Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

محامو السودان في غبار الحرب يقاتلون على الحقيقة

 يخوضون كفاحاً ضارياً لكشف انتهاكات طرفي القتال وتوثيقها والتصدي لها على رغم الأخطار المهلكة

مع اندلاع الحرب، أدت مجموعات حقوقية دوراً محورياً في توثيق ورصد الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين (أ ف ب)

ملخص

كيف تشكلت هذه المجموعات الحقوقية، وما الجهود التي بذلتها لكشف وتوثيق انتهاكات حرب السودان، وما رؤيتها لمعالجة قضايا العدالة التي تتعلق بهذه الانتهاكات؟

​دفعت الانتهاكات الواسعة والوحشية التي تعرض لها كثير من المدنيين السودانيين بمختلف فئاتهم خلال الحرب التي قاربت عامها الثاني كثيراً من المحامين الذين ينتمون لمجموعات حقوقية طوعية إلى التصدي لها وتتبعها بالرصد والتوثيق والضغط الإعلامي، إلى جانب التواصل مع منظمات حقوق الإنسان في الخارج، مما أسهم في أحيان كثيرة في إطلاق سراح كثير من المعتقلين في سجون طرفي الحرب والمختفين قسراً وغير ذلك من انتهاكات.

فكيف تشكلت هذه المجموعات الحقوقية، وما الجهود التي بذلتها للكشف والتوثيق لانتهاكات حرب السودان، وما رؤيتها لمعالجة قضايا العدالة التي تتعلق بهذه الانتهاكات؟

سند شعبي

يشير رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن إلى أن "الهيئة ظلت ترصد وتوثق الانتهاكات التي تحدث في السودان منذ تأسيسها في 1995، فضلاً عن تقديم العون القانوني للمتأثرين بانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب مباشرة أعمال التحقيقيات وحملات المناصرات، وتعاونت مع كثير من الأجهزة والمؤسسات التي تعمل في مجالات منع الإفلات من العقاب وسيادة القانون على رغم الأخطار من اعتقالات وبطش وغيره، ومن أهم هذه المؤسسات اللجنة الدولية المناط بها التحقيق في جرائم دارفور بواسطة جميع الأطراف وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي عام 1591، التي أُحيلت نتائجها بقرار مجلس الأمن الدولي 1993 الصادر في 2005 إلى محكمة الجنايات الدولية".

وأضاف "كذلك حققت الهيئة في جرائم مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش التي حدثت في يوليو (تموز) 2019، وسلمت نتائج تحقيقاتها للجنة التي شكلها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك برئاسة المحامي نبيل أديب، على رغم مآخذنا عليها، وللأسف سبق أن علمت من الأخير أن هناك ظروفاً تمنع إعلان نتائج تلك التحقيقات، فإعلانها بحسب حديثه يتبعه ثلاثة احتمالات، اشتعال الحرب أو وقوع انقلاب أو ثأر الشارع وإشاعة الفوضى، مما يؤكد أن رئيس هذه اللجنة في الأقل كان يمارس التسويف والمماطلة".

 

واستطرد حسن "لم تتوقف جهود الهيئة بعد انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على شركائه في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إذ تواصلت بعد اندلاع الحرب الدائرة حالياً، لكن المشكلة أن هناك كثيراً من التحديات التي برزت إلى السطح، فالسودان الآن في حال اللادولة، وتعددت فيه مراكز العنف، ومن غير المتوقع أن تقوم مؤسسات عدلية مستقلة بواجبها على أكمل وجه، فالمؤسسات العدلية القائمة أعلنت تبنيها مواقف سياسية بصورة واضحة مما يقدح في أعمالها"، وأردف "في المقابل أكدت تجاربنا من خلال قضية دارفور مع المؤسسات العدلية المنوط بها تحقيق العدالة الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، عجز الأخيرة حتى الآن عن القبض على المطلوبين لديها وهم الرئيس المعزول عمر البشير وعدد من أعوانه، في حين أن الوحيد الذي سلم نفسه إلى هذه المحكمة هو عسكري برتبة مساعد سابقاً يدعى علي كويشب، وقد نفى ما نسب إليه من تهم، وبالنظر إلى الوقائع والجرائم المرتكبة سابقاً وحالياً، وحجم تحقيقات اللجنة الدولية فإن المحكمة الجنائية الدولية من خلال نتائج الأعمال في شأن جرائم دارفور لا تعتبر الآلية المناسبة لتحقيق العدالة، بل قد تكون آلية أقرب إلى العلاقات العامة الدولية وتخدير الشعوب تحت غطاء العدالة الدولية"، وزاد "كما نجد بالنسبة إلى الآليات الأخرى مثل مجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، أن نتائج تحقيقاتها لا تعدو أن تكون مجرد كتابة التقارير، لكن لا تكون القرارات الصادرة عنها ملزمة، لذا فهي مضيعة للوقت والجهد ولا تصلح لمخاطبة الجرائم الجسيمة المرتكبة في حق المدنيين في السودان خلال الحرب الحالية".

وختم رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف القول إن "قضايا السودان والجرائم المرتكبة ضد المواطنين العزل أثناء الحرب أو بسببها عقب وقف الحرب تحتاج إلى سلطة لديها سند شعبي حقيقي تقوم بتأسيس أجهزة عدلية حقيقية لمباشرة التحقيق وملاحقة جميع الأطراف المتورطة في الانتهاكات، وهذه نظرياً يمكن الحديث عنها، لكن عملياً قد تكون هناك صعوبات للوصول إلى التحقيقات الفعلية، وهي من الأزمات التي تضاف إلى أزمات البلاد".

دور محوري

وأوضح عضو المكتب التنفيذي لـ"محامي الطوارئ" مصعب حسن صباحي، بأن "هذه المجموعة الحقوقية المستقلة التي تضم محامين متطوعين نشأت مع انطلاق ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في الـ11 من أبريل (نيسان) 2019، وتعمل على حماية حقوق الإنسان في السودان من خلال نشاطها المكثف في تقديم المساعدة القانونية لضحايا الانتهاكات من الجماعات المؤيدة للديمقراطية من قبل نظام عمر البشير، الذي واجه الحراك الثوري بالعنف المفرط والاعتقالات التعسفية".

وتابع "مع اندلاع الحرب، أدت المجموعة دوراً محورياً في توثيق ورصد الانتهاكات الجسيمة التي طاولت المدنيين وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري والعنف الجنسي والاعتقال التعسفي والانتهاكات ضد الصحافيين والنشطاء والهجمات الجوية والمدفعية العشوائية التي ترتكبها القوات المسلحة وقوات (الدعم السريع) والميليشيات المتحالفة معهما".

 

وواصل صباحي "كذلك يرتكز عملها على مناصرة الضحايا من خلال جمع الشهادات المباشرة ومختلف الأدلة وحفظها وتقديمها للجهات والمؤسسات الحقوقية الدولية والإقليمية المعنية بحال حقوق الإنسان، وهيئات المساءلة وبعثات تقصي الحقائق ولجان التحقيق الدولية، من أجل استخدامها في إجراءات العدالة الانتقالية مستقبلاً".

ولفت إلى أن المجموعة أصدرت منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023 أكثر من 15 تقريراً وعشرات النشرات والبيانات التي تسلط الضوء على أنماط الانتهاكات الذي ظل يرتكبها الطرفان بشكل مستمر، فضلاً عن تصميمها عدداً من الحملات الإعلامية من أجل الضغط على الأطراف المتصارعة، ولفت أنظار العالم إلى معاناة المدنيين وحثهم على ضرورة التحرك من أجل وقف العنف في البلاد، وكان أبرز هذه الحملات المطالبة بتمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق، التي شملت أكثر من 74 كياناً مدنياً يشمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والنسوية والشبابية.

وأشار إلى تمكن المجموعة في أوقات كثيرة من تخفيض وتيرة العنف في بعض مناطق الصراع، والإفراج عن عدد من المعتقلين من قبل الطرفين، فضلاً عن فك الحصار عن بعض المناطق الملتهبة، وفي أحيان أخرى ساعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تنفيذ بعض العمليات.

وأكد عضو المكتب التنفيذي لـ"محامي الطوارئ" بأن جميع وسائل العدالة متاحة ويجب تفعيلها سواء كانت العدالية الجنائية من خلال المحاكم الدولية، أو عمليات العدالة الانتقالية التي تشرف عليها سلطات محايدة ومستقلة عن الأطراف المسؤولة عن تلك الانتهاكات.

فقدان العدالة

من جهتها، قالت الناشطة الحقوقية رحاب مبارك، إن "هناك أعداداً كبيرة من المتطوعين معظمهم من المحامين والعاملين في غرف الطوارئ والأطباء جندوا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان منذ أعوام عدة، بخاصة مع اندلاع ثورة ديسمبر، وتواصلت جهودهم خلال الحرب من خلال رصد وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبها طرفا القتال وتشمل القصف المدفعي والجوي، والاختفاء القسري والاعتقالات غير المشروعة، حين تصدى المحامون في الولايات للبلاغات المفتوحة ضد المدنيين المتهمين بالتعاون مع (الدعم السريع) من طريق الكذب والتغبيش".

وبينت أن "هذه المجموعات لديها مصادر في كل الولايات تزودها بالمعلومات من الميدان مباشرة من طريق أشخاص حدثت لهم انتهاكات أو من غرف الطوارئ أو لجان المقاومة المنتشرة في كل بقاع السودان".

 

وأكدت أن أكبر انتهاكات هذه الحرب وأبشعها وقعت في ولاية الجزيرة، تليها الخرطوم، في وقت تتواصل هذه الانتهاكات في الفاشر وشمال دارفور من قبل الطرفين، إذ يستخدم "الدعم السريع" المدفعية لاستهداف المدنيين، بينما يقوم طيران الجيش بقصف الأحياء السكنية مما يوقع عشرات الضحايا.

وأشارت إلى أن مسؤولية هذه الانتهاكات تقع على عاتق مرتكبيها سواء من جانب "الدعم السريع" أو الجيش، حتى لو حدثت من أفراد ينتمون لأحد طرفي القتال، لأن المسؤولية هنا تضامنية وليست فردية ما دام مرتكب الجريمة يرتدي الزي العسكري.

ومضت الناشطة الحقوقية في القول إن "الوصول إلى العدالة يحتاج إلى عمل مكثف ومتواصل على أرض الواقع محلياً ودولياً، لكن لا بد من إيقاف هذه الحرب حتى تتوقف الانتهاكات، فضلاً عن إصلاح المؤسسة العدلية والقانونية، فالآن لا توجد عدالة، هذا الميزان مفقود تماماً في البلاد".

المزيد من متابعات