سوريا".

انقلاب 360 درجة

ويتابع الشمري، "الموقف العراقي تجاه الإدارة السورية الجديدة انقلب 360 درجة، من ضد إلى مع، وهنا قد نجد أن هناك دوراً أميركياً في ذلك، إذ إنه لا شك في أن واشنطن وقوى دولية أخرى ضغطت على العراق للدفع باتجاه تحسين العلاقات مع سوريا، ومن جانب آخر هناك عدد من الملفات الجامعة بين العراق وسوريا، منها مكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، وبالتالي من الحكمة لكلا البلدين أن يعملا على تحسين العلاقات، واستهداف الوصول إلى مرحلة من الاطمئنان ولو كان جزئياً، واليوم بحسب المؤشرات الحالية يوجد في بغداد توجه بهذا الاتجاه، مما قد ينتج منه علاقات إيجابية وناجحة".


مصالح الوكالة والمشاريع العابرة

من جانبه يرى الباحث في مركز حرمون للدراسات الكاتب السوري محمد السكري أن "العلاقات الثنائية بين سوريا وجارتها العراق تعيش منعطفاً كبيراً على المستويين التاريخي والوطني، إذ عاشت الدولتان أزمة علاقات مستمرة منذ تشكيلهما بسبب الاضطرابات السياسية بينهما، سواء على صعيد هوية الدولة القومية أو الصراع الحزبي البعثي - البعثي وصولاً إلى الصراع الإيراني، ثم شكلت لحظة سقوط الأسد مفترق طرق خاصة لشكل تعامل دمشق مع جيرانها، وإعادة رسم السياسات الخارجية بناء على حسن الجوار والمصالح المشتركة التي تنطلق من المصالح الوطنية والإقليم، عوضاً عن مصالح إيران أو دول إقليمية والمشاريع العابرة".

رغبة بغداد في تقويض المشروع الإيراني

ويضيف السكري أن "هذا الدافع لعله كان مشتركاً بين البلدين، سوريا التي خرجت بصورة كاملة للمرة الأولى من أربع عقود من العباءة والهيمنة الإيرانية، والعراق الذي يحاول بجهد حثيث تقويض المشروع الإيراني واستعادة مركزيته السيادية. وبناء على ذلك، تحاول سوريا استغلال الواقع الجديد في المنطقة من خلال إعادة صوغ العلاقات، وأبدت بغداد انفتاحاً جزيئاً على العلاقة مع دمشق، وسط صراعات داخلية عميقة بين المحور المؤيد لإيران والآخر الذي يسعى إلى انتهاج سياسات براغماتية وفق منطق السلطة والمتغيرات الجديدة في البلاد".

الدبلوماسية المترددة

ويوضح الباحث السوري أن ذلك "يدفع العراق إلى استخدام ’الدبلوماسية المترددة‘ في التعامل مع الملف، بينما تسعى سوريا إلى استخدام ثقلها الإقليمي في بناء علاقات جيدة مبنية على المصالح المشتركة مع العراق، لما يحمله ذلك من بعد مهم في التعامل مع الملف الطائفي وتجاوزه. كما أن ملف داعش يأتي على رأس أولويات البلدين وأكد الطرفان خلال زيارة الشيباني بغداد على ضرورة تشكيل لجان مشتركة للتعامل مع التهديدات الإرهابية، مما يجعل ملف داعش مدخلاً أمنياً مهماً لكليهما من أجل بناء الثقة والانتقال من الدبلوماسية المترددة إلى الدبلوماسية المنفعية".
ويؤكد السكري أنه "تأتي على أولية الجانبين ملفات الهوية خصوصاً بما يتعلق بالصراع السني - الشيعي في المنطقة الذي وظفته إيران في جعل البلدين في أزمات جيوثقافية مستمرة، بينما يجعل الملف الأمني، خصوصاً خطر داعش، أمر العلاقات ضروري وحتمي، ففي حال نجاح البلدين في معالجة هذه التحديات سيسهل عليهما المضي قدماً نحو بدء معالجة الواقعين الاقتصادي والتجاري مما يجعلهما في حالة من الاستقرار. كما أن تحسن العلاقات بين سوريا والعراق يعني انعكاسها على لبنان، ويمهد الطريق نحو بناء تحالف ردعي بالحد الأدنى من الناحية السياسية تجاه الاستهداف الإسرائيلي للمنطقة، متجاوزين الصراعات التقليدية الماضية وخصوصاً ثنائية إيران - إسرائيل تجاه مصالحهما الذاتية والسيادية".

اقرأ المزيد

الخريطة الجيوسياسية

من جهتها تقول الباحثة العراقية ماريا خالد، إن "سقوط نظام بشار الأسد وتولي حكومة أحمد الشرع المدعومة عربياً ودولياً الحكم، يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، مما يضع العراق أمام اختبار دبلوماسي معقد، فعلى رغم ارتباط العراق الوثيق بإيران، فإنه يجد نفسه اليوم مضطراً إلى إعادة تقييم سياساته تجاه دمشق الجديدة، خصوصاً أن الهيمنة الإيرانية في سوريا أصبحت من الماضي بعد انتصار الثورة السورية وانكسار نفوذ طهران في لبنان بعد إخفاقات 'حزب الله' ذراعها هناك، وما يتعرض له النفوذ الحوثي في اليمن من صدمات أميركية - بريطانية ثقيلة قد لا يتحملها طويلاً، لكن، وعلى رغم هذه المتغيرات، لا تزال بغداد تسير بحذر شديد في علاقتها مع سوريا الجديدة، فالتأثير الإيراني في الداخل العراقي لم ينحسر بعد، والميليشيات الولائية التي لا تزال نشطة داخل العراق قد تستخدم كأداة ضغط إيرانية ضد أي تقارب بين بغداد ودمشق. في المقابل فإن الالتزامات العراقية تجاه واشنطن والمعاهدات الأمنية المشتركة تجعل من أي تحرك نحو دمشق محكوماً بتوازنات دقيقة، إذ تحاول بغداد تحقيق الحد الأدنى من التواصل من دون استفزاز الأميركيين أو تعريض نفسها لردود فعل إيرانية قاسية".
وتوضح الباحثة العراقية أن هناك عوامل عدة من شأنها أن تؤثر في العلاقات بين دمشق وبغداد، أبرزها "النفوذ الإيراني المتقهقر ومحاولة التعويض عبر العراق، فإيران بعد خسارتها الاستراتيجية في سوريا، باتت ترى في العراق ساحة أخيرة لإعادة ضبط نفوذها الإقليمي، والميليشيات الموالية لها داخل العراق قد تستخدم في عمليات إرباك للوضع الداخلي العراقي كوسيلة ضغط على الحكومة لمنعها من تبني موقف داعم لحكومة دمشق الجديدة، ويأتي هذا في وقت تحاول بغداد، ولو بصورة خجولة، التخلص من الهيمنة الإيرانية وإيجاد مساحة استقلالية أكبر في سياساتها الخارجية، خصوصاً تجاه سوريا باعتبار الحدود المشتركة والأبعاد الجغرافية والديمغرافية والعمق التاريخي والثقافي المشترك بين البلدين، أما العامل الآخر فهو الالتزامات الأمنية والسياسية العراقية تجاه الولايات المتحدة، فالعراق لا يزال تحت قيود الاتفاقات الأمنية الأميركية، وهو ما يعني أن أي تقارب مع حكومة دمشق يجب أن يكون ضمن حسابات دقيقة تأخذ في الاعتبار المصالح الأميركية في المنطقة، وواشنطن وإن كانت لم تتخذ موقفاً مناهضاً لحكومة أحمد الشرع، إلا أنها لن تقبل أن يصبح العراق جسراً غير مضبوط لهذا التقارب، خصوصاً مع استمرار نفوذ الميليشيات العراقية التي تعد جزءاً من مشروع إيران الإقليمي".

التعاون الاقتصادي وأهمية الدور العربي

وتضيف ماريا خالد أن هناك عاملاً ثالثاً يؤثر في العلاقات بين الجارين وهو "الوضع الاقتصادي والتجاري، فالملف الاقتصادي يشكل عنصراً مهماً في حسابات العلاقة بين بغداد ودمشق، والعراق يحتاج إلى منفذ تجاري مستقر مع سوريا، سواء عبر تأمين خطوط نقل البضائع أو عبر مشاريع إعادة الإعمار التي يمكن أن يستفيد منها القطاع الخاص العراقي. ومع ذلك فإن تأرجح الاستقرار السياسي والأمني داخل سوريا، إضافة إلى الضغوط الخارجية، قد يعوق تطور هذا التعاون إلى مستويات استراتيجية متقدمة. ومن جانب آخر هناك تأثير للدعم العربي والخليجي لحكومة دمشق الجديدة، إذ إن الموقف العربي والخليجي يشكل عاملاً حاسماً في توجهات العراق، وبغداد تحاول منذ سنوات تعزيز علاقاتها مع دول الخليج، وبالتالي قد ترى في التقارب مع الحكومة السورية الجديدة وسيلة لتعزيز موقعها عربياً، ومع ذلك، فإنها ستواجه معارضة من التيارات السياسية المرتبطة بإيران في الداخل، التي تعتبر أي انفتاح عراقي على دمشق الجديدة تهديداً مباشراً لنفوذها الإقليمي. أما العامل الأخير الذي يؤثر في العلاقات بين الجارين هو تداعيات الانهيار الإيراني في لبنان واليمن، إذ إن التراجع الإيراني في لبنان، بعد الضربة القوية التي تلقاها 'حزب الله'، وفقدان الحوثيين القدرة على المناورة العسكرية والسياسية في اليمن، يضع إيران في موقف ضعيف استراتيجياً، وهذا قد يمنح العراق فرصة أكبر للتحرك بمرونة نحو دمشق، من دون خوف كبير من رد فعل إيران، التي أصبحت أكثر انشغالاً بحماية ما تبقى لها من نفوذ داخل العراق".

النهج المزدوج

وتشير المتحدثة ذاتها إلى أن "بغداد تتبنى نهجاً مزدوجاً تجاه دمشق، فهي تدرك أن دعم حكومة أحمد الشرع قد يكون مفيداً لها على المدى الطويل، لكنه في الوقت ذاته قد يعرضها لضغوط إيرانية داخلية لا تستطيع تحملها بسهولة، لهذا السبب تسعى بغداد إلى الحفاظ على قنوات تواصل دبلوماسية من دون أن تدخل في تحالف استراتيجي معلن مع دمشق، وزيارة الشيباني إلى العاصمة العراقية قد تكون خطوة استكشافية تهدف إلى تقييم مدى استعداد العراق للتعاون مع سوريا الجديدة. أما بالنسبة إلى العراق، فإن هذه الزيارة قد تمثل فرصة لموازنة الضغوط الدولية والإقليمية، مع إبقاء العلاقات مع سوريا ضمن الحد الأدنى المقبول سياسياً، ويمكن القول إن العلاقات العراقية - السورية في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد لن تكون سهلة أو تلقائية، بل ستعتمد على معادلة معقدة من التوازنات الإقليمية والدولية، فالعراق العالق بين النفوذ الإيراني المتراجع والضغوط الأميركية المستمرة، سيحاول إبقاء علاقاته مع دمشق ضمن نطاق محسوب، مستفيداً من الانفتاح العربي على الحكومة السورية الجديدة، من دون أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع طهران".

وتختم الصحافية العراقية حديثها بالقول إن "المستقبل القريب قد يشهد تطوراً تدريجاً في العلاقات بين بغداد ودمشق، خصوصاً إذا استطاعت الحكومة العراقية التحرر تدريجاً من الهيمنة الإيرانية، لكن هذا يبقى رهناً بالتغيرات الداخلية في العراق ومدى قدرة الحكومة على فرض إرادتها السياسية من دون تدخل خارجي".

في المحصلة، يبدو أن العراق يريد بناء علاقاته مع سوريا بما يلبي مصالحه الوطنية، إلا أن هناك عوامل خارجية تؤثر بالضرورة في الموقف العراقي، وعلى رغم ذلك فإن الهزيمة التاريخية التي ألحقت وما تزال مستمرة بإيران من شأنها أن تمنح بغداد مزيداً من الاستقلالية، ومن جهة أخرى تمارس الدول العربية دوراً محورياً في تحسين العلاقات السورية - العراقية.

المزيد من تقارير